خطبة عيد الأضحى 1437
أحمد بن عبدالله الحزيمي
1437/12/08 - 2016/09/09 16:39PM
الركعةُ الأولى: تكبيرةُ الإحرامِ، ثمَّ يستفتحُ، ثمَّ ستُّ تكبيراتٍ.
الركعةُ الثانيةُ: تكبيرةُ الانتقالِ، ثمَّ خمسُ تكبيراتٍ.
خطبةُ عيدِ الأضحى. 10/12/1437هـ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ بَاسِطِ الْخَيْرَاتِ، مُعْظِمِ الْبَرَكَاتِ، مُضَاعِفِ الْحَسَنَاتِ، غَافِرِ السَّيِّئَاتِ، فَارِجِ الْكُرُبَاتِ، مُجْزِلِ الْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ؛ يُطَاعُ فَيُثِيبُ وَيَشْكُرُ، وَيُعْصَى فَيْحَلُمُ وَيَغْفِرُ، دَلَّتْ مَخْلُوقَاتُهُ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَهُ مَعَ خَلْقِهِ أَفْعَالٌ تُوجِبُ عُبُودِيَّتَهُ وَمَحَبَّتَهُ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ أَتَمَّهَا، وَعَافِيَةٍ أَسْبَغَهَا، وَمِحَنٍ رَفَعَهَا، وَبَلَايَا رَدَّهَا، وَكُرُوبٍ كَشَفَهَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا شَرَعَ لَنَا مِنَ المَنَاسِكِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَلَوْلَاهُ لَضَلَلْنَا.
أَمَّا بَعدُ، فَإِنَّ خَيرَ الوَصِيَّةِ لِلمُؤمِنِينَ، مَا أَوصى اللهُ بِهِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ { وَلَقَد وَصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبلِكُم وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ }[النساء:131].
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ.
اللهُ أَكْبَرُ؛ أَهَلَّ الْحُجَّاجُ بِالمَنَاسِكِ، اللهُ أَكْبَرُ؛ مَلَئُوا الْفِجَاجَ وَالمَسَالِكَ، اللهُ أَكْبَرُ؛ وَفَدُوا مِنَ الْأَصْقَاعِ وَالمَمَالِكِ. اللهُ أَكْبَرُ؛ انْتَشَرُوا فِي الْحَرَمِ وَالمَشَاعِرِ، اللهُ أَكْبَرُ عَظَّمُوا الْحُرُمَاتِ وَالشَّعَائِرَ، فَاللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجَّهُمْ مَبْرُورًا، وَسَعْيَهُمْ مَشْكُورًا، وَذَنْبَهُمْ مَغْفُورًا واحفظهم بحفظك ورعيتك.
عبادَ اللهِ : وَقَفَ الْحُجَّاجُ لَهُ بِالْأَمْسِ يَذْكُرُونَهُ وَيَدْعُونَهُ، وَصَامَ مَلَايِينُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا يَلْتَمِسُونَ ثَوَابَهُ، وَفِي عَشِيَّةِ الْأَمْسِ رُفِعَتْ أَكُفُّ الْمَلَايِينِ مِنَ الدَّاعِينَ يَتَحَرَّوْنَ سَاعَةَ الإجابةِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَهُمْ بَيْنَ صَائِمٍ وَوَاقِفٍ بِعَرَفَةَ، فَيَا لَلَّـهِ الْعَظِيمِ مَا أَعْظَمَ عُبُودِيَّةَ الدُّعَاءِ! وَمَا أَجْمَلَ الرَّجَاءَ! وَلَيْسُوا يَدْعُونَ وَلَا يَرْجُونَ إِلَّا رَبًّا كَرِيمًا، جَوَّادًا عَظِيمًا، عَفُوًّا حَلِيمًا، غَفُورًا رَحِيمًا، عَلِيمًا حَكِيمًا.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، الله أكبر كبيرا.
اليومُ- أيُّها المسلمونَ- يومُ فرحٍ وسعادةٍ, يومُ أنسٍ وبهجةٍ، فافرحُوا واسعدُوا بيومِكم, فإنَّ فرحَكمْ بهذا اليومِ عبادةٌ تؤجرونَ عليها.
لا يشغلكم الذبح وتقطيع اللحم في هذه الأيام عن الشعور بسعادة هذا اليوم فأنتم في عيد سعيد بإذن الله, أسعدُوا أطفالَكمْ ونساءَكمْ, وافطنُوا لكبارِ السنِّ لديكمْ؛ فإنَّهمْ لا يريدونَ في هذا اليومِ الهدايا والنقودَ فقطْ, همْ يريدونَ أنْ تبقَوا بجوارِهمْ تحتفلونَ معهمْ, وتستقبلونَ زوارَهمْ الذينَ جاءُوا لمعايدتِهمْ، بهذا تكتملُ فرحتَهمْ بهذا اليومِ السعيدِ.
