خطبة : ( عيد الأضحى 1430 )
عبدالله البصري
1430/12/06 - 2009/11/23 12:05PM
خطبة عيد الأضحى 1430
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَتَعظِيمِ شَعَائِرِهِ " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ واللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّكُم في يَومٍ كَرِيمٍ وَعِيدٍ عَظِيمٍ ، يَومُكُم هَذَا هُوَ يَومُ الحَجِّ الأَكبَرِ ، أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ بِشَهَادَةِ رَسُولِ اللهِ ، إِنَّهُ يَومُ النَّحرِ وَعِيدُ الأَضحَى ، آخِرُ الأَيَّامِ العَشرِ المَعلُومَاتِ ، تَتلُوهُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ مَعدُودَاتٍ ، هِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثُمَّ يَومُ القَرِّ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَومُ الفِطرِ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَلَقَدِ اجتَمَعَ لَنَا بِفَضلِ اللهِ في هَذَا اليَومِ المُبَارَكِ عِيدَانِ اثنَانِ ، وَائتَلَفَ فِيهِ يَومَانِ مُبَارَكَانِ ، عِيدُ النَّحرِ الَّذِي هُوَ أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ ، وَيَومُ الجُمُعَةِ الَّذِي هُوَ خَيرُ يَومٍ طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ ، فَلِلهِ الحَمدُ عَلَى اجتِمَاعِ نِعَمِهِ وَاتِّفَاقِ آلائِهِ ، وَلَهُ الشُّكرُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَينَا وَخَصَّنَا بِهِ وَهَدَانَا إِلَيهِ ، وَنَسأَلُهُ المَزِيدَ مِن فَضلِهِ وَجُودِهِ وَإِحسَانِهِ ، اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
في هَذَا اليَومِ العَظِيمِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وفي أَيَّامِ التَّشرِيقِ بَعدَهُ ، يَجمَعُ المُسلِمُونَ بَينَ ذِكرِ اللهِ بِالصَّلاةِ وَالتَّكبِيرِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ ، وَبَينَ التَّقَرُّبِ إِلَيهِ بِذَبحِ الأَضَاحِي وَإِرَاقَةِ دِمَائِهَا عَلَى اسمِهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ عَنِ البَرَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : خَطَبَنَا النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومَ النَّحرِ فَقَالَ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبدَأُ بِهِ في يَومِنَا هَذَا أَن نُصَلِّيَ ثم نَرجِعَ فَنَنحَرَ ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد أَصَابَ سُنَّتَنَا ، وَمَن ذَبَحَ قَبلَ أَن نُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ شَاةُ لَحمٍ عَجَّلَهُ لأَهلِهِ ، لَيسَ مِنَ النُّسُكِ في شَيءٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَلَقَد أُمِرَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِالصَّلاةِ وَالنَّحرِ شُكرًا لِرَبِّهِ عَلَى مَا خَصَّهُ بِهِ مِن أَكرَمِ العَطَايَا وَأَفضَلِ المَزَايَا ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّا أَعطَينَاكَ الكَوثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَرْ . إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ "
وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ أَعظَمَ شُكرِ المُسلِمِ لِمَولاهُ عَلَى مَا أَعطَاهُ مِنَ النِّعَمِ وَمَا خَصَّهُ بِهِ مِنَ الفَضَائِلِ ، أَن يَعمَلَ بِطَاعَتِهِ وَيَتَقَرَّبَ إِلَيهِ بما يُحِبُّهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اِعمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَحرِصُ المُسلِمُونَ في كُلِّ مَوسِمٍ مِن مَوَاسِمِ الخَيرِ عَلَى التَّزَوُّدِ لأُخرَاهُم بِالعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَيَسلُكُونَ طُرُقَهُ المُتَعَدِّدَةَ وَيَأخُذُونَ مِن كُلِّ نَوعٍ مِنهُ بِطَرَفٍ ، مَا بَينَ صَلاةٍ وَصِيَامٍ ، وَحَجٍّ وَعُمرَةٍ وَقِيَامٍ ، وَذَبحٍ وَصَدَقَةٍ وَقِرَاءَةِ قُرآنٍ ، وَدُعَاءٍ وَذِكرٍ وَشُكرٍ ، وَتَسبِيحٍ وَتَحمِيدٍ وَتَهلِيلٍ ، وَتَرَى مِنهُمُ الحِرصَ عَلَى الاستِكثَارِ مِنَ العَمَلِ وَإِتقَانِهِ في الظَّاهِرِ ، لِعِلمِهِم بِفَضَائِلِهِ وَإِيمَانِهِم بِالأُجُورِ المُرَتَّبَةِ عَلَيهِ ، وَذَلِكَ فِعلٌ مَحمُودٌ وَحِرصٌ مَطلُوبٌ ، وَعَمَلٌ مَبرُورٌ وَابتِغَاءٌ مِن فَضلِ اللهِ مَشكُورٌ ، وَفِيهِ خَيرٌ كَثِيرٌ لِمَن آمَنَ وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسنى ، إِلاَّ أَنَّ ثَمَّةَ أَمرًا ذَا أَهَمِّيَّةٍ بَالِغَةٍ وَمَكَانَةٍ عَالِيَةٍ ، نَغفَلُ عَنهُ كَثِيرًا إِلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ ، مَعَ أَنَّهُ عِمَادُ العَمَلِ وَأَسَاسُهُ وَأَصلُهُ ، ذَلِكُم هُوَ إِصلاحُ القُلُوبِ وَتَنقِيَتُهَا ، وَتَزكِيَةُ النُّفُوسِ وَتَطهِيرُهَا ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يَجتَهِدُ وَيَبذُلُ مَا في وُسِعِهِ ، وَيَحرِصُ عَلَى اغتِنَامِ الأَوقَاتِ في الصَّالِحَاتِ ، ثم لا يُؤتِي جُهدُهُ الثَّمَرَةَ المَرجُوَّةَ مِنهُ ، وَلا يَصِلُ بِهِ إِلى هَدَفِهِ الَّذِي أَرَادَهُ ، وَلا يُبَلِّغُهُ مُبتَغَاهُ الَّذِي سَعَى إِلَيهِ ، وَحَاشَا للهِ أَن يَرُدَّ عَبدًا أَقبَلَ عَلَيهِ أَو يُبعِدَ مُتَقَرِّبًا إِلَيهِ ، كَيفَ وَهُوَ القَائِلُ ـ سُبحَانَهُ ـ في كِتَابِهِ العَزِيزِ : " فَاذكُرُوني أَذكُرْكُم " وَالقَائِلُ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " أَنَا