خطبة عن تعظيم الله (4)

محمد بن عبدالله التميمي
1442/08/05 - 2021/03/18 10:58AM
تعظيم الله (4) الحمد لله الحميد، ذي العرش المجيد، فعالٍ لما يريد، أشهد ألا إله إلا الله وحده المنزه عن التشريك والتنديد، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله المعظَّمِ لربه المجيد، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل التليد، وعلى من تبعهم من كل ثابت على التوحيد، أما بعد: فإن من أجلَّ المعارف وأشرفَها: معرفةُ تعلق الوجود خلقا وأمرا بالأسماء الحسنى، والصفاتِ العلى، وارتباطُه بها. وكلُّ اسمٍ من أسمائه سبحانه له صفة خاصة، فإن أسماءه أوصاف مدح وكمال، وكلُّ صفة لها مقتضى وفعل، وهذا في خلقه وأمره، وثوابه وعقابه. كل ذلك آثار الأسماء الحسنى وموجباتها. قال تعالى في حق منكري المعاد والثواب والعقاب: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} [الزمر:67]، وقال في حق من جوز عليه التسوية بين المختلفين، كالأبرار والفجار، والمؤمنين والكفار: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}، فأخبر أن هذا حكم سيئ لا يليق به، تأباه أسماؤه وصفاته. وقال سبحانه: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} عن هذا الظن والحسبان، الذي تاباه أسماؤه وصفاته. فاسمُ الله (الملِك) يقتضي مملكةً وتصرفًا وتدبيرا، وإعطاءً ومنعا، وإحسانًا وعدلا، وثوابًا وعقابا. وأسماؤه سبحانه (الغفار، التواب، العفو) لا بد لهذه الأسماء من متعلَّقات، ولا بد من جناية تُغفَر، وتوبةٍ تُقبَل، وجرائمَ يُعفَى عنها، واللهُ تعالى عفوٌّ يُحِبُّ العفو، ويُحب المغفرة، ويُحب التوبة، ويَفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظمَ فرحٍ يَخطُرُ بالبال. ومن آثار أسمائه سبحانه: مغفرةُ الزلات، وإقالةُ العثرات، والعفوُ عن السيئات، والمسامحةُ على الجنايات، مع كمال القدرة على استيفاء الحق، والعلم منه سبحانه بالجناية ومقدار عقوبتها، فحلمه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن كمال عزته وحكمته، كما قال المسيح عليه السلام: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة:118]، أي فمغفرتك عن كمال قدرتك وحكمتك، لست كمن يغفر عجزا، ويسامح جهلا بقدر الحق، بل أنت عليم بحقك، قادر على استيفائه، حكيم في الأخذ به. فله سبحانه في كل ما قضاه وقدَّره الحكمةُ البالغة، والآياتُ الباهرة. وهو سبحانه يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها، ويأخذوا بحظهم من عبوديتها. وهو سبحانه يحب موجَب أسمائه وصفاته، فهو (جواد) يحب الجود (وتر) يحب الوتر (جميل) يحب الجمال (عفو) يحب العفو وأهله (حيي) يحب الحياء وأهله (بر) يحب الأبرار (شكور) يحب الشاكرين (صبور) يحب الصابرين (حليم) يحب أهل الحلم. فلمحبة الله سبحانه للتوبة والمغفرة، والعفو والصفح: خلق من يغفر له، ويتوب عليه، ويعفو عنه، وقدر عليه ما يقتضي وقوع المكروه والمبغوض له، ليترتب عليه المحبوب له المرضي له. فاللهم اعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا، واغفر للمؤمنين والمؤمنات أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين([1]). الخطبة الثانية الحمد لله حمدُ نفسه: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وفوق ما يثني عليه خلقه أجمعين، كما عظمه وأثنى عليه نبيُّه صلى الله عليه وسلم ثم قال: "لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"، أما بعد: فقد أثبتَ الله لنفسِه كمالَ العلم فقال: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام:3]، وأثبتَ لنفسِه القدرةَ التامَّةَ والقهرَ التامَّ فقال: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}. ومع ذلك أثبتَ لنفسِه الرحمةَ فقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:54]. وليس آيةً من القرآنِ إلا وهيَ تدلُّ على عظمةِ اللهِ تعالى بلفظِها ومعناها {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [يسجد الخطيبُ هنا سجدة التلاوة على المنبر إحياءً للسنة، ثم يكمل يستدل لفعله بعد ذلك فيقول:] قرَأ رسولُ اللهِ ﷺ سورة (ص) وهو على المنبرِ فلمّا بلَغ السَّجدةَ نزَل فسجَد وسجَد النّاسُ معه فلمّا كان يومٌ آخَرُ قرَأها فلمّا بلَغ السَّجدةَ تنشَّز النّاسُ للسُّجودِ فقال رسولُ اللهِ ﷺ: (إنَّما هي توبةُ نبيٍّ ولكنِّي رأَيْتُكم تنشَّزْتُم للسُّجودِ) فنزَل فسجَد وسجَدوا. وقَرَأَ عمر بن الخطاب يَومَ الجُمُعَةِ على المِنْبَرِ بسُورَةِ النَّحْلِ حتّى إذا جاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ، فَسَجَدَ وسَجَدَ النّاسُ.

([1]) هذه الخطبة الأولى مختصرة من مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن القيم (١/418- ‏٤٢١). ________________________________________ خطبة عن تعظيم الله (1) https://khutabaa.com/ar/discussions/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-1 خطبة عن تعظيم الله (2) https://khutabaa.com/ar/discussions/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-2 خطبة عن تعظيم الله (3) https://khutabaa.com/ar/discussions/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-3-%D9%85%D9%86%D8%B2%D9%84%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B9%D8%B2-%D9%88%D8%AC%D9%84-%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A9  
المرفقات

1616065100_خطبة عن تعظيم الله 4.pdf

المشاهدات 861 | التعليقات 0