خطبة عن مآسي المسلمين في حلب وغيرها

د.صالح العبداللطيف
1438/03/09 - 2016/12/08 17:33PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.. قال سبحانه وتعالى: يا إيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا.. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم..ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً
يشتد البرد على الناس في هذه الأيام.. ومع إحساسهم بلسعاته المؤذية.. يبادرون إلى لبس ما يقيهم شرَ هذا البردِ وبطشَه.. ويكثرُ مكثهم في أماكن سكنهم.. فليس المجال مجال خروج وتنزه..
ولكن هناك أخوة لنا.. ليس عندهم تنوع في اللباس.. فلباس صيفهم هو لباس شتائهم.. تنعدم عندهم وسائل التدفئة.. بل وكثير منهم بلا سكن ولا مأوى.. يفترشون الأرض ويلتحفون السماء..
هناك في سوريا وفي العراق.. يباد إخواننا وتستحل دماؤهم وأعراضُهم.. تُسلط عليهم أعتى أسلحةِ العالم.. ويتداعى عليهم شرارُ الخلق.. من النصيريةِ والرافضةِ والروس.. فيمطرونهم بالقنابل الفتاكة.. ويحيلون بيوتهم رماداً.. يستهدفون البيوتَ الآمنةَ والمستشفيات.. فلا فرق عندهم بين رضيع ومريض.. وشيخٍ كبير ومقاتل.. فما دمتَ موحداً لله رب العالمين.. فأنت الهدف المنشود.. والطريدة الغالية..
نرى في وسائل الإعلام من المشاهد المرعبة.. والأهوال المروعة..
ما يجعل المرءَ يتحسس رأسه.. ليتأكد.. أهو في منام أم يقظة.. ويشتد الأمر حينما نعلم.. أنما ينقله الإعلام.. إنما هو جزءٌ يسير من الحقيقة الكاملة.. تحرق مدنٌ بكاملها.. ويشرد أهلُها إلى الصحراء.. يبيتون في العراء.. يقاسون فيها الجوعَ والعطش.. وينكشفون للمخاطر.. ويفتك بهم الشتاء بزمهريره.. يحملون معهم الشيوخ والأطفال.. ولا نصير ولا معين لهم إلا الله..
والعالم المتحضر لا يفتر ولا يمل.. من حديث عن حقوق الإنسان.. والحرية والكرامة.. ويغمضُ عينيه ويصمُّ آذانه.. عن مآسي هؤلاء المكلومين.. ويطالِبُ الجميعَ بالتوقف عن القتال.. والعودة إلى المفاوضات..
إيها المؤمنون.. إن المرء حينما يرى هذا الانحطاط الإنساني.. والتعطش للفتك والقتل.. ثم يتذكرُ أخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم في الحروب.. ليتعجبُ أشد العجب.. كيف يتجرأ هؤلاء الأوباش.. على كيل التهم لهذا الدين.. ووصفه بالإرهاب.. لكنه البغي والظلم والكذب..
فقد كان رسول الرحمة حينما يودع الجيوش التي يبعثها للقتال في سبيل إعلاء كلمة الله.. وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.. هذا هو هدفه من هذه المواجهات.. لذا فلا عجب أن تكون وصيته لهم بقوله:
«اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا.. رواه مسلم.. وكان عليه الصلاة والسلام ينهى عن قتل النساء والشيوخ.. ويحذر من الإفساد في الأرض.. وقتل غير المقاتلين كالرعاة والمزارعين.. ومثل هؤلاء في وقتنا الأطباءُ والممرضون.. وغيرُهم ممن لا يشاركون في الحروب..
بينما أهل الحضارة المعاصرة.. لا يفرقون بين هدف مشروع وغيرِه.. فلا مبادئ ولا مروءة ولا كرامة.. يشنعون على نبي الإسلام بأنه نشر دينه بقوة السيف.. رغم أن عدد القتلى من المسلمين وأعدائهم.. في معاركه كلِّها لم يصل إلى 1300 قتيل.. نعم في كل معاركه وغزواته والتي تجاوزت ستين مواجهة لم يصل عدد القتلى فيها 1300 قتيل..
بينما وصل العدد في هذه العهد الجديد.. الذي يتسمى بعهد الحضارة أرقاماً مذهلة.. ففي الحرب العالمية الثانية وهي من الحروب الحديث.. بلغ عدد القتلى فيها أربعةٌ وخمسون مليونًا وثمانمائةُ ألفِ قتيل.. فكيف إذا أضفنا إلى ذلك ضحايا حروبهم.. في فلسطين وأفغانستان والشيشان والعراق وسوريا وغيرها..
