خُطْبَةُ عِيدِ الْأَضْحَى لعام 1444 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1444/12/06 - 2023/06/24 05:58AM

اللهُ أَكْبَرُ (9 مرات)

الْحَمْدُ للَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الْقَوِيِّ الْمَتِينِ, رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْأَرَضِينَ, يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ، يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، خَلَقَ فَسَوَّى  وَقَدَّرَ فَهَدَى, وَخَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى, أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَبُّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَخَالِقُ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ، وَمُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وِأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مِنْ أَعْظَمِ أَيَّامِ اللهِ وَفِيهِ تُقَامُ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْبُلْدَان, وَمِنْ ذَبْحِ الْأَضَاحِي وَالْقُرْبَانِ, وَفِي عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَقَفَ الْحُجَّاجُ مُلَبِّينَ وَمُكَبِّرينَ, وَفِي مِنَى يَرْمُونَ الْجَمْرَاتِ, وَيَذْبَحُونَ الْهَدْيَ وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ , ثُمَّ يَحْلِقُونَ رَؤُوسَهُمْ وَيُقَصِّرُونَ تَذَلُّلًا لَهُ وَتَعَبُّدًا, يَدْعُونَ اللهَ مُبْتَهِلِينَ وَيَسْأَلُونَهُ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ, فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ عَلَى مَا تَكَرَّمَ بِهِ وَتَفَضَّلَ وَلَهُ الشُّكْرُ وَالْعِرْفَانُ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْغُفْرَانَ, فَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَبِحَمْدِهِ زِنَةَ عَرْشِهِ وَرِضَاءَ نَفْسِهِ وَعَدَدَ خَلْقِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: افْرَحُوا بِعِيدِكُمْ ، وَأَدْخِلُوا الْفَرَحَ عَلَى آبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ فَبَرُّوهُمْ وَصِلُوا أَرْحَامَكِمْ وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ وَمَعَارِفِكُمْ, وَأَدْخِلُوا السُّرُورَ عَلَى أَهَالِيكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ بِالْهَدَايَا وَالتُّحَفِ وَاللَّهْوِ الْمُبَاحِ مَعَهُمْ, فَإِنَّ هَذَا مِنْ حُسْنِ الرِّعَايَةِ وَمِنْ حَقِّهِمْ عَلَيْكُمْ, وَتَوَاصَلُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمُدُّوا أَيْدِيَكُمْ لِتُصَافِحَ الْيَدَ التِي هَجَرَتْ, وَأَدْخِلُوا السُّرُورَ عَلَى الْقُلُوبِ التِي كُسِرَتْ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ

أُمَّةَ الإِسْلِام: إِنَّ أَعْظَمَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيدُ, وَأَعْظَمَ مَا نَهَى عَنْهُ الشِّرْكُ, قال الله تعالى {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}, فَاعْرِفُوا دِينَكُمْ وَتَعَلَّمُوا التَوْحِيدَ, وَقَالَ اللهُ تَعَالَى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ}, فَالتَّوْحِيدَ هُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ, وَهُوَ حَقُّ اللهِ الذِي افْتَرَضَهُ عَلَى الْجِنِّ وَالإِنْسِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}, فَهَذِهِ هِيَ الْحِكْمَةُ التِي مِنْ أَجْلِهَا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ, وَأَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ, وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ وَخَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ, قَالَ اللهُ تَعَالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}, فَرُسُلُ اللهِ الْكِرَامُ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ كُلُّهُمْ بُعِثُوا لِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ, يَدْعُونَ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَيَنْهَوْنَ عَنْ عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ, إِنَّ العِبَادَةَ حَقُّ اللهِ الذِي يَجِبُ أَنْ يُصْرَفَ لَهُ وَحْدَه, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَجَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ, يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ, فَقَالَ (يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ, وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟) قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ (فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا, وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ (لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ عَظيمَةٌ وَقُرْبَةٌ كَبِيرَةٌ, وَهِيَ عَمُودُ الإِسْلَامِ, وَلِذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ تَرَكَ دِينَه, قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ) رَوَاهُ مُسْلِم, وَإِنَّ مِنَ الْأَخْطَاءِ التِي كَثُرَتِ الآنَ: الصَّلَاةُ فِي الْبَيْتِ، فَمَا أَكْثَرَ الرِّجَالِ الذِينَ يُصَلَّونُ فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُمْ يَسْمَعُونَ أَصْوَاتَ الْمَآذِنِ حَوْلَهُمْ، وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ وَاجِبَةٌ، وَتَرْكُهَا مُحَرَّمٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيّ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ

أُمَّةَ الْإِسْلَامِ: إِنَّ إِجْلَالَ الْعُلَمَاءِ وَاحْتِرَامَهُمْ وَتَقْدِيرَهُمْ مِمَّا تَكَاثَرَتْ بِهِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ وَالآثَارُ السَّلَفِيَّةُ, فَهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَهْلُ خَشْيَةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ, وَهُمْ حَمَلَةُ الشَّرِيعَةِ وَأَمَنَةُ وَحْيِ اللهِ, أَمْضَوْا أَوقَاتَهُمْ مَعَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَأَفْنَوْا أَعْمَارَهُمْ فِي تَعْلِيمِ وَنُصْحِ الْأُمَّةِ, فَحَقُّهُمْ عَلَيْنَا كَبِيرٌ وَمَنْزِلَتُهُمْ فِينَا عَظِيمَةٌ, فَنَأْخُذَ الْعِلْمَ عَنْهُمْ وَنَتَأَدَّبَ بِأَدَبِهِمْ وَنَنْتَهِجَ مَنْهَجَهُمْ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَالعُلَمَاءُ لَيسُوا مَعْصُومِينَ, فَهُمْ بَشَرٌ قَدْ يُخْطِئُونَ, فَإِنَّ عَلِمْنَا خَطَأَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ اجْتَنَبْنَا خَطَأَهُ وَأَخَذْنَا بِالْحَقِّ, وَلَكِنَّنَا نَعْتَذِرُ لَهُ وَنَلْتَمِسُ الصَّفْحَ عَنْهُ, وَذَلِكَ أَنَّهُ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ, فَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْر) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَإِنَّهُ مِمَّا يُحْذَرُ مِنْهُ مَا صَارَ يَتَرَدَّدُ فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ, وَيُتَنَاقَلُ فِي وَسَائِلِ التَّوْاصُلِ مِنْ انْتِقَاصٍ مِنْ مَنْزِلَةِ الْعُلَمَاءِ, وَتَهْوِينٍ مِنْ شَأْنِهِمْ, وَأَنَّهُمْ لَيْسَتْ لَهُمْ قُدْسِيَّةٌ بِحَيْثُ لا يُخْطِئُونَ, فَإِنَّ هَذِهِ كَلِمَاتُ حَقٍّ وَلَكِنْ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ, فَإِنَّهُ لا أَحَدَ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ يَقُولُ: إِنَّ الْعُلَمَاءَ مَعْصُومُونَ, وَلا أَنَّهُمْ لَا يُخْطِئُونَ, فَهُمْ بَشَرٌ رُبَّمَا أَخْطَأُوا, وَأَرَادُوا الْحَقَّ وَلَمْ يُصِيبُوا, لَكِنْ لا يَجُوزُ أَنَّ نُهَوِّنَ مِنْ شَأْنِ عُلَمَائِنَا وَلا نَتَكَلَّمُ عَنْهُمْ كَمَا لَوْ كُنَّا نَتَكَلَّمُ عَنْ مَنْ لَا شَأْنَ لَهُ, بَلْ يَجِبُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ كَلامِنَا إجْلَالُهُمْ, وَيَبْرُزَ مِنْ خِطَابِنَا تَقْدِيرُهُمْ وَاحْتِرَامُهُمْ, وَنَذْكُرَ مَنَاقِبَهُمْ وَنُبْرِزَ مَحَاسِنَهُمْ, وَنَعْتَذِرَ عَنْ زَلَّاتِهِمْ, كَيْفَ لَا؟ واللهُ تَعَالَى قد قَالَ فِيْهِمْ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}, وَقَالَ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ النَّاظِرَ فِي أَحْوَالِ شَبَابِنَا ذُكُورًا وَإِنَاثًا, بَلْ وَحَتَّى كِبَارِ السِّنِّ مِنَ الْجِنْسَيْنِ يَرَى أَمْرًا مُفْزِعًا وَشَيْئًا مُؤْلِمًا مِنَ الانْكِبَابِ عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ بِشَكْلٍ يَصِحُّ أَنْ نُسَمِّيهِ (هِسْتِيرِيًا), فَبَرَامِجُ مُتَنِوَّعَةً, وَأَشْكَالٌ مُتَعَدِّدَةً, انْشَغَلَ بِهَا الْكِبَارُ قَبْلَ الصِّغَارِ وَالرِّجَالُ قَبْلَ النِّسَاءِ, إِنَّهَا بَرَامِجُ تُضِيعُ الْأَوْقَاتَ وَتُفْنِي الْأَعْمَارَ, إِنَّهَا وَسَائِلُ فِي غَالِبِهَا تَدْعُو لِلَّهْوِ, وَتَنْشُرَ الْخَنَا وَالرَّذِيلَةَ, فَكَمْ مِنَ الصَّلَوَاتِ ضُيِّعَتْ وَكَمْ مِنَ السَّاعَاتِ أُهْدِرَتْ؟ وَكَمْ سَقَطَ مِنْ عَاقِلٍ فَصَارَ فِي عِدَادِ السُّفَهَاءِ؟ وَكَمِ انْحَدَرَتْ مِنْ عَفِيفَةٍ حَتَّى صَارَتْ مَحْسُوبَةً عَلَى الْفَاجِرَاتِ, وَلا حَوْلَ وَلا  قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.

إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَفِيقَ مِنْ غَفْلَتِنَا وَأَنْ نَسْتَيْقِظَ مِنْ رَقْدَتِنَا قَبْلَ أَنْ نَجِدَ أَنْفُسَنَا انْسَلَخْنَا مِنْ دِينِنَا وَتَخَلَّيْنَا مِنْ عَفَافِنَا وَطُهْرِنَا, وَتَرَكْنَا مَنْهَجَ سَلَفِنَا, إِنَّهُ عَلَيْنَا –كُلٌّ بِحَسَبِهِ – أَنْ نُرَشِّدَ اسْتِخْدَامَ هَذِهِ الْوَسَائِلَ, وَأَنْ نُوَظِّفَهَا فِيمَا يَخْدِمُ دِينِنَا وَيَرْقَى بِدُنْيَانَا.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

اللهُ أَكْبَرُ (7 مرات), الْحَمْدُ للهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدْ, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاهُ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا نَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ هُوَ ذَبْحُ الْأَضَاحِي تَقُرَّبًا إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ, وَالْأُضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْقَادِرِ, وَلابُدَّ أَنْ تَكُونَ الذَّبِيحَةُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ, وَلا بُدَّ أَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا, وَهِيَ خَمْسُ سِنِينَ لِلْإِبِلِ وَسَنَتَانِ لِلْبَقَرِ وَسَنَةٌ لِلْمَعْزِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ لِلْضَأْنِ, وَلا تَصِحُّ التَّضْحِيَةُ بِأَرْبِعِ أَنْوَاعٍ مِنَ الضَّحَايَا, عَنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا, وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا, وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذَّبْحِ مِنْ صَلاةِ الْعِيدِ إِلَى غُرُوبِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ, فَأَيَّامُ الذَّبْحِ إِذَنْ أَرْبَعةٌ, وَيَنْبَغِي أَنْ تَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِكَ وَتُهْدِي لِأَقَارِبِكَ وَجِيرَانِكَ وَتَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ

أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَاتُ الْمُؤْمِنِات: إِنَّ الْمَرْأَةُ إِذَا صَلَّتْ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَأَحْصَنَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا فَلْتَدْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ, إِنَّكِ أَيَّتُهَا المرْأَةُ: الأُمُّ الحَنُونُ, وَالزَّوْجَةُ العَطُوفُ, وَالبِنْتُ الرَّقِيقَةُ, وَالأُخْتُ الحَانِيَة, إِنَّكِ أَيَّتُهَا المرْأَةُ إِنْ صَلَحْتِ صَلَحَ الْمُجْتَمَع , وَإِنْ فَسَدْتِ فَعَلَى الأُسْرَةِ السَّلام ! إِنَّكِ أَيَّتُهَا المرْأَةُ مُسْتَهْدَفَةٌ مِنْ الشَّيْطَانُ وَمِنْ حِزْبِهِ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ, إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ إِخْرَاجَكِ مِنْ بَيْتِكِ لِتَكُونِي سِلْعَةً مُبْتَذَلَةً, وَآلَةً رَخِيْصَةً, تَعْمَلِينَ فِي الْمَصَانِعِ, وَتَخْتَلِطِينَ مَعَ الرِّجَال! إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ نَزْعَ حِجَابِكِ, وَتَقْصِيرَ ثِيَابِكَ, وَتَعْرِيَةَ بَدَنِكِ ! إِنَّهُمْ يُرِيدُونَكِ كَنِسَاءِ أُورُبَّا, تَلْهَثِينَ وَرَاءَ كُلِّ مَا أَنْتَجَهُ الغَرْبَ وكُلِّ مَا صَنَعَهُ الشَّرْقُ مِنْ مُتَعِ الْحَيَاةِ وَأَدَوَاتِ التَّجْمِيلِ وَمُودِيْلاتِ اللِّبَاس, لِكَيْ تَنْشَغِلِي عَنْ دِيْنِكِ, وَيُلْهُونَكِ عَنْ مُهِمَّتِكِ فِي الْحَياة, مِنْ خِدْمَةِ زَوْجِكِ وَإِصْلاحِ بَيْتِكِ, فَكُونِي عَلَى حَذَرٍ, حَفَظَكِ اللهُ, وَسَدْدَ عَلَى طَرِيقِ الحَقِّ خُطَاكِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ  وَللهِ الْحَمْد 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ الْعِيدِ مَا يَحْدُثُ بَيْنَ الأَهْلِ وَالْجِيرَانِ مِنَ التَّزَاوِرِ وَالسَّلامِ وَتَبَادُلُ التَّهَانِي بِالْعِيدِ, مِمَّا لَهُ الأَثَرُ الْبَالِغُ عَلَى النُّفُوسِ فِي نَشْرِ الْمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ الأَقَارِبِ, وَهَذِهِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}, وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ, وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِيُّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّ الْعِيدَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ, وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ, إِنَّ صِلَةِ الرَّحِمِ طَرِيقٌ لِلسَّعَادِةِ فِي الدُّنْيَا وَطَرِيقٌ لِلْجَنَّةِ فِي الآخِرَةِ, عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضَيِ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِي إلى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ (تَعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا, وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ), فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أَمَرْتُهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ, وَللهِ الْحَمْد 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ وَوَحِّدْ صُفوفَهُمْ، وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ, اللَّهُمَّ احْفَظْ إِمَامَنَا خَادَمَ الحَرَمَينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ, وَوَفِّقْهُمْ لِرَضَاكَ وَاهْدِهِمْ بِهُدَاكَ, وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَأَعْوَانَهُمْ يَا رَبَّ العَالَمِينَ, اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً وَاجْعَلْ عَمَلَهُمْ بِرِضَاكَ، وَارْزُقْهُمْ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ وَابْعِدْ عَنْهُمْ بِطَانَةَ السُّوءِ يَا رَبَّ الْعَالِمِينَ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ احْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ، وَاجْعَلَ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ, اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ اللَّهُمَّ اشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ تَدِبيرَهُ تَدْمِيرًا لَهُ يَا رَبَّ الْعَالِمِينَ, اللَّهُمَّ كُنْ لَنَا وَلا تَكُنْ عَلَيْنَا, وَانْصُرْنَا وَلا تَنْصُرْ عَلَيْنَا, سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ, وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

1687575529_خُطْبَةُ عِيدِ الْأَضْحَى 1444هـ.docx

المشاهدات 1614 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا