خطبة عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم والحذر من مخالفة هديه

الحمدلله الذي بعث محمداً إلى الناس كافّة رأفة من ربنا ونعمة ، والصلاة والسلام على نبي الرحمة نبينا محمداً الذي أكمل به الدينَ والملّة وأنار به الظلمة وقصم به ظهور الظَلَمَةِ أهلِ السخط والنِقمة وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فبالتقوى واتباع الكتاب والسنة تَسودوا الأمم وترقُوا القمم ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تُقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكُم رقيبا ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : عندما نتحدث عن محبة أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم لنبيها نتحدث عن تاريخٍ حافلٍ بالعطاء والمشاعر الفيّاضة من الجيل الأول جيل الصحابة رضوان الله عليهم إلى يومنا هذا وعندما نتحدث عن ما يجب علينا وفاءً لحقه عليه الصلاة والسلام يغمر النفس الحزن عندما يرى المسلم حال الأمة اليوم من تقصيرها بحق نبيها عليه الصلاة والسلام .
عباد الله : محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثوابت الحتمية على كل مسلم وإن لها أصلاً وكمالاً ، فالأصل أن يأتي بأصل المحبة دون كمالها فيكون للنبي صلى الله عليه وسلم مُحبّاً وإلا لم يكن مسلماً ، فإن أصل المحبة فرض ودليل ذلك قول الله تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين ) وكذلك قول عمر رضي الله عنه : " يارسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ، والذي نفسي بيده ، حتّى أكون أحبّ إليك من نفسك " فقال له عمر : " فإنه الآن ، والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الآن ياعمر " فدلّ هذا الحديث إن محبة النبي إذا كانت أقل من محبة النفس فإن الإنسان يصح إسلامُه ولكن لايبلغ درجة الإيمان الكامل حتى تكون محبة النبي صلى الله عليه وسلم أعلى من محبة النفس كما ورد ذلك في الحديث الصحيح : " لايؤمن أحدُكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده ووالده والناس أجمعين " أخرجه الشيخان وأحمد والنسائي .

عباد الله : قد فصل ابن رجب رحمه الله وإيانا أجمعين في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري وهو غيرَ كتاب ابن حجر رحم الله الجميع ، يقول ابن رجب رحمه الله : " محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإيمان ، وهي مُقارنة لمحبة الله عز وجل ، وقد قرنَها الله بها ، وتوعّد من قدّم عليها شيئاً من الأمور المحبوبة طبعاً ، من الأقارب والأموال والأوطان وغيرِ ذلك . . فإن قدّم المرء طاعة الرسول وامتثال أوامره على ذلك الداعي : كان دليلاً على صحة محبته للرسول وتقدِيمها على كل شيء ، وإن قدّم على طاعته وامتثال أوامره شيئاً من هذه الأشياء المحبوبة طبعاً ، دلّ ذلك على عدم إتيانه بالأيمان التام الواجب عليه . وكذلك القول القول في تعارض محبة الله ومحبة داعي الهوى والنفس ، فإن محبة الرسول تبعٌ لمحبة مُرسله عز وجل . هذا كلُّه في امتثال الواجبات واجتناب المحرّمات ، فإن تعارَض داعي النفس ومندوبات الشريعة ، فإن بلغت المحبة على تقديم المندوبات على دواعي النفس : كان ذلك علامة كمال الإيمان ، وبلوغه درجة المقرّبين والمحبوبين المتقرّبين بالنوافل بعد الفرائض ، وإن لم تبلُغ هذه المحبة إلى الدرجة : فهي درجة المقتصدين ، أصحاب اليمين الذي كمُلت محبتهم ولم يزيدوا عليها " أي لم يستطيعوا الزيادة لأن مابقلبهم من الإيمان لايؤهلهم إلى درجة السابقين المقربين .

عباد الله : هناك نماذج من السيرة تدل على محبة أول هذه الأمة لنبيها فمن ذلك اهتمامهم بأمره وتسابقهم لطاعته ومن شدّة محبتهم له مارواه البخاري في صحيحه من حديث عُروة بن مسعود رضي الله عنه في حديث طويل كان فيه أنه قال لقريش : " أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك ، ووفدت على قصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيت ملكاً قط يُعظّمه أصحابُه مايُعظّم أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم محمداً ، والله إن تنخّم نُخامة إلا وقعت في كف رجل ٍمنهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وَضُوئه ، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يُحدّون إليه النظر تعظيماً له " .