عِندَ ظَنِّ عِبدِي بي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني ، فَإِنْ ذَكَرَني في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي ، وَإِنْ ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِليَّ بِشِبرٍ تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِليَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً " لَكِنَّ الوَاقِعَ الحَيَّ وَالحَالَ المُشَاهَدَةَ ، تَدَلُّ عَلَى نَوعٍ مِنَ الخَلَلِ ، إِذ تَجِدُ ذَلِكَ العَامِلَ المُتَزَوَّدَ مِنَ الطَّاعَاتِ في فَاضِلِ الأَوقَاتِ ، يَقَعُ بَعدَ ذَلِكَ في كَثِيرٍ مِنَ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ ، وَلا يَتَوَرَّعُ عَنِ الوُلُوغِ في عَدَدٍ مِنَ الرَّزَايَا وَالمُوبِقَاتِ ، وَتَمضِي عَلَيهِ السَّنَوَاتُ تِلوَ السَّنَوَاتِ ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الصَّغَائِرِ مُتَهَاوِنٌ بِبَعضِ الكَبَائِرِ ، وَكَفَى بِكُلِّ هَذَا نَقصًا وخُذلانًا وَعَدَمَ تَوفِيقٍ . وَلَو أَخَذنَا الصَّلاةَ مَثَلاً وَتَأَمَّلنَا قَولَ اللهِ ـ تَعَالى ـ فِيهَا : " إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ " ثُمَّ نَظَرنَا إِلى ذَلِكَ المُصَلِّي بَعدَ خُرُوجِهِ مِن مَسجِدِهِ ، لَوَجَدنَاهُ لا يَنتَهِي عَن مُنكَرٍ وَلا يَسلَمُ مِنِ اقتِرَافِ فَحشَاءَ ، وَلأَلفَينَاهُ لا يَردَعُ نَفسَهُ عَن بَغيٍ وَلا ظُلمٍ وَلا اعتِدَاءٍ ، نَجِدُ مِنهُ أَكلَ أَموَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ ، وَنَرَى مِن أَخلاقِهِ هَضمَهُم وَبَخسَ حُقُوقِهِم ، وَنَلمَسُ مِنهُ الكَذِبَ وَكِتمَانَ العَيبِ في بَيعِهِ وَشِرَائِهِ ، وَخِيَانَةَ أَمَانَتِهِ وَالفُجُورَ في مُخَاصَمَتِهِ ، وَالغِشَّ وَالتَّدلِيسَ وَالخِدَاعَ في مُعَامَلاتِهِ ، فَضلاً عَن أَكلِ الرِّبَا وَالتَّهَاوُنِ بِالمُشتَبهَاتِ وَتَنَاوُلِ المُحَرَّمَاتِ ، وَالنَّظَرِ إِلى مَا لا يَحِلُّ وَاستِمَاعِ مَا يَحرَمُ ، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِن أَنوَاعِ المَعَاصِي مِنَ غِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَسُخرِيَةٍ وَاستِهزَاءٍ ، وَقَطِيعَةِ أَرحَامٍ وَهَجرِ إِخوَانٍ ، فَأَينَ أَثَرُ الصَّلاةِ وَمَا السِّرُّ في هَذَا التَّنَاقُضِ ؟ إِنَّهُ القَلبُ ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّهُ القَلبُ ، المُحَرِّكُ الحُقِيقِيُّ لِلجَوَارِحِ ، وَالمُوَلِّدُ الفِعلِيُّ لِكُلِّ التَّصَرُّفَاتِ ، الَّذِي إِذَا صَلَحَ صَلَحَتِ الأَعمَالُ كُلُّهَا وَاستَقَامَتِ الجَوَارِحُ ، وَإِذَا اختَلَّ وَفَسَدَ فَمَا بَعدَهُ تَبَعٌ لَهُ في فَسَادِهِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلا وَهِيَ القَلبُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَإِنَّ صَلاحَ القُلُوبِ وَتَزكِيَةَ النُّفُوسِ مَطلَبٌ جَلِيلٌ وَوَاجِبٌ كَبِيرٌ ، غَفَلَ عَنهُ كَثِيرٌ مِنَ المُسلِمِينَ حَتى بَعضُ الصَّالِحِينَ ، مَعَ أَنَّهُ المَحَكُّ وَعَلَيهِ مَدَارُ العَمَلِ صِحَّةً وَفَسَادًا ، وَإِنَّهُ لَجَهلٌ ذَرِيعٌ وَخَطَأٌ شَنِيعٌ ، وَسُوءُ فَهمٍ وَقِلَّةُ فِقهٍ ، أَن يُهمِلَ العَبدُ قَلبَهُ وَهُوَ مَوضِعُ نَظَرِ رَبِّهِ ، ثُمَّ يُركِّزَ جُهدَهُ عَلَى أَعمَالِ الجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ ، الَّتي لا يَنظُرُ الرَّبُّ ـ تَعَالى ـ إِلَيهَا وَالقَلبُ خَاوٍ فَاسِدٌ خَرِبٌ . قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَلا أَموَالِكُم ، وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلى قُلُوبِكُم وَأَعمَالِكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ . اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ َأكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ لِلقُلُوبِ آفَاتٍ كَثِيرَةً وَأَمرَاضًا خَطِيرَةً ، كَانَت وَمَا زَالَت سَبَبَ كُلِّ بَلاءٍ وَأَصلَ كُلِّ شَقَاءٍ ، مِن اعتِيَادِ رِيَاءٍ وَنِفَاقٍ ، وَطَلَبِ سُمعَةٍ وَحُبِّ شُهرَةٍ ، وَابتِغَاءِ ذِكرٍ وَإِخلادٍ إِلى مَدحٍ ، وَانطِوَاءٍ عَلَى كِبرٍ وَامتِلاءٍ بِعُجبٍ ، وَغِلٍّ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَحَسَدٍ لِعِبَادِ اللهٍ ، وَغَضَبٍ لِغَيرِ اللهِ وَاتِّبَاعٍ لِهَوَى النَّفسِ ، وَإِعرَاضٍ عَنِ الحَقِّ وَغَمطٍ لِلنَّاسِ ، وَغَيرُهَا كَثِيرٌ وَكَثِيرٌ مِن أَمرَاضِ القُلُوبِ وَآفَاتِ البَوَاطِنِ ، وَالَّتي هِيَ أَشَدُّ جُرمًا مِنَ الزِّنَا وَأَعظَمُ إِثمًا منَ السَّرِقَةِ ، وَأَفتَكُ بِالعُقُولِ مِن شُربِ الخُمُورِ ، وَإِنَّ مِن أَشَدِّ أَخطَارِ هَذِهِ الكَبَائِرِ البَاطِنِيَّةِ الخَفِيَّةِ ، أَنَّ العَبدَ إِذَا لم يَتُبْ مِنهَا وَيَتَخَلَّصْ مِن دَوَاعِيهَا وَلَوَازِمِهَا ، فَقَد يَحبَطُ عَمَلُهُ وَلا يَنتَفِعُ بِطَاعَاتِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَقَد أُوحِيَ إِلَيكَ وَإِلى الَّذِينَ مِن قَبلِكَ لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " أَنَا أَغنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّركِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشرَكَ فِيهِ مَعِي غَيرِي تَرَكتُهُ وَشِركَهُ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كَانَ في قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ " رَوَاهُمَا مُسلِمٌ .
وإِنَّهُ مَتَى تَنَقَّى القَلبُ مِن مِثلِ هَذِهِ الخَبَائِثِ وَالرَّذَائِلِ ، سَكَنَت فِيهِ الرَّحمَةُ في مَكَانِ البُغضِ ، وَالتَّوَاضُعُ في مُقَابَلَةِ الكِبرِ ، وَالنَّصِيحَةُ في مُقَابَلَةِ الغِشِّ ، وَالإِخلاصُ في مُقَابَلَةِ الرِّيَاءِ ، وَرُؤيَةُ المِنَّةِ في مُقَابَلَةِ العُجبِ ، فَعِندَ ذَلِكَ تَزكُو الأَعمَالُ وَتَصعَدُ إلى اللهِ ـ تَعَالى ـ وَيَطهُرُ القَلبُ وَيَسلَمُ ، وَيَبقَى مَحَلاًّ لِنَظَرِ الحَقِّ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَمَعُونَتِهِ ، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ وَأَعَانَهُ ، وَمِن ثَمَّ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَمَا أَحرَانَا أَن نَبحَثَ في قُلُوبِنَا وَنُفَتِّشَ في نُفُوسِنَا ، لِنُخَلِّصَهَا مِن كُلِّ مَرَضٍ وَآفَةٍ ، وَنُعَالِجَهَا مِن كُلِّ دَاءٍ وَعِلَّةٍ ، وَنُقَوِّمَ كُلَّ اعوِجَاجٍ فِيهَا وَنُصلِحَ كُلَّ خَلَلٍ ، وَنُجَرِّدَهَا مِن كُلِّ شَائِبَةٍ وَغَرَضٍ ، لِنَفُوزَ وَنَسلَمَ مِنَ الخِزيِ " يَومَ يُبعَثُونَ . يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلاَّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ "
وَإِنَّهُ لا صَلاحَ لِلقُلُوبِ حَتَّى تُؤثِرَ مَا يُحِبُّهُ اللهُ عَلَى مَا تُحِبُّهُ نُفُوسُ أَصحَابِهَا ، في السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَن أَعطَى لهِ وَمَنَعَ للهِ وَأَحَبَّ للهِ وَأَبغَضَ للهِ فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَلْنَحذَرْ مِن أَمرَاضِ القُلُوبِ القَاطِعَةِ عَن عَلاَّمِ الغُيُوبِ ، مِنَ الرِّيَاءِ وَالكِبرِ ، وَالعُجبِ وَحُبِّ الرِّئَاسَةِ ، والغِلِّ وَالحِقدِ وَالحَسَدِ ، وَازدِرَاءِ النَّاسِ وَاحتِقَارِهِم وَهَضمِ حُقُوقِهِم ، فَإِنَّ مِنَ القَوَاعِدِ المُقَرَّرَةِ ، أَنَّ التَّخلِيَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحلِيَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ إِصلاحَ القَلبِ وَعِلاجَهُ وَتَنظِيفَهُ ، مُقَدَّمٌ عَلَى التَّحلِّي بِصَالِحِ العَمَلِ ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الَّذِي يَحرِصُ عَلَى الأَعمَالِ وَفي قَلبِهِ مَا فِيهِ مِن الأَمرَاضِ وَالآفَاتِ ، كَمَثَلِ مَن أَتَى بَيتًا مَهجُورًا مُتَصَدِّعًا ، فَصَبَغَ جُدرَانَهُ وَفَرَشَ أَرضَهُ قَبلَ إِصلاحِ تِلكَ الصُّدُوعِ وَإِزَالَةِ الغُبَارِ عَن جُدرَانِهِ وَأَرضِهِ ، فَلا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الصَّبغَةَ سَتَطِيرُ عَمَّا قَرِيبٍ ، وَأَنَّ ذَلِكَ الفِرَاشَ سَيَفسُدُ سَرِيعًا ، وَلَن يَعُودَ صَاحِبُ البَيتِ إِلاَّ بِالخَسَارَةِ وَالنَّصَبِ ، فَاحرِصُوا عَلَى الإِخلاصِ لِرَبِّكُم ، وَاقتَدُوا في كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ بِنَبِيِّكُم ، فَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " أَيْ : مَردُودٌ عَلَيهِ . وَالقَلِيلُ مَعَ السُّنَّةِ خَيرٌ مِنَ الكَثِيرِ عَلَى بِدعَةٍ " لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا " لِينُوا وَتَوَاضَعُوا وَتَطَامَنُوا ، وَاخضَعُوا لِلحَقِّ وَانقَادُوا لِمَن طَلَبَهُ ، وَانصَحُوا لإِخوَانِكُم وَأَحِبُّوا لَهُم مِنَ الخَيرِ مَا تُحِبُّونَهُ لأَنفُسِكُم ، وَارحَمُوا مَن في الأَرضِ يَرحَمْكُم مَن في السَّمَاءِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " إِن تَكفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنكُم وَلا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ وَإِن تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى ثُمَّ إِلى رَبِّكُم مَرجِعُكُم فَيُنَبِّئُكُم بما كُنتُم تَعمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمَدُ .
ـــــــــــــ
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَسَارِعُوا إِلى طَاعَتِهِ وَمَرضَاتِهِ . اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمَدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِن أَشَدِّ الذُّنُوبِ انتِشَارًا في مُجتَمَعِنَا اليَومَ ، ممَّا يَحُولُ بَينَ العِبَادِ وَبَينَ رَحمَةِ رَبِّهِم وَتَوفِيقِهِ وَقَبُولِ أَعمَالِهِم ، قَطِيعَةَ الأَرحَامِ وَصَرمَ الأَقَارِبِ وَهَجرَ الإِخوَانِ ، تِلكَ الآفَةُ الَّتي أَصَمَّتِ الآذَانَ وَأَعمَتِ الأَبصَارَ وَأَقفَلَتِ القُلُوبَ ، وَأَفسَدَتِ الأَرضَ بَعدَ إِصلاحِهَا وَخَرَّبَتِ الدِّيَارَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَهَل عَسَيتُم إِن تَولَّيتُم أَن تُفسِدُوا في الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم . أَفلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقفَالُهَا " وَفي المُتَّفَقِ عَلَيهِ قَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ لِلرَّحِمِ : " أَمَا تَرضَينَ أَن أَصِلَ مَن وَصَلَكِ وَأَقطَعَ مَن قَطَعَكِ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ : " تُفتَحُ أَبوَابُ الجَنَّةِ يَومَ الاثنَينِ وَيَومَ الخَمِيسِ فَيُغفَرُ فِيهَا لِكُلِّ عَبدٍ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا ، إِلاَّ رَجُلاً كَانَت بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحنَاءُ فَيُقَالُ : أَنظِرُوا هَذَينِ حَتى يَصطَلِحَا " وَقَالَ في المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ " أَيْ : قَاطِعُ رَحِمٍ .
فَيَا مَعشَرَ المُسلِمِينَ ، اِتَّقُوا اللهَ في أَنفُسِكُم وَإِخوَانِكُم ، فَإِنَّ مِنَ الخَسَارَةِ وَالغَبنِ أَن يَظَلَّ المَرءُ سَنَوَاتٍ يَعمَلُ وَيَجتَهِدُ ، ثُمَّ لا يُرفَعَ لَهُ عَمَلٌ وَلا تُقبَلَ لَهُ حَسَنَةٌ ، وَالسَّبَبُ أَنَّهُ عَقَّ أُمَّهُ أَو أَبَاهُ ، أَو قَطَعَ أُختَهُ أَو أَخَاهُ ، أَو هَجَرَ قَرِيبًا لَهُ أَو جَارًا ، أَو صَرَمَ زَمِيلاً أَو صَدِيقًا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثِ لَيَالٍ ، يَلتَقِيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا ، وَخَيرُهُمَا الَّذِي يَبدَأُ بِالسَّلامِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
أَصلِحُوا قُلُوبَكُم وَزَكُّوا أَنفُسَكُم وَتَرَفَّعُوا عَنِ الغَضَبِ لِغَيرِ رَبِّكُم ، فَوَاللهِ لا تُسَاوِي الدُّنيَا عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، فَكَيفَ لِمُسلِمٍ يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ أَن يَجعَلَهَا رَأسَ مَالٍ فَيَتَمَسَّكَ بها ، أَو يَتَّخِذَهَا غَايَةً فَيُحِبَّ لأَجلِهَا وَيُبغِضَ لأَجلِهَا ، وَيُعطِيَ لأَجلِهَا وَيَمنَعَ لأَجلِهَا ، إِنَّ قَلبًا يَرضَى إِنْ أُعطِيَ مِن مَتَاعِ الدُّنيَا وَيَسخَطُ إِنْ مُنِعَ حُطَامَهَا ، إِنَّهُ لَقَلبٌ خَرِبٌ مَدخُولٌ مَخذُولٌ ، وَإِنَّ هَذِهِ الأَعيَادُ تَأتي لِيَستَعِيدَ كُلُّ امرِئٍ فِكرَتهُ وَيُفِيقَ مِن سَكرَتِهِ ، فَيَتَزَوَّدَ مِنَ الإِيمَانِ وَالتَّقوَى ، وَيَطوِيَ كُلَّ مَا فَاتَ وَمَضَى ، وَيَفتَحَ مَعَ رَبِّهِ ثُمَّ مَعَ إِخوَانِهِ صَفحَةً جَدِيدَةً ، مِدَادُهَا نُورُ الإِيمَانِ وَالرِّضَا وَاليَقِينِ ، وَاحتِسَابُ الأَجرِ وَإِيثَارُ مَا عِندَ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالزُّهدُ في الدُّنيَا الفَانِيَةِ وَالطَّمَعُ في الآخِرَةِ البَاقِيَةِ " فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهُ " وَ" مَن تَرَكَ شَيئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيرًا مِنهُ " قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ فَقَد أُعطِيَ حَظَّهُ مِن خَيرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسنُ الجِوَارِ أَو حُسنُ الخُلُقِ يَعمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ في الأَعمَارِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
عِبَادَ اللهِ ، اِحمَدُوا اللهَ الَّذِي هَدَاكُم ، وضَحُّوا تَقَبَّلَ اللهُ ضَحَايَاكُم ، وَسَمُّوا اللهَ وَاذكُرُوهُ عَلَى مَا رَزَقَكُم وَاشكُرُوهُ عَلَى مَا آتَاكُم ، مَن كَانَ مُحسِنًا لِلذَّبحِ فَلْيَذبَحْ بِنَفسِهِ ، وَمَن كَان لا يُحسِنُ فَلْيَحضُرْ ذَبِيحَتَهُ ، أَخلِصُوا للهِ وَابتَغُوا مَا عِندَهُ وَاتَّقُوهُ ، فَـ" لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم " كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَأَهدُوا وَادَّخِرُوا ، وَاجتَنِبُوا مَا نُهِيتُم عَنهُ بِقَولِ إِمَامِكُم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَربَعٌ لا يُجزِينَ في الأَضَاحِي : العَورَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالعَرجَاءُ البَيِّنُ ظَلْعُهَا ، وَالعَجفَاءُ الَّتي لا تُنقِي " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ . وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا يُجزِئُ مِنَ الإِبِلِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ خَمسُ سِنِينَ ، وَلا مِنَ البَقَرِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ ، وَلا مِنَ المَعزِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ ، وَلا مِنَ الضَّأنِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشهُرٍ ، وَالشَّاةُ الوَاحِدَةُ تُجزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَأَهلِ بَيتِهِ ، وَلا يُبَاعُ مِنهَا شَيءٌ وَلا يُعطَى الجَزَّارَ أُجرَتَهُ مِنهَا ، وَمَا كَانَ مِنَ الذَّبَائِحِ أَسمَنَ وَأَغلَى فَهُوَ أَفضَلُ وَأَكمَلُ ، وَوَقتُ الذَّبحِ مُمتَدٌّ مِن بَعدِ صَلاةِ العِيدِ إِلى غُرُوبِ شَمسِ اليَومِ الثَّالِثِ مِن أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، وَيَحرُمُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، فَكُلُوا فِيهَا وَاشرَبُوا وَأَكثِرُوا مِن ذِكرِ اللهِ بِالتَّكبِيرِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ ، في أَدبَارِ الصَّلوَاتِ وَفي جَمِيعِ الأَوقَاتِ .
