خطبة عن وفاة الملك عبدالله رحمه الله مستوحاة من عدة خطب

عبدالإله بن سعود الجدوع
1436/04/03 - 2015/01/23 04:30AM
أصل هذه الخطبة محضرة من عدة خطب مع إضافات وتعديلات ، ولست بأفضلكم ولا بأقدركم ولكن هي لمن ضاق عليه الوقت ، ولاغنى لي عن تصويباتكم



الحمد لله القائل [font="][font="]][/font][/font]الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ[font="][font="]/font][/font][/color][/b][b][color=black]. [/color][/b][b][color=black]والقائل جل وعز [/color][/b][b][color=black]: [/color][/b][b][color=black][font="][font="[/font][/font]فَلَوْلَاإِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ () وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ () وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ[font="][font="][[/font][/font] وصلَّى الله على نبينا محمد القائل: ((وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ) صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين
أمابعد فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أنكم إليه راجعون ، وأن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وسيتخطى غيركمإليكم ، فخذوا حذركم ، فـ ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز منأتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني(
ثم يا أيها الكرام :
خبر الموت .. خبر يعزّ علينا مَسْمَعُه ، ويؤثّر في القلوب مَوْقِعُه ..
خبرٍ تتألم له المسامِع، وتسكب من أَثره المَدامِع ..
خبر الموت!! يُذرف العبرات ، ويطيل الزفرات ، لأنه مُفَرِّقُ الجماعات، وهادم اللذات،
لا يملك أحد من المخلوقين مهما بلغملكه له ردًّا ، ولا يستطيع أحد مهما كان جنده له دفعًا،
لا يعرف صغيرًا ولاكبيرًا، ولا ملكًا ولا مملوكًا، هو أمر واقع، ماله من دافع، لا مردَّ له ولاشافع ؛ [font="][font="]][/font][/font]كُلُّنَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَالْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْفَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ )
لا إله إلا الله! ما أجلّ حكمته! وما أعظم تدبيره! تلك هي الدنيا، تُضحك وتبكي، وتجمع وتشتت، شدة ورخاء، وسراء وضراء ، ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
أيها الفضلاء : ولئن كانت مصيبة الموت بعامّةٍ كبيرة، والفاجعة بالفَقْد عظيمة؛ فإن الرزِيّة تكون أعظم وقْعًا، وأكبر أثرًا، حينما تكون بفَقْد خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته ، وإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ، ولانقول إلا مايرضي ربنا ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شي عنه بمقدار .
رحمك الله ياخادم الحرمين وجزاك على ماقدمت للإسلام والمسلمين ، وجعلها لك ذخراً وأجراً

ولئن غاب عنا فقيد الأمة الإسلامية في شخصه وذاته فإنه لم يغب في أفعاله وصفاته
قد مات قومٌ وما ماتت مَكارِمُهُمْ وعاش قومٌ وهمْ في الناس أمواتُ
فاللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعِيت به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت؛ أن تحسن عزاء الجميع، وأن تجبر المصاب، وتغفر للفقيد. والحمد لله على قضائه وقدره


أيها الكرام : لقد شوهدت في هذه البلاد – حرسها الله - مشاهد تؤكد عظمة الإسلام، وروعة تطبيق سنة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام، من ذلك مثلاً : مشاهد الجنازة ببساطتها وهيبتها لملك من الملوك ، فهي بذلك بمثابة رسالة لكل العالم، أن هذا هو الإسلام بتشريعاته وتوجيهاته، بعيدًا عن بدع الجنائز، وعن الغلو والتعظيم، وبعيدة كل البعد عن تسييس نهايات الملوك والرؤساء ، تجيء مشاهد جنائز ملوك هذه البلاد ؛ لتجلو الصدأ والران والجهل الذي خلفته مشاهد جنائز سابقة لعدد من رؤساء العالم ، بتعظيمها والغلو فيها، وجعلها مزارات وأضرحة ومشاهد تتعلق بها قلوب الجهلة والمساكين ، بينما مشاهد جنائز أمراء هذه البلاد هي رسالة مباركة بأن هذه هي السنة المحمدية ، وهذه هي شريعة البلاد المباركة، لتصل الرسالة مجلجلة في كل الأصقاع يوم أن يُلف الملك بكفن بسيط ، وأن يغطى بشكل بسيط ، ويُحمل على نعش بسيط ، وأن يُحمل على الأكتاف بهذه البساطة ، ويدفن الملك مع عامة الناس في المقبرة مساويًا لبقية القبور دون أن يبرز أو أن يظهر، ودون شموع أو وروود وبدع ، أدام الله السنة ، ومحق البدعة ، وحفظ هذه البلاد ، ووفقها لتحكيم شرعه والعمل بسنته ، والتأسي بهديه صلى الله عليه وسلم
أيها الفضلاء : إن من الأهمية بمكان .. طاعة ولاة الأمور والدعاء لهم ومناصحتهم بالحسنى ولزوم جماعة المسلمين ، وكَانَالسَّلَفُ - كالفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا - يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ لَنَا دَعْوَةٌ مُجَابَةٌ لَدَعَوْنَا بِهَالِلسُّلْطَانِ .
وقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم {إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مِنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ}. رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم :{ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ}. رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ .
والْوَاجِبُ علينا اتِّخَاذُ الْأَمَارَةِ دِينًا وَقُرْبَةً يَتَقَرب بِهَا العبد إلَى اللَّهِ;
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى ( ولا ريب أن الله جل وعلا أمر بطاعة ولاة الأمر، والتعاون معهم على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) هذا هو الطريق؛ طريق السعادة، وطريق الهداية، وهو طاعة الله ورسوله في كل شيء، وطاعة ولاة الأمور في المعروف من طاعة الله ورسوله،..فالواجب على جميع المكلفين التعاون مع ولاة الأمور في الخير، والطاعة في المعروف، وحفظ الألسنة عن أسباب الفساد، والشر، والفرقة، والانحلال، ولهذا يقول الله جل وعلا: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) أي: ردوا الحكم في ذلك إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في اتباع الحق، والتلاقي على الخير، والتحذير من الشر، هذا هو طريق أهل الهدى، وهذا هو طريق المؤمنين ) انتهى كلامه رحمه الله
قلت ماسمعتم ، ولي ولكم أستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية :
يُقال تحدّثًا بنعم الله، وتذكيرًا بآلائه، أنه - بفضل الله - مع لَوْعَة الفراق .. تمّ الاجتماع والوفاق والاتفاق ، وتمت سلاسة انتقال الحكم وهذا من توفيق الله وحفظه، وفي هذا الصنيع أصل لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع أهل الحل والعقد من الصحابة في سقيفة بني ساعدة في سرعة عاجلة وقبل أن يغسل ويدفن صلى الله عليه وسلم ، ذلك لأن أمر البيعة أمر عظيم ومن الأهمية بمكان ، فلما بايع الصحابة أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، دُعي المسلمون عامة للمبايعة في المسجد ، ثم كان يطلب من كل وال من ولاة الأمصار أخذها للخليفة .
فأمر المبايعة أمر عظيم لكل مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) وحق البيعة السمع والطاعة في المنشط والمكره ، فقد قال صلى الله عليه وسلم ( من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ... )
وينبغي ألا تكون المبايعة لأجل مال أو دنيا فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ... – وذكر منهم - ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف ) متفق عليه
وعن المبايعة سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجب على كل مسلم أن يبايع شخصًا بيده كما فعل الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين؟
فأجاب فضليته : بأن البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين، يبايعه أهل الحل والعقد، وهم العلماء والفضلاء ووجوه الناس، فإذا بايعوه ثبتت ولايته، ولا يجب على عامة الناس أن يبايعوه بأنفسهم، وإنما الواجب عليهم أن يلتزموا طاعته في غير معصية الله تعالى. وقَالَ النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: أَمَّا الْبَيْعَة: فَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَط لِصِحَّتِهَا مُبَايَعَة كُلّ النَّاس, وَلا كُلّ أَهْل الْحَلّ وَالْعِقْد, وَإِنَّمَا يُشْتَرَط مُبَايَعَة مَنْ تَيَسَّرَ إِجْمَاعهمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَالرُّؤَسَاء وَوُجُوه النَّاس.., وَلا يَجِب عَلَى كُلّ وَاحِد أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الأَمَام فَيَضَع يَده فِي يَده وَيُبَايِعهُ, وَإِنَّمَا يَلْزَمهُ الانْقِيَادُ لَهُ, وَأَلا يُظْهِر خِلافًا, وَلا يَشُقّ الْعَصَا ) انتهى كلامه رحمه الله
فتذكروا - عباد الله - فضل الله عليكم ، واشكروه على أن استقر أمركم ، في زمن يموج في فتن ونزاعات واضطرابات من حولنا ، نسأل الله الكريم أن يرزقنا شكر نعمه، وأن يجمع صف ولاة أمرنا وعلمائنا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يجعلهم إخوة متحابين متآلفين متعاونين على البر والتقوى ، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر ، كما نسأل الله أن يسدد ويعين ولي أمرنا الملك سلمان بن عبدالعزيز ، وولي عهده مقرن بن عبدالعزيز ، وأن يوفقهما لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بناصيتهما للبر والتقوى ، وأن يُعز بهما الإسلام والمسلمين
وأن ينصر بهما الحق والمعروف في كل مكان ، اللهم وارزقهما البطانة الصالحة الناصحة، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة الناصحة، التي تدلهم على الحق والخير وتعينهم عليه ،
اللهم واجعل ولاتيهُما صلاح للبلاد والعباد يارب الأرباب ، اللهم إنا نسألك أن تجعل عهدهما عهد خير وبركة وعزة ورفعة لكتاب الله وسنة رسوله ولعبادك الصالحين، إنك على كل شيء قدير،
اللهم اغفر لنا ولجميع أموات المسلمين، اللهم واغفر لعبدك عبدالله بن عبدالعزيز ، اللهم اجزه خير ما تجزي به وليًّا عن رعيته، ونسألك اللهم أن تجعل ما أصابه من مرض كفارة لـه ، اللهم جازه بالحسنات إحسانا وباسيئات عفوا وغفرنا ، اللهم يامن لايزول ملكه ، ارحم من زال ملكه ياأرحم الراحمين
اللهم ارفعه في عليين، وأفضل عليه من رحمتك يا رحمن يارحيم .
اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم أحينا على طاعتك ومرضاتك، واقبض أرواحنا على التوحيد، وهوّن علينا سكرات الموت ياأرحم الراحمين .
اللهم آمنا في دورنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لايخافك فينا ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن عنبلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين ، اللهم لاتزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا ، اللهم ارزقنا قـبول الحق والإذعان له والعمل به والدعوة إليه على الوجه الذي يرضيك عنا ، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين رحمةً على رعاياهم، اللهم اجمع بينهم وبين رعاياهم على القرآن والسنة يا رحمن يا رحيم..اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء جميعَ بلاد المسلمين، اللهم اجعل بلاد المسلمين في كل مكان آمنةً مطمئنة رخاءً سخاءً يا أرحم الراحمين
المشاهدات 3168 | التعليقات 1

الخطبة الأولى: الحمد لله ,
فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فإنها أمانٌ عند البلايا، وذُخْرٌ عند الرزايا، وعصمة من الدنايا، فاتقوا الله رحمكم الله، ولا تغرّنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنّكم بالله الغَرُور.
أيها المسلمون، ما كان حديثًا يُفترَى، ولا أمرًا يُزْدَرَى؛ أنّ هذه الدار دار امتحان وابتلاء،( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)
معاشر المسلمين، الحقيقة الحاضرة الغائبة أنّ الموت في هذه الدنيا نهاية كل حي، وختام كل شيء،
وما الدهرُ إلا كَرُّ يومٍ وليـلةٍ وما الموت إلا نـازِلٌ وقريبُ
إخوة الإيمان، ولئن كانت مصيبة الموت بعامّةٍ كبيرة، والفاجعة بالفَقْد عظيمة؛ فإن الرزِيّة تكون أعظم وقْعًا، وأكبر أثرًا، حينما تكون بفَقْد ولي أمر المسلمين، وإمام عظيم من أئمة الإسلام، وقائد فَذّ من أبرز قادة الأمة الإسلامية.
لَعَمْرُكَ مـا الرزِيَّة فَقْدُ مـالٍ ولا شـاةٌ تمـوتُ ولا بَعِيـرُ
ولـكنّ الرزِيَّة فَقْـدُ شَهْـمٍ يمـوت بمـوته بَشَـرٌ كثيـرُ
في حَدَثٍ هزّنا خبُرُه، وأفزعنا نبؤه، خبرٍ عزّ علينا مَسْمَعُه، وأثّر في قلوبنا مَوْقِعُه، خبرٍ تألمّت له المسامِع، وسُكَبت من أَثْره المَدامِع، وارتجّت من هَوْله الأضالِع، نبأٍ كادت له القلوب تتفَجّع، والنفوس تتوجّع، فقد كان من الحزن أن تعجز الألسن عن ذكره، وتتضاءل الكلمات عن وصفه، نبأ أشخص النَّبَرَات، وأذرف العَبَرات، وأورث الحسرات، وأطال الزَّفَرات، من أكباد حَرَّى، ومُقَلٍ شَكْرَى، وأنّات تَتْرَى.
إخوة العقيدة، ومع فَدَاحة المصيبة، وعِظَم الفَجِيعة، فلا يملك المسلم حيالها إلا الرضا والتسليم، والتذرُّع بالصبر والاحتساب.