عباد الله : كان حتى لمحبة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم نصيب ، فمن ذلك أن امرأة من الأنصار من بني دينار قد أُصيب زوجُها وأخوها يوم أحد ، فلّما نُعوا إليها قال : " مافعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : خيراً يأمّ فلان ، فقالت : أرونيه حتى أنظرَ إليه ، فأشاروا لها إليه ، حتى إذا رأته قال : " كل مصيبةٍ بعدك جلل "

ومن تلك القصص التي وقعت لبعض صحابة رسول الله في شدة محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ماورد في قول الله تعالى : ( ومن يُطع الرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) حيث ذكر البغوي في تفسيره عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه تى النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، وقد تغيّر لونه ، ويُعرف الحُزن في وجهه ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " ماغيّرَ لونك ؟ "
فقال : " يارسول الله مابي مرضٌ ولا وجَع ، غيرَ أنّي إذا لم أرك استوحشت وحشة شديد حتى ألقاك ، ثمّ ذكرتُ الآخرة فأخاف أني لاأراك ، لأنك تُرفع مع النبيين ، وإني إن دخلتُ الجنّة كنت في منزلة دون منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة لاأراك أبداً " فنزلت هذه الآية ، وهكذا كان أولئك الرعيل الصالح يحبون ويعظمون سيد البشر عليه الصلاة والسلام وذلك كمال الإيمان وتمامه كما دلت على ذلك السنّة المطهرة ، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الكتاب والحكمة ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

===================== الخطبة الثانية ======================

الحمدلله الواحد المجيد والصلاة والسلام على سيد البشر والعبيد نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات والسلام والتمجيد ومن تبعه بإحسان إلى يوم المزيد أما بعد :

عباد الله : هذه الأمة المحمدية فيها خيرٌ عظيم ومحبة لنبيها الذي أخرجها من الظلمات إلى النور بعون من الله ، عرفنا \لك أو بلغنا أو لم نعرفه ، علمنا أولئك المحبين أو جهلناهم ، فقد جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أشد أمتي حبَّاً لي ناسٌ يكونون بعدي يود أحدُهم لو رآني بأهله وماله " أي لو جعل أهله وماله فداءاً من أجل رؤيته عليه الصلاة والسلام وهذا من أعظم المحبة وأشدها على النفس ، وقد جاء في سنن الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلُ أمتي مثلُ المطر لايُدرى أوله خيرٌ أم آخره " وقد حسّن الحديث جمعٌ من أهل العلم ، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى شرحاً لهذا الحديث : " فمعناه في المتأخرين من يُشبه المتقدمين ويقاربُهم ، حتى يبقى لقوة المشابهة والمُقارنة لايدري الذي ينظر إليه ، أهذا خيرٌ أم هذا ، وإن كان في نفس الأمر خيراً ، فهذا فيه بُشرى للمتأخرين بان فيهم من يُقارب السابقين " .
عباد الله : ليس محباً للنبي صلى الله عليه وسلم من يُخالف هديه وأمره أو لم يُدافعُ عنه وعن عرضِه عليه الصلاة والسلام وليست مشاعر محبة النبي صلى الله عليه وسلم مشاعرٌ تُبدى بإقامة مولد يضرب فيه بالدف أو يُرقص فيه كما يفعل بعض الجهّال ، فأولئك في الحقيقة مبغضون لمنهج النبي صلى الله عليه وأصحابِه ، متنكبون عن الصراط المستقيم وضالون ومضلون ، بل إنه وصل الحد ببعضُهم أن يتخذَ من إظهار محبة النبي صلى الله عليه وسلم في الموالد المُقامة طريقة لبث سمومه من شركيات وبدع واستغاثات بغير الله من الأولياء وغيرهم ، فكل أولئك ليسوا من الفرقة الناجية التي أخبر عنها المصطفى عليه السلام بأدلة متوافرة من الكتاب والسُنة فويلٌ لهم مما كسبت أيديهم وويلٌ لهم مما يكسبون - أجارنا الله وإياكم من البدع المُحدَثة والفتن الحادثة . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال عز من قائلٍ كريم ورب رحيم ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .

المشاهدات 576 | التعليقات 0