خُطْبَةٌ عَنِ العِلْمِ تَوَافِقُ تَعْمِيمَ الوِزَارَةِ 16 جماد الآخرة 1437هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1437/06/13 - 2016/03/22 16:25PM
خُطْبَةٌ عَنِ العِلْمِ تَوَافِقُ تَعْمِيمَ الوِزَارَةِ 16 جماد الآخرة 1437هـ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ , الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ , الْحَمْدُ للهِ الذِي هَدَانَا لِنُورِ الإسْلامِ , وَأَرْشَدَنَا لِطَرِيقِ الْعِلْمِ وَالإيمَانِ , أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورسُولُهُ صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمَاً كثَيراً .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُمَّةَ الإسْلامