خطبة عن نذر الحرب في المنطقة وعلاقتها بالمعاصي ومنتصف شعبان مقتبسة معدلة

أبو عبد الرحمن
1433/08/09 - 2012/06/29 06:15AM
نذر الحرب وعلاقتها بالمعاصي ومنتصف شعبان

مناسبة الخطبة الأولى نذر الحرب في المنطقة وتأهب دول الخليج لذلك ومناسبة الثانية قرب انتصاف شهر شعبان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد: فأيها المسلمون، يقولُ اللهُ تعالى في كتابهِ الكريم: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ . في هاتين الآيتين الكريمتين يعرضُ القرآنُ الكريم مثلاً مضروبًا مُسَاقًا للعظةِ والعبرة لقريةٍ من القرى كانت تنعمُ بأمنٍ واستقرار وطمأنينةٍ ورغدٍ من العيش، يأتيها رزقُها من كل مكان، لا يعرفُ أهلُها الجوعَ والخوف، ولا الفاقةَ والحرمان، فهم في أوجِ لذاتِهم وغايةِ سعادتهِم، لكنَّ أهلَ القريةِ ظنوا أنهم يستحقون ذلك لفضلهِم وتميزهِم عن الناس، فتجرأَ الغافلون، تجرؤوا على انتهاكِ محارمِ الله وتجاوزِ حدودهِ سبحانه، مغترينَ بإمهالِ اللهِ لهم وحلمه على انحرافهِم وظلمهِم وبغيهِم، فبدلاً من أنْ يشكروا ربهم ويعترفوا بإحسانِه إليهِم وتفضلِه عليهِم ويلتزموا حدودَه ويعرفوا حقوقَه إذا بهم يتنكرون للمنعِم العظيم ويتجرؤون في سفهٍ وغرور على العزيزِ الحكيم الذي يقول: يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ، وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ . فماذا كانتْ النتيجة؟ وما النهايةُ والعاقبة بعد ذلك الإمهالِ والصبرِ الجميل؟ إنَّ القرآنَ الكريم يختصرُ العقوبةَ المدمّرة والنهايةَ الموجعة في كلمتين اثنتين: فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ . إذًا فرغدُ العيش وسعةُ الرزق يتحولُ في طرفةِ عين ولمحةِ بصر جوعًا يَذهبُ بالعقول، وتتصدعُ له القلوبُ والأكباد، وإذا البطونُ الملأى والأمعاءُ المتخمة يتضورُ أصحابُها جوعا ويصطلون حسرةً وحرمانا، وإذا الأمنُ الذي كانوا يفاخرون به الدنيا وينسبونه لأجهزتهم وخططهم واحترازاتهم وينسونَ في عجبٍ وغرور المتفضلَ به سبحانه والمنعمَ به جل جلاله إذا به ينقلبُ رعبًا وهلعا، لا يأمن المرءُ على نفسِه وعرضِه فضلاً عن مالهِ وملكه. والقرآنُ الكريم حين يعرضُ بوضوحٍ وجلاء مآلَ تلكَ القريةِ الظالمِ أهلُها ويقررُ أنَّ ما أصابهَم هو بسببِ ما اقترفتُه أيديهِم من التمردِ والجحود ونكران النعمة وكفران المنعم ، حين يعرضُ القرآنُ ذلكَ كلَّه فهو إنما يخاطبُنا نحن الحاضرين ويخاطبُ غيَرنا حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها، يحذرُنا أن نقعَ في نفس الخطأ الذي وقعوا فيه، فنؤولُ لنفس المآلِ الذي آلوا إليه، ولقد ذاقت هذه الأمة على مر عصورها ألونًا من العقوباتِ المدمرةِ التي يشيبُ من هولهِا الوالدان، من الحروب والكوارث والزلازل والفيضانات وتسلط الأعداء والمذابح والمجازر التي كلما انقضت في بلد اشتعلت في آخر حتى وصل شررها إلى حدودنا وبدأت نذرها تلوح في أفقنا وقانا الله وإياكم أسباب غضبه وشؤم معصيته ووبيل عقوبته.
