خطبة عن وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز


أحسن الله عزائنا في مصابنا
هذه خطبة لا أعرف كاتبها أجريت عليها بعض التعديلات عسى الله أن ينفع بها

الخطبة الأولى
الحمد لله الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. والقائل: فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ () وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ () وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ والقائل: كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي () وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ () وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ () وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسـَّاقِ () إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ وصلَّى الله على نبينا محمد القائل: ((وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا)) صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ..أما بعد:
كيف أُبْدي بأحـرُفي مـا أريدُ وبماذا تُراه يحكي القصيــدُ
كُلّ يوم تَدُقُّ بـابي عِظــاتٌ ويهزّ الفؤادَ خطبٌ جديــدُ
ويحَ نفسي ألَمْ تُفِقْ مِنْ هَوَاهـا أوَمَا هَزَّ خَافِقَيْهَا الـوَعِــيدُ
يُصْبِحُ العبدُ في بنيهِ، ويُمْـسِي وهو تحت الترابِ فردٌ وحيـدُ
آهٍ من يـومِ سكرتي وممــاتي حينما أنثني وروحي تـجـودُ
أستغيثُ الطبيبَ ماذا جرى لي قيلَ هذا ما كنتَ منـهُ تحـيدُ
لم تُغثني دموعُ مَنْ كانَ حـولي لا ، ولا عُدَّةُ الطّبيبِ تُـفـيدُ

إنه الموت!! مُفَرِّقُ الجماعات، وهادم اللذات، لا يملك أحد من المخلوقين مهما بلغ ملكه له ردًّا، ولا يستطيع أحد مهما كان جنده له دفعًا، لا يعرف صغيرًا ولا كبيرًا، ولا ملكًا ولا مملوكًا، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لا إله إلا الله! ما أجلّ حكمته! وما أعظم تدبيره! تلك هي الدنيا، خدّاعة غدّارة، فتّانة غرّارة، تُضحك وتبكي، وتجمع وتشتت، شدة ورخاء، وسراء وضراء، لكن أين من يتعظ ويعتبر؟! فالموت أمر واقع، ماله من دافع، لا مردَّ له ولا شافع؛ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ. إنه الموت قد فضح الدنيا فلم يدع لذي لبّ بها فرحًا، فقد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا - أيها العقلاء- نعيمًا لا موت فيه، فلقد أمِنَ أهل الجنة الموت.
رحم الله عمر بن عبد العزيز إذ قال: "لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد".
وكان -رحمه الله- يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة، ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة"،
ودخل مالك بن دينار المقابر ذات يومٍ فإذا رجلٌ يُدْفَن فجاء حتى وقف على القبر فجعل ينظر إلى الرجل وهو يدفن فجعل يقول: "مالكٌ غدًا هكذا يصير، وليس له شيء يتوسده في قبره، فلم يزل يقول: غدًا مالكٌ هكذا يصير، غدًا مالكٌ هكذا يصير، حتى خرّ مغشيًا عليه في جوف القبر، فحملوه إلى منزله"،
ونحن ندخل المقابر، ونقف على القبور، ونصلي على الجنازة، ونحمل الجنازة، ونضع الجنازة، وحامل الجنازة اليوم محمول غدًا، فهل غُشي علينا؟ بل هل خفقت قلوبنا؟ هل اقشعرت أبداننا؟ هل دمعت عيوننا؟ آهٍ لقسوة قلوبنا؟! حتى الموت لم يعد واعظًا لنا؟! آهٍ لشدة غفلتنا؟ آهٍ لكثرة ذنوبنا؟ آهٍ لقلة زادنا؟ الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، فما الذي جرى للناس؟! ألم يقل طبيب القلوب : ((أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ))؟. إنه الموت!! و((كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا)).
فمن لم يعظه الموت فمن؟!
ومن لم تعظه مشاهد الاحتضار فمن؟!
ومن لم تعظه سكرات الموت فمن؟!
لما حضرتْ عَمْرَو بْنَ العاصِ الوفاةُ: قال له ابنه: "يا أبتاه! إنك لتقول لنا ليتني كنت ألقى رجلاً عاقلاً لبيبًا عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد. وأنت ذلك الرجل فصف لي الموت! فقال: يا بني! واللهِ كأن نفسي في تخت، وكأن السماء قد انطبقت على الأرض وأنا بينهما، وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأن غصن شوك يُجذب من قدمي إلى هامتي".
وقال عمر بن الخطاب  لكعب الأحبار: "يا كعب! حدثنا عن الموت؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين! إن الموت كغصن كثير الشوك أدخل في جوف رجل، وأخذت كل شوكة بعرق، ثم جذبه رجل شديد الجذب، فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى".
لا إله إلا الله! إنه وصف للموت عجيب مهيب، لهذا كان السلف يهتمون كثيرًا للحظات الاحتضار،
فهذا عمر بن الخطاب  خليفة المسلمين لما طعن قال لابنه: "ضع خدي على التراب، فوضعه. فبكى حتى لصق الطين بعينيه وجعل يقول: "ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي".
وقال أبو الدرداء عند احتضاره: "ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ؟ ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه؟ ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا ؟ وبكى. فقالت له امرأته: أتبكي وقد صاحبت رسول الله. فقال: ومالي لا أبكي ولا أدري علام أُهْجَمُ من ذنوبي؟.
إنه الموت لا يعرف خليفة ولا مخلوفًا، ولا إمامًا ولا مأمومًا، فاللهم اغفر لنا ذنوبنا، وهون علينا ساعات الاحتضار وسكرات الموت،
أين القلوب التي في الصدور ؟!
أين هي عن الاتعاظ والاعتبار؟!
أين هي بعد الخبر الذي أقض مضاجعنا فجر اليوم والذي أصيب به المسلمون عمومًا، وأهل هذا البلد خصوصًا بوفاة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز ، ولا شك أن هذا قضاء الله وقدره، وأن كل نفس ذائقة الموت، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا بما أصابنا، وإن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وله الحمد على ما قدر وقضى، وأحسن الله عزاءنا، وجبر مصابنا، وأعظم أجرنا. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ () الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ () أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
وعزاؤنا أن الموت حق، وأن كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ () وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وأن الله تعالى هو الذي يقبض الأرواح، وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، وأن الله تعالى يختار لعباده ما عنده، فعلينا أن نصبر ونحتسب، وأن نكثر من الدعاء للفقيد، وأن نتعظ ونعتبر, فقد قدم رحمه الله إنجازات مباركة لخدمة الإسلام والمسلمين والتي كان من أعظمها وأجلها: التوسعة التاريخية للحرم المكي, والبدء في التوسعة التاريخية للمسجد النبوي، وتيسير الأمور للحجاج والمعتمرين،وغير ذلك كثير،
إنه العمل الصالح، الجليس والأنيس للإنسان في قبره، فكل شيء ذهب؛ الملك والمال والأصحاب والوزراء، ولم يبق إلا عمله الصالح :