ولا تنسَوا كذلكَ منْ تحتَ أيديكمْ منَ الخدمِ والسائقينَ وغيرِهمْ، أدخلوا عليهمُ الفرحَ والبهجةَ بهذا العيدِ وأسعدُوهمْ بالهدايا المناسبةِ.
ومنْ حقِّ أهلِ الإسلامِ في يومِ بهجتِهمْ أنْ يسمعُوا كلامًا جميلًا، وحديثًا مُبهِجًا، وأنْ يرقُبوا آمالًا عِراضًا ومُستقبلًا زاهرًا لهمْ ولدينِهمْ ولأمتِهمْ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
يا أمةَ محمدٍ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- .. هَا هوَ إبراهيم- عليهِ السلامُ- بعدَ أنْ طالَ عليهِ الزمانُ ولمْ يرزقْ بولدٍ, يبشرُ بمولودٍ جديدٍ, مولودٍ جاءَ بعدَ انقطاعٍ, وصغيرٍ ولدَ بعدَ أمدٍ, وها هوَ إبراهيمُ- عليهِ السلامُ- يتركُ إسماعيلَ وأمَّهُ في أرضٍ قفرٍ, في وادٍ غيرَ ذي زرعٍ, ثمَّ يرجعُ إليهمْ بعدَ زمنٍ، بعدَ أنْ كبرَ الطفلُ وشبَّ قليلًا, أصبحَ الولدُ إسماعيلُ مقربًا منْ والدِهِ أكثرَ, وأصبحَ يذهبُ ويجيءُ معَ والدِهِ, وفي مساءِ إحدى الليالي يرى إبراهيمُ في المنامِ رؤيًا كأنَّهُ يؤمرُ بذبحِ حبةِ فؤادِهِ- ابنِهِ إسماعيلَ- أقلقتْهُ هذهِ الرؤيا, وفي الليلةِ الثانيةِ تكررَ عليهِ في المنامِ الأمرُ بذبحِ ابنِهِ الحبيبِ, وكذلكَ في الليلةِ الثالثةِ, لمْ يكنْ أمامَ إبراهيمَ وهوَ النبيُّ الصالحُ المؤيدُ منْ ربِّهِ والذي يعلمُ أنَّ رؤيَا الأنبياءِ وحيٌ إلا أنْ يستسلمَ لأمرِ اللهِ, فاللهُ هوَ الذي وهبَهُ هذا الولدَ هوَ الذي أمرَهُ بذبحِهِ, ويظهرُ أمامَ إبراهيمَ تحدٍّ وهوَ كيفَ يبلغُ الخبرَ إلى ذلكَ الابنِ الصالحِ الذي تمكنَ حبُّهُ في قلبِهِ, يذهبُ إلى ابنِهِ إسماعيلَ, ويبلغُهُ الأمرَ الصاعقَ بأسلوبٍ لطيفٍ: { قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى } [الصافات: 102] لكنَّ إسماعيلَ الذي رُبَّيَ على التوحيدِ وعلى الاستسلامِ لأمرِ اللهِ ينزلُ عليهِ الخبرُ بردًا وسلامًا, فلمْ يجزعْ ولمْ يبكِ, وإنَّما جاءَ الردُّ المباشرُ بلا ترددٍ: قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] ثمَّ يخشى أنْ يظنَّ أباهُ أنَّهُ خائفٌ فيستدركُ قائلًا: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }[الصافات:102].
اللهُ أكبرُ على مثلِ هذا التوحيدِ, اللهُ أكبرُ على مثلِ هذا الانقيادِ لأمرِ ربِّ العبيدِ.
لما استسلمَ إبراهيمُ وإسماعيلُ لأمرِ اللهِ تعالى.. ذهبَ إبراهيمُ وابنُهُ إلى منًى، وقيلَ إلى موضعِ المقامِ, تلَّ إبراهيمُ ابنَهُ للجبينِ..وأضجعَهُ الأرضَ كما يضجعُ أحدُنَا ذبيحتَهُ فألقى وجهَهُ على الأرضِ وأرادَ أنْ يذبحَهُ منْ قفاهُ لكيْ لا يراهُ أثناءَ الذبحِ فتدركُهُ رحمةُ الولدِ, فكيفَ بأبٍ يشاهدُ ولدَهُ الوحيدَ يموتُ أمامَ عينيْهِ, فما بالكَ إذا كانَ هوَ منْ يقومُ بإمرارِ السكينِ على رقبتِهِ فيشاهدُ موتَهُ لحظةً بلحظةٍ ؟!
يمسكُ إبراهيمُ السكينَ, وينظرُ إلى ابنِهِ ملقًى على الأرضِ, وليسَ بينَهُ وبينَ الموتِ إلا أنْ تمرَّ السكينَ على حلقِهِ, يسمي إبراهيمُ ويكبرُ ثمَّ يهوي بالسكينِ على حلقِ ابنِهِ, يمررُهَا بسرعةٍ.. لكنْ حصلتِ المفاجأةُ الكبرى! فالسكينُ التي منْ طبعِهَا القطعُ تسلبُ منها هذهِ الخاصيةُ! يمررُ إبراهيمُ السكينَ مرةً وثانيةً وثالثةً على حلقِ ابنِهِ لكنَّ السكينَ لا تقطعُ شيئًا, وبينما هوَ على هذهِ الحالِ إذًا يسمعُ مناديًا في السماءِ: { يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }[الصافات:104-105] فيلتفتُ فإذا بكبشٍ أبيضٍ أعينٍ له قرنانِ, وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَبْشٌ قَدْ رَعَى فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» فذبحَهُ عليهِ السلامُ.
نعمْ .. هذا إبراهيمُ- عليهِ السلامُ- أمرَ بذبحِ ابنِهِ فأجابَ .. ونحنُ اليومَ نذبحُ الأضاحيَ تأسيًا بسنةِ أبينا إبراهيمَ عليهِ السلامُ.
نفعني اللهُ وإياكمْ بالقرآنِ العظيمِ وبهديِ سيدِ المرسلينَ وأقولُ قولي هَذا، وأَستغفِرُ اللهَ لي ولكمْ ولسائرِ المسلمينَ منْ كلِّ ذَنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروهُ إنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للَّـهِ خَالِقِ الْخَلْقِ، مَالِكِ الْمُلْكِ، مُدَبِّرِ الْأَمْرِ؛ امْتَلَأَتْ بِحُبِّهِ وَتَعْظِيمِهِ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَانْصَرَفَتْ عَنْهُ قُلُوبُ الْمَفْتُونِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَاهُ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَاهُ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا سَخَّرَ لَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَمَا شَرَعَ لَنَا مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالْأَنْسَاكِ { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }[الكوثر:2].
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ عَلَى وَجْهِ التَّعَبُّدِ إِلَّا لَهُ، وَلَا يُذْكَرُ عَلَى الذَّبِيحَةِ إِلَّا اسْمُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ««ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» متفق عليه صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللَّـهِ الْحَمْدُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّـهِ تَعَالَى.
أمّةَ الإسلامِ، تفكَّرُوا في نِعَمِ اللهِ عليكمْ، الظاهرةِ والباطنةِ، فكلَّما تذكَّرَ العبادُ نعَمَ اللهِ ازدادُوا شكرًا للهِ. تذكَّروا نعمةَ الإسلامِ أعظمَ النعَمِ، وتحكيمَ الشريعةِ وتطبيقَها. تذكَّرُوا أمنَكمْ واستقرارَكم. تذكَّرُوا ارتباطَ قيادتِكم معَ مواطنِيها. تذكَّروا هذهِ النعمَ، وتفكَّروا في حالِ أقوامٍ سُلِبوا هذهِ النعمَ. ادعوا ربكم أن يديم أمنكم واستقراركم واشكروا نعمه يزدكم .
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
عبادَ اللهِ : منْ جُمَلةِ وصاياهُ العظيمةِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- أنْ قالَ: "اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا.
إنَّه الإسلامُ- يا مؤمنونَ- الذي أعلى شأنَ المَرأَةِ وَرَفَعَ قَدْرَها! فَعلامَ نَسمَعُ عَجَبًا منْ أَنوَاعِ الظُّلمِ والتَّعدِّي على الزوجاتِ, كلامٌ بَذِيءٌ وسبٌّ مَشِينٌ؟! وضَرْبٌ واعتِدَاءٌ؟! فَتَبًّا لِهؤُلاءِ الظَّلمةِ والقُسَاةِ, أينَ همْ منْ قولِ اللهِ تعالى: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} أين هذا وأمثاله من قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ» أخرجه أحمد وصححه الألباني
وأنتِ أيَّتُها الكريمةُ:كُوني رَحمةً على زوجِكِ وسَكَنًا لهُ! لا تُؤذِيهِ بِكثرَةِ الطَّلباتِ, ولا تُعَيِّرِيهِ بالمُقارَنَاتِ, فاللهُ تَعالَى فَضَّلَ بَعْضَنَا على بَعضٍ في الرِّزقِ! فَكُونِي خَيرَ امرأةٍ لَهُ, إنْ نَظَرَ إليهَا سَرَّتُهُ وإنْ أمرَهَا أطاعتْهُ,واعلمِي أنَّما هوَ جنَّتُكِ ونارُكِ فانظري مَكَانَكِ منهُ.
اللهُ أكبرُ، الله أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ, واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، ولله الحمدُ.
