خطبة عن بني اسرائيل واليهود ومكرهم وإجلائهم

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ِومن تبعهم بإحسِانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .عباد الله : عندما نقرأ كتاب الله جل وعلا نجد أنه تناول بني اسرائيل تناولاً طويلاً فذكر كثيراً من أخبارهم لأنهم أهل الكتاب قبلنا وبتفضيل الله لهم على أهل زمانهم وبنو اسرائيل هم ذرية يعقوب ويتناول اليهود والنصارى ، وكثيراً يُطلق على اليهود ممن كانوا قبل عيسى عليه السلام واختيار الله لهم على علمٍ وخِبرة وهو العليم الخبير وفيهم يقول جل وعلا ( ولقد اخترناهم على علمٍ على العالمين ) على عالَمي زمانهم ، وآتاهم من الآيات مالم يعطِ غيرَهم من الناس والأمم مافيه اختبار لهم وامتحان ومن أعظم ماأعطاهم ووهبهم أن أنزل عليهم مائدة من السماء فيها من أصناف الطعام  مافيها وفلق لهم البحر وظلل عليهم الغمام وهو السحاب وأنزل عليهم المنّ والسلوى فقال جل وعلا : ( وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات مارزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) وقال :( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) واشترطوا بعدما بعث الله إليهم موسى أنهم لن يؤمنوا بما جاء به موسى حتى يَروا الله جهرة - أي عياناً بأعينهم - فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ثم أحياهم الله بعد موتهم ، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى : ( وإذ قُلتُم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعهد موتكم لعلكم تشكرون ) وهذا أمر يندر حدوثه أن يحيي الله عبداً بعد موته وكم هي من نعمة أن يمهل الله العبد ولا يُعاجله بالعقوبة ليستعتب ويتوب وإلى ربه جل وعلا يؤوب . 
عباد الله : مع كل الآيات التي مرت على بني اسرائيل وعِظَم تلك الآيات إلا أنه كَفَرَ وفَسَقَ كثيرٌ منهم  كما قال جل وعلا : ( لو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم امة مقتصدة وكثيرٌ منهم ساء مايعملون ) وقال جل جلاله : ( ألم يأن للذي آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبلُ فطال عليهم الأمد فقست قلوبُهم وكثيرٌ منهم فاسقون )  ومن أشنع جرمهم وأخبثه أنهم يقتلون الأنبياء بغير حق ، فمن كان من الأنبياء لاتهواه أنفسهم إما أن يكفروا به وإما أن يقتلوه ، وقد قرّعهم الله بذلك حيث قال عز وجل : ( أفكلما جاءكم رسولٌ بما لاتهوى استكبرتم أنفُسُكم ففريقاً كذّبتم وفريقاً تقتُلون ) . 
عباد الله : ولمّا كان من بني اسرائيل الصدود والإعراض عن الإيمان وخاصّة من اليهود عاقبهم الله بعقوبات منها : ضرْبُ الذلّة والمسكنة عليهم وهذا أمرٌ ظاهر جلي ، فتجدُ اليهود أجبنَ الناس وأقلَّهم شجاعة وعزة في الحروب والقتال ، ولذا قال الله عنهم : ( لايُقانلوكم جميعاً إلا في قرى محصّنةٍ أو من وراء جُدُر بأسهم بينهم شديد تحسبُهم جميعاً وقلوبهم شتّى ذلك بأنهم قومٌ لايعقلون )  ومن يتأمل حال اليهود بشكل عام لايجد أنهم خاضوا حرباً في القديم مع العرب ولا غيرهم من الأمم أبداً ، بل كانوا يعتمدون على غيرهم من الروم النصارى والفرس المجوس أو غيرهم من الأمم ، ولذلك يعيشون منعزلين منطوين يستنجدون النصرة من غيرهم على مدى التاريخ ، وهذا مُلاحظٌ  ظاهر حتى في وقتنا هذا . 
عباد الله : من أخبار بني اسرائيل التي قصها الله في كتابه على هذه الأمة ماورد في سورة الإسراء حيث قال الحق تبارك وتعالى : ( وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلُن علوّاً كبيرا * فإذا جاء وعدُ أولاهما بعثنا عليكم عباداً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا * ثم رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً ) وقوله : " وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب " أي قدّم لهم في التوراة ذلك الخبر ، وهو الإفساد مرتين فالإفساد الأول أن بني اسرائيل لما وَلَوا بيت المقدس أفسدوا فيه فسلّط الله عليهم بختنصّر - الملك البابلي - فقتلهم شرّ قِتلة ، وقد أورد ابن جرير الطبري في تفسيره سنداً صحيحاً إلى سعيد بن المسيّب رحمه الله قال : " ظهر بختنصّر على الشام فخرّب بيت المقدس وقتلهم ثم أتى دمشق فوجد بها دماً يغلي على كِباً ، فسألهم ماهذا الدم ؟ فقالوا أدركنا آباءنا على هذا ، وكلما ظهر عليه الكِبا ظهر - أي كلما وُضع عليه من الكُناسة فلا يزول الدم بل يظهر عليه ، قال : فقتَل على ذلك الدم سبعين ألفاً من المسلمين وغيرهم فسكن . 