يا نفسُ مالي وللأموالِ أتركُهـا خَلْفي وأَخْرج من دنياي عُريانـا
ما بالُنا نتعامى عن مصائرنــا ننسى بغفلتنا مَنْ ليس ينسانــا
نزداد حرصًا وهذا الدهر يزجرنا كـأن زاجرنـا بالحرص أغرانـا
يا راكضًا في ميادين الهوى مرحًا ورافلاً في ثيـاب الغـيّ نشوانـا
مضى الزّمان وولّى العمر في لعب يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا

إنه الموت! وكفى بالموت واعظًا! قال إبراهيم التيمي: "مثّلت نفسي في الجنة؛ آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثّلت نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي شيء تريـدين؟ قالت: أريد أن أردّ إلى الدنيا فأعمل صالِحًا. قال: قلت: فأنت في الأمنيَة فاعملي".
نعم أيها المؤمنون مادامت العين تطرف، والقلب يخفق، لا داعي للأماني وهيا للعمل.
سئل أحد السلف: لماذا نكره الموت؟ فقال: "لأنكم عمّرتم دنياكم، وخربتم أخراكم، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب".
إخوة الإيمان، فلنراجع أنفسنا، ونصارحها في هذا المكان قبل الندم.
صوّر لنفسك الآن لحظات السكرات، لحظات مهولة ذات كرب شديد، وما بعدها إلا وعد أو وعيد؛ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيد () وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ.
يا عبد الله : لعلك أن تنتصر على نفسك وآمالها، صوّر لنفسك الآن سكرات الموت، التي ما سلم منها خير الأنبياء، وأكرم الخلق ، فقد كان بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ؛ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، ويَقُولُ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ! إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ)).
حتى إن ابنته فاطمة -رضي الله عنها- لما رأت ما به من الكرب الشديد الذي يَتَغَشَّاهُ قَالَتْ: وَاكَرْبَ أَبَتاهُ! فَقَالَ لَهَا: ((لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ)).
وكانت عائشة تقول: ((مَا أَغْبِطُ أَحَدًا بِهَوْنِ مَوْتٍ بَعْدَ الَّذِي رَأَيْت مِنْ شِدَّةِ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ )).
كل هذا فقط عند لحظات السكرات، فكيف بالقبر والظلمات، والصراط والحساب، وأهوال وأهوال.. والنهاية جنة أو نار.
يا عبد الله ! ألا تشكر هذه النعم التي أنت فيها؟! صحة وعافية، ومال وكمال، ذهب الملوك وأبناء الملوك، وكل النعيم والترف كأنه لحظة وظل زائل

يا نفسُ ويحك قد أتاك هُــداك أجيبي فداعي الحق قد ناداكِ
كم قد دُعيت إلى الرشاد فتُعرضي وأجبت داعي الغَيِّ حين دعاكِ

أخي! قل لنفسك وحاسبها: يا نفس إلى متى؟ أما آن لك أن ترعوي؟ أما آن لك أن تُزجري؟ أما تخافين من الموت فهو يأتي بغتة! أما تخشين من المرض فالنفس تذهب فلتة!
عباد الله! إن العلاج الناجع في مثل هذه المناسبات أن نعتبر، ونربي أنفسنا على عمارة الآخرة، عمارتها بالأعمال الصالحة، وكثرة التوبة والاستغفار، وأن نجاهد أنفسنا بترك المعاصي والسيئات، وإلا فإن الموت حق على الجميع، لكن شتان بين من مات وهو على طاعة ربه، وبين من مات على معصية الله!! شتان بين من مات على خير وحسن ختام، وبين من مات على شر وسوء ختام!
بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح، فلما أصبح قيل له: "كلُّ هذا خوفًا من الذنوب؟ فأخذ تبنة من الأرض، وقال: الذنوب أهون من هذا، وإنما أبكي من خوف سوء الخاتمة".
يقول ابن القيم معقبًا: "وهذا من أعظم الفقه أن يخاف الرجل أن تخذله ذنوبه عند الموت، فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى. انتهى
فمن هذا خاف السلف من الذنوب، أن تكون حجابًا بينهم وبين الخاتمة الحسنى.
اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، واجعلنا ممن ختمت له بالحسنى، برحمتك يا أرحم الراحمين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .



الخطبة الثانية:
الحمد لله الحي الذي لا يموت، توحَّد بالديمومة والبقاء، وتفرد بالعزة والكبرياء، وأشهد أن لا إله إلا الله، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى، صلَّى الله وسلَّم عليه، وعلى آله وصحبه وخير من اقتفى. وبعد:
فلا صلاح للبشر إلا بوجود قيادة .