تقَرَّبُوا- يا عبادَ اللهِ- إِلَى ربِّكمْ في هذا اليومِ بِالأضَّاحِي، وَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا، وَأَخْلِصُوا للَّـهِ تَعَالَى فِيهَا؛ وإياكمْ والمفاخرةَ بكثرتِها أوْ علُّوا أسعارَها فَإِنَّهَا مِنْ أَجَلِّ الشَّعَائِرِ: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163].
عبادَ اللهِ: ضَحُّوا تقبلَ اللهُ ضحاياكُم، سَمُّوا اللهَ عندَ الذَّبحِ. وتَصَدَّقُوا وأهدُوا ولا تُعطُوا الجزَّارَ أجرَتَه منها، وأريحوا الذَّبِيحَةَ عندَ اقتيادِها ولا تؤذُوها بِحَدِّ السِّكينِ أمامَها, كما قال النبي : « إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ » رواه مسلم
ومنَ السنَّةِ كذلكَ ألاَّ تأكُلَ شيئًا قبلَ الصلاةِ إلا منْ أضحيتِكَ.
وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذَّبْحِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَمَنْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَةُ الْيَوْمَ أَوْ خِلَالَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الْقَادِمَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ خِلَالَ الْعَشْرِ.
عبادَ اللهِ، إنْ كانَ لعشرِ ذي الحجةِ منَ الفضلِ ما قدْ علمتُمْ، فإنَّ لأيامِ التشريقِ فضلُها ومكانتُها فهيَ الأيامُ المعلوماتُ التي أُمرْنَا بذكرِ اللهِ فيها كما قالَ سبحانَهُ: (واذكروا اللهَ في أيامٍ معلوماتٍ). كما قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ( أيامُ التشريقِ أيامَ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ للهِ ) رواهُ مسلمٌ.
وأيامُ التشريقِ ثلاثةُ أيامٍ بعدَ يومِ العيدِ. وقدْ وردَ النهيُ عنْ صيامِهَا فينبغي لنَا اغتنامُهَا بالذكرِ والتكبيرِ وألا نقتصرُ على الأكلِ والشربِ فحسبْ, وأنَّهُ يشرعُ في هذهِ الأيامِ التكبيرُ المقيدُ بأدبارِ الصلواتِ المكتوبةِ, فكبرُوا وارفعُوا بها أصواتِكم وأحيوا سنةَ نبيِّكمْ.
عبادَ اللهِ، منْ أحسنَ منكمْ في الأيامِ الفاضلةِ الماضيةِ فليستمرّ في إحسانِهِ فإنَّ هذهِ علامةٌ أكيدةٌ على توفيقِ اللهِ للعبدِ، فإنَّ اللهَ يوزعُ الأرزاقَ بينَ خلقِهِ وإنَّ منْ رزقَ لذةَ الطاعةِ والمداومةَ عليها فقدْ أوتيَ خيرًا كثيرًا.
أيُّها المسلمونَ، تقبَّلَ اللهُ طاعاتِكم وصالحَ أعمالِكمْ، وقبِلَ صيامَكم وصدقاتِكمْ ودعاءَكمْ، وضحاياكُم وضاعفَ حسناتِكمْ، وجعلَ عيدَكم مباركًا وأيَّامَكمْ أيامَ سعادةٍ وهناءٍ وفضلٍ وإحسانٍ وأعادَ اللهُ علينا وعلى المسلمينَ منْ بركاتِ هذا العيدِ، وجعلنَا في القيامةِ منَ الآمنينَ، وحشرَنَا تحتَ لواءِ سيدِ المرسلينَ.
اللَّهُمَّ احْفّظْ حُجَّاجَ بَيتِكَ الْـحَرَامِ، مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَسُوءٍ، اللَّهُمَّ أَعِدْهِمْ إِلَى دِيَارِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ؛ سَالِمِينَ غَانِـمِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَجَّهُمْ، وَاِغْفِرُ ذُنُوبَهُمْ، وَاِجْعَلْ الْجَنَّةَ جَزَاءَهُمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَحُجَّاجَ بَيْتِكَ الْحَرَامِ لِـمَا تُـحِبُّ وَتَرْضَى. الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأوْلِيَائِكَ، حَرْبًا عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُمَّ ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْـمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللَّهُمَّ اخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ خَيْـرًا، وَاِحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ، اللَّهُمَّ صَوِّبْ رَمْيَهُمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَاُنْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ عَدُوِّهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدِوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِالْحُوثِيِّينَ الظَّلَمَةِ، وَبِـمَنْ أَعَانَـهُمْ، اللَّهُمَّ شَتِّتْ جَمْعَهُمْ، وَفَرِّقْ شَمْلَهُمْ، وَاِجْعَلِ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِمْ، اللَّهُمَّ انْصُرْ مَنْ نَصَرَ الدِّينَ، وَاُخْذُلُ مَنَ خَذَلَ الدِّينَ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
الركعةُ الثانيةُ: تكبيرةُ الانتقالِ، ثمَّ خمسُ تكبيراتٍ.
خطبةُ عيدِ الأضحى. 10/12/1437هـ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ بَاسِطِ الْخَيْرَاتِ، مُعْظِمِ الْبَرَكَاتِ، مُضَاعِفِ الْحَسَنَاتِ، غَافِرِ السَّيِّئَاتِ، فَارِجِ الْكُرُبَاتِ، مُجْزِلِ الْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ؛ يُطَاعُ فَيُثِيبُ وَيَشْكُرُ، وَيُعْصَى فَيْحَلُمُ وَيَغْفِرُ، دَلَّتْ مَخْلُوقَاتُهُ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَهُ مَعَ خَلْقِهِ أَفْعَالٌ تُوجِبُ عُبُودِيَّتَهُ وَمَحَبَّتَهُ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ أَتَمَّهَا، وَعَافِيَةٍ أَسْبَغَهَا، وَمِحَنٍ رَفَعَهَا، وَبَلَايَا رَدَّهَا، وَكُرُوبٍ كَشَفَهَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا شَرَعَ لَنَا مِنَ المَنَاسِكِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَلَوْلَاهُ لَضَلَلْنَا.
أَمَّا بَعدُ، فَإِنَّ خَيرَ الوَصِيَّةِ لِلمُؤمِنِينَ، مَا أَوصى اللهُ بِهِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ { وَلَقَد وَصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبلِكُم وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ }[النساء:131].
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ.
اللهُ أَكْبَرُ؛ أَهَلَّ الْحُجَّاجُ بِالمَنَاسِكِ، اللهُ أَكْبَرُ؛ مَلَئُوا الْفِجَاجَ وَالمَسَالِكَ، اللهُ أَكْبَرُ؛ وَفَدُوا مِنَ الْأَصْقَاعِ وَالمَمَالِكِ. اللهُ أَكْبَرُ؛ انْتَشَرُوا فِي الْحَرَمِ وَالمَشَاعِرِ، اللهُ أَكْبَرُ عَظَّمُوا الْحُرُمَاتِ وَالشَّعَائِرَ، فَاللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجَّهُمْ مَبْرُورًا، وَسَعْيَهُمْ مَشْكُورًا، وَذَنْبَهُمْ مَغْفُورًا واحفظهم بحفظك ورعيتك.
عبادَ اللهِ : وَقَفَ الْحُجَّاجُ لَهُ بِالْأَمْسِ يَذْكُرُونَهُ وَيَدْعُونَهُ، وَصَامَ مَلَايِينُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا يَلْتَمِسُونَ ثَوَابَهُ، وَفِي عَشِيَّةِ الْأَمْسِ رُفِعَتْ أَكُفُّ الْمَلَايِينِ مِنَ الدَّاعِينَ يَتَحَرَّوْنَ سَاعَةَ الإجابةِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَهُمْ بَيْنَ صَائِمٍ وَوَاقِفٍ بِعَرَفَةَ، فَيَا لَلَّـهِ الْعَظِيمِ مَا أَعْظَمَ عُبُودِيَّةَ الدُّعَاءِ! وَمَا أَجْمَلَ الرَّجَاءَ! وَلَيْسُوا يَدْعُونَ وَلَا يَرْجُونَ إِلَّا رَبًّا كَرِيمًا، جَوَّادًا عَظِيمًا، عَفُوًّا حَلِيمًا، غَفُورًا رَحِيمًا، عَلِيمًا حَكِيمًا.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، الله أكبر كبيرا.
اليومُ- أيُّها المسلمونَ- يومُ فرحٍ وسعادةٍ, يومُ أنسٍ وبهجةٍ، فافرحُوا واسعدُوا بيومِكم, فإنَّ فرحَكمْ بهذا اليومِ عبادةٌ تؤجرونَ عليها.
لا يشغلكم الذبح وتقطيع اللحم في هذه الأيام عن الشعور بسعادة هذا اليوم فأنتم في عيد سعيد بإذن الله, أسعدُوا أطفالَكمْ ونساءَكمْ, وافطنُوا لكبارِ السنِّ لديكمْ؛ فإنَّهمْ لا يريدونَ في هذا اليومِ الهدايا والنقودَ فقطْ, همْ يريدونَ أنْ تبقَوا بجوارِهمْ تحتفلونَ معهمْ, وتستقبلونَ زوارَهمْ الذينَ جاءُوا لمعايدتِهمْ، بهذا تكتملُ فرحتَهمْ بهذا اليومِ السعيدِ.
