خطبة عيد الأضحى المبارك 1442

طلال شنيف الصبحي
1442/12/08 - 2021/07/18 20:11PM

خطبة عيد الأضحى المبارك
10 / 12 / 1442 هـ
الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ الأعْيَادَ فِي الإسْلامِ مَصْدرًا لِلْهنَاءِ والسُّرُورِ، الحمدُ للهِ الذِي تفضَّل في هذِه الأيَّامِ العَشْرِ علَى كلِّ عبدٍ شَكُورٍ، سُبحانَه غافِرُ الذَّنْبِ وقابِلُ التَّوبِ شَديدُ العِقَابِ. نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ أَتَمَّهَا، وَعَافِيَةٍ أَسْبَغَهَا، وَمِحَنٍ رَفَعَهَا، وَكُرُوبٍ كَشَفَهَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا شَرَعَ لَنَا مِنَ المَنَاسِكِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ،
ونشْهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأَنَّ محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الْوَجْهِ الأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الأَزْهَرِ، وَأَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وَزَكَّى وَصَامَ وَحَجَّ وَاعْتَمَرَ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَدِيدًا وَأَكْثَرَ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله واعلموا أن خَيْرُ اللِّبَاسِ لِبَاسُ التَّقْوَى، وَخَيْرُ الزَّادِ التَّقْوَى، وَاللهُ جَلَّ وَعَلَا يُحِبُّ المُتَّقِيْنَ، وَلَا يَتَقَبَّلُ إِلَّا مِنَ المُتَّقِينَ، وَهُوَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، أَكْرَمُ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاهُمْ، وَأَوْلِيَاءُ اللهِ هُمُ المُتَّقُونَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
فَلْنَتَّقِ اللهَ تَعَالَى فِي أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا، وَمَا نَأْتِي وَمَا نَذَرُ. الْزَمُوا التَّقْوَى تَسْعَدُوا: {فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْـرًا} {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْـرًا}.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
عباد الله: يَومُكُمْ هذا يَومٌ عَظيمٌ مُبارَكٌ، رَفعَ اللهُ قدرَهُ، وأعلى ذِكرَهُ، وسمَّاهُ يَومَ الحجِّ الأكبر, يَوْمَ الْعَجِّ وَالثَّجِّ, يَوْمَ النَّحْرِ والذِّكر، يومَ العِيدِ السَّعيدِ, أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ وَأَعظَمُهَا، فاعرِفوا قدْرَ هذا اليومِ وعَظمَتِهُ، واستشعِروا برَكتَهُ وروعتَهُ، وتعرَضوا لنفحاتِ رَبِكُم ورحمتِه، وامْلَؤُوا قُلُوبَكُمْ من تَعْظِيمَ اللهِ تَعَالَى وَإجْلَالهِ وهيبتِه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
عبادَ الله: افْرَحُوا بِالْعِيدِ ولاتَطْغَوا؛ فَإِنَّهُ يَوْمُ عِبَادَةٍ وَسُرُورٍ، لا بَطَرٍ وغُرور! فَقَدْ قَدِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المدينةَ، وَلَهُم يومانِ يَلْعَبُونَ فيهما في الجاهلِية؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ).
وَعِيْدُ المسلمين: دِيْنٌ وَعِبَادَة، وَذِكْرٌ وتكبير، وصلاةٌ وصلة، فَأَرِيْقُوا للهِ الدماء، وأَكْثِرُوا له الثَّنَاء، وَطَهِّرُوا قلوبَكَم مِن البَغْضَاء، وتَلَبَّسُوا بالتقوى، فهو اللِّبَاسُ الذي لا يَبْلَى! ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾
واجْعَلُوا أَيَّامَ الْعِيدِ فَرَحًا لَا تَرَحًا، أيَّامَ اتِّفَاقٍ لَا اخْتِلاَفٍ، أيَّامَ سَعَادَةٍ لَا شَقَاءٍ، أيَّامَ حُبٍّ وصَفَاءٍ، لَا بَغْضَاءَ وَلَا شَحْنَاءَ، تَسَامَحُوا وَتَصالحوا، وتَوَادُّوا وَتَحَابُّوا، وتَعَاوَنُوا عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى، وصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَارْحَمُوا الْأَيْتَامَ، وتَخَلَّقُوا بِأخْلاقِ الْإِسْلامِ. واحذروا المنكرات، وأكثروا من الذكر والطاعات، شكرا لله تعالى على ما هداكم وأعطاكم.