أيها المسلمون، إن هذه العقوباتِ المهلكة والكوارثَ المفجعة ليست ضربًا من الخيال، وليس فيها شيء من التهويلِ والمبالغة، فالله يقول: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ، لكن الذي نشأ منذُ نعومةِ أظفاره في بحبوحةٍ من العيش لم يذقْ مرارةَ الجوع طرفةَ عين حريٌ به أن يَعجبَ مما سمعَ كلَّ العجب، لكنْ سلوا الآباء والأجداد الذين اصطلوا بنارِ الجوع ولهيبِ الظمأ دهرًا طويلا، وارتعدتْ فرائصهُم وقلوبُهم من قطاعِ الطرق وعصاباتِ السطو في وضحِ النهار، يتضح أنَّه ليسَ في الأمرِ غرابةٌ ، وأن استبعاده ضرب من الاغترار فاعتبروا يا أولي الأبصار.أيها المسلمون، إن للعقوباتِ أسبابًا كثيرة، ورد ذكرُ بعضهِا في الكتاب والسنَّة، وجامعُها المعاصي والذنوب والتكذيب والإعراض.
فأول هذه الأسباب ظهور الكفر بالملك الوهاب وتكذيب الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، فقد أهلك الله عز وجل الأمم السابقة قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين وقرونا بين ذلك كثيرا؛ بسبب كفرهم بالله عز وجل وإلحادهم وتكذيبهم لرسله وسخريتهم بهم ومضايقتهم وإيذائهم، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا وَكُلاً ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاً تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا . ومن أسبابِ العقوباتِ المدمرةٍ والفواجعِ المهلكة إقصاءُ الشريعة عن الحكمِ والتشريع أو تطبيقُها في مجال دون آخر وعلى أشخاص دون آخرين حسب التشهي والهوى، والله يتوعدُ الأمة إن هي فعلتْ ذلك بالخزيِ والنكالِ في الحياةِ الدنيا، ولعذابُ الآخرةِ أشدُ وأبقى، أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . ومن أسبابِ العقوبات في الدنيا قبلَ الآخرة إشاعةُ الفاحشةِ في الذين آمنوا، وفي ذلك يقولُ ربنا جل جلاله: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ . ومن إشاعةِ الفاحشة الدعوةُ للاختلاط ونزعِ الحجاب وعرضُ الفساد والفنِ الرخيص وبثُ السمومِ والأفكارِ المستوردة، بشتى الوسائل والأساليب وفي الأثر: ((وما أعلن قومٌ الفاحشة إلا عمتهم الأوجاعُ والأسقامُ التي لم تكن في أسلافهم)). ومن أسبابِ العقوبات منعُ الزكاة، تلك التي لو قامَ أثرياءُ المسلمين بأدائها لما وجدتَ بين المسلمين بائسا ولا فقيرا ولا محتاجا. واسمع إلى عقوبةِ الأمة حين تبخل بزكاةِ أموالِها، قال عليه الصلاة والسلام: ((وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا)). وقد يستخفُ أقوامٌ بهذه العقوبة لأنهم اعتادوا تدفقَ المياهِ ووفرتَها في بيوتِهم، غافلين عن مصدرها وما تحيطه من أخطار وتهديدات. ومن أسبابِ العقوبات كذلك موالاةُ الكفارِ ومعاونتهم في حرب الإسلام والمسلمين، وقد وضح القرآنُ الكريم أنه لا يتولى الكفار ويتقرب إليهم إلا منافق ظاهر النفاق، قال الله تعالى: بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا .وقد حدثنا التاريخ عن عقوباتٍ حصلتْ لبعض الأمم التي والتِ الكافرين، كما حصل في بلادِ الأندلس عندما والى أمراءُ الطوائفِ النصارى، فنفض الصليبيون البساطَ من تحتِ أقدامهِم، وألقوا بهم في مزبلةِ التاريخ، وأصبحتْ هذه البلاد حسرةً في نفسِ كلِ مسلم، حين يذكرُ ما فيها من حضارةٍ وآثارٍ للمسلمين، ثم يذكرُ أولئكَ الأغرار الذين أضاعوا ذلك الفردوس المفقود بسبب فسادهم وترفهم وولائهم لأعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين ، والتاريخ كما يقال يعيد نفسه . ومن أسبابِ العقوبات كذلك تركُ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، والذي بتركهِ تستفحلُ الفاحشة وتعمُ الرذيلة، ويستطيلُ الشر وتخربُ البلادُ والعباد. واستمع لعقوبةِ الأمة حين تتخلى عن فريضةِ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، ففي المسندِ وغيرهِ من حديثِ حذيفةَ قال عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)). . قال الإمام الغزالي رحمه الله: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد وخربت البلاد وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خفنا أن يكون، فإنا لله وإنا إليه راجعون" أ.