خطبة عيد الأضحى (الله أكبر ما شتاق قلب لبيت الله وفكر)

عبدالرحمن المهيدب
1444/12/08 - 2023/06/26 14:47PM

للَّهُ أَكْبَرُ  .. اللَّهُ أَكْبَرُ  .. لا إله إلا الله .. واللَّهُ أَكْبَرُ  .. اللَّهُ أَكْبَرُ  .. اللَّهُ أَكْبَرُ ولله الحمد  اللَّهُ أَكْبَرُ كبيرا .. والحمدُ للهِ كثيرا .. وسبحانَ اللهِ بُكرة وأصيلاً.

اللَّهُ أَكْبَرُ مَا اشْتَاقَ قَلْبٌ لِبَيْتِ اللَّهِ وَفَكَّرَ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مَا تَاقَ مسلمٌ لمِنى وعرفاتٍ فَعَجَزَ عَنِ الْمَسِيرِ وَتَعَسَّرَ. اللَّهُ أَكْبَرُ مَا سَالَ دَمْعٌ عَلَى خُدُودِ الْمُخْبِتِينَ وَتَحَدَّرَ، اللَّهُ أَكْبَرُ ما ضحَّى مُضَحٍ فسمّى وكبَّر .. اللَّهُ أَكْبَرُ  وإن كادُوا لنا الأعداءُ فاللَّهُ أَكْبَرُ  .. اللَّهُ أَكْبَرُ  وإن مكَرَ الخُبثَاءُ فمكر اللَّهِ أَكْبَرُ  ..

اللَّهُ أَكْبَرُ مِلْءُ سَمْعِي وَفَمِي     اللَّهُ أَكْبَرُ  رَجْعُهَا يُذْكِي دَمِي

اللَّهُ أَكْبَرُ وَإِلَيْهِ أَنْتَمِي           لَا عِزَّ يَوْمًا لِلْعَدُوِّ الْمُجْرِمِ

أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له مِن كلِّ شيءٍ هو أكبر ، وأشهد أن مُحمداً عبدُه ورسولُهُ جبيبنُهُ أزهَر ووجهُهُ أنوَر صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .أما بعد: عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي الزاد ليوم المعاد، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.

أيها المسلمون: هذا يوم النحر، يوم عظيم، وعيد مبارك، هو يوم الحج الأكبر، قال عنه الصادق المصدوق في الحديث الصحيح: "أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثُمَّ يَومُ القَرِّ"، به تُختم الأيام المعلومات , ويَتبعه ثلاثة أيام مباركات معدودات أمر الله بذكره فيها في قوله: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)[البقرة:203]، أيام عيد، وأيام ذكر، وأيام ذبح، وأيام فرح وأكل وشرب وتوسعة، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ اللهِ"(رَوَاهُ مُسلِمٌ).

ولعظمة هذه الأيام شرع ربُّنا فيها عبادات جليلة، ذكر وصلاة، ونسك وصدقات، وطواف وسعي ورمي للجمرات، بها يفرح العباد برحمة الله وفضله، ويفوزون بعفوه ومغفرته، والعتق من ناره. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

أيها المضحُّون: روى مسلم في صحيحه عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"، هذا حديثٌ من الأحاديثِ الجامعةِ لقواعدِ الإسلامِ، فالله -سبحانه- قد أوجب على عباده الإحسان في كل شيء، وإلى كل شيء، كما قال -سبحانه-: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)[النحل:90]، وقال: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة:195].

ويشترط لحلّ الذبيحة أن يكون الذابح مسلماً أو كتابياً، وأن يقول بسم الله وهذا واجب، فإن زاد والله أكبر فهو سُنّة، وأن يقطع الأوداج، والسُّنة أن تكون تجاه القبلة، فأحسنوا في الذبح، وارحموا الحيوان، فلا تؤذوه أو تعذبوه، فقد جاء في الحديث أن رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "وَالشَّاةَ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ".

فاحمدوا الله -أيها المضحُّون- على ما سخَّر لكم من بهيمة الأنعام، فكلوا منها، وأطعموا البائس الفقير، واطلبوا ما عند الله فَـ(لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج:37].