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَتَعظِيمِ شَعَائِرِهِ " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ واللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّكُم في يَومٍ كَرِيمٍ وَعِيدٍ عَظِيمٍ ، يَومُكُم هَذَا هُوَ يَومُ الحَجِّ الأَكبَرِ ، أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ بِشَهَادَةِ رَسُولِ اللهِ ، إِنَّهُ يَومُ النَّحرِ وَعِيدُ الأَضحَى ، آخِرُ الأَيَّامِ العَشرِ المَعلُومَاتِ ، تَتلُوهُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ مَعدُودَاتٍ ، هِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثُمَّ يَومُ القَرِّ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَومُ الفِطرِ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَلَقَدِ اجتَمَعَ لَنَا بِفَضلِ اللهِ في هَذَا اليَومِ المُبَارَكِ عِيدَانِ اثنَانِ ، وَائتَلَفَ فِيهِ يَومَانِ مُبَارَكَانِ ، عِيدُ النَّحرِ الَّذِي هُوَ أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ ، وَيَومُ الجُمُعَةِ الَّذِي هُوَ خَيرُ يَومٍ طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ ، فَلِلهِ الحَمدُ عَلَى اجتِمَاعِ نِعَمِهِ وَاتِّفَاقِ آلائِهِ ، وَلَهُ الشُّكرُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَينَا وَخَصَّنَا بِهِ وَهَدَانَا إِلَيهِ ، وَنَسأَلُهُ المَزِيدَ مِن فَضلِهِ وَجُودِهِ وَإِحسَانِهِ ، اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
في هَذَا اليَومِ العَظِيمِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وفي أَيَّامِ التَّشرِيقِ بَعدَهُ ، يَجمَعُ المُسلِمُونَ بَينَ ذِكرِ اللهِ بِالصَّلاةِ وَالتَّكبِيرِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ ، وَبَينَ التَّقَرُّبِ إِلَيهِ بِذَبحِ الأَضَاحِي وَإِرَاقَةِ دِمَائِهَا عَلَى اسمِهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ عَنِ البَرَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : خَطَبَنَا النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومَ النَّحرِ فَقَالَ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبدَأُ بِهِ في يَومِنَا هَذَا أَن نُصَلِّيَ ثم نَرجِعَ فَنَنحَرَ ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد أَصَابَ سُنَّتَنَا ، وَمَن ذَبَحَ قَبلَ أَن نُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ شَاةُ لَحمٍ عَجَّلَهُ لأَهلِهِ ، لَيسَ مِنَ النُّسُكِ في شَيءٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَلَقَد أُمِرَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِالصَّلاةِ وَالنَّحرِ شُكرًا لِرَبِّهِ عَلَى مَا خَصَّهُ بِهِ مِن أَكرَمِ العَطَايَا وَأَفضَلِ المَزَايَا ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّا أَعطَينَاكَ الكَوثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَرْ . إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ "
وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ أَعظَمَ شُكرِ المُسلِمِ لِمَولاهُ عَلَى مَا أَعطَاهُ مِنَ النِّعَمِ وَمَا خَصَّهُ بِهِ مِنَ الفَضَائِلِ ، أَن يَعمَلَ بِطَاعَتِهِ وَيَتَقَرَّبَ إِلَيهِ بما يُحِبُّهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اِعمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَحرِصُ المُسلِمُونَ في كُلِّ مَوسِمٍ مِن مَوَاسِمِ الخَيرِ عَلَى التَّزَوُّدِ لأُخرَاهُم بِالعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَيَسلُكُونَ طُرُقَهُ المُتَعَدِّدَةَ وَيَأخُذُونَ مِن كُلِّ نَوعٍ مِنهُ بِطَرَفٍ ، مَا بَينَ صَلاةٍ وَصِيَامٍ ، وَحَجٍّ وَعُمرَةٍ وَقِيَامٍ ، وَذَبحٍ وَصَدَقَةٍ وَقِرَاءَةِ قُرآنٍ ، وَدُعَاءٍ وَذِكرٍ وَشُكرٍ ، وَتَسبِيحٍ وَتَحمِيدٍ وَتَهلِيلٍ ، وَتَرَى مِنهُمُ الحِرصَ عَلَى الاستِكثَارِ مِنَ العَمَلِ وَإِتقَانِهِ في الظَّاهِرِ ، لِعِلمِهِم بِفَضَائِلِهِ وَإِيمَانِهِم بِالأُجُورِ المُرَتَّبَةِ عَلَيهِ ، وَذَلِكَ فِعلٌ مَحمُودٌ وَحِرصٌ مَطلُوبٌ ، وَعَمَلٌ مَبرُورٌ وَابتِغَاءٌ مِن فَضلِ اللهِ مَشكُورٌ ، وَفِيهِ خَيرٌ كَثِيرٌ لِمَن آمَنَ وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسنى ، إِلاَّ أَنَّ ثَمَّةَ أَمرًا ذَا أَهَمِّيَّةٍ بَالِغَةٍ وَمَكَانَةٍ عَالِيَةٍ ، نَغفَلُ عَنهُ كَثِيرًا إِلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ ، مَعَ أَنَّهُ عِمَادُ العَمَلِ وَأَسَاسُهُ وَأَصلُهُ ، ذَلِكُم هُوَ إِصلاحُ القُلُوبِ وَتَنقِيَتُهَا ، وَتَزكِيَةُ النُّفُوسِ وَتَطهِيرُهَا ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يَجتَهِدُ وَيَبذُلُ مَا في وُسِعِهِ ، وَيَحرِصُ عَلَى اغتِنَامِ الأَوقَاتِ في الصَّالِحَاتِ ، ثم لا يُؤتِي جُهدُهُ الثَّمَرَةَ المَرجُوَّةَ مِنهُ ، وَلا يَصِلُ بِهِ إِلى هَدَفِهِ الَّذِي أَرَادَهُ ، وَلا يُبَلِّغُهُ مُبتَغَاهُ الَّذِي سَعَى إِلَيهِ ، وَحَاشَا للهِ أَن يَرُدَّ عَبدًا أَقبَلَ عَلَيهِ أَو يُبعِدَ مُتَقَرِّبًا إِلَيهِ ، كَيفَ وَهُوَ القَائِلُ ـ سُبحَانَهُ ـ في كِتَابِهِ العَزِيزِ : " فَاذكُرُوني أَذكُرْكُم " وَالقَائِلُ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " أَنَا عِندَ ظَنِّ عِبدِي