وأما الإفساد الثاني : فاختُلف فيه فقيل العبادُ الذين سُلطوا على بني اسرائيل هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه وقيل : غيرهم فالله أعلم ، والذي يهم أن بني اسرائيل سيحصل منهم الإفساد في الأرض وسيُسلط عليهم بسبب ذلك عدوّاً لهم لإعراضهم وعصيانهم ، وإن كان التسليط على اليهود خاصة وعدٌ من الله على مر السنين وفي ذلك يقول الله جل في عُلاه : ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومُهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفورٌ رحيم ) . . أعاذ الله المسلمين من شرورهم وبغيهم ورد كيد الخائنين في نحورهم إنه هو المسؤول جل جلاله وإليه كل الأمور تؤول ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 
==================== الخطبة الثانية =====================
الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : 
عباد الله : كان اليهود وما يزالون أهلُ غدرٍ وخيانة وهذه صفة سائدة وسمة معروفة فيهم ، فمن يقرأ في السيرة يجد أنهم مايبرمون عهداً مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا وينقضونه ، ولذا قال الله عنهم : ( أوكلما عاهدوا عهدا ً نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لايؤمنون ) ولذا كان إجلاؤهم من أرض الجزيرة العربية حلاً وأمراً إلهياً مقضيَّاً وكان ذلك الإجلاء من المدينة على مرحلتين في غزوة بني قينقاع في السنة الثانية من الهجرة حيث ارتكبوا جُرماً مع امرأة من المسلمين يريدون منها كشف وجهها فأبت فدبروا لها مكيدة بأن عقد رجلٌ منهم طرف ثوبها إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوأتُها فقام رجل من المسلمين فقتل الفاعل فقام اليهود فقتلوا المسلم فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً أجلاهم وطردهم بعد ذلك إلى أذرعات في الشام . 
وأما الجلاء الثاني ففي غزوة بني النضير في السنة الرابعة من الهجرة حيث دبّروا خطة لقتل النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بإلقاء صخرة عليه وهومستندٌ إلى جدار أحد بيوتهم فجاء جبريل بالوحي فقام النبي عليه الصلاة والسلام من مكانه ، ومن ثمّ أرسل محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من المدينة ، ويُمهلهم عشرة أيام ليخرجوا ، فما كان منهم إلا أن رفضوا الخروج فقاد النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فحاصرهم في حصونهم ومن ثمَّ أخرجهم إلى خيبر وبعضهم ذهب للشام وبعضهم أسلم . 
وأما ماكان منهم في غزوة الأحزاب : فعندما خانوا النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة وكان حينها مابقي منهم إلا بنو قريظة ، حيث عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن يحموا ظهره فغدروا به وأدخلوا المشركين إلى المدينة وبعدما انتهت الغزوة ، حَكَّم فيهم النبي صلى الله عليه وسلم سعدَ بن معاذ فحكم فيهم أن تُقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وأطفالهم وتُغنم أموالهم ، وكانوا يتوقعون من سعد رضي الله عنه خلاف ذلك ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات " فقُتل في يوم واحد ستمائة من رجال اليهود ، وما بقي من اليهود في أرض الحجاز إلا ماكان في خيبر فأجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من خيبر إنفاذاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأيام  : " لايجتمع بجزيرة العرب دينان " . 
واليوم هؤلاء اليهود قد عاثوا في أرض بيت المقدس يقتلون ويشردون أهلها ظلماً وعدواناً وبغياً فتجب مناصرتهم والدعاء لهم ومواساتهم في غزة وغيرها من مدن فلسطين ، ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر . . ) كما أخبر الله وإن أقلّ ماتصنع - أخي المسلم - أن تجعل لهم من دعائك نصيباً على الدوام حتى يجلوا الله الغمة عن هذه الأمة بنصر الإسلام وأهله وتمكينهم في فلسطين والشام واليمن وفي كل مكان إنه ولي ذلك والقادر عليه . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . 

المشاهدات 3519 | التعليقات 0