خطبة عيد الأضحى (يوم النحر) 1439

خطبة عيد الأضحى[1] 1439
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد, الله أكبر كلما لبَّى ملب وطاف بالبيت العتيق طائف وكبَّر, الله أكبر عدد ما خلق الله وعدد ما تاب تائب من ذنبه واستغفر, الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون, فإنَّ الله يحب من عباده المتقين, وهو وليهم { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71]
عباد الله: إنَّ هذا اليوم يوم فضَّله الله على سائر الأيام, وهو يوم الحج الأكبر, وفيه أُذِّنَ لا يحج مشرك ولا يطوف بالبيت عريان, قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: (لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَيَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ)[2] أخرجه الشيخان. إنَّ العناية بالعقيدة الصحيحة ودعوة الناس إليها من أهم المهمات وأوجب الواجبات, فلا لمظاهر الشرك في الحج ولا للعادة الجاهلية بطواف عريان بالبيت, فالمسلمون يؤدون حجهم مخلصين فيه العبادة لله وحده, يعبدون الله لا يشركون به شيئاً, ويلبسون لباس الإحرام, لا كما كان عليه أهل الجاهلية من العُري, نسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم وأن يُسهِّل عليهم أمورهم وأن يردهم إلى بلادهم سالمين غانمين القبول والأجر والثواب.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
معاشر المسلمين: في هذا اليوم يفرح المؤمنون بعيدهم, ويتقربون إلى الله بذبح أضاحيهم بعد تأديتهم صلاة العيد, يذكرون اسم الله عليها, طيبةً بها نفوسهم, سائلين ربهم أن يتقبلها منهم, يذبح كل واحد أضحيته بنفسه أو ينيب غيره, ثم يأكل منها, ويهدي على الجار والقريب, ويتصدق على الفقير والمحتاج, فتقدَّوا فقراءكم وتلَّمسوا حاجات المحتاجين, والله سبحانه يجزي المتصدقين الذي ينفقون سرَّا وعلانية. الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
أيها المؤمنون: اذكروا نِعم الله عليكم واشكروه عليها, وإذا رأيتم شاكراً للنعم مكثراً حمد الله عليها, فإنَّما هو يرى من نعم الله العظيمة ما لا يرى غيره, ممن يتضجر ويتشكى لما عليه حاله, أما المؤمن فإنَّه يحمد الله على كل حال, بلا تأفف أو تشكٍّ لأحد, إنَّما يسأل الله صلاح دينه وصلاح دنياه وصلاح آخرته.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد  
معاشر المسلمين: ما بال أقوام جعلوا الغيبة فاكهة مجالسهم, لا يطيب لهم جلوس إلا بذكر معايب فلان أو فلانة, أما علموا أنَّ الغيبة من حصائد ألسنتهم التي قد تكبُّهم في النار على وجوههم.
إنَّ المغتاب مسكين يظن أنَّه رابح وهو خاسر خسر حسناته وما أساء إلا لنفسه.  
عباد الله: اجعلوا ألسنتكم ذاكرة لله مثنية عليه, وقولوا القول الحسن للناس, قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] ومن القول الحسن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والكلام الطيب اللين, ولو آذاك إنسان بلسانه فادفع أذاه بالتي هي أحسن قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] قال الإمام السعدي رحمه الله: (إذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب ونحوهم، إساءةً بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين, وإن هجرك، وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} أي: كأنه قريب شفيق)[3].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
معاشر المسلمين: افرحوا بعيدكم والبسوا جديدكم وطهِّروا قلوبكم, واجعلوها قلوباً سليمة, فإنَّ من علامة سلامة القلب أن يحبَّ أحدكم لأخيه ما يُحب لنفسه, يفرح لأخيه يأتيه الخير, ويدعو له بالبركة والتوفيق, لا يداخل القلب السليم حسد ولا حقد ولا غِلٌّ ولا بغضاء.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً والحمدلله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله: الزموا الرفق في جميع أموركم, ليرفق الجار بجاره, وليرفق القريب بقريبه, وليرفق الزوج بزوجته وأبنائه, ولترفق الزوجة بزوجها وأبنائها, وليرفق الابن والبنت بالوالدين, اجعلوا الرفق مصاحباً لكم في تعاملكم مع الناس, وارفقوا في ذبح أضاحيكم بحدِّ الشفرة وإراحة الذبيحة, قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)[4] أخرجه البخاري وفي زيادة عند مسلم (ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه)[5] وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ)[6] أخرجه مسلم.
اللهم ارزقنا الرفق في الأمر كله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية: عيد الأضحى 1439
الحمدلله على كثرة جوده وعظيم إحسانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, خلق الخلق ليعبدوه, فمن عبده كما أمر فاز في دار المعاد, ومن عصاه وخالف أمره, خسر خسراناً مبيناً, وأشهد أنَّ محمداً رسول رب العالمين, وخاتم الأنبياء والمرسلين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, الله الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد, أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون وأقيموا الصلاة كما أمركم ربكم وأدُّوا زكاة أموالكم واصدقوا في أقوالكم وأخلصوا في أعمالكم, وصلوا أرحامكم, وبُرُّوا بآبائكم وأمهاتكم في حياتهم, وكذلك بعد مماتهم, بالدعاء لهم والصدقة عنهم, وغير ذلك من وجوه البر المشروعة.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً والحمدلله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
أيتها النساء: اتقين الله واحفظن ألسنتكن من قول الإثم وربِّين أولادكن تربية صالحة, واحفظن للزوج حقه كما يجب على الزوج حفظ حق زوجته, معاشرة بالمعروف, وإحسانَ صحبة, وأكثرن من الصدقات, والتزمن الحجاب الكامل والبسن الساتر الواسع الطويل من الثياب الذي لا يكون فيه فتنة ولا تلبسن أو تُلبسن بناتكن قصيراً أو ضيقاً أو شفافاً فإنكن عن بناتكن مسؤولات.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه, وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بقية الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, اللهم أعزَّ دينك وأعل كلمتك, وانشر على العباد رحمتك, اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا, واحفظنا وذرياتنا بحفظك وأصلح قلوبنا وأعمالنا واجعلنا جميعا ووالدينا من أهل الجنة, اللهم احقن دماء المسلمين وأصلح أحوالهم وول عليهم الصالحين الأخيار واكفهم شرَّ المفسدين والفجار, اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا وقوات التحالف العربي وأهلنا في اليمن, ثبت أقدامهم وسدد رميهم واجمع على الحق كلمتهم وانصرهم على الحوثيين, اللهم عليك بالحوثيين ومن يقف معهم من الخونة المفسدين, اللهم عليك بالصهاينة والصليبيين والمجوس والروس والنظام الثوري في إيران, مزقهم وزلزلهم واشدد وطأتك عليهم وخالف بين قلوبهم واقتلهم بسلاحهم وصُبَّ عليهم العذاب صبَّاً, اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى وأصلحهما وأصلح بطانتهما وارزقهما بطانة صالحة ناصحة وأبعد عنهما بطانة السوء, اللهم احفظ بلادنا وولاة أمرها وعلماءها وأهلها وزدها قوة وأمناً وزدها تمسُّكاً بالدين وزدها لك شكرا يا رب العالمين, اللهم اجعل بلادنا آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين, اللهم تقبل منا صالح أعمالنا وبارك لنا في عيدنا {سُبحان رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182]
[1] تم إعدادها يوم الأحد 01/12/1439هـ, عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري. جامع الداخلة في سدير.
[2] أخرجه البخاري في كتاب الجزية, باب كيف ينبذ إلى أهل العهد برقم (3177) ومسلم في كتاب الحج, باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان...برقم (1347).
[3] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 749).
[4] أخرجه البخاري في كتاب الأدب, باب الرفق في الأمر كله برقم (6024).
[5] أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب, باب فضل الرفق برقم (2593).
[6] أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب, باب فضل الرفق برقم (2592).
المرفقات

عيد-الأضحى-1439

عيد-الأضحى-1439

المشاهدات 2960 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


وإياك.