خطبة عن( عرفة+ العيد+ الأضحية) شاملة ومختصرة
سعيد الشهراني
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
أما بعد عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: ها نحن في أَيَّامِ الْعَشْرِ الفَاضِلَةِ وَالَّتِي سَرَعَانَ مَا تَمُرُّ وَتَنْقَضِي كَما مَرَّ غَيْرُهَا، فَمَنْ كَانَ اجْتَهَدَ فِيهَا فَلْيَسْتَمِرَّ وَيَسْأَلْ رَبَّهُ الْإِعَانَةَ وَالْقَبُولَ، وَمَنْ كَانَ كَسِلَ وَسَوَّفَ فَلْيَبْدَأْ فَلا زَالَ الْوَقْتُ مُتَاحًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وَالْمُسَارَعَةُ لِلْجَّنَةِ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمٌ فَاضِلٌ جِدًّا، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَقَدْ ثَبَتَتِ السُّنَّةُ بِالْحَثِّ عَلَى عَمَلَيْنِ فِيهِ (الْأَوَّلُ) الإِكْثَارُ مِنْ قَوْلِ [لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] طُوَالَ هَذَا الْيَوْمِ سَوَاءٌ كَانَ الإِنْسَانُ حَاجًّا أَمْ لا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ, وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) رواهُ الترمِذِيُّ.
الْعَمَلُ (الثَّانِي) الصَّوْمُ لِغَيْرِ الْحُاجِّ، وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَمَّا الحَاجُّ فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِ أَنْ يُفْطِرَ يَوْمَ عَرَفَةَ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: وَأَمَّا يَومُ عِيدِ الأَضْحَى فِإنَّهُ يُشْرَعُ فِيهِ لِغَيْرِ الحَاجِّ عِبَادَتَانِ عَظِيمَتَانِ، الأُولَى: صَلَاةُ العِيدِ، وَالثَّانِيَةُ: ذَبْحُ الأَضَاحِي.
فأَمَّا صَلَاةُ العِيدِ: فَهِيَ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلامِ يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ مُرَدِّدِينَ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ؛ وَصَلاةُ العِيدِ وَاجِبَةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلَي العُلَمَاءِ، وَهِيَ سُنَّةٌ في حَقِّ النِّسَاءِ؛ فَمَنْ تَرَكَ صَلاةَ العِيدِ مِنَ الرِّجَالِ البَالِغِينَ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ فَهُوَ آثِمٌ.
وَمِنَ السُّنَنِ الخَاصَّةِ بِعِيدِ الأَضْحَى أَنْ لَا يَأْكُلَ حَتَّى يَرْجِعَ مِنَ مُصَلَّاهُ, فَعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَخْرُجُ يَوْمَ اَلْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ, وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ اَلْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ) رَوَاهُ وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَمِنْ سُنَنِ العِيدِ أيضاً: التَّكْبِيرُ والاغْتِسَالُ وَلُبْسُ أَحْسِنِ الثِّيَابِ والتَّطَيِّبُ، وَالذَّهَابُ مِنْ طِرِيقٍ إِلَى الْمُصَلَّى وَالعَوْدَةُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، واصْطِحَابُ الأَطْفَالِ للاسْتِمَاعُ إِلَى خُطْبَةِ العِيدِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي بَرَكَةِ ذَلِكَ اليَوْمِ.
أَيُّهَا المسلمون: وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ فَهِيَ سُنَّةُ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَمِنْ هَدْيِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ, وَبَعْضُ العُلَمَاءِ أَوْجَبَهَا, لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه. وَمَعْنَى (سَعَةٌ) أَيْ اسْتِطَاعَةٌ، وَعَلَيْهِ فَمَنَ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ أَوْ كَانَ دَخْلُهُ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَحَاجِةِ مَنْ يَعُولُ فَلا يُضَحِّي لِأَنَّ الأُضْحِيَةَ سُنَّةٌ وَسَدَادُ الدَيْنِ وَاجِبٌ فَلْيُنْتَبَهُ لِهَذَا! ، واعْلَمُوا أَنَّ السُنَّةَ فِي الأُضْحِيَةِ: أَنْ تَكُونَ عَن الأحياء، فَيُضَحِّي الرَّجُلُ عَن نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الأَحْيَاءِ منهم وكذلك عن الأَمْوَاتِ فَيَشْمَلُهُم الأَجْرُ بإذن الله. فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ, وأَشْهَدُ أن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: اتقوا الله واعلموا أنَّ الأُضْحِيَةَ لا تَصِحُّ إِلا بِالشُّرُوطِ التَّالِيَةِ :
(الأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَهِي: الِإبِلُ وَالبَقَرُ وَالغَنَمُ.
(الثَّانِي) أَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا وَهِيَ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ للضَّأْنِ، وَسَنَةٌ للْمَعْزِ، وَسَنَتَانِ للْبَقَرِ، وَخَمْسُ سِنِينَ للإِبِلِ، فَلَا يُجْزِئُ مَا دُونَ ذَلِكَ.
(الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِن العُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنَ الإِجْزَاءِ. وَهِيَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ اَلْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فَقَالَ ( أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي اَلضَّحَايَا : اَلْعَوْرَاءُ اَلْبَيِّنُ عَوَرُهَا, وَالْمَرِيضَةُ اَلْبَيِّنُ مَرَضُهَا, وَالْعَرْجَاءُ اَلْبَيِّنُ ظَلَعُهَا وَالْعَجْفَاءُ اَلَّتِي لَا تُنْقِي) رَوَاهُ اَلْخَمْسَة.
(الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ يُضَحِّىَ بِهَا فِي الوَقْتِ الْمَحْدَّدِ شَرْعًا، وَهُوَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ فَرَاغِ صَلاةِ العِيدِ، أَوْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ الثَّالِثَ عَشَرَ لمْ تَصِحَّ أُضْحِيَتُهُ. وَالذَّبْحُ يَوْمَ العِيدِ أَفْضَلُ لأَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ التِي هِيَ أَفْضُلُ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَلِمَا فِيهِ مِن الْمُبَادَرَةِ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ.
أَيُّهَا المسلمون: غداً بإذن الله هو يوم عرفة فشَمِّرُوا وَجِدُّوا وَأَقْبِلُوا عَلَى رَبِّكُمْ جَلَّ وَعَلا فَقَدْ دَعَاكُمْ وَأَدْنَاكُمْ وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْكُمْ، فَانْقَطِعُوا فِي هَذا الْيَوم خَاصَّةً عَمَا سِوَاهُ وَلا يَشْغَلَنَّكُم شَاغِلٌ عَن الدُّعَاءِ اطْرَحُوا مَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الشَّوَاغِلِ، وَمَا فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ الْخَوَاطِرِ، وَانْطَرِحُوا بِبَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فإنه قريب مجيب الدعوات. فاللهم أجزل لنا العطية، واغفر لنا الخطيئة، وأصلح لنا النية والذرية، وأحينا الحياة الرضية.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد ....
المرفقات
1718090428_خطبة عن ( عرفة عيد الأضحى الأضحية ) شاملة ومختصرة.docx