بي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني ، فَإِنْ ذَكَرَني في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي ، وَإِنْ ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِليَّ بِشِبرٍ تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِليَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً " لَكِنَّ الوَاقِعَ الحَيَّ وَالحَالَ المُشَاهَدَةَ ، تَدَلُّ عَلَى نَوعٍ مِنَ الخَلَلِ ، إِذ تَجِدُ ذَلِكَ العَامِلَ المُتَزَوَّدَ مِنَ الطَّاعَاتِ في فَاضِلِ الأَوقَاتِ ، يَقَعُ بَعدَ ذَلِكَ في كَثِيرٍ مِنَ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ ، وَلا يَتَوَرَّعُ عَنِ الوُلُوغِ في عَدَدٍ مِنَ الرَّزَايَا وَالمُوبِقَاتِ ، وَتَمضِي عَلَيهِ السَّنَوَاتُ تِلوَ السَّنَوَاتِ ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الصَّغَائِرِ مُتَهَاوِنٌ بِبَعضِ الكَبَائِرِ ، وَكَفَى بِكُلِّ هَذَا نَقصًا وخُذلانًا وَعَدَمَ تَوفِيقٍ . وَلَو أَخَذنَا الصَّلاةَ مَثَلاً وَتَأَمَّلنَا قَولَ اللهِ ـ تَعَالى ـ فِيهَا : " إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ " ثُمَّ نَظَرنَا إِلى ذَلِكَ المُصَلِّي بَعدَ خُرُوجِهِ مِن مَسجِدِهِ ، لَوَجَدنَاهُ لا يَنتَهِي عَن مُنكَرٍ وَلا يَسلَمُ مِنِ اقتِرَافِ فَحشَاءَ ، وَلأَلفَينَاهُ لا يَردَعُ نَفسَهُ عَن بَغيٍ وَلا ظُلمٍ وَلا اعتِدَاءٍ ، نَجِدُ مِنهُ أَكلَ أَموَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ ، وَنَرَى مِن أَخلاقِهِ هَضمَهُم وَبَخسَ حُقُوقِهِم ، وَنَلمَسُ مِنهُ الكَذِبَ وَكِتمَانَ العَيبِ في بَيعِهِ وَشِرَائِهِ ، وَخِيَانَةَ أَمَانَتِهِ وَالفُجُورَ في مُخَاصَمَتِهِ ، وَالغِشَّ وَالتَّدلِيسَ وَالخِدَاعَ في مُعَامَلاتِهِ ، فَضلاً عَن أَكلِ الرِّبَا وَالتَّهَاوُنِ بِالمُشتَبهَاتِ وَتَنَاوُلِ المُحَرَّمَاتِ ، وَالنَّظَرِ إِلى مَا لا يَحِلُّ وَاستِمَاعِ مَا يَحرَمُ ، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِن أَنوَاعِ المَعَاصِي مِنَ غِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَسُخرِيَةٍ وَاستِهزَاءٍ ، وَقَطِيعَةِ أَرحَامٍ وَهَجرِ إِخوَانٍ ، فَأَينَ أَثَرُ الصَّلاةِ وَمَا السِّرُّ في هَذَا التَّنَاقُضِ ؟ إِنَّهُ القَلبُ ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّهُ القَلبُ ، المُحَرِّكُ الحُقِيقِيُّ لِلجَوَارِحِ ، وَالمُوَلِّدُ الفِعلِيُّ لِكُلِّ التَّصَرُّفَاتِ ، الَّذِي إِذَا صَلَحَ صَلَحَتِ الأَعمَالُ كُلُّهَا وَاستَقَامَتِ الجَوَارِحُ ، وَإِذَا اختَلَّ وَفَسَدَ فَمَا بَعدَهُ تَبَعٌ لَهُ في فَسَادِهِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلا وَهِيَ القَلبُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَإِنَّ صَلاحَ القُلُوبِ وَتَزكِيَةَ النُّفُوسِ مَطلَبٌ جَلِيلٌ وَوَاجِبٌ كَبِيرٌ ، غَفَلَ عَنهُ كَثِيرٌ مِنَ المُسلِمِينَ حَتى بَعضُ الصَّالِحِينَ ، مَعَ أَنَّهُ المَحَكُّ وَعَلَيهِ مَدَارُ العَمَلِ صِحَّةً وَفَسَادًا ، وَإِنَّهُ لَجَهلٌ ذَرِيعٌ وَخَطَأٌ شَنِيعٌ ، وَسُوءُ فَهمٍ وَقِلَّةُ فِقهٍ ، أَن يُهمِلَ العَبدُ قَلبَهُ وَهُوَ مَوضِعُ نَظَرِ رَبِّهِ ، ثُمَّ يُركِّزَ جُهدَهُ عَلَى أَعمَالِ الجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ ، الَّتي لا يَنظُرُ الرَّبُّ ـ تَعَالى ـ إِلَيهَا وَالقَلبُ خَاوٍ فَاسِدٌ خَرِبٌ . قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَلا أَموَالِكُم ، وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلى قُلُوبِكُم وَأَعمَالِكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ . اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ َأكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ لِلقُلُوبِ آفَاتٍ كَثِيرَةً وَأَمرَاضًا خَطِيرَةً ، كَانَت وَمَا زَالَت سَبَبَ كُلِّ بَلاءٍ وَأَصلَ كُلِّ شَقَاءٍ ، مِن اعتِيَادِ رِيَاءٍ وَنِفَاقٍ ، وَطَلَبِ سُمعَةٍ وَحُبِّ شُهرَةٍ ، وَابتِغَاءِ ذِكرٍ وَإِخلادٍ إِلى مَدحٍ ، وَانطِوَاءٍ عَلَى كِبرٍ وَامتِلاءٍ بِعُجبٍ ، وَغِلٍّ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَحَسَدٍ لِعِبَادِ اللهٍ ، وَغَضَبٍ لِغَيرِ اللهِ وَاتِّبَاعٍ لِهَوَى النَّفسِ ، وَإِعرَاضٍ عَنِ الحَقِّ وَغَمطٍ لِلنَّاسِ ، وَغَيرُهَا كَثِيرٌ وَكَثِيرٌ مِن أَمرَاضِ القُلُوبِ وَآفَاتِ البَوَاطِنِ ، وَالَّتي هِيَ أَشَدُّ جُرمًا مِنَ الزِّنَا وَأَعظَمُ إِثمًا منَ السَّرِقَةِ ، وَأَفتَكُ بِالعُقُولِ مِن شُربِ الخُمُورِ ، وَإِنَّ مِن أَشَدِّ أَخطَارِ هَذِهِ الكَبَائِرِ البَاطِنِيَّةِ الخَفِيَّةِ ، أَنَّ العَبدَ إِذَا لم يَتُبْ مِنهَا وَيَتَخَلَّصْ مِن دَوَاعِيهَا وَلَوَازِمِهَا ، فَقَد يَحبَطُ عَمَلُهُ وَلا يَنتَفِعُ بِطَاعَاتِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَقَد أُوحِيَ إِلَيكَ وَإِلى الَّذِينَ مِن قَبلِكَ لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " أَنَا أَغنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّركِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشرَكَ فِيهِ مَعِي غَيرِي تَرَكتُهُ وَشِركَهُ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كَانَ في قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ " رَوَاهُمَا مُسلِمٌ .
وإِنَّهُ مَتَى تَنَقَّى القَلبُ مِن مِثلِ هَذِهِ الخَبَائِثِ وَالرَّذَائِلِ ، سَكَنَت فِيهِ الرَّحمَةُ في مَكَانِ البُغضِ ، وَالتَّوَاضُعُ في مُقَابَلَةِ الكِبرِ ، وَالنَّصِيحَةُ في مُقَابَلَةِ الغِشِّ ، وَالإِخلاصُ في مُقَابَلَةِ الرِّيَاءِ ، وَرُؤيَةُ المِنَّةِ في مُقَابَلَةِ العُجبِ ، فَعِندَ ذَلِكَ تَزكُو الأَعمَالُ وَتَصعَدُ إلى اللهِ ـ تَعَالى ـ وَيَطهُرُ القَلبُ وَيَسلَمُ ، وَيَبقَى مَحَلاًّ لِنَظَرِ الحَقِّ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَمَعُونَتِهِ ، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ وَأَعَانَهُ ، وَمِن ثَمَّ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَمَا أَحرَانَا أَن نَبحَثَ في قُلُوبِنَا وَنُفَتِّشَ في نُفُوسِنَا ، لِنُخَلِّصَهَا مِن كُلِّ مَرَضٍ وَآفَةٍ ، وَنُعَالِجَهَا مِن كُلِّ دَاءٍ وَعِلَّةٍ ، وَنُقَوِّمَ كُلَّ اعوِجَاجٍ فِيهَا وَنُصلِحَ كُلَّ خَلَلٍ ، وَنُجَرِّدَهَا مِن كُلِّ شَائِبَةٍ وَغَرَضٍ ، لِنَفُوزَ وَنَسلَمَ مِنَ الخِزيِ " يَومَ يُبعَثُونَ . يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلاَّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ "
وَإِنَّهُ لا صَلاحَ لِلقُلُوبِ حَتَّى تُؤثِرَ مَا يُحِبُّهُ اللهُ عَلَى مَا تُحِبُّهُ نُفُوسُ أَصحَابِهَا ، في السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَن أَعطَى لهِ وَمَنَعَ للهِ وَأَحَبَّ للهِ وَأَبغَضَ للهِ فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَلْنَحذَرْ مِن أَمرَاضِ القُلُوبِ القَاطِعَةِ عَن عَلاَّمِ الغُيُوبِ ، مِنَ الرِّيَاءِ وَالكِبرِ ، وَالعُجبِ وَحُبِّ الرِّئَاسَةِ ، والغِلِّ وَالحِقدِ وَالحَسَدِ ، وَازدِرَاءِ النَّاسِ وَاحتِقَارِهِم وَهَضمِ حُقُوقِهِم ، فَإِنَّ مِنَ القَوَاعِدِ المُقَرَّرَةِ ، أَنَّ التَّخلِيَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحلِيَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ إِصلاحَ القَلبِ وَعِلاجَهُ وَتَنظِيفَهُ ، مُقَدَّمٌ عَلَى التَّحلِّي بِصَالِحِ العَمَلِ ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الَّذِي يَحرِصُ عَلَى الأَعمَالِ وَفي قَلبِهِ مَا فِيهِ مِن الأَمرَاضِ وَالآفَاتِ ، كَمَثَلِ مَن أَتَى بَيتًا مَهجُورًا مُتَصَدِّعًا ، فَصَبَغَ جُدرَانَهُ وَفَرَشَ أَرضَهُ قَبلَ إِصلاحِ تِلكَ الصُّدُوعِ وَإِزَالَةِ الغُبَارِ عَن جُدرَانِهِ وَأَرضِهِ ، فَلا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الصَّبغَةَ سَتَطِيرُ عَمَّا قَرِيبٍ ، وَأَنَّ ذَلِكَ الفِرَاشَ سَيَفسُدُ سَرِيعًا ، وَلَن يَعُودَ صَاحِبُ البَيتِ إِلاَّ بِالخَسَارَةِ وَالنَّصَبِ ، فَاحرِصُوا عَلَى الإِخلاصِ لِرَبِّكُم ، وَاقتَدُوا في كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ بِنَبِيِّكُم ، فَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " أَيْ : مَردُودٌ عَلَيهِ . وَالقَلِيلُ مَعَ السُّنَّةِ خَيرٌ مِنَ الكَثِيرِ عَلَى بِدعَةٍ " لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا " لِينُوا وَتَوَاضَعُوا وَتَطَامَنُوا ، وَاخضَعُوا لِلحَقِّ وَانقَادُوا لِمَن طَلَبَهُ ، وَانصَحُوا لإِخوَانِكُم وَأَحِبُّوا لَهُم مِنَ الخَيرِ مَا تُحِبُّونَهُ لأَنفُسِكُم ، وَارحَمُوا مَن في الأَرضِ يَرحَمْكُم مَن في السَّمَاءِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " إِن تَكفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنكُم وَلا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ وَإِن تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى ثُمَّ إِلى رَبِّكُم مَرجِعُكُم فَيُنَبِّئُكُم بما كُنتُم تَعمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمَدُ .
ـــــــــــــ
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَسَارِعُوا إِلى طَاعَتِهِ وَمَرضَاتِهِ . اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمَدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِن أَشَدِّ الذُّنُوبِ انتِشَارًا في مُجتَمَعِنَا اليَومَ ، ممَّا يَحُولُ بَينَ العِبَادِ وَبَينَ رَحمَةِ رَبِّهِم وَتَوفِيقِهِ وَقَبُولِ أَعمَالِهِم ، قَطِيعَةَ الأَرحَامِ وَصَرمَ الأَقَارِبِ وَهَجرَ الإِخوَانِ ، تِلكَ الآفَةُ الَّتي أَصَمَّتِ الآذَانَ وَأَعمَتِ الأَبصَارَ وَأَقفَلَتِ القُلُوبَ ، وَأَفسَدَتِ الأَرضَ بَعدَ إِصلاحِهَا وَخَرَّبَتِ الدِّيَارَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَهَل عَسَيتُم إِن تَولَّيتُم أَن تُفسِدُوا في الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم . أَفلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقفَالُهَا " وَفي المُتَّفَقِ عَلَيهِ قَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ لِلرَّحِمِ : " أَمَا تَرضَينَ أَن أَصِلَ مَن وَصَلَكِ وَأَقطَعَ مَن قَطَعَكِ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ : " تُفتَحُ أَبوَابُ الجَنَّةِ يَومَ الاثنَينِ وَيَومَ الخَمِيسِ فَيُغفَرُ فِيهَا لِكُلِّ عَبدٍ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا ، إِلاَّ رَجُلاً كَانَت بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحنَاءُ فَيُقَالُ : أَنظِرُوا هَذَينِ حَتى يَصطَلِحَا " وَقَالَ في المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ " أَيْ : قَاطِعُ رَحِمٍ .
فَيَا مَعشَرَ المُسلِمِينَ ، اِتَّقُوا اللهَ في أَنفُسِكُم وَإِخوَانِكُم ، فَإِنَّ مِنَ الخَسَارَةِ وَالغَبنِ أَن يَظَلَّ المَرءُ سَنَوَاتٍ يَعمَلُ وَيَجتَهِدُ ، ثُمَّ لا يُرفَعَ لَهُ عَمَلٌ وَلا تُقبَلَ لَهُ حَسَنَةٌ ، وَالسَّبَبُ أَنَّهُ عَقَّ أُمَّهُ أَو أَبَاهُ ، أَو قَطَعَ أُختَهُ أَو أَخَاهُ ، أَو هَجَرَ قَرِيبًا لَهُ أَو جَارًا ، أَو صَرَمَ زَمِيلاً أَو صَدِيقًا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثِ لَيَالٍ ، يَلتَقِيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا ، وَخَيرُهُمَا الَّذِي يَبدَأُ بِالسَّلامِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
أَصلِحُوا قُلُوبَكُم وَزَكُّوا أَنفُسَكُم وَتَرَفَّعُوا عَنِ الغَضَبِ لِغَيرِ رَبِّكُم ، فَوَاللهِ لا تُسَاوِي الدُّنيَا عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، فَكَيفَ لِمُسلِمٍ يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ أَن يَجعَلَهَا رَأسَ مَالٍ فَيَتَمَسَّكَ بها ، أَو يَتَّخِذَهَا غَايَةً فَيُحِبَّ لأَجلِهَا وَيُبغِضَ لأَجلِهَا ، وَيُعطِيَ لأَجلِهَا وَيَمنَعَ لأَجلِهَا ، إِنَّ قَلبًا يَرضَى إِنْ أُعطِيَ مِن مَتَاعِ الدُّنيَا وَيَسخَطُ إِنْ مُنِعَ حُطَامَهَا ، إِنَّهُ لَقَلبٌ خَرِبٌ مَدخُولٌ مَخذُولٌ ، وَإِنَّ هَذِهِ الأَعيَادُ تَأتي لِيَستَعِيدَ كُلُّ امرِئٍ فِكرَتهُ وَيُفِيقَ مِن سَكرَتِهِ ، فَيَتَزَوَّدَ مِنَ الإِيمَانِ وَالتَّقوَى ، وَيَطوِيَ كُلَّ مَا فَاتَ وَمَضَى ، وَيَفتَحَ مَعَ رَبِّهِ ثُمَّ مَعَ إِخوَانِهِ صَفحَةً جَدِيدَةً ، مِدَادُهَا نُورُ الإِيمَانِ وَالرِّضَا وَاليَقِينِ ، وَاحتِسَابُ الأَجرِ وَإِيثَارُ مَا عِندَ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالزُّهدُ في الدُّنيَا الفَانِيَةِ وَالطَّمَعُ في الآخِرَةِ البَاقِيَةِ " فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهُ " وَ" مَن تَرَكَ شَيئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيرًا مِنهُ " قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ فَقَد أُعطِيَ حَظَّهُ مِن خَيرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسنُ الجِوَارِ أَو حُسنُ الخُلُقِ يَعمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ في الأَعمَارِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
عِبَادَ اللهِ ، اِحمَدُوا اللهَ الَّذِي هَدَاكُم ، وضَحُّوا تَقَبَّلَ اللهُ ضَحَايَاكُم ، وَسَمُّوا اللهَ وَاذكُرُوهُ عَلَى مَا رَزَقَكُم وَاشكُرُوهُ عَلَى مَا آتَاكُم ، مَن كَانَ مُحسِنًا لِلذَّبحِ فَلْيَذبَحْ بِنَفسِهِ ، وَمَن كَان لا يُحسِنُ فَلْيَحضُرْ ذَبِيحَتَهُ ، أَخلِصُوا للهِ وَابتَغُوا مَا عِندَهُ وَاتَّقُوهُ ، فَـ" لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم " كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَأَهدُوا وَادَّخِرُوا ، وَاجتَنِبُوا مَا نُهِيتُم عَنهُ بِقَولِ إِمَامِكُم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَربَعٌ لا يُجزِينَ في الأَضَاحِي : العَورَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالعَرجَاءُ البَيِّنُ ظَلْعُهَا ، وَالعَجفَاءُ الَّتي لا تُنقِي " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ . وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا يُجزِئُ مِنَ الإِبِلِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ خَمسُ سِنِينَ ، وَلا مِنَ البَقَرِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ ، وَلا مِنَ المَعزِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ ، وَلا مِنَ الضَّأنِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشهُرٍ ، وَالشَّاةُ الوَاحِدَةُ تُجزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَأَهلِ بَيتِهِ ، وَلا يُبَاعُ مِنهَا شَيءٌ وَلا يُعطَى الجَزَّارَ أُجرَتَهُ مِنهَا ، وَمَا كَانَ مِنَ الذَّبَائِحِ أَسمَنَ وَأَغلَى فَهُوَ أَفضَلُ وَأَكمَلُ ، وَوَقتُ الذَّبحِ مُمتَدٌّ مِن بَعدِ صَلاةِ العِيدِ إِلى غُرُوبِ شَمسِ اليَومِ الثَّالِثِ مِن أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، وَيَحرُمُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، فَكُلُوا فِيهَا وَاشرَبُوا وَأَكثِرُوا مِن ذِكرِ اللهِ بِالتَّكبِيرِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ ، في أَدبَارِ الصَّلوَاتِ وَفي جَمِيعِ الأَوقَاتِ .