واعلموا أن الله طيّب لا يقبل إلا طيباً، عظِّموا شعائر الله، وضحُّوا إيماناً واحتساباً، لله، لا رياء ولا سمعة ولا مباهاة، (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام:162].

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

أيها المؤمنون، أيها المضحون: لئن كان الإحسان إلى البهائم مكتوباً علينا، فإن الإحسان إلى غير البشر أوجب، فأحسنوا إلى أنفسكم، فاقضوا حقّ الله الذي أوجبه عليكم، وأحسنوا إلى الخلق فأدوا حقوقهم، وأبدأوا بوالديكم ثم من يلونهم، فصلوا أرحامكم، وضحّوا بأهوائكم، قبل أن تضحوا بذبائحكم، اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

الخطبة الثانية

للَّهُ أَكْبَرُ  .. اللَّهُ أَكْبَرُ  .. لا إله إلا الله .. واللَّهُ أَكْبَرُ  .. اللَّهُ أَكْبَرُ  .. اللَّهُ أَكْبَرُ ولله الحمد

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..

أما الخطبةُ الثانيةُ فهي لمصانعِ الرجال, ومشاعلِ أملِ الأمة, إنها لأحفادِ هاجرَ ومريمَ وخديجة, إنها لكنَّ معشرَ النساء.

يا معشرَ النساء: ها أنتُنَّ قد جئتُنَّ إلى مصلى العيد؛ كما كان الصحابياتُ يأتين، تقولُ أمُّ عطيةَ الأنصارية: "أُمِرْنَا أنْ نَخْرُجَ فَنُخْرِجَ الحُيَّضَ، والعَوَاتِقَ، وذَوَاتِ الخدور فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ، ودَعْوَتَهُمْ",

لنا أن نتخيلَ: كيفَ كانت ستكونُ حياةُ محمدِ -صلى الله عليه وسلم- بدونِ خديجة؟، تلك الحنونُ التي دثَّرَتْهُ وزملَتْهُ وثبتَتْهُ, وظلتْ كلماتُها مشاعلَ لمسيرتِه وزاداً لدعوته: "كلَّا، أبْشِرْ؛ فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، فَوَاللَّهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ".

وما أحمدُ بن حنبلٍ اليتيمُ بدونِ أمِّه التي كان يقولُ عنها: "كانت أمي تُلبسُني اللباس، وتُوقظُني، وتحمي ليَ الماءَ قبلَ صلاةِ الفجرِ, وأنا ابنُ عشرِ سنوات، ثم كانت تتخمَّرُ وتتغطَّى بحجابِها، وتذهبُ معي إلى المسجد؛ لأن المسجدَ بعيد، ولأن الطريقَ مظلمة".

وسفيانُ الثوريِّ, وما أدراك ما سفيان؟! يا تُرى هل كان سيكونُ أميرَ المؤمنين في الحديثِ بدونِ أمِّه التي كانت تقولُ له: "يا بُني! اطلبِ العلمَ, وأنا أكفيك بِمِغْزَلِي".

تلك هي السلسلةُ المباركةُ الطيبةُ, وأنتُنَّ من يُكملُ نظمَها ويُتِم خَرزَها, بقوتُكنَّ بالتمسكِ بالدين، واقتفاءِ سنةِ خيرِ المرسلين, اهتدينَ بالقرآنِ, واتصلنَ باللهِ, وتَزَيَنَّ بالتقوى, وتَمَسَّكْن بالحجابِ, وانشرنَ ذلكَ في من حولَكُن؛ الجيلُ في أعناقِكُن, ومِفتاحُ النصرِ بأيديكُن, وبوادرُ النهضةِ تُصنعُ على أعينِكن.

زكّى اللهُ قلوبَكن, ونورَ بالهدى طريقَكن, وجعلَ القرآنَ والسنةَ زادَكن, وأجرى الخيرَ والصلاحَ على أيديكُن.

اللهم كما جمعْتَنا في هذا المكان وقد ملأتِ الفرحةُ قلوبَنا؛ فأتمِمْ علينا فرحتَنا, واجمعنا نحن وأحبابَنا في جناتِك جناتِ النعيم.

اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم حول حزنَهم إلى سرور، وبلاءَهم إلى نعيم، وضعفَهم إلى قوةٍ وتمكينٍ يا رب العالمين.

المشاهدات 1974 | التعليقات 0