ولا تنسَوا كذلكَ منْ تحتَ أيديكمْ منَ الخدمِ والسائقينَ وغيرِهمْ، أدخلوا عليهمُ الفرحَ والبهجةَ بهذا العيدِ وأسعدُوهمْ بالهدايا المناسبةِ.
ومنْ حقِّ أهلِ الإسلامِ في يومِ بهجتِهمْ أنْ يسمعُوا كلامًا جميلًا، وحديثًا مُبهِجًا، وأنْ يرقُبوا آمالًا عِراضًا ومُستقبلًا زاهرًا لهمْ ولدينِهمْ ولأمتِهمْ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
يا أمةَ محمدٍ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- .. هَا هوَ إبراهيم- عليهِ السلامُ- بعدَ أنْ طالَ عليهِ الزمانُ ولمْ يرزقْ بولدٍ, يبشرُ بمولودٍ جديدٍ, مولودٍ جاءَ بعدَ انقطاعٍ, وصغيرٍ ولدَ بعدَ أمدٍ, وها هوَ إبراهيمُ- عليهِ السلامُ- يتركُ إسماعيلَ وأمَّهُ في أرضٍ قفرٍ, في وادٍ غيرَ ذي زرعٍ, ثمَّ يرجعُ إليهمْ بعدَ زمنٍ، بعدَ أنْ كبرَ الطفلُ وشبَّ قليلًا, أصبحَ الولدُ إسماعيلُ مقربًا منْ والدِهِ أكثرَ, وأصبحَ يذهبُ ويجيءُ معَ والدِهِ, وفي مساءِ إحدى الليالي يرى إبراهيمُ في المنامِ رؤيًا كأنَّهُ يؤمرُ بذبحِ حبةِ فؤادِهِ- ابنِهِ إسماعيلَ- أقلقتْهُ هذهِ الرؤيا, وفي الليلةِ الثانيةِ تكررَ عليهِ في المنامِ الأمرُ بذبحِ ابنِهِ الحبيبِ, وكذلكَ في الليلةِ الثالثةِ, لمْ يكنْ أمامَ إبراهيمَ وهوَ النبيُّ الصالحُ المؤيدُ منْ ربِّهِ والذي يعلمُ أنَّ رؤيَا الأنبياءِ وحيٌ إلا أنْ يستسلمَ لأمرِ اللهِ, فاللهُ هوَ الذي وهبَهُ هذا الولدَ هوَ الذي أمرَهُ بذبحِهِ, ويظهرُ أمامَ إبراهيمَ تحدٍّ وهوَ كيفَ يبلغُ الخبرَ إلى ذلكَ الابنِ الصالحِ الذي تمكنَ حبُّهُ في قلبِهِ, يذهبُ إلى ابنِهِ إسماعيلَ, ويبلغُهُ الأمرَ الصاعقَ بأسلوبٍ لطيفٍ: { قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى } [الصافات: 102] لكنَّ إسماعيلَ الذي رُبَّيَ على التوحيدِ وعلى الاستسلامِ لأمرِ اللهِ ينزلُ عليهِ الخبرُ بردًا وسلامًا, فلمْ يجزعْ ولمْ يبكِ, وإنَّما جاءَ الردُّ المباشرُ بلا ترددٍ: قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] ثمَّ يخشى أنْ يظنَّ أباهُ أنَّهُ خائفٌ فيستدركُ قائلًا: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }[الصافات:102].
اللهُ أكبرُ على مثلِ هذا التوحيدِ, اللهُ أكبرُ على مثلِ هذا الانقيادِ لأمرِ ربِّ العبيدِ.
لما استسلمَ إبراهيمُ وإسماعيلُ لأمرِ اللهِ تعالى.. ذهبَ إبراهيمُ وابنُهُ إلى منًى، وقيلَ إلى موضعِ المقامِ, تلَّ إبراهيمُ ابنَهُ للجبينِ..وأضجعَهُ الأرضَ كما يضجعُ أحدُنَا ذبيحتَهُ فألقى وجهَهُ على الأرضِ وأرادَ أنْ يذبحَهُ منْ قفاهُ لكيْ لا يراهُ أثناءَ الذبحِ فتدركُهُ رحمةُ الولدِ, فكيفَ بأبٍ يشاهدُ ولدَهُ الوحيدَ يموتُ أمامَ عينيْهِ, فما بالكَ إذا كانَ هوَ منْ يقومُ بإمرارِ السكينِ على رقبتِهِ فيشاهدُ موتَهُ لحظةً بلحظةٍ ؟!