فلم يعرف التاريخ فاجِعة أعظم من فَقْد المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من عظمت مصيبته فليذكر مصيبته فيّ))
أمة الإسلام، ولئن غاب فقيد الأمة الإسلامية في شخصه وذاته فإنه لم يغب في أفعاله وصفاته.
قد مات قومٌ وما ماتت مَكارِمُهُمْ وعاش قومٌ وهمْ في الناس أمواتُ

شاهِدُ ذلك بجلاء تلك الأعمال الفريدة: الحرمان الشريفان حرسهما الله، اللذان شهدا في عهده رحمه الله أكبر توسعة عرفها التأريخ، تبكيه ـ رحمه الله ـ قضايا المسلمين الكبرى، وفي مقدمتها قضية فلسطين والأقصى، والأقلّيات الإسلامية في شتّى أنحاء العالم. فَسَجِّلْ يا تأريخ، واشهد يا عالم، وسَطِّرِي يا أقلام، واكتبي يا مِدَاد بأحرف من نور وفاء بحقّ فقيد الأمة الإسلامية، وذِكْرًا لمحاسنه، أداءً لبعض حقّه علينا، رحمه الله رحمة واسعة.
نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا، أن لا يحرمه ثواب ما قدّم للإسلام والمسلمين بمنّه وكرمه، إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول.
اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعِيت به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت؛ أن تحسن عزاء الجميع، وأن تخلف عليهم الخَلَف المبارك، وأن تجبر المصاب، وتغفر للفقيد. والحمد لله على قضائه وقدره، والله المستعان،وإن لله وإن إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلّ شيء عنده بأجل مسمّى.أقول ما سمعتم وأستغفر الله
الخطبة الثانية :أيها الإخوة الأحبّة في الله، وفي خِضَمّ المآسي والآلام تبرز فُلُول الآمال، وفي طَيّات المِحَنِ تبدو المِنَحُ، ومن مَخَاض الأتْرَاح تتوالد الأفراح، يقال ذلك تحدّثًا بنعم الله، وتذكيرًا بآلائه، فمع لَوْعَة الفراق تمّ الوفاق والاتفاق، ومع أسى الوداع تم الاعتصام والاجتماع، في مظهر فريد، ونسيج متميّز، ومنظومة متألّقة من اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والتفاف الأمّة حول قيادتها، بأعين دامعة، وقلوب مُبَايِعة، ومُبادَرة للبيعة الشرعية على الكتاب والسنة، بسلاسة وانسيابيّة ويُسر وتلقائيّة، قَلَّ أن يشهد لها التأريخ المعاصر مثيلاً.
وهذا بحمد الله ومَنّه يُعدّ من عاجل البشرى، وصالح العُقْبَى، في عصرٍ اتّسم بالتموّجات والاضطرابات، مما شفى صدور المؤمنين، وخيّب ظنون المُرْجِفين الذين يُساوِمون على استقرار هذه البلاد المباركة، ويراهنون على أمنها وثباتها ورسوخها، مما يؤكد مكانتها، ويبرز ريادتها، إسلاميًّا وعالميًّا ودوليًّا، وإنها لا تزداد مع أحلك الظروف ومع أشد الأزمات إلا حَمِيميّة وتماسكًا وتلاحمًا، فلله الحمد والمنة.وبهذه المناسبة فإننا نجدّد ونؤكّد البيعة الشرعية لولاة أمرنا وفّقهم الله، على كتاب الله وسنة رسوله ، بيعة مخلصة، وولاءً صادقًا، على السمع والطاعة بالمعروف في العُسْر واليُسْر، والمَنْشَط والمَكْرَه، امتثالاً لأمر الله عزّ وجلّ، واستنانًا بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه: ((من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةٍ جاهلية))
وفي حديث عبادة : (بايعْنا رسول الله على السمع والطاعة في عُسْرِنا ويُسْرِنا، ومَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا، وأَثَرَة علينا، وأن لا نُنازع الأمر أهله) فالبيعة قرّرتها الشريعة، وأوجبتها نصوص الكتاب والسنة، وحكى الإجماع عليها غير واحد من أهل العلم، فهي أصل من أصول الديانة، ومَعْلَم من معالم المِلّة ومنهج السنة، يجب التزامها والوفاء بها؛ لأنها أصل عقدي، وواجب شرعي
إذا مـات منّا سيدٌ قـام سيدٌ قَؤُولٌ لأقوال الكـرامِ فَعُـولُ
ولا غَرْوَ، فهم قد ورثوا المآثر كابرًا عن كابر.
أعانهم الله، ووفّقهم لما فيه عزّ الإسلام وصلاح المسلمين، وجعلهم خير خلف لخير سلف، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
اللهم صلّ وسلّم وبارك على سيد الأولين والآخرين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.