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سـراة إذا جهالهـم سـادوا
والبيـت لا يبتنـى إلا على عمد ولا عمـاد إذا لم تـرس أوتـادُ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"يَجِبُ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ وِلَايَةَ أَمْرِ النَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ وَاجِبَاتِ الدِّينِ; بَلْ لَا قِيَامَ لِلدِّينِ وَلَا لِلدُّنْيَا إلَّا بِهَا .
فَإِنَّ بَنِي آدَمَ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُمْ إلَّا بِالِاجْتِمَاعِ لِحَاجَةِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ رَأْسٍ حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ :{إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ}رَوَاهُ أَبُو داود مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ  قَالَ:{لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ إلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ} فَأَوْجَبَ  تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ تَنْبِيهًا بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الِاجْتِمَاعِ.
وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِقُوَّةِ وَإِمَارَةٍ .
وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ الْجِهَادِ وَالْعَدْلِ وَإِقَامَةِ الْحَجِّ وَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ.
وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقُوَّةِ وَالْإِمَارَةِ; وَلِهَذَا رُوِيَ:{أَنَّ السُّلْطَانَ ظِلُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ}. وَيُقَالُ:{سِتُّونَ سَنَةً مِنْ إمَامٍ جَائِرٍ أَصْلَحُ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا سُلْطَانٍ}. انتهى كلامه
والواقع في بعض الدول حولنا يُبَيِّنُ ذَلِكَ، وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ - كالفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا - يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ لَنَا دَعْوَةٌ مُجَابَةٌ لَدَعَوْنَا بِهَا لِلسُّلْطَانِ.
قَالَ النَّبِيُّ:{إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مِنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ}. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ:{ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ}. رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ.
فَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُ الْأَمَارَةِ دِينًا وَقُرْبَةً يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ; فَإِنَّ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ فِيهَا بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ...".
ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله، (مجموع فتاوى ومقالات،الجزء التاسع لابن باز ):"ولا ريب أن الله جل وعلا أمر بطاعة ولاة الأمر، والتعاون معهم على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، فقال:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا هذا هو الطريق؛ طريق السعادة، وطريق الهداية، وهو طاعة الله ورسوله في كل شيء، وطاعة ولاة الأمور في المعروف من طاعة الله ورسوله،..فالواجب على جميع المكلفين التعاون مع ولاة الأمور في الخير، والطاعة في المعروف، وحفظ الألسنة عن أسباب الفساد، والشر، والفرقة، والانحلال، ولهذا يقول الله جل وعلا:فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ أي: ردوا الحكم في ذلك إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله في اتباع الحق، والتلاقي على الخير، والتحذير من الشر، هذا هو طريق أهل الهدى، وهذا هو طريق المؤمنين ا. هـ.
وسئل رحمه الله: هل يجب على كل مسلم أن يبايع شخصًا بيده كما فعل الصحابة مع الرسول  والخلفاء الراشدين؟ فأجاب: بأن البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين، يبايعه أهل الحل والعقد، وهم العلماء والفضلاء ووجوه الناس، فإذا بايعوه ثبتت ولايته، ولا يجب على عامة الناس أن يبايعوه بأنفسهم، وإنما الواجب عليهم أن يلتزموا طاعته في غير معصية الله تعالى.
وقَالَ النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: أَمَّا الْبَيْعَة: فَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَط لِصِحَّتِهَا مُبَايَعَة كُلّ النَّاس, وَلا كُلّ أَهْل الْحَلّ وَالْعِقْد, وَإِنَّمَا يُشْتَرَط مُبَايَعَة مَنْ تَيَسَّرَ إِجْمَاعهمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَالرُّؤَسَاء وَوُجُوه النَّاس.., وَلا يَجِب عَلَى كُلّ وَاحِد أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الأَمَام فَيَضَع يَده فِي يَده وَيُبَايِعهُ, وَإِنَّمَا يَلْزَمهُ الانْقِيَادُ لَهُ, وَأَلا يُظْهِر خِلافًا, وَلا يَشُقّ الْعَصَا اهـ
ومن نعم الله على هذه البلاد سلاسة وبساطة انتقال الحكم وهذا من توفيق الله وحفظه، فهل يتذكر الناس هذا الفضل من الله ويشكرونه عليه؟ وهم يعيشون ويشاهدون في زمن الفتن النزاعات والاضطرابات من حولهم في كل مكان، فالفتنة عمياء ومظلمة تأتي على الأخضر واليابس، لكن فضل الله كبير، نسأل الله أن يرزقنا شكر نعمه، وأن يجمع صف ولاة أمرنا وعلمائنا على كتاب الله وسنة رسوله، وأن يجعلهم إخوة متحابين متآلفين، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، كما نسأل الله أن يسدد ويعين ولي أمرنا الملك سلمان، وولي عهده على هذه الأمانة العظيمة، وأن يوفقهما لما يحب ويرضى، وأن يُعز الله بهما الإسلام وأن ينصر بهما الحق والمعروف في كل مكان، اللهم إنا نسألك في هذه اللحظات بقلوب خاشعة ونفوس موقنة مطمئنة أن ترزقهما البطانة الصالحة الناصحة، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة الناصحة، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة الناصحة، اللهم إن نسألك أن تجعل هذا العهد عهد خير وبركة وعزة ورفعة لكتاب الله وسنة رسوله ولعبادك الصالحين، إنك على كل شيء قدير، واغفر اللهم لنا ولجميع أموات المسلمين، اللهم اعف واغفر لعبدك عبدالله بن عبدالعزيز، واجزه خير ما تجزي به وليًّا عن رعيته، ونسألك اللهم أن تجعل ما أصابه من مرض كفارة لـه، اللهم ارحمه وجميع موتى المسلمين، وأسكنهم فسيح جنتك، واكتبهم عندك في المحسنين، واجعل كتابهم في عليين، واخلفهم في أهليهم، اللهم اشكر حسناتهم، واغفر سيئاتهم، وأعذهم من عذاب القبر، واجمع لهم برحمتك الأمن من عذابك، واكفهم كل هول دون الجنة، اللهم ارفعهم في عليين، وعد عليهم بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم. واغفر لنا ولهم، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم أحينا على طاعتك ومرضاتك، واقبض أرواحنا على التوحيد، وهوّن علينا سكرات الموت وزفراته. اللهم اجعل الحياة لنا زيادة في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم انصر المسلمين المستضعفين، وكن عونًا لهم يا رب العالمين، اللهم انصر جندك وكتابك وسنة نبيك، وأعل كلمة الحق، وألف بين قلوبنا، واجمع كلمتنا على التوحيد يا رب العالمين. اللهم اشف مرضانا وجميع مرضى المسلمين، وارفع عنهم البلاء برحمتك يا أرحم الراحمين، ووصل اللهم وبارك وسلم على النبي الأمين، وخلفائه الراشدين، وآله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
المشاهدات 6184 | التعليقات 2

جزاك الله خير الجزاء ورحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله واسكنه فسيح جناته


جزيت خيرا وهي للدكتور إبراهيم الدويش وفقه الله