خطبة عن الموت والاستعداد له

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه  ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله  .                            أما بعد :

فإن كلَ إنسانٍ لا بد أن يمرَ بأربع دور الدارُ الأولى في بطن أمه ثم بعد ذلك ينتقل إلى الدار الثانية وهي الدنيا وهي دار ابتلاء وامتحان ثم بعد ذلك ينتقل إلى الدار الثالثة وهي القبر ثم بعد ذلك ينتقل إلى الدار الرابعة إما إلى الجنة أو إلى النار ، فالدار الأولى والثانية تتعلق بالدنيا والدار الثالثة والرابعة هي من اليوم الآخر وحتى ينتقل الإنسان من الدنيا إلى الآخرة لا بد من الموت .

الموتُ بابٌ وكلُ الناسِ داخلُه             فليت شعري بعد البابِ ما لدارُ .

وإن المتأملَ في واقعنا ليجد الغفلةَ عن الموتِ وعن ذكره بل إذا ذكر الموت تضايق من ذكره وممن يذكر به والسبب في ذلك محبة الدنيا والتعلق بها والغفلة عن الآخرة وعدم الاستعداد لها .  

والموت مأمور بالإكثار من ذكره فقد جاء في  سنن الترمذي عن أبي هريرة قال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت ) ومعنى هاذم اللذات أي قاطع اللذات  .

وكثير من الناس إذا ذكر الموت فإنه يذكره على أنه يقطعه من الدنيا ولذاتها ومن الأهل والأبناء وهذه النظرة للموت تسبب الحزن ولا تثمر عند العبد الحرص على الزيادة من الخير والعمل الصالح بل تجعله أشد حرصاً على الدنيا  .

وليس المقصود من ذكر الموت أن الإنسان ينقطع عن الناس وينقطع عن الخير ويسيء الظن بالله ويدخل عليه الشيطان ويوسوس له هذا لا شك مذموم وهو من وسوسة الشيطان ومن ضعف الإيمان وليس هو المقصود .

 بل المقصود أن نذكرَ الموت على أنه يقطعنا من العمل الصالح فهذه النظرة هي التي تثمر العمل الصالح وذكرُ الموتِ عبادَ الله يحصلُ للعبدِ به ثمراتٍ عظيمةٍ ومن ذلك المسارعة للخيرات وكثرة الأعمال الصالحات فهو يتزودُ من الدنيا للآخرة قبل أن يأتِيه الموت وأما إذا غفل عن ذكرِ الموت فإنك لا تجده إلا كسولاً في الخير والأعمال الصالحة حتى في صلاته التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين لا يقوم لها إلا بكسلٍ وربما نام عنها وربما تخلف عن أدائها مع جماعة المسلمين .

ومن ثمراتِ ذكرِ الموتِ سرعة التوبة والرجوع إلى الله وعدم الإصرار على الذنوب والمعاصي فالعبدُ الذاكرُ للموت يخشى أن يأتيَه الموتُ وهو مقيمٌ على المعاصي وهذا بخلافِ الغافلِ عن ذكرِ الموت فلا تراه إلا مصراً على معاصيه والعياذ بالله ولا يحدث نفسه بالتوبة !!

ومن ثمراتِ ذكرِ الموتِ القناعة فالعبدُ الذاكرُ للموتِ قنوع بما أعطاه الله سبحانه إن أعطاه الله شكر وإن ضاقت به صبر فهو يعلم أن الحياةَ كلَها ابتلاء وامتحان وأن الحياةَ الحقيقية هي التي بعد الموت.

عباد الله أن الإنسان مهما طال عمره لا بد أن يموت وينتقل من هذه الدار إلى الدار الآخرة قال تعالى ((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)   

قال تعالى ((قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)    .

وقال تعالى ((أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ  ) أي في حصون ممتنعة طويلة  

وقال تعالى ((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) أي لا يتأخرون ولو شيئاً قليلاً عن وقت الأجل ولا يتقدمون  .

ولو نجى أحد من الموت لنجا منه محمد عليه الصلاة و السلام  قال تعالى((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)  

وجاء عند الطبراني في الأوسط وعند الحاكم وهو حديث حسن عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريلُ فقال: يا محمد عش ما شئتَ فإنك ميت وأحبب من شئتَ فإنك مفارقهُ واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به واعلم أن شرف المؤمن قيامُهُ بالليل وعزُه استغناؤهُ عن الناس " 

 قال تعالى ((وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) فعند الموت تظهر للإنسان الحقائق ويصبح الغيب عنده شهادة (ذلك ما كنتَ منه تحيد ) أي ذلك الموت ما كنت منه تهرب وتفر ولكن لا مفر ولا خلاص  .

نسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يجعلنا من أهل الغفلة

 أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

الخطبة الثانية :

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله  

أما بعد :

عبادَ الله إن عمرَ الإنسان كلما طال على طاعة الله فهو خيرٌ له جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال [يا رسولَ اللهِ من خيرُ الناسِ قال من طالَ عمرُه وحسنُ عملُه]

ولا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت لأنه كلما طال عمر الإنسان على طاعة الله فهذا أفضل جاء في صحيح مسلم عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي "

ولا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت إلا في حالتين :

الحالة الأولى : إذا خشي الفتنة في دينه قال تعالى عن مريم ((فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً) (مريم : 23 )  وجاء في الترمذي عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون  ...) [  صححه البخاري ]

الحالة الثانية : سؤال الله الشهادة في سبيل الله فعن سهل بن حُنيف  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه  ) أخرجه مسلم  .

عباد الله أن الإنسان إذا نزل به الموت يتمنى أمنية واحدة وهي العودة والرجوع إلى الدنيا ليس من أجل  التمتع بالملذات وتشييد القصور العاليات بل حتى يعمل الصالحات

قال تعالى ((حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ -  (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)

وقال تعالى  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون : 9 ) (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) (المنافقون : 10 ) (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون : 11 )

فأوصيكم عباد الله بالجد والاجتهاد في الأعمال الصالحة وفي الرجوع والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى فالدنيا مزرعة الآخرة ولنعلم أن الموت ليس له مكان محدد وليس له وقت محدد لا يأتي إلا فيه قد يأتيك الموت وأنت في سيارتك أو بين أولادك قد يأتيك في الليل أو في النهار فعليك دائماً أن تكون مستعداً له بالعمل الصالح والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى  .

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من عباده الصالحين ..............

المرفقات

1704975707_خطبة عن الموت والاستعداد له.docx

المشاهدات 710 | التعليقات 0