خطبة عيد الأضحى المبارك 1436

خطبة عيد الأضحى المبارك
فتن السراء وفتن الضراء (2)
الخميس 10/12/1436
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى.
﴿الحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ﴾ [الإسراء: 111]، وَاللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا.
الْحَمْدُ لِلَّـهِ بَاسِطِ الْخَيْرَاتِ، مُعْظِمِ الْبَرَكَاتِ، مُضَاعِفِ الْحَسَنَاتِ، غَافِرِ السَّيِّئَاتِ، فَارِجِ الْكُرُبَاتِ، مُجْزِلِ الْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ؛ يُطَاعُ فَيُثِيبُ وَيَشْكُرُ، وَيُعْصَى فَيْحَلُمُ وَيَغْفِرُ، دَلَّتْ مَخْلُوقَاتُهُ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَهُ مَعَ خَلْقِهِ أَفْعَالٌ تُوجِبُ عُبُودِيَّتَهُ وَمَحَبَّتَهُ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ أَتَمَّهَا، وَعَافِيَةٍ أَسْبَغَهَا، وَمِحَنٍ رَفَعَهَا، وَبَلَايَا رَدَّهَا، وَكُرُوبٍ كَشَفَهَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا شَرَعَ لَنَا مِنَ المَنَاسِكِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَلَوْلَاهُ لَضَلَلْنَا ﴿يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النساء: 176]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ المُلْكُ مُلْكُهُ، وَالْخَلْقُ خَلْقُهُ، وَالْقَدَرُ قَدَرُهُ، وَلَا يُقْضَى شَأْنٌ إِلَّا بِعِلْمِهِ، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ [الرُّوم: 25]، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ وَقَفَ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ مِنْ حَجَّتِهِ خَطِيبًا فِي الْحُجَّاجِ فَقَالَ لَهُمْ: «أَلاَ، أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً» قَالُوا: أَلاَ شَهْرُنَا هَذَا، قَالَ: «أَلاَ، أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً» قَالُوا: أَلاَ بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ: «أَلاَ، أَيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً» قَالُوا: أَلاَ يَوْمُنَا هَذَا، قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ» ثَلاَثًا، كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ: أَلاَ، نَعَمْ. قَالَ: «وَيْحَكُمْ، أَوْ وَيْلَكُمْ، لاَ تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» نَصَحَ فَأَبْلَغَ النُّصْحَ، وَحَذَّرَنَا مِمَّا يَضُرُّنَا، وَدَلَّنَا عَلَى مَا يَنْفَعُنَا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامٍ تَتَأَكَّدُ فِيهَا التَّقْوَى، وَفِي زَمَانٍ تَقَاطَرَتْ فِيهِ الْفِتَنُ، وَاشْتَدَّتِ المِحَنُ، وَلَا غِنًى لَكُمْ عَنِ اللَّـهِ تَعَالَى وَحِفْظِهِ وَعَوْنِهِ وَتَسْدِيدِهِ، وَنَصْرِهِ وَتَثْبِيتِهِ وَتَأْيِيدِهِ ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 27].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّـهِ الْحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ؛ أَهَلَّ الْحُجَّاجُ بِالمَنَاسِكِ، اللهُ أَكْبَرُ؛ مَلَئُوا الْفِجَاجَ وَالمَسَالِكَ، اللهُ أَكْبَرُ؛ وَفَدُوا مِنَ الْأَصْقَاعِ وَالمَمَالِكِ. اللهُ أَكْبَرُ؛ انْتَشَرُوا فِي الْحَرَمِ وَالمَشَاعِرِ، اللهُ أَكْبَرُ عَظَّمُوا الْحُرُمَاتِ وَالشَّعَائِرَ، فَاللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجَّهُمْ مَبْرُورًا، وَسَعْيَهُمْ مَشْكُورًا، وَذَنْبَهُمْ مَغْفُورًا.
