خطبة عن الغبار 18 جمادى الثانية 1438هـ

د.صالح العبداللطيف
1438/06/18 - 2017/03/17 08:19AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.. قال سبحانه وتعالى: يا إيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا.. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم..ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً
أيها المؤمنون بالله ورسله.. كلنا يعلم أن الإنسان المعاصر.. قد أبدع وتألق في شتى العلوم والمعارف.. وملأ الدنيا باكتشافاته المتتابعة.. وابتكاراته الهائلة.. فأصبح يتحكم في سفن تجوب البحار.. وطائراتٍ تلاعب وتداعب السحاب.. ووسائلِ اتصالات تأخذ بالألباب.. قربت البعيد وأبعدت القريب.. ولو وصف واصفٌ هذا الزمن.. بأنه زمن العلم والاختراعات.. لأحسن الوصف وأبدعه..
لكن هذا الإنسانَ العبقري.. وهذا المبتكرَ المتفنن.. يقف ضعيفاً عاجزاً أمام قدرةِ الخالق وآياته.. جل جلاله وتقدست أسماؤه..
والرب تبارك وتعالى بين فينة وأخرى.. يسلط على عباده شيئاً من آياته.. يعيد فيها الإنسانَ لموقع الطبيعي.. ومكانتِه اللائقةِ به.. ليعلم ويوقن.. بأن ما عنده من العلم والمعارف.. ولو ظن أنه كثير.. فإنه في حقيقته قليل.. وما أوتيتم من العلم إلا قليلا..
فهذا العالِمُ الموسوعيُ.. الذي يعرف تحركات السحبَ وتوجهات الرياح.. ويحسن كثيراً في متابعة أحوال الطقس وتنبؤاته.. يتضاءل حجمُه أمام رياح عاتية.. من تسخير الله تبارك وتعالى.. فما أن تهب عاصفة شديدة..
حتى تحجمَ الطائراتُ عن الإقلاع.. وتتورطَ الطائرات المقلعة.. فتحوِّلَ مسارَ رحلتِها.. إلى مكان تهدأ فيه العواصف.. وإلا ستظلُ معلقةً بين السماء والأرض.. لا تجرأ على الهبوط.. بينما في البحار والمحيطات.. تعلن السفنُ الضخمةُ الهائلةُ حالةَ الطوارئ.. ويغادر سكانُ السواحل بيوتَهم.. هرباً من بطش هذه العاصفة.. التي ما هي إلا جند من جند الخالق العظيم تبارك وتعالى..
إن الرياحَ أيها الكرام.. آيةٌ من آيات الله.. تدل على عظمته وقدرته، وعلمه وإحاطته، وعجيب صنعه وتقديره، هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مَنْ يُنِيبُ.. فهذا الهواء العليل.. الذي يمدُنا بالحيوية والنشاط.. ونستنشق معه عبقَ الحياةِ ورحيقَها.. ولا يمكننا أن نستغنيَ عنه ولو للحظات يسيرة.. يأتي هذا الغبارُ ويحولُ بيننا وبينه.. فكيف لو كان الغبارُ بكثافة أكبر.. ومكث زمناً طويلاً.. كيف ستكون حياتُنا.. بل كيف لهذا المخلوق العجيب.. أن يتكبر ويستعلي.. وهو بهذه الحالة من الضعف والمهانة..
وقد حكى لنا القرآن الكريم.. في أكثر من قصة.. كيف عُذبت أقوام بهذه الرياح.. فأحالت حضاراتِهم إلى خراب.. وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ.. مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ .. وقال سبحانه..كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ..
وسنة الله في الأقوام المكذبة المستكبرة.. لا تتبدل ولا تتغير..
فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون
فلذا كان على المسلم إذا رأى الريح.. أن يستغفرَ الله تبارك وتعالى.. ويتأملَ في أحوال تلك الأمم.. التي عصت خالقَها.. وكذبت رسلَها.. عن عائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي»، وَيَقُولُ، إِذَا رَأَى الْمَطَرَ: «رَحْمَةٌ» رواه مسلم‏‏.‏.
والريح أيها المؤمنون.. جند من جند الله.. يؤيد الله بها من يشاء من عباده.. كما وقع ذلك في غزوة الأحزاب.. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ». رواه مسلم.. والصبا هي الريح الشرقية والدَبور هي الريح الغربية.. نسأل الله رحمته وعافيته..
أقول ماتسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.. أما بعد: فيا عباد الله.. إن الله رحيم بعباده.. حكيم في أحكامه وأفعاله.. فهو يقدر سبحانه ما فيه مصالح العباد والبلاد.. ويريهم من آياته الكونية وما فيها من العبر والعظات.. والمنافع والهبات.. يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ.. وقال سبحانه.. وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ.. قال ابن كثير رحمه الله: أي : تلقح السحاب فتدر ماء ، وتلقح الشجر فتتفتح عن أوراقها وأكمامها
أيها المؤمنون.. إن مما يؤسف له أن بعضاً من الناس.. يدفعه ضيقه وتذمره من هذه الرياح.. لسبها والتسخط منها.. وهذا منهي عنه في ديننا.. بل يجب على المسلم أن يسلمَ لأقدار الله.. ويكونَ شاكراً في السراء.. صابراً في الضراء.. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.. وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا عصفت الريح.. «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ» هذا وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. اللهم اعز الإسلام والمسلمين.. وأذل الشرك والمشركين.. اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان.. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين.. اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك ياارحم الراحمين.. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا..ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.اللهم صل على نبينا محمد
المشاهدات 1197 | التعليقات 0