خطبة عن تعظيم الله (3) منزلة تعظيم الله عز وجل تابعة للمعرفة

محمد بن عبدالله التميمي
1442/07/27 - 2021/03/11 21:24PM
  الحمد لله له الحمد كله، حَمِدَ نفسه فهو سبحانه كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني به عليه خلقه، لا إله إلا الله، ولا محسن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إلا إياه، وصلى الله وسلم على رسول الله الذي بيده لواء الحمد، وله المقام المحمود، وعلى آله وصحبه صلى وسلم وهم لربهم حامدون، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يبعثون، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وعظموا الله حق عظمته، واعلموا أن منزلة تعظيم الله عز وجل تابعة للمعرفة، فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيما وإجلالا، وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق وصفه، فقال تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارا} الوقار العظمة. قال الحسن البصري: لا تعرفون لله حقا، ولا تشكرون له نعمة.
وعبوديةُ القلب أعظمُ من عبودية الجوارح وأكثرُ وأدوَم، فهي واجبةٌ في كل وقت، وأعمالُ الجوارح لإصلاح القلب وتعظيم الله، قال ابن القيم رحمه الله: «والله يُنزِل العبدَ من نفسه حيثُ يُنزِلُه العبدُ من نفسه، وإذا عرفَ المخلوقُ ربَّه اطمأنّت إليه نفسُه وسكنَ إليه قلبُه، ومن كان بالله وصفاته أعلمَ كان توكُّله أصحَّ وأقوى، وكان منه أخوَف».
وأكملُ الناس عبوديةً: المُعظِّمُ لله المُتعبِّدُ له بجميع أسمائه وصفاته، والله سبحانه له من الأسماء أحسنُها، وأسماؤه مدحٌ وتمجيد، وله من الصفات أكملُها وأعلاها، وصفاتُه صفاتُ كمال. عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ كانَ يقولُ: في رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ. أخرجه مسلم. وفي السنن  من حديث عوف بن مالك الأشجع رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ ركع ركوعَه الطويلَ يقولُ فيه: سبحان ذي الجبروتِ والملكوتِ والكبرياءِ والعظمةِ، ثم قال في سجودِه مثلَ ذلك.
عباد الله.. لما كان من أسماء الله: المجيد والكبير والعظيم فإن معنى هذه الأسماء: أن الله جل جلاله هو الموصوف بصفات المجد والكبرياء والعظمة والجلال، الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجلّ وأعلى، وله التعظيم والإجلال، في قلوب أوليائه وأصفيائه، قد ملئت قلوبهم من تعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والتذلل لكبريائه، يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: «إن الإنسان إذا سمع وصفًا وصف به خالق السماوات والأرض نفسَه، أو وصفه به رسولُه صلى الله عليه وسلم، فليملأَ صدرَه من التعظيم».
قال أبو القاسم الأصبهاني في صفة العظمة: «كل واحد من الخلق إنما يُعظِّمُ لمعنى دون معنى واللهُ عز وجل يُعظَّم في الأحوال كلِّها، فينبغي لمن عرف حقَّ عظمةِ الله ألا يتكلم بكلمة يكرهها الله، ولا يرتكب معصية لا يرضاها الله، إذ هو القائم على كل نفس بما كسبت».
أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله العلي الكبير، أشهد ألا إله إلا الله وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمد عبدالله ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى الآل وكل صاحب جليل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن أول مراتب تعظيم الله: تعظيمُ أمره ونهيه، بالانقياد لأمره ونهيه، وإنما يكون ذلك بتعظيم أمر الله عز وجل واتباعه، وتعظيم نهيه واجتنابه، فيكون تعظيم المؤمن لأمر الله تعالى ونهيه واجتنابه دالا على تعظيمه لصاحب الأمر والنهي، ويكون بحسب هذا التعظيم من الأبرار. واجتنبوا معصية الله يا عباد الله، واعلموا أن من عقوبات الذنوب: أنها تُضْعِفُ في القلب تعظيمَ الربِّ ﷻ، وتُضْعِفُ وقارَه في قلب العبد ولا بد، شاء أم أبى، ولو تمكن وقارُ الله وعظمتُه في قلب العبد لما تَجرَّأ على معاصيه، فالمتجرئون على معاصيه ما قدروا الله حق قدره، وكيف يَقْدُرُه حقَّ قَدْرِه، أو يُعظِّمُه ويُكْبِرُه، ويرجو وقارَه ويُجِلُّه: مَن يَهُوْنُ عليه أمرُه ونهيُه؟ وكفى بالعاصي عقوبة أن يَضْمَحِلَّ من قلبه تعظيمُ الله ﷻ، وتعظيمُ حرماته، ويَهُونَ عليه حقُّه.
عباد الله.. إن مما يُرقِّي لتعظيمِ اللهِ العلي: تعظيمُ الحكمِ الكونيِّ القَدَريِّ، فيراه كلَّه مستقيمًا؛ لأنه صادر عن عين الحكمة، فلا عِوَجَ فيه، فيؤمنَ بقدَرَ الله، ويستسلمَ لأمر الله، ولن تجدَ طعمَ الإيمان ولن تَبلُغَ حقيقةَ العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمنَ بالقدَر خيرِه وشرِّه، فتعلمَ أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، ومن تمام الإيمان بالقدر والقضاء: الرضى، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: "وأسألك الرضا بعد القضاء".
ومن تأمل وقوع القدَر على رغم أنوف الجبابرة عظَّمَ الله وأجلَّه، إذ كلُّ ما دون الجليل: حقير، فلا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.

_______________________________

خطبة عن تعظيم الله (1)

https://khutabaa.com/ar/discussions/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-1

خطبة عن تعظيم الله (2)

https://khutabaa.com/ar/discussions/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-2

المرفقات

1615497842_خطبة عن تعظيم الله 3.pdf

المشاهدات 809 | التعليقات 0