أَيُّهَا النَّاسُ: وَقَفَ إِخْوَانُكُمُ الْحُجَّاجُ بِالْأَمْسِ فِي عَرَفَاتٍ، وَأَلَحُّوا عَلَى اللَّـهِ تَعَالَى بِالدَّعَوَاتِ، وَسَكَبُوا الْعَبَرَاتِ، وَتَعَلَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِرَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِاللَّـهِ الْكَرِيمِ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ وَيَدْعُونَهُ؟ وَمَا ظَنُّكُمْ بِالْغَنِيِّ الْحَمِيدِ وَهُمْ يَرْجُونَهُ وَيُؤَمِّلُونَهُ؟ وَمَا ظَنُّكُمْ بِاللَّطِيفِ الرَّحِيمِ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَهُ وَيَسْتَرْحِمُونَهُ؟ تَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَرَاءَهُمْ، وَبَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ، وَعَالَجُوا أَسْفَارَهُمْ، وَخَاطَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ؛ لِيَقِفُوا بِعَرَفَاتٍ، فَوَقَفُوا بِهَا شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ مُتَذَلِّلِينَ مُسْتَكِينِينَ، يُظْهِرُونَ فَقْرَهُمْ وَفَاقَتَهُمْ وَضَعْفَهُمْ لِلَّـهِ تَعَالَى.. أَتَظُنُّونَ أَنَّ الْكَرِيمَ يَرُدُّهُمْ؟ أَتَظُنُّونَ أَنَّ الرَّحِيمَ يُعَذِّبُهُمْ؟ أَتَظُنُّونَ أَنَّ اللَّطِيفَ يُخَيِّبُهُمْ؟ لَا، وَاللَّـهِ لَا يَرُدُّهُمْ رَبُّنَا وَلَا يُخَيِّبُهُمْ.. هَذَا ظَنُّنَا بِهِ سُبْحَانَهُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا ظَنَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بِرَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا، قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: جِئْتُ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَهُوَ جَاثٍ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَعَيْنَاهُ تَهْمُلَانِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَسْوَأُ هَذَا الْجَمْعِ حَالًا؟ قَالَ: الَّذِي يَظُنُّ أَنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ.
وَالْبَارِحَةَ بَاتَ إِخْوَانُكُمُ الْحُجَّاجُ فِي مُزْدَلِفَةَ، وَوَقَفُوا فِي المَشْعَرِ الْحَرَامِ يَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى وَيَدْعُونَهُ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى مِنًى لِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَهُمُ الْآنَ يَسِيرُونَ إِلَيْهَا فِي جُمُوعٍ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، يَجْأَرُونَ بِالتَّلْبِيَةِ، فَإِذَا رَمَوُا الْجِمَارَ؛ قَرَّبُوا أَنْسَاكَهُمْ، وَحَلَقُوا رُؤُوسَهُمْ، وَحَلُّوا إِحْرَامَهُمْ، وَطَافُوا بِالْبَيْتِ. فَيَا لَعَظَمَةِ التَّقَرُّبِ لِلَّـهِ تَعَالَى بِالمَنَاسِكِ! وَيَا لَرِقَّةِ الْقُلُوبِ فِي تِلْكَ المَوَاضِعِ، وَياَ لَرَوْعَةِ هَذِهِ المَشَاهِدِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّـهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مِنْ سُنَّةِ اللَّـهِ تَعَالَى أَنْ يَبْتَلِيَ عِبَادَهُ أَفْرَادًا وَأُمَمًا بِالسَّرَّاءِ وَبِالضَّرَّاءِ؛ لِيَنْظُرَ هَلْ يَشْكُرُونَ فِي سَرَّائِهِمْ، وَيَصْبِرُونَ فِي ضَرَّائِهِمْ، فَتَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزُ الْكَبِيرُ فِي الْآخِرَةِ، وَهِيَ سُنَّةٌ عَامَّةٌ فِي كُلِّ الْأُمَمِ، وَفِي كُلِّ الْأَزْمَانِ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: 94-95]، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَبْتَلِي وَيُعَافِي، وَيَمْنَعُ وَيُعْطِي، وَكُلُّ أَفْعَالِهِ عَزَّ وَجَلَّ تَدُورُ بَيْنَ الرَّحْمَةِ وَالْحِكْمَةِ. وَلَا تَنْتَهِي فِتَنُ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ إِلَّا بِالِانْتِقَالِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ، وَبِتَقَلُّبِ الْإِنْسَانِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي سَرَّاءَ خَافَ فِقْدَانَهَا، وَإِنْ كَانَ فِي ضَرَّاءَ حَزِنَ لِوُقُوعِهَا، وَلَا يَنْقَطِعُ عَنِ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ إِلَّا فِي الْجَنَّةِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأحقاف: 13-14].
إِنَّنَا -يَا عِبَادَ اللَّـهِ- فِي سَرَّاءَ يَكْتَنِفُهَا الْخَوْفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَإِخْوَانُنَا مِنْ حَوْلِنَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الدِّيَارِ وَقَعَتْ بِهِمُ الضَّرَّاءُ فَهُمْ فِي حُزْنٍ إِلَى أَنْ تُكْشَفَ ضَرَّاؤُهُمْ.
نَعِيشُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَالْجِدَة، وَنَخَافُ أَنْ يُصِيبَنَا مَا أَصَابَ غَيْرَنَا مِنَ الِاضْطِرَابِ وَالْخَوْفِ وَالْجُوعِ، وَقَدْ قَرَنَ اللهُ تَعَالَى بَيْنَ الْأَمْنِ وَالشِّبَعِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَارَ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِهِمَا ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: 57]، وَلَا يُبْقِي حَالَةَ الْأَمْنِ وَالشِّبَعِ وَالِاسْتِقْرَارِ إِلَّا الشُّكْرُ ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: 10]. كَمَا أَنَّ ارْتِكَابَ الْكُفْرِ بِنَوْعَيْهِ: الْكُفْرِ الْأَكْبَرِ أَوْ كُفْرِ النِّعَمِ سَبَبٌ لِتَحْوِيلِ هَذِهِ السَّرَّاءِ إِلَى ضَرَّاءَ ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112].
وَإِذَا نَظَرْنَا إِلَى وَاقِعِنَا وَجَدْنَا تَقْصِيرًا كَثِيرًا فِي شُكْرِنَا لِرَبِّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَغْمَ أَنَّ الْفِتَنَ تُحِيطُ بِنَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَالْخَوفَ وَالْجُوعَ يَتَخَطَّفَانِ مَنْ حَوْلَنَا! فَمَا تَرَكَ أَهْلُ المَعَاصِي مَعَاصِيَهُمْ، وَلَا أَهْلُ الْإِسْرَافِ إِسْرَافَهُمْ، وَلَا حَافَظَ عَلَى الطَّاعَةِ مُقَصِّرُونَ فِيهَا. بَلْ تَزْدَادُ المَعَاصِي فِينَا وَفِي بُيُوتِنَا وَفِي نِسَائِنَا وَأَوْلَادِنَا، وَيَكْثُرُ السَّرَفُ وَكُفْرُ النِّعَمِ فِي مَوَائِدِنَا وَوَلَائِمِنَا وَأَفْرَاحِنَا، حَتَّى صَارَ لِلْأَحْزَانِ وَالْعَزَاءِ وَلَائِمُ يُجْتَمَعُ لَهَا، وَيُرْمَى فَائِضُهَا فِي النُّفَايَاتِ، وَكَأَنَّنَا لَا نُبْصِرُ مَنْ يَمُوتُونَ جُوعًا مِنْ حَوْلِنَا، وَكَأَنَّنَا لَا نَرَى مَنْ يَمُوتُونَ غَرَقًا مِنْ جِيرَانِنَا، يَهْرُبُونَ مِنْ مَوْتٍ يَخَافُونَهُ فِي دِيَارِهِمْ، لِيَتَخَطَّفَهُمُ المَوْتُ فِي الْبَحْرِ فَيُلِقِيَهُمْ عَلَى شَوَاطِئِهِ.
نَعِيشُ فِي عَافِيَةٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْبِئَةِ، وَنَحْنُ نَرَاهَا تَتَخَطَّفُ النَّاسَ مِنْ حَوْلِنَا، فَنَحْتَاطُ مِنَ الْعَدْوَى وَلَكِنَّنَا لَا نَحْتَاطُ مِنْ عُقُوبَةِ مَنْ قَدَّرَ الْأَمْرَاضَ وَالْأَوْبِئَةَ، وَنَأْمَنُهُ سُبْحَانَهُ مَعَ أَنَّهُ حَذَّرَنَا مِنْ مَكْرِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: 99].
يَجِبُ أَنْ نَخَافَ فِي السَّرَّاءِ قَبْلَ أَنْ نَحْزَنَ فِي الضَّرَّاءِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَوْفُنَا مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى لَا مِنَ الْبَشَرِ، وَيَجِبُ أَنْ يَدْفَعَنَا خَوْفُنَا إِلَى الْعَمَلِ. يَجِبُ أَنْ نَخَافَ ذُنُوبَنَا فَنَتُوبَ مِنْهَا، وَنُقْلِعَ عَنْهَا، وَنَخَافَ تَقْصِيرَنَا فِي الطَّاعَاتِ فَنُحَافِظَ عَلَيْهَا، وَنَخَافَ ذُنُوبَ مَنْ حَوْلَنَا مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ وَزُمَلَاءَ وَجِيرَانَ فَنَأْمُرَ بِالمَعْرُوفِ وَنَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وَيَكُونَ الِاحْتِسَابُ عَلَى النَّاسِ سُلُوكًا لَنَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ مِنَّا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَأْخُذُ أُمَّةً يَحْتَسِبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117]، فَلْنَنْشُرِ الصَّلَاحَ وَالْإِصْلَاحَ فِي النَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَطْغَى المُفْسِدُونَ عَلَى السَّفِينَةِ فَيَخْرِقُوهَا فَنَغْرِقَ بِسَبَبِهِمْ، وَلَاتَ حِينَ مَنْدَمٍ!
إِنَّنَا لَا زِلْنَا فِي فَتْرَةِ الْإِمْهَالِ، وَمُدَّةِ المَعْذِرَةِ، فَلْنُحْسِنِ التَّصَرُّفَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ فَلَا يَنْفَعُ حِينَهَا تَلَاوُمٌ وَلَا اعْتِذَارٌ، وَلْنَحْذَرْ أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: 85].
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: وَمِنَ السَّرَّاءِ الَّتِي كُنَّا نَعِيشُهَا اجْتِمَاعُ كَلِمَتِنَا، وَتَآلُفُ قُلُوبِنَا، وَصُدُورُنَا عَنْ عُلَمَائِنَا، وَلَكِنْ لمَّا وَقَعَتْ مِنْ بَعْضِنَا تَفْرِقَةُ الدِّينِ بِأَخْذِ بَعْضِهِ وَتَرْكِ بَعْضِهِ، وَمُحَاوَلَةِ تَحْرِيفِهِ وَتَغْيِيرِهِ؛ دَبَّ التَّفَرُّقُ وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَنَا، وَكَثُرَ التَّقَاذُفُ وَالتَّرَاشُقُ فِي أَوْسَاطِنَا، وَصِرْنَا طَرَائِقَ قِدَدًا.
وَتَفْرِقَةُ الدِّينِ يَنْتِجُ عَنْهَا وَلَا بُدَّ تَفَرُّقُ الْقُلُوبِ وَاخْتِلَافُهَا وَتَبَاغُضُهَا؛ لِأَنَّ الدِّينَ الْحَقَّ جَامِعٌ لِلْقُلُوبِ، مُذِيبٌ لِلْعَصَبِيَّاتِ وَالْعُنْصُرِيَّاتِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 63]، وَإِنَّمَا أَلَّفَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالدِّينِ الْحَقِّ الَّذِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، فَانْعَقَدَ وَلَاؤُهُمْ وَبَرَاؤُهُمْ فِيهِ، وَلمَّا فَرَّقَتِ الْأُمَّةُ دِينَهَا تَفَرَّقَتْ أَحْزَابًا وَشِيَعًا؛ فَقَوْمٌ يَتَعَصَّبُونَ لِحزْبٍ، وَآخَرُونَ يَتَحَزَّبُونَ لِطَائِفَةٍ، وَغَيْرُهُمْ يَتَعَصَّبُونَ لِأَشْخَاصٍ يُوَالُونَ فِيهِمْ وَيُعَادُونَ فِيهِمْ، فَانْقَسَمَ وَلَاءُ الْأُمَّةِ بِانْقِسَامِهِمْ، فَتَبَاغَضَتْ قُلُوبُهُمْ، وَتَنَافَرَتْ نُفُوسُهُمْ، فَضَعُفَتْ قُوَّتُهُمْ، وَذَهَبَتْ رِيحُهُمْ، وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَعْدَاؤُهُمْ بِالتَّحْرِيشِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَوَقَعَ مَا حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ مِنْهُ حِينَ حَذَّرَهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ، يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِي جَمْعٍ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ، فِي مِنًى، وَالصَّحَابَةُ حُجَّاجٌ مَعَهُ، فَقَالَ: «فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
مَا أَحْوَجَنَا إِلَى مُرَاجَعَةِ دِينِنَا، وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِنَا، وَتَوْبَتِنَا مِنْ ذُنُوبِنَا؛ إِرْضَاءً لِرَبِّنَا، وَإِنْقَاذًا لِأَنْفُسِنَا، وَنَصْرًا لِأُمَّتِنَا! وَإِلَّا أَصَابَنَا مَا أَصَابَ غَيْرَنَا، نَعُوذُ بِاللَّـهِ تَعَالَى مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِهِ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِهِ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِهِ، وَمِنْ جَمِيعِ سَخَطِهِ، وَنَعُوذُ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ، وَمِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ، وَمِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، وَمِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ النَّجَاةَ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وَنَصْرَ عِبَادِهِ المُوَحِّدِينَ، وَكَبْتَ أَعْدَاءِ المِلَّةِ وَالدِّينِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى؛ خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ شَرَعَ لَنَا عِيدَنَا، وَرَزَقَنَا ضَحَايَانَا، وَأَمَرَنَا بِالتَّقَرُّبِ لَهُ بِهَا، وَيَعُودُ لَنَا لَحْمُهَا وَنَفْعُهَا، وَيُكْتَبُ لَنَا أَجْرُهَا، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّنَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ، وَاعْمُرُوهَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّـهِ».
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: هَذَا الْيَوْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّـهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّـهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. فَعَظِّمُوهُ كَمَا عَظَّمَهُ اللهُ تَعَالَى ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّـهِ الْحَمْدُ.
أَيَّتُهَا المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ: تَعِيشِينَ فِي بَلَدٍ أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهَا بِالْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ. وَالِاضْطِرَابُ يُحِيطُ بِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، مِمَّا يَسْتَدْعِي الْخَوْفَ وَالْفَزَعَ إِلَى اللَّـهِ تَعَالَى وَالِاسْتِغَاثَةَ بِهِ أَنْ يَحْفَظَ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَإِنَّ فِي صُوَرِ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ الْغَرْقَى عَلَى شَوَاطِئِ الْبِحَارِ فِرَارًا مِنْ مَوَاطِنِ الْحُرُوبِ وَالنِّزَاعِ لَأَعْظَمَ عِظَةٍ وَعِبْرَةٍ تَقُودُ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَالْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّـهِ تَعَالَى؛ لِئَلَّا يُصِيبَنَا مَا أَصَابَ غَيْرَنَا.
وَالمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ فِتْنَةٌ، فَإِمَّا سَرَّتْهُ فِي الْحَلَالِ فَسَعِدَ بِهَا فَشَكَرَ اللهَ تَعَالَى، وَأَعَانَتْهُ هِيَ عَلَى الشُّكْرِ، وَإِمَّا فُتِنَ بِهَا فَعَصَى اللهَ تَعَالَى لِأَجْلِهَا، وَاسْتَوْجَبَ عُقُوبَتَهُ سُبْحَانَهُ بِسَبَبِهَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ [التغابن: 14] فَكُنَّ -أَيَّتُهَا المُسْلِمَاتُ- عَوْنًا لِلرِّجَالِ عَلَى طَاعَةِ اللَّـهِ تَعَالَى، وَلَا تَكُنَّ سَبَبًا فِي مَعَاصِيهِمْ؛ فَإِنَّ أَمْرَ الْبُيُوتِ وَالْأُسَرِ فِي هَذَا الزَّمَنِ صَارَ فِي أَيْدِي النِّسَاءِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا.
طَهِّرِي -أَيَّتُهَا المَرْأَةُ- بَيْتَكِ مِنَ المُحَرَّمَاتِ، وَرَبِّي أَوْلَادَكِ عَلَى الْخَوْفِ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى، وَاغْرِسِي فِي قُلُوبِهِمْ مَحَبَّتَهُ سُبْحَانَهُ وَطَاعَتَهُ، وَأْطُرِيهِمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا؛ فَإِنَّكِ إِنْ فَعَلْتِ ذَلِكَ؛ دَرَأَ اللهُ تَعَالَى الْعُقُوبَاتِ عَنَّا، وَحَفِظَ عَلَيْنَا أَمْنَنَا وَإِيمَانَنَا، وَكَانَ أَوْلَادُنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ لَنَا. حَفِظَ اللهُ نِسَاءَ المُسْلِمِينَ بِحِفْظِهِ، وَوَقَاهُنَّ وَأَوْلَادَهُنَّ شَرَّ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَصْلَحَ لَهُنَّ أَزْوَاجَهُنَّ وَأَوْلَادَهُنَّ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّـهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: تَخْرُجُونَ الْآنَ مِنْ مُصَلَّيَاتِكُمْ، فَتَتَقَرَّبُونَ لِلَّـهِ تَعَالَى بِضَحَايَاكُمْ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذَّبْحِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الَّتِي لَا يَجُوزُ صِيَامُهَا. وَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَطْعَمُونَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا لُحُومُ أَضَاحِيكُمْ، فَكُلُوا مِنْهَا وَأَهْدُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا، وَأَظْهِرُوا الْبَهْجَةَ وَالسُّرُورَ بِعِيدِكُمْ، وَاجْتَنِبُوا مَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ، وَاشْكُرُوا اللهَ تَعَالَى الَّذِي هَدَاكُمْ وَأَعْطَاكُمْ، وَلَا تَنْسَوْا إِخْوَانَكُمُ المُسْتَضْعَفِينَ وَاللَّاجِئِينَ وَالمُشَرَّدِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، فَآوُوهُمْ، وَأَطْعِمُوا جَوْعَاهُمْ، وَدَاوُوا مَرْضَاهُمْ، وَاسْعَوْا عَلَى أَرَامِلِهِمْ، وَاكْفُلُوا أَيْتَامَهُمْ، وَأَظْهِرُوا إِحْسَاسَكُمْ بِهِمْ، وَوَاسُوهُمْ بِمَا أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ، وَخُصُّوهُمْ بِدُعَائِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ بِمَعُونَتِكُمْ لَهُمْ تُرْضُونَ رَبَّكُمْ، وَتُغِيثُونَ إِخْوَانَكُمْ، وَتَدْرَءُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ، وَتَحْفَظُونَ أَمْنَكُمْ وَرِزْقَكُمْ؛ فَإِنَّ الْبَذْلَ وَالْعَطَاءَ دَافِعٌ لِلْمَصَائِبِ وَالْبَلَاءِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّـهِ الْحَمْدُ.
أَعَادَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنَ المُسْلِمِينَ صَالِحَ الْأَعْمَالِ.
﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
المرفقات

خطبة عيد الأضحى المبارك 1436 مشكولة.doc

خطبة عيد الأضحى المبارك 1436 مشكولة.doc

خطبة عيد الأضحى المبارك 1436.doc

خطبة عيد الأضحى المبارك 1436.doc

المشاهدات 7804 | التعليقات 5

نفع الله بكم ياشيخ إبراهيم

ولا يمنع أن يضيف الخطباء بعض الحكم المستفادة من إعصار مكة.


جزاك الله خيرا


جزاكم الله تعالى خيرا أيها الإخوة الفضلاء على مروركم وتعليقكم وأسأل الله تعالى أن يفع بكم وأن يستجيب دعواتكم


جزاك الله خيراً د. إبراهيم، وجعله في ميزان حسناتك


جزاك الله خير الجزاء وجمعنا وإياك في مستقر رحمته