خُطْبَةٌ عَنْ بِدَايَةِ الْعَامِ الْهِجْرِيِّ الْجَدِيدِ

محمد تفسير بالدي
1446/01/12 - 2024/07/18 14:33PM

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلّه رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ،

سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ، مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا أَنْ جَعَلَ لَنَا مَوَاسِمَ لِلطَّاعَاتِ وَمَحَطَّاتٍ لِلتَّأَمُّلِ وَالْمُرَاجَعَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ نِهَايَةُ الْعَامِ الْهِجْرِيِّ وَبِدَايَةُ عَامٍ جَدِيدٍ. إِنَّ الْهِجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ الَّتِي نُؤَرِّخُ بِهَا أَعْوَامَنَا، كَانَتْ نُقْطَةَ تَحَوُّلٍ فِي تَارِيخِ الْإِسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ. فَقَدْ تَرَكَ النَّبِيُّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مُضَحِّينَ بِكُلِّ غَالٍ وَنَفِيسٍ مِنْ أَجْلِ نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ. وَفِي ذَلِكَ دَرْسٌ عَظِيمٌ لَنَا جَمِيعاً فِي التَّضْحِيَّةِ وَالْإِخْلاصِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ فِي تَغَيُّرِ السِّنِين وَتَعَاقُبِ الْأَعْوَامِ لَعِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [النور: 44].

 

فَدُخُولُ الْعَامِ الْجَدِيدِ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِلتَّأَمُّلِ فِي أَحْوَالِنَا، وَمُرَاجَعَةِ أَعْمَالِنَا، وَتَجْدِيدِ الْعَزْمِ عَلى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ أَصْبَحَ سَقِيماً، وَكَمْ مِنْ غَنِيٍّ أَمْسَى فَقِيراً، وَكَمْ مِنْ حَيٍّ وَدَّعْنَاهُ، فَكَمْ وَكَمْ؟ فَلْنَتَّخِذْ مِنْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ فُرْصَةً لِمُرَاجَعَةِ أَعْمَالِنَا خِلالَ الْعَامِ الْمُنْصَرِمِ. هَلْ أَدَّيْنَا حَقَّ اللَّهِ عَلَيْنَا؟ هَلْ أَحْسَنَّا إِلَى الْخَلْقِ؟ هَلْ تَقَدَّمْنَا فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؟

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ: لِنُجَدِّدْ تَوْبَتَنَا إِلَى اللَّهِ، وَنَسْتَغْفِرهُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَتَقْصِيرٍ. وَلْنَعْزِمْ عَلى تَحْسِينِ أَنْفُسِنَا وَأَعْمَالِنَا فِي الْعَامِ الْجَارِي بِوَضْعِ خُطَطٍ لِزِيَادَةِ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكِ الْمَعَاصِي، وَخِدْمَةِ الدِّينِ وَالْمُجْتَمَعِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر: 18].

 

إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ مَنَّ عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ الْإِسْلامِ، وَشَرَّفَنَا بِالاِنْتِسَابِ إِلى خَيْرِ الْأَنَامِ، فَلْنَكُنْ عَلى قَدْرِ هَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَلْنَسْعَى جَاهِدِينَ لِرِفْعَةِ دِينِنَا وَأُمَّتِنَا.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا الْإِخْوَةُ فِي اللَّهِ: إِنَّ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ تَدْعُونَا إِلَى التَّفَكُّرِ فِي حَالِ أُمَّتِنَا الْإِسْلاَمِيَّةِ. فَنَحْنُ نَعِيشُ فِي زَمَنٍ كَثُرَتْ فِيهِ الْفِتَنُ وَاشْتَدَّتْ فِيهِ الْمِحَنُ. فَمَا السَّبِيلُ إِلَى النُّهُوضِ وَالتَّغْيِيرِ؟

إِنَّ الْإِجَابَةَ تَكْمُنُ فِي الْعَوْدَةِ الصَّادِقَةِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ تَعَالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11].

 

فَالتَّغْيِيرُ يَبْدَأُ مِنْ دَاخِلِ النَّفْسِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْأُسْرَةِ، فَالْمُجْتَمَعُ، فَالْأُمَّةُ بِأْكْمَلِهَا. وَلْنَتَذَكَّرْ أَنَّ الْأُمَّةَ الْإِسْلامِيَّةَ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَلْنَحْرِصْ عَلى وَحْدَةِ الصَّفِّ وَنَبْذِ الْفُرْقَةِ وَالْخِلافِ. قَالَ تَعَالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103].

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْأُمَّةَ الْإِسْلامِيَّةَ قَدْ مَرَّتْ بِأَزَمَاتٍ وَصُعُوبَاتٍ عَلى مَرِّ التَّارِيخِ، لَكِنَّهَا دَائِماً مَا تَنْهَضُ مِنْ جَدِيدٍ بِفَضْلِ تَمَسُّكِهَا بِدِينِهَا وَقِيَمِهَا.

 

فَلْنَكُنْ نَحْنُ جِيل النَّهْضَةِ وَالتَّغْيِيرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [محمد:35]. وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يترُكُ اللَّهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللَّهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ به الكُفرَ)) [رواه أحمد].

 

اللهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا آخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِيمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ فِيهِ. اللهُمّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

وَصَلى اللَّهُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

 

المشاهدات 320 | التعليقات 0