خطبة عن شهر رجب والتحذير من البدع

عبدالله بن رجا الروقي
1436/06/27 - 2015/04/16 09:08AM
هذه الخطبة ضمنتها كلاماً للشيخ صالح الفوزان في خطبة له عن شهر رجب:


خطبة عن شهر رجب والتحذير من البدع
الخطبة الأولى
أما بعد فإن الله سبحانه قد اصطفى من العام أشهراً أربعة هي الأشهر الحرم ، ولله عزوجل الحكمة البالغة فيما يصطفيه من خلقه ،
قال تعالى ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾
وقد أشار الله في كتابه إلى الأشهر الحرم فقال تعالى ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾
وجاء بيان هذه الأشهر عن نبينا ﷺ حيث قال : إنَّ الزَّمانَ قدِ استدارَ كهيئتِهِ يومَ خلقَ اللَّهُ السَّمواتِ والأرضَ ، السَّنةُ اثنا عشرَ شهرًا ، منها أربعَةٌ حُرُمٌ ، ثلاثٌ متوالِياتٌ : ذو القِعدةِ ، وذو الحجَّةِ ، والمحرَّمُ ، ورجَبُ مضرَ الَّذي بينَ جُمادى وشعبانَ. رواه البخاري ومسلم

وشهرنا الذي نستقبله هو شهر رجب أحد هذه الأشهر الحرم فله فضل لكونه شهرًا حرامًا لكن لايجوز تخصيصه بشيء من العبادات.
ومن المسلمين من يظن أن بعض العبادات لها خاصية في هذا الشهر فيقع في البدع وهو لايشعر وقد كنا في هذه البلاد في عافية من كثير مما وقع فيه الناس من البدع، ولكن لما توفرت وسائل الإعلام وتنوعت أخذ بعض منها ينقل البدع ويعرضها على الناس فربما يشتبه الأمر فوجب التنبيه على تلك البدع في أوقاتها حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه.
ومن هذه البدع ما يفعل في شهر رجب من العادات الجاهلية والأمور البدعية التي يزعم مرتكبوها أن لشهر رجب خاصية على غيره، وليس الأمر كذلك، فإن شهر رجب أحد الأشهر الحرم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب بخصوصه حديث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد أحدث الناس في هذا الشهر عبادات لم يشرعها الله ولا رسوله- من ذلك تعظيم أول خميس منه وليلةِ أول جمعة منه، فإن تعظيم هذا اليوم وتلك الليلة من رجب إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة، والحديث المروي في ذلك كذب باتفاق العلماء، ولا يجوز تعظيم هذا اليوم لأنه مثل غيره من الأيام. ا.هـ
وقال الحافظ ابن رجب: فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء- قال: وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه.ا.هـ
وعلى هذا يُنهى عن تخصيص رجب بصلاة أو صيام ، أما من كان يصوم الاثنين والخميس ، أو البيض ، ثم صامها في رجب كعادته في سائر الشهور ، فلا مانع من ذلك ، بل هي باقية على مشروعيتها.

وأما العمرة فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في رجب، فلا فضل للعمرة في رجب على العمرة في غيره من الشهور.
ولكن لو ذهب الإنسان للعمرة في رجب من غير اعتقاد فضل معيّن بل كان مصادفة أو لأنّه تيسّر له السفر في هذا الوقت فلا بأس بذلك .
ومن المحدثات مايفعله بعض الناس من الاحتفال ليلة سبع وعشرين بدعوى أنها ليلة الإسراء والمعراج ، ولم يثبت شيء في تحديد ليلة الإسراء والمعراج ، ولوثبت ذلك لم يجز الاحتفال بها لأن رسول ﷺ ، وأصحابه ، والتابعين لهم بإحسان ، لم يفعلوا ذلك ، ولسنا أشد تعظيمًا لدين الله منهم ، فالاحتفال بهذه الليلة محرم.
وكذلك ، لايثبت عن النبي ﷺ دعاء خاص بشهر رجب ، ومن ذلك دعاء اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ، فهذا لم يصح عن النبي ﷺ ، لكن لو دعا به إنسان فلا مانع إذ لامحذور فيه.
والخلاصة أنه ليس لعبادة من العبادات في شهر رجب فضل خاص فتخصيص شهر رجب بشيء من العبادات بدعة من البدع.
اللهم ثبتنا على السنة وجنبنا البدعة.


الخطبة الثانية
أمابعد
فقد أمرنا الله باتباع رسوله ﷺ وسلوك سبيله، وأمرنا بالاتباع، ونهانا عن الابتداع، فقال سبحانه وتعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ)
والله سبحانه ، لا يقبل من الأعمال إلا ما شرعه، وكان خالصاً لوجهه .
وحذر نبينا ﷺ من البدع فقال: وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة.
وقال ﷺ : من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد. فاتقوا الله معاشر المسلمين واعلموا أن البدع والمحدثات في الدين أصل كل بلاء وفتنة، وأن الشيطان يحرص كل الحرص عل صد الناس عن الدين الصحيح، فإن رأى منهم عدم رغبة في الدين شجعهم على ذلك وزين لهم المعاصي والشهوات وفتح لهم أبواب الشبهات، وإن رأى منهم محبة للدين أدخل عليهم من البدع والزيادات ما يفسده عليهم فتنبهوا لذلك- واعلموا أن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة والنقصان لأن الله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فلا مكان للبدعة في دين الله، قال الإمام مالك رحمه الله: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً.
إن المبتدع معاند لله مشاق له لأن الله بين الطرق الموصلة إلى الخير وحصرها- وهذا المبتدع يريد أن يزيد عليها أو ينقص منها فجعل نفسه شريكاً لله في تشريعه وكفى بذلك ضلالاً وإثماً مبيناً، والله أمر باتباع ما شرعه، فأبى المبتدع ذلك واتبع هواه بغير هدىً من الله.
عباد الله: إن البدع مع أنها حدث في الدين، وتغيير للملة، فهي آصار وأغلال تضاع فيها أوقات وتنفق فيها أموال، وتتعب فيها أجسام، وتبعد من الجنة وتقرب من النار، وتوجب سخط الله ومقته، ولكن أهل الغي والضلال لا يفقهون، وفي طغيانهم يعمهون، لا يزيدهم عملهم عن الله إلا بعداً ولا اجتهادهم وتعبهم إلا مقتاً ورداً.
اللهم اهد ضال المسلمين وارزقنا اتباع سنة نبيك ﷺ وقنا برحمتك البدع وثبتنا على الإسلام والسنة وتوفنا على ذلك برحمتك يا أرحم الراحمين.
المشاهدات 6011 | التعليقات 0