خطبة عن تعظيم الله (2) من كلام ابن تيمية

محمد بن عبدالله التميمي
1442/07/20 - 2021/03/04 16:07PM
 
* الحمد لله العلي العظيم، أشهد ألا إله إلا الله رب العرش العظيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المعَظِّم لربه، فهو بالله اعلم وله أتقى ومنه أخشى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن على إثْرهم اقتفى، أما بعد:
فلا رَيْبَ أنَّ اللَّهَ رَبُّ العالَمِينَ رَبُّ السَّمَواتِ والأرْضِينَ وما بَيْنَهُما ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لا إلَهَ إلّا هُوَ فاِتَّخِذْهُ وكِيلًا رَبُّكُمْ ورَبُّ آبائِكُمْ الأوَّلِينَ رَبُّ النّاسِ مَلِكُ النّاسِ إلَهُ النّاسِ.
وهُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٌ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنْثى مِن نُطْفَةٍ إذا تُمْنى. وهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ومَلِيكُهُ وهُوَ مالِكُ المُلْكِ؛ يُؤْتِي المُلْكَ مَن يَشاءُ ويَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ يَشاءُ ويُعِزُّ مَن يَشاءُ ويُذِلُّ مَن يَشاءُ بِيَدِهِ الخَيْرُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَهُ ما فِي السَّمَواتِ وما فِي الأرْضِ وما بَيْنَهُما وما تَحْتَ الثَّرى الرَّحْمَنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿ما مِن دابَّةٍ إلّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إنّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. قُلُوبُ العِبادِ ونَواصِيهِمْ بِيَدِهِ وما مِن قَلْبٍ إلّا وهُوَ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِن أصابِعِ الرَّحْمَنِ إنْ شاءَ أنْ يُقِيمَهُ أقامَهُ وإنْ شاءَ أنْ يُزِيغَهُ أزاغَهُ. وهُوَ الَّذِي أضْحَكَ وأبْكى وأغْنى وأقْنى وهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ويُنَزِّلُ مِن السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ويَبُثُّ فِيها مِن كُلِّ دابَّةٍ. وهُوَ ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾. ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإسْلامِ ومَن يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿وهُوَ اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هُوَ لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولى والآخِرَةِ ولَهُ الحُكْمُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
وهُوَ الحَيُّ القَيُّومُ الَّذِي لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ وهُوَ القائِمُ بِالقِسْطِ القائِمِ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ الخالِقُ البارِئُ المُصَوِّرُ. ﴿وما مِن دابَّةٍ فِي الأرْضِ إلّا عَلى اللَّهِ رِزْقُها﴾. وما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلّا بِاَللَّهِ، فَما شاءَ اللَّهُ كانَ وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاَللَّهِ، ولا مَلْجَأ مِنهُ إلّا إلَيْهِ، وهو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وعَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وهو بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ. {أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى}، و{أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وبَدَأ خَلْقَ الإنْسانِ مِن طِينٍ}. وهَذا صُنْعُ اللَّهِ الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، والخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْهِ وهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ وهُوَ أرْحَمُ بِعِبادِهِ مِن الوالِدَةِ بِوَلَدِها، كَما أقْسَمَ عَلى ذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ فَقالَ: "لَلَّهُ أرْحَمُ بِعِبادِهِ مِن هَذِهِ الوالِدَةِ بِوَلَدِها" إلى نَحْوِ هَذِهِ المَعانِي الَّتِي تَقْتَضِي شُمُولَ حِكْمَتِهِ وإتْقانَهُ وإحْسانَهُ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ وسِعَةَ رَحْمَتِهِ وعَظَمَتِها وأنَّها سَبَقَتْ غَضَبَهُ. فَجَمِيعُ الكائِناتِ: آياتٌ لَهُ شاهِدَةٌ دالَّةٌ مُظْهِرَةٌ لِما هُوَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ مِن الأسْماءِ الحُسْنى والصِّفاتِ العُلى.
وهُوَ سُبْحانَهُ الحَقُّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ ومِن آياتِهِ أنْ تَقُومَ السَّماءُ والأرْضُ بِأمْرِهِ والشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأمْرِهِ ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ ما خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلّا بِالحَقِّ وهُوَ سُبْحانَهُ نُورُ السَّمَواتِ والأرْضِ ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ﴾ الآيَةَ. وهُوَ سُبْحانَهُ لَيْسَ عِنْدَهُ لَيْلٌ ولا نَهارٌ. نُورُ السَّمَواتِ مِن نُورِ وجْهِهِ، هَكَذا قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «لا يَنامُ ولا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَنامَ يَخْفِضُ القِسْطَ ويَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهارِ وعَمَلُ النَّهارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجابُهُ النُّورُ أوْ النّارُ لَوْ كَشَفَها لَأحْرَقَتْ سُبُحاتُ وجْهِهِ ما أدْرَكَهُ بَصَرُهُ مِن خَلْقِهِ».
هَذِهِ المَعانِي وما أشْبَهَها مِن مَعانِي رُبُوبِيَّتِهِ ومُلْكِهِ وخَلْقِهِ ورِزْقِهِ وهِدايَتِهِ ونَصْرِهِ وإحْسانِهِ وبِرِّهِ وتَدْبِيرِهِ وصُنْعِهِ [تُعظِم في قلب العبد أمر الله، اللازمِ عن تعظيم الله، جعلنا الله له معظِّمين، ولأوامره ممتثلين، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين]
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن مِن مَعانِي أُلُوهِيَّتِهِ سبحانه: خُضُوعِ الكائِناتِ وإسْلامِها لَهُ وافْتِقارِها إلَيْهِ وسُؤالِها إيّاهُ ودُعاءِ الخَلْقِ إيّاهُ؛ إمّا دُعاءُ عِبادَةٍ وإمّا دُعاءُ مَسْألَةٍ وإمّا دُعاؤُهُما جَمِيعًا، فَإنَّهُ الَّذِي فِي السَّماءِ إلَهٌ وفِي الأرْضِ إلَهٌ ﴿يَسْألُهُ مَن فِي السَّماواتِ والأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ ﴿وهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وفِي الأرْضِ﴾ ﴿وهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إلَهٌ وفِي الأرْضِ إلَهٌ﴾ ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ والأرْضُ ومَن فِيهِنَّ وإنْ مِن شَيْءٍ إلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ ﴿أفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ ولَهُ أسْلَمَ مَن فِي السَّماواتِ والأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا وإلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ {ولِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّماواتِ والأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا وظِلالُهُمْ بِالغُدُوِّ والآصالِ} ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّماواتِ ومَن فِي الأرْضِ والشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجُومُ والجِبالُ والشَّجَرُ والدَّوابُّ وكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ﴾ ﴿ولَهُ مَن فِي السَّماواتِ والأرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ﴾ ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأرْضِ وهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾
  * كلا الخطبتين من كلام شيح الإسلام ابن تيمية (2/ 398 – 405) سوى ما بين المعقوفتين []

 

رابط الخطبة الأولى في تعظيم الله 

https://khutabaa.com/ar/discussions/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-1

المرفقات

1614874000_خطبة عن تعظيم الله 2.pdf

المشاهدات 817 | التعليقات 0