إيها المسلمون.. إن هذه الأرقامَ وغيرَها.. تؤكد أن هذا العالم الغربي.. وحلفاءَه من الرافضة والنصيرية.. هم أبعد الناس عن التحضر والعدل والرحمة.. فما أن تكون لهم الغلبة إلا ويعيثون فساداً..
وينتقمون انتقام من استحوذ على قلبه الغلُ والحسدُ.. والخسةُ والدناءة.. وصدق القائل:
ملكْناَ فكان العفوُ منا سجَّيةً ... فلمَّا مَلكْتُمْ سال بالدَّم أبْطَحُ
وحلَّلتُمُ قَتْلَ الأسارىَ وطاَلَما ... غدَوْنا على الأسْرَى نمن ونصفحُ
وحسْبكمُ هذا التفاوتُ بيننا ... وكلُّ إناءِ بالذي فيه ينْضَحُ
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين
أقول ماتسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه..
أما بعد: فيا عباد الله.. إن ما يحدث لإخواننا في حلب أمرٌ تجاوز الوصف والتحليل.. ففي حلب الجريحة.. تسطر المآسي.. ويُعاد إفراغُ الأحقادِ الصفوية والقيصرية.. هناك لا يفرق الروسُ والنصيريةُ وأعوانُهم.. بين مستشفى ومقرٍ عسكري.. ولا بين مسجدٍ وثكنةٍ عسكرية..
فكل ما في تلك المدينة العريقة الشامخة.. هو هدف مشروع لأعداء الإسلام..
يصرخ الأطفال.. وتنادي الثكالى.. وترتجف العجائز.. ولا مجيب ولا معين.. فأهل السنة مشغولون بأنفسهم.. ويتناسون أن الدور سيكون عليهم في يوم من الأيام..
وويل لأهل السنة إن لم ينصروا إخوانهم المستضعفين.. فنصرة المظلوم واجبة على كل مسلم.. ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة... وقال صلى الله عليه وسلم.. (مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا.. عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ.. وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ.. إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.. فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ.. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا.. فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ.. وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ.. إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ) رواه أحمد.
إيها المؤمنون.. إن نصرة إخواننا في سوريا وغيرها.. تكون في كل ما نملكه ونقدر عليه.. النصرةُ في السلاح والعتاد.. والنصرةُ بالبذل والعطاء.. واستقبالِ اللاجئين وتسهيلِ أمورهم.. والنصرةُ بالدعاء والتضرعِ إلى الله جل جلاله.. بأن يكشف الله عنهم الغمة وينقمَ لهم ممن ظلمهم..
فيكِ الحياة وفينا الموت يا حلبُ..فالعيش في الذل لا يأسٌ ولا أرَبُ
تيهي افتخاراً وكُفّي الدمع واصطبري..فالمجد بين يديك اليوم ينتحبُ
لو لم تكن لك في الأمجاد منـزلةٌ..ما نال منك ومن آثارك التعب
كُفّي دموعك فالدنيا إذا غدرت..جرّت عليك دواهيها وتنسحب
لا تطلبي من بقايا قومنا أحدًا .. فكيف تنـزل من عليائها السحب
لا تَنْظِرينا فقد رقت عزائمُنا .. وغالَ همتَنا يومَ العلا اللعبُ
تقودنا الشهوةُ الصماءُ في وَحَلٍ .. وخلف قاتلِنا نلهو ونصطخبُ
فكفكفي دمعةً يُبكي توجعُها .. قلبَ العدو وما يأسى لها العربُ
إن الكريم إذا آذاه ضاربه .. فأظهر الصبر أنكى خصمَه الغضبُ
لا تُظهري دمعك الغالي فلا أحدٌ .. سيرسل الدمع من دمع وينتحبُ
كُفّي دموعَك فالأعداءُ ما عرفوا .. منك السآمةَ حتى بعدَ ما تعبوا
أنتِ الحياةُ جمالا فانفضي رَهباً .. فالله أكرم أن يخزيك يا حلبُ
اللهم إنا نسألك فرجاً لإخواننا المستضعفين في العراق والشام.. اللهم انتصر لهم ممن بغى عليهم.. اللهم خالف بين أعدائهم.. اللهم سلط الظالمين على الظالمين وأخرج المسلمين من بينهم سالمين.. اللهم لا ترفع لهم راية.. ولا تحقق لهم غاية.. واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية..اللهم اعز الإسلام والمسلمين.. وأذل الشرك والمشركين.. اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان.. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين.. اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك ياارحم الراحمين.. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا..ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.اللهم صل على نبينا محمد
المشاهدات 1468 | التعليقات 0