عباد الله: لَقَدْ شَرَعَ اللهُ لَنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ ذَبْحَ الأَضَاحِي تَقَرُّبًا للهِ وَزُلْفَى، قَالَ سُبْحَانَه: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ فضَحُّوا يا عباد الله وَطِيبُوا نَفْسًا بِضَحَايَاكُمْ، وَاذْكُرُوا اللهَ عَلَى مَا رَزَقَكُمْ وَهَدَاكُمْ، فَإِنَّه مَا عُبِدَ اللهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ بِمِثْلِ إِرَاقَةِ دَمِ الأَضَاحِي، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
أيتها الأخوات الفاضلات: المرأةُ المُسْلِمَة: مَدْرَسَةُ الأَجيال، وَمصْنَعُ الرجال! وهي وصيةُ النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا).
والإسلامُ أَعْلَى شَأنَ المرأَةِ، ورَفَعَ قَدْرَهَا، وحَفِظَ حَقَّهَا، وأَوْصَى بِهِنَّ في أعظَمِ مَشْهَدٍ! قال صلى الله عليه وسلم في خُطْبَةِ الوَدَاعِ: (اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
عِبَادَ اللهِ: وَلا زال يطوف بِنَا هَذَا المَرَضُ والوباء؛ والذي لن يذهبه إلا فاطر الأرض والسماء، فَلْنَتَنَبَّهْ مِنْ غَفْلَتِنَا، وَلْنُرَاجِعْ أَنْفُسَنَا، وَلْنَأْخُذْ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ لِدَفْعِ البَلَاءِ وَرَفْعِهِ؛ لِنَرْجِعْ إِلَى اللهِ، وَلْنُبَادِرْ جَمِيْعًا بِالتَّوبَةِ إِلَى اللهِ، وَلْنُكْثِرْ مِنْ دُعَائِهِ تَعَالَى والتضرع إليه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} وَهَكَذَا ينبغي عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ بِالْأَسْبَابِ الحِسِّيَّةِ؛ الوِقَائِيَّةِ وَالْعِلَاجِيَّةِ, من التباعد الاجتماعي وترك المصافحة والتباعد بالصلاة، ولبس الكمامات، والعناية بالنظافة الشخصية.
عباد الله: اليوم عيدنا؛ فافرحوا به وأظهروا الفرح والسرور والسعادة على مُحيَّاكم، والابتسامة والبِشْرَ على وجوهكم، واستشعروه بوجدانكم، وتواصلوا فيما بينكم محبةً وودًّا، إن كان اليوم تصعب المصافحة، ويشق علينا العناق، واكتفينا من السلام بالنظر حتى نعود بحذر، لكن لا يمنع مقابلة الأحبة والأخوة والأصحاب بالترحيب والتهنئة، والابتسامة بكل حب وترحاب، وإن لم تتصافح أكفُّنا، فلتتصافَ قلوبنا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
تَقَبَّلَ اللهُ طَاعَاتِكُمْ وَصَالِحَ أَعْمَالِكُمْ، وَقَبِلَ صِيَامَكُمْ وصَدَقَاتِكُمْ وَدُعَاءَكُمْ، وَضَحَايَاكُمْ وَضَاعَفَ حَسَنَاتِكُمْ، وَجَعَلَ عِيدَكُمْ مُبَارَكًا وَأيَّامَكُمْ أَيَّامَ سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ وَفَضْلٍ وَإحْسَانٍ وَأَعَادَ اللهُ عَلَينَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكَاتِ هَذَا الْعِيدِ، وَجَعَلَنَا فِي الْقِيَامَةِ مِنَ الآمِنِينَ، وَحَشَرَنَا تَحْتَ لِوَاءِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ حُجَّاجَ بَيتِكَ الْـحَرَامِ، مِنْ كُلِّ سوء ومَكْرُوه، اللَّهُمَّ أَعِدْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ؛ سَالِمِينَ غَانِـمِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَجَّهُمْ، وَاغْفِرْ ذُنُوبَهُمْ، وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ جَزَاءَهُمْ، الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. اللهم اصرف عنا البلاء والوباء, اللهم اصرفه عنا وعن المسلمين, اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِم لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ عِيدَ عِزٍّ، وَنَصْرٍ، وَتَمْكِينٍ، اللَّهُمَّ أَعِدْهُ عَلَينَا، وَعَلَى المُسْلِمِينَ بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ والإِسْلَامِ وَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنَكم صَالِحَ الأَعْمَالِ ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المرفقات

1626639083_290576

المشاهدات 4240 | التعليقات 0