خطبة عيد الأضحى لعام 1440هـ

سليمان بن خالد الحربي
1443/11/28 - 2022/06/27 15:21PM

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ.

اللهُ أكبرُ كُلَّما طَلَبَ عَبدٌ مِنْ ربِّه العَفْوَ والغُفْرَانَ, اللهُ أكبرُ كلَّما أحرَم الـمُسلِمونَ وذَبَحُوا للهِ مِن الأَضاحِي والقُربانِ, اللهُ أكبرُ عَدَدَ ما أفاضَ الْمَولى منَ النِّعَمِ والإِحْسَانِ, اللَّهُمَّ لَكَ الحمدُ بالإيمانِ, ولكَ الحمدُ بالقُرْآنِ, وَلَكَ الحَمْدُ بالأمْنِ والأمَانِ.

نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الـمَلِكُ الدَّيَانُ, وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ بَعَثَهُ اللهُ بالرَّحمَةِ لِلإِنْسِ والجَآنِّ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ عَلَى خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ, وَإِمَامِ الأَصْفِيَاءِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَوْفِيَاءِ, وَمَنْ تَبِعَهم بإِحْسَانٍ وِإِيمَانٍ إلى يَومِ الجَزاءِ.

أمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ! خَيْرُ مَا يُوصَى بِهِ الأَنَامُ تَقْوَى الـمَلِكِ العَلَّامِ, فَاتَّقوا اللهَ فِي الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ تَفُوزُوا بِالْحُسْنَى وَزِيَادَةٍ، وَاحْمَدُوا اللهَ عَلَى هَذَا الدِّينِ العَظِيمِ، وَاشْكُرُوهُ بِـهَذَا العِيدِ السَّعيدِ، فَعيدُنا شُكْرٌ للهِ عَلَى عَطَايَاهُ, عِيدُنا تَوحِيدٌ خَالِصٌ وَعِبَادَةٌ وَعَقِيدةٌ للهِ ربِّ العالَـمِينَ: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].

مَعْشَرَ الإِخْوَةَ! فِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ العَظِيمِ وَقَفَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الـمِنْبَرِ فِي مَكَّةَ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي سُمِّيَتْ بِحَجَّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ أُصُولًا عَظِيمَةً مِنْ أُصُولِ الإِسْلَامِ، وَهِيَ مِنْ أَوَاخِرِ وَصَايَاهُ الَّتِي لَمْ يَعِشْ بَعْدَهَا طَوِيلًا، فَقَدْ حَذَّرَ مِنَ الشِّرْكِ، وَحَذَّرَ مِنَ القَطِيعَةِ وَالتَّدَابُرِ وَالاقْتِتَالِ، وَحَرَّمَ فِيهَا دَمَ الـمُسْلِمِ وَمَالَهُ وَعِرْضَهُ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ».

مَعْشَرَ الإِخْوَةَ! فِي هَذَا اليَوْمِ يُخْتَمُ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، فَيَوْمُكُمْ هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، هُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، وَهُوَ آخِرُ الأَيَّامِ الـمَعْلُومَاتِ، وَأَوَّلُ الأَيَّامِ الـمَعْدُودَاتِ، فِي هَذَا اليَوْمِ العَظِيمِ يَجْتَمِعُ الحُجَّاجُ لِيُؤَدُّوا فِيهِ مُعْظَمَ مَنَاسِكِ الحَجِّ، وَيَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ بِالعَجِّ وَالثَّجِّ، فِيهِ يَرْمُونَ الجَمْرَةَ الكُبْرَىَ، وَيَنْحَرُونَ الهَدَايَا، فِيهِ يَحْلِقُونَ رُؤوسَهُمْ، وَيَطُوفُونَ بِالبَيْتِ العَتِيقِ، وَيَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالـمَرْوَةَ بِسَكِينَةٍ وَتَحْقِيقٍ، فِي هَذَا اليَوْمِ يَشْتَرِكُ الحُجَّاجُ وَغَيْرُ الحُجَّاجِ بِإِرَاقَةِ دِمَاءِ الهَدِي وَالأَضَاحِي تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ قَالَ تَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37]، وَقَالَ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «الـمُرَاد بِالتَّقْوَى هُنَا اتِّقَاءَ الشِّرْكِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَمَنِ اتَّقَاهُ وَهُوَ مُوَحِّدٌ فَأَعْمَالُهُ الَّتِي تَصْدُقُ فِيهَا نِيَّتُهُ مَقْبُولَةٌ».

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ.

مَعْشَرَ الإِخْوَةَ! يَأْتِي عَلَى الـمُؤْمِنِين أَوْقَاتٌ يُخْتَبَرُ فِيهَا إِيمَانُهُمْ، ويُبْتَلَى صِدْقُهُمْ وَثَبَاتُهُمْ، فَكَمْ فِي القُرْآنِ مِنَ الآيَاتِ الـمُنَبِّهَةِ عَلَى هَذِهِ الحِكْمَةِ؟! أَوَلَيْسَ اللهُ يَقُولُ: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2].

فَحِكْمَتُهُ لَا تَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالِ: إِنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَادَّعَى لِنَفْسِهِ الإِيمَانَ، أَنْ يَبْقوا فِي حَالَةٍ يُسْلِمُونَ فِيهَا مِنَ الفِتَنِ وَالـمِحَنِ وَالأَمْرَاضِ وَالـمَصَائِبِ، وَلَا يَعْرِضُ لَـهُمْ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِمْ إِيمَانِهِمْ وَفُرُوعَهُ، فَإِنَّهُمْ لَوْ كَانْ الأَمْرُ كَذَلِكَ، لَمْ يَتَمَيَّزِ الصَّادِقُ مِنَ الكَاذِبِ، وَالـمُحِقُّ مِنَ الـمُبْطِلُ، وَلَكِنَّ سُنَّتَهُ وَعَادَتَهُ فِي الأَوَّلِينَ وَفِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالعُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالـمَنْشَطِ وَالـمَكْرَهِ، وَالغِنَى وَالفَقْرِ، وَإِدَالَةِ الأَعْدَاءِ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الأَحَيْانِ، وَمُجَاهَدَةِ الأَعْدَاءِ بِالقَوْلِ وَالعَمَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الفِتَنِ الَّتِي تَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى فِتْنَةِ الشُّبُهَاتِ الـمُعَارِضَةِ لِلْعَقِيدَةِ، وَالشَّهَوَاتِ الـمُعَارِضَةِ لِلإِرَادَةِ.

فَمَنْ كَانَ عِنْدَ وُرُودِ الشُّبُهَاتِ وَالـمَصَائِبِ يَثْبُتُ إِيمَانُهُ وَلَا يَتَزَلْزَلُ، وَيَدْفَعُهَا بِمَا مَعَهُ مِنَ الحَقِّ، وَعِنْدَ وُرُودِ الشَّهَوَاتِ الـمُوجِبَةُ وَالدَّاعِيَةُ إِلَى الـمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، أَوِ الصَّارِفَةُ عَنْ مَا أَمَرَ الله بِهِ وَرَسُولُهُ، يَعْمَلُ بِـمُقْتَضَى الإِيمَانِ، وَيُجَاهِدُ شَهْوَتَهُ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِهِ وَصَحَّتِهِ.

وَمَنْ كَانَ عِنْدَ وُرُودِ الشُّبُهَاتِ تُؤَثِّرُ فِي قَلْبِهِ شَكًّا وَرِيَبًا، وَعِنْدَ اعْتِرَاضِ الشَّهَوَاتِ تَصْرِفُهُ إِلَى الـمَعَاصِي أَوْ تَصْرِفُهُ عَنِ الوَاجِبَاتِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الفَقْرِ وَالـمَرَضِ يُسِيءُ الظَّنَّ وَيَنْقَلِبُ عَلَى وَجْهِهِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إِيمَانِهِ وَصِدْقِهِ.

وَنَحْنُ اليَوْمَ فِي زَمَنٍ كَثُرَتْ فِيهِ الفِتَنُ وَالـمُشَتِّتَاتُ، وَفَسَادُ كَثِيرْ مِنَ النَّاسِ، وَقَدْ أَخْبَرَ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِى تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عَودًا عَودًا»، أَيْ: أَنَّ الفِتَنَ تُؤَثِّرُ عَلَى القَلْبِ كَمَا يُؤَثِّرُ الحَصِيرُ عَلَى النَّائِمِ؛ وَذَلِكَ بِبَقَاءِ أَثَرِهِ عَلَى الظَّهْرِ إِذَا قَامَ مِنْ نَوْمِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةً، كُلَّمَا كَثُرَ النَّوْمُ عَلَيْهِ كُلَّمَا ظَهَرَ أَثَرُهُ أَكْثَرَ، وَهَذَا شَيْءٌ مُشَاهَدٌ.

وَقِيْلَ فِي ضَبْطِهِ: «عَوْدًا عَوْدًا»؛ وَذَلِكَ أَنَّ نَاسِجَ الْحَصِيرِ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلَّمَا صَنَعَ عُودًا أَخَذَ آخَرَ وَنَسَجَهُ، فَشَبَّهَ عَرضَ الْفِتَنِ عَلَى الْقُلُوبِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى بِعَرْضِ قُضْبَانِ الْحَصِيرِ عَلَى صَانِعهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ.

قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا
-أَوْ عَوْدًا عَوْدًا- فَأَىُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا»، أَيْ: قَبِلَهَا وَسَكَنَ إِلَيْهَا وَخَالَطَهَا وَوَافَقَ النَّاسَ عَلَيْهَا، «نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ»، أَيْ: أَصْبَحَ لَهَا أَثَرٌ فِي قَلْبِهِ، «وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ؛ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ»؛ وَذَلِكَ لِصَلَابَتِهِ وَمَلَاسَتِهِ وَشِدَّتِهِ، وَعَدَمِ تَأَثُّرِه، فَلَمْ تَلْتَصِقْ بِهِ هَذِهِ الفِتْنَةُ بَلْ أَنْكَرَهَا. «وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا»، أَيْ: فِيهِ سَوَادٌ وَغَبْرَةٌ «كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا»، وَالكُوزُ: الإِنَاءُ الَّذِي يُشْرَبُ بِهِ الـمَاءُ، وَقَوْلُهُ: «مُجَخِّيًا»، أَيْ: مَائِلٌ مَنْكُوسٌ، فَهُوَ قُلِبَ ونُكِّسَ حَتَّى
لَا يَعْلَق بِهِ خَيْرٌ وَلَا حِكْمَةٌ؛ كَالكَأْسِ الـمَنْكُوسِ وَالـمَائِلِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْلِقَ بِهِ الـمَاءُ،
«لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ».

هَذِهِ نِهَايَةُ الاخْتِبَارُ، فَالنَّاسُ يُخْتَبَرُون بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ!

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِـمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الـمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ! هَذَا العِيدُ يَوْمٌ سَعِيدٌ وَعِيدٌ مَجِيدٌ، هَذَا اليَوْمُ أَحَدُ اليَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ جَعَلَهُمَا اللهُ عِيدًا لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، فَلِلأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي عَامِهَا عِيدَانِ: عِيدُ الفِطْرِ وَعِيدُ الأَضْحَى، عِيدُ الفِطْرِ مِنْ صِيَامِنَا، وَعِيدُ أَكْلِنَا مِنْ نُسُكِنَا؛ رَوَى أَبُو دَاودَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِم النَّبِيُّ الـمَدِينَةَ، وَلَـهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: عِيْدَ الفِطْرِ، وَعِيْدَ الأَضْحَى».