يمسكُ إبراهيمُ السكينَ, وينظرُ إلى ابنِهِ ملقًى على الأرضِ, وليسَ بينَهُ وبينَ الموتِ إلا أنْ تمرَّ السكينَ على حلقِهِ, يسمي إبراهيمُ ويكبرُ ثمَّ يهوي بالسكينِ على حلقِ ابنِهِ, يمررُهَا بسرعةٍ.. لكنْ حصلتِ المفاجأةُ الكبرى! فالسكينُ التي منْ طبعِهَا القطعُ تسلبُ منها هذهِ الخاصيةُ! يمررُ إبراهيمُ السكينَ مرةً وثانيةً وثالثةً على حلقِ ابنِهِ لكنَّ السكينَ لا تقطعُ شيئًا, وبينما هوَ على هذهِ الحالِ إذًا يسمعُ مناديًا في السماءِ: { يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }[الصافات:104-105] فيلتفتُ فإذا بكبشٍ أبيضٍ أعينٍ له قرنانِ, وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَبْشٌ قَدْ رَعَى فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» فذبحَهُ عليهِ السلامُ.
نعمْ .. هذا إبراهيمُ- عليهِ السلامُ- أمرَ بذبحِ ابنِهِ فأجابَ .. ونحنُ اليومَ نذبحُ الأضاحيَ تأسيًا بسنةِ أبينا إبراهيمَ عليهِ السلامُ.
نفعني اللهُ وإياكمْ بالقرآنِ العظيمِ وبهديِ سيدِ المرسلينَ وأقولُ قولي هَذا، وأَستغفِرُ اللهَ لي ولكمْ ولسائرِ المسلمينَ منْ كلِّ ذَنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروهُ إنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للَّـهِ خَالِقِ الْخَلْقِ، مَالِكِ الْمُلْكِ، مُدَبِّرِ الْأَمْرِ؛ امْتَلَأَتْ بِحُبِّهِ وَتَعْظِيمِهِ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَانْصَرَفَتْ عَنْهُ قُلُوبُ الْمَفْتُونِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَاهُ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَاهُ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا سَخَّرَ لَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَمَا شَرَعَ لَنَا مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالْأَنْسَاكِ { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }[الكوثر:2].
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ عَلَى وَجْهِ التَّعَبُّدِ إِلَّا لَهُ، وَلَا يُذْكَرُ عَلَى الذَّبِيحَةِ إِلَّا اسْمُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ««ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» متفق عليه صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللَّـهِ الْحَمْدُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّـهِ تَعَالَى.
أمّةَ الإسلامِ، تفكَّرُوا في نِعَمِ اللهِ عليكمْ، الظاهرةِ والباطنةِ، فكلَّما تذكَّرَ العبادُ نعَمَ اللهِ ازدادُوا شكرًا للهِ. تذكَّروا نعمةَ الإسلامِ أعظمَ النعَمِ، وتحكيمَ الشريعةِ وتطبيقَها. تذكَّرُوا أمنَكمْ واستقرارَكم. تذكَّرُوا ارتباطَ قيادتِكم معَ مواطنِيها. تذكَّروا هذهِ النعمَ، وتفكَّروا في حالِ أقوامٍ سُلِبوا هذهِ النعمَ. ادعوا ربكم أن يديم أمنكم واستقراركم واشكروا نعمه يزدكم .
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
عبادَ اللهِ : منْ جُمَلةِ وصاياهُ العظيمةِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- أنْ قالَ: "اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا.
إنَّه الإسلامُ- يا مؤمنونَ- الذي أعلى شأنَ المَرأَةِ وَرَفَعَ قَدْرَها! فَعلامَ نَسمَعُ عَجَبًا منْ أَنوَاعِ الظُّلمِ والتَّعدِّي على الزوجاتِ, كلامٌ بَذِيءٌ وسبٌّ مَشِينٌ؟! وضَرْبٌ واعتِدَاءٌ؟! فَتَبًّا لِهؤُلاءِ الظَّلمةِ والقُسَاةِ, أينَ همْ منْ قولِ اللهِ تعالى: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} أين هذا وأمثاله من قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ» أخرجه أحمد وصححه الألباني
وأنتِ أيَّتُها الكريمةُ:كُوني رَحمةً على زوجِكِ وسَكَنًا لهُ! لا تُؤذِيهِ بِكثرَةِ الطَّلباتِ, ولا تُعَيِّرِيهِ بالمُقارَنَاتِ, فاللهُ تَعالَى فَضَّلَ بَعْضَنَا على بَعضٍ في الرِّزقِ! فَكُونِي خَيرَ امرأةٍ لَهُ, إنْ نَظَرَ إليهَا سَرَّتُهُ وإنْ أمرَهَا أطاعتْهُ,واعلمِي أنَّما هوَ جنَّتُكِ ونارُكِ فانظري مَكَانَكِ منهُ.
اللهُ أكبرُ، الله أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ, واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، ولله الحمدُ.
تقَرَّبُوا- يا عبادَ اللهِ- إِلَى ربِّكمْ في هذا اليومِ بِالأضَّاحِي، وَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا، وَأَخْلِصُوا للَّـهِ تَعَالَى فِيهَا؛ وإياكمْ والمفاخرةَ بكثرتِها أوْ علُّوا أسعارَها فَإِنَّهَا مِنْ أَجَلِّ الشَّعَائِرِ: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163].
عبادَ اللهِ: ضَحُّوا تقبلَ اللهُ ضحاياكُم، سَمُّوا اللهَ عندَ الذَّبحِ. وتَصَدَّقُوا وأهدُوا ولا تُعطُوا الجزَّارَ أجرَتَه منها، وأريحوا الذَّبِيحَةَ عندَ اقتيادِها ولا تؤذُوها بِحَدِّ السِّكينِ أمامَها, كما قال النبي : « إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ » رواه مسلم
ومنَ السنَّةِ كذلكَ ألاَّ تأكُلَ شيئًا قبلَ الصلاةِ إلا منْ أضحيتِكَ.
وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذَّبْحِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَمَنْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَةُ الْيَوْمَ أَوْ خِلَالَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الْقَادِمَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ خِلَالَ الْعَشْرِ.
عبادَ اللهِ، إنْ كانَ لعشرِ ذي الحجةِ منَ الفضلِ ما قدْ علمتُمْ، فإنَّ لأيامِ التشريقِ فضلُها ومكانتُها فهيَ الأيامُ المعلوماتُ التي أُمرْنَا بذكرِ اللهِ فيها كما قالَ سبحانَهُ: (واذكروا اللهَ في أيامٍ معلوماتٍ). كما قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ( أيامُ التشريقِ أيامَ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ للهِ ) رواهُ مسلمٌ.
وأيامُ التشريقِ ثلاثةُ أيامٍ بعدَ يومِ العيدِ. وقدْ وردَ النهيُ عنْ صيامِهَا فينبغي لنَا اغتنامُهَا بالذكرِ والتكبيرِ وألا نقتصرُ على الأكلِ والشربِ فحسبْ, وأنَّهُ يشرعُ في هذهِ الأيامِ التكبيرُ المقيدُ بأدبارِ الصلواتِ المكتوبةِ, فكبرُوا وارفعُوا بها أصواتِكم وأحيوا سنةَ نبيِّكمْ.
عبادَ اللهِ، منْ أحسنَ منكمْ في الأيامِ الفاضلةِ الماضيةِ فليستمرّ في إحسانِهِ فإنَّ هذهِ علامةٌ أكيدةٌ على توفيقِ اللهِ للعبدِ، فإنَّ اللهَ يوزعُ الأرزاقَ بينَ خلقِهِ وإنَّ منْ رزقَ لذةَ الطاعةِ والمداومةَ عليها فقدْ أوتيَ خيرًا كثيرًا.
أيُّها المسلمونَ، تقبَّلَ اللهُ طاعاتِكم وصالحَ أعمالِكمْ، وقبِلَ صيامَكم وصدقاتِكمْ ودعاءَكمْ، وضحاياكُم وضاعفَ حسناتِكمْ، وجعلَ عيدَكم مباركًا وأيَّامَكمْ أيامَ سعادةٍ وهناءٍ وفضلٍ وإحسانٍ وأعادَ اللهُ علينا وعلى المسلمينَ منْ بركاتِ هذا العيدِ، وجعلنَا في القيامةِ منَ الآمنينَ، وحشرَنَا تحتَ لواءِ سيدِ المرسلينَ.
اللَّهُمَّ احْفّظْ حُجَّاجَ بَيتِكَ الْـحَرَامِ، مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَسُوءٍ، اللَّهُمَّ أَعِدْهِمْ إِلَى دِيَارِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ؛ سَالِمِينَ غَانِـمِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَجَّهُمْ، وَاِغْفِرُ ذُنُوبَهُمْ، وَاِجْعَلْ الْجَنَّةَ جَزَاءَهُمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَحُجَّاجَ بَيْتِكَ الْحَرَامِ لِـمَا تُـحِبُّ وَتَرْضَى. الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأوْلِيَائِكَ، حَرْبًا عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُمَّ ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْـمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللَّهُمَّ اخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ خَيْـرًا، وَاِحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ، اللَّهُمَّ صَوِّبْ رَمْيَهُمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَاُنْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ عَدُوِّهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدِوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِالْحُوثِيِّينَ الظَّلَمَةِ، وَبِـمَنْ أَعَانَـهُمْ، اللَّهُمَّ شَتِّتْ جَمْعَهُمْ، وَفَرِّقْ شَمْلَهُمْ، وَاِجْعَلِ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِمْ، اللَّهُمَّ انْصُرْ مَنْ نَصَرَ الدِّينَ، وَاُخْذُلُ مَنَ خَذَلَ الدِّينَ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.