هـ. ومن أسبابِ العقوباتِ كذلك انتشارُ الظلمِ في المجتمع وغيابُ العدلِ فيه، فيأكلُ القويُ الضعيف، وينهبُ الغنيُ الفقير، ويتسلطُ صاحبُ الجاهِ والمكانة على غيره، وحين تسودُ هذه الأخلاقُ الذميمة والخصالُ المنكرة ولا تجدُ من يقولُ للظالِم: "أنتَ ظالم" فقد آن أوانُ العقوبة واقتربَ أجلُها لو كانوا يفقهون. فعند الترمذي وأبي داود قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الناسَ إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه)). وفي المسند ((إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له : إنك أنت ظالم فقد تودع منهم)) فكيف وقد اصبحت تصف الظالم بأنه عادل و الرقيع حكيم و اللص شريف وكريم ومن أسبابِ العقوبات فشو الربا وانتشارُه، حيث تعاطاه وأَلِفه الأكثرون، وقلّ له الناكرون، واللهُ يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، ويقول سبحانه: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ . وذهابُ بركةِ المال ومحقُ عائدهِ ونتاجهِ ملموسٌ مشاهد، يعترفُ به المرابون ضمنًا وتصريحا. والعالمُ الإسلامي اليوم يعاني الأزماتِ الاقتصاديةَ الخانقة لتورطهِ بتعاطي الربا وإعراضِه عن الشرعِ المطهر واستخفافِه بالوعيدِ الإلهي لأكلةِ الربا ومدمنيه، حاله في ذلك كحال بقية دول الكفر وما تعانيه من الأزمات الاقتصادية التي كلما هدأت في مكان استعرت في آخر حتى أصبح الاقتصاد العالمي يترنح بسببها كالذي يتخبطه الشيطان من المس كما في الوصف القرآني المعجز لآكل الربا . ومن أسبابِ العقوباتِ كذلك ظهور المعازف وشرب الخمور، وقد انتشر الغناء بين الناس حتى عد إنكاره منكرا وفعله واستماعه أمرا معروفا، وانتشر شرب الخمور بين كثير من شباب المسلمين ومصداق ذلك تجده في ارتفاع عدد مصانعها وعدد المترنحين بمركباتهم في الساعات المتأخرة من الليل في بعض طرقنا واستمع ـ يا رعاك الله ـ إلى العقوبة المتوعدة لأهله، قال عليه الصلاة والسلام: ((في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف)), فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله، ومتى ذلك؟! قال: ((إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور)). ومن أسباب هلاك الأمم التنافس في الدنيا والرغبة فيها والمغالبة عليها والإعراض عن الآخرة، عن عمرو بن عوف الأنصاري أن رسول الله بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله ، فلما صلى رسول الله انصرف فتعرضوا له، تبسم رسول الله حيث رآهم ثم قال: ((أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين)) قالوا: أجل يا رسول الله، قال: ((فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله، ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)). ومن أسباب هلاك الأمم ترك الجهاد والإخلاد إلى الأرض، قال النبي : ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)). أيّها المسلمون، إنّ ثمرة الاستماع الاتِّباع، فكونوا منَ الذين يستمِعون القول فيتَّبعون أحسنَه. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقِه وامتنانه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانهِ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فيا أيّها المسلمون، اتَّقوا الله وراقِبوه، وأطيعوه ولا تَعصوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ عباد الله، ومع قرب انتصاف شهر شعبان أذكر الإخوة بما جاء عند الطبراني وابن حبان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي قال: ((يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) وهو حديث صحيح. فتعاهدوا ـ عباد الله ـ توحيدكم من أن ينقضه شرك أكبر أو ينقصه شرك أصغر، وطهروا أنفسكم من الشحناء والبغضاء وحزازات النفوس ووغل الصدور، فإن الله تعالى يغفر في ليلة النصف من شعبان لكل عباده إلا للمشرك والمشاحن. فإياكم والإشراك بالله، لنتفقد أنفسنا؛ فلعل الواحد منا مبتلى بشيء من هذه الشركيات وهو لا يدري، فالمشرك هو الذي عبد غير الله تعالى بأي نوع من أنواع العبادة؛ من دعاء أو نذر أو استغاثة أو استعاذة أو ذبح أو غير ذلك من العبادات، فمن فعل ذلك فقد أشرك واستحق العقوبة، وهي عدم المغفرة والخلود في النار، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا ومن الشرك الشرك الأصغر مثل الرياء والسمعة وشرك الألفاظ من الحلف بغير الله وقول لولا الله وأنت ولولا البط لسرقت الدار ومطرنا بنوء كذا وكذا وقول أوتيت هذا بعلمي وقوتي وفضلي. وأما المشاحن فهو المباغض والمخاصم والمقاطع والمدابر والحاقد والحاسد، فكل هذه أوصاف للمشاحن، وهو سبب لعدم المغفرة، فعن أبى هريرة رضي الله عنه مرفوعا: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا)) رواه مسلم، وعن أبي ثعلبة الخشني عن النبي قال: ((إن الله ليطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه)) رواه الطبراني وهو في السلسلة الصحيحة. و المشاحنة مقطِّعة للصلة والرحم، ومفسدة لذات البين، قال : ((دبّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين. والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على ما تتحابون به؟ أفشوا السلام بينكم)). فالجامع بين الشرك والشحناء أن كليهما يحلق الدين ويفسده، والفرق أن الشرك الأكبر يبطل الدين فلا يبقي منه شيئا، أما الشحناء فتهتكه وتتركه بلا روح، وإن لم تجتث أصله. فالشحناء مفسدة للدين، تحلقه، وما دخل الحسد والحقد في القلوب إلا وكان سببا في ضعف الإيمان، وربما انتفائه بالكلية، كما حصل لإبليس لما حسد وحقد على آدم عليه السلام، ولذا أكّد الله تعالى في التحذير من الشحناء، وذكرها في سياق التحذير من أعظم الذنوب وهو الشرك؛ لأن الشرك مفسد لعلاقة الإنسان بربه، والمشاحن مفسد لعلاقته بإخوانه المؤمنين، وإذا فسدت علاقة الإنسان بربه وبإخوانه لم يبق له من دينه شيء، فكيف يغفر الله له؟! لذلك حُرم من فضل تلك الليلة المباركة. ألا واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن بعض الناس يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام وليلتها بالقيام وببعض الأدعية والأذكار وإنشاد بعض الأشعار، ولم يثبت ذلك كله في حديث عن النبي المختار ، إنما جاء في أحاديث ضعيفة أو موضوعة مكذوبة على رسول الله كما قال ابن رجب وغيره، وكل هذا لا تقوم به حجة ولا يعمل به في الأحكام. فسيروا على هدي نبيكم الموصل إلى طريق الجنان، واجتنبوا طرق الغواية والبدع والضلال الموصلة إلى دار البوار
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة على نبيه فقال جل من قائل عليما....فاللهمّ صلّ وسلّم... ومن تبعهم ..وعنا معهم ..اللهم أعز.. اللهم رحمتك بأمة.. اللهم أنج ..اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوء فأشغله.. اللهم رحمتك بإخواننا المستضعفين.. اللهم قاتل الكفرة الذين.. اللهم أفرغ على إخواننا.. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والتبرج والسفور والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم آمنا في أوطاننا واصلح أئمتنا وولاة أمورنا وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله الجليل العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

المشاهدات 3199 | التعليقات 0