فَضَحُّوا ضَحَايَاكُمْ تَقَبَّلَ اللهُ مِنْكُمْ، وَأَبْشِرُوا بِالأَجْزَلِ الجَزِيلِ، «فَمَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ فِي يَوْمِ أَضْحَى أَفْضَلَ مِنْ دَمٍ يُهْرَاقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَحِمًا يُوصَلُ، وَإِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا». وَرَوَى البَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا هَذِهِ الأَضَاحِىُّ؟ قَالَ: «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ». قَالُوا: مَا لَنَا فِيهَا مِنَ الأَجْرِ؟ قَالَ: «بِكُلِّ قَطْرَةٍ حَسَنَةٌ»، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا عَلَى الـمُحْتَاجِينَ، وَاهْدُوا لِلأَقَارِبِ وَالأَصْدِقَاءِ، فَإِنَّهَا سُنَّةُ الأُضْحِيَةِ وَالهَدَايَا.

ووَقْتُ الذَّبْحِ يَمْتَدُّ مِنْ هَذَا اليَوْمِ بَعْدَ صَلَاةِ العِيدِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثِ عَشَرَ، وَتَكْفِي أَهْلَ البَيْتِ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ، والسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا وَيُهْدُوا وَيَتَصَدَّقُوا، وَلْيُسَمِّ الـمُضَحِّي أُضْحِيَتَهُ فَيَقُولُ إِذَا أَضْجَعَهَا لِلذَّبْحِ عَلَى جَنْبِهَا الأَيْسَرِ مُتَّجِهَةً إِلَى القِبْلَةِ: بِسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، وَإِنْ كَانَ سَيُشْرِكُ أَحَدًا فَيَقُولُ: عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ مَنْ أَرَادَ ثَوَابَهَا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُوصَى بِذَبْحِهَا فَيَقُولُ: عَنْ فُلانَ أَوْ فَلَانَةَ.

فَالحَمْدُ اللهِ الَّذِي هَدَانَا لِدِينِنَا، وَشَرَعَ لَنَا أَنْسَاكَنَا، وَعَلَّمَنَا مَا بِهِ يَرْضَى عَنَّا.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

وَفِي هَذَا اليَوْمِ وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَتَزَاوَرُ النَّاسُ وَيَتَصَافَحُونَ، وَيَتَوَاصَلُ القَرِيبُ مَعَ قَرِيبِهِ، وَالصَّدِيقُ مَعَ صَدِيقِهِ، فَإِنَّ الصِّلَةَ مِنْ أَخَصِّ مَعَانِي العِيدِ، فَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ مِنَ الغِلِّ وَالحِقْدِ وَالكَرَاهِيَّةِ، وَأَشِيعُوا السَّلَامَ وَالعَفْوَ وَالصَّفْحَ، وَلَا يَزِيدُ اللهُ بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا.

أَعَادَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الـمُسْلِمِينَ بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنَ الـمُسْلِمِينَ صَالِحَ الأَعْمَالِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ الهُدَى وَإِمَامِ الوَرَى، فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نِبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ الـمَهْدِيينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الجَنَّةَ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ... اللَّهُمَ عَلَيْكَ بِالطُّغَاةِ الظَّلَمَةِ الَّذِين عَاثَوا فِي الأَرْضِ الفَسَادِ، اللَّهُمَّ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ حَالَ إِخْوَانِنَا الـمُسْتَضْعَفِين فِي سُورِيَا وَفي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ يَا مُجِيبُ دَعْوَةَ الـمُضْطرِّينَ اللَّهُمَّ فَرَجًا قَرِيبًا وَمَخْرَجًا عَاجِلًا، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى الظَّالِـمِينَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ رَايَتَهُمْ وَاكْبِتْ عَدُوَّهُمْ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالـمُسْلِمِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الـمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِكِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاليَهُودِ الـمُعْتَدِينَ وَالنَّصَارَى الـمُحَارِبِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكِ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ...

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِـمَا يُرْضِيكَ وَجَنِّبْهُمْ مَعَاصِيكَ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَى التَّائِبِينَ، وَاهْدِ ضَالَّ الـمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ رُدَّهُمْ إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، اللَّهُمَّ ارْفَعْ مَا نَزَلَ مِنَ الفِتَنَ ... اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا ...

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِينَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَـمِينَ.

المرفقات

1656343310_خطبة عيد الاضحى 1440.docx

المشاهدات 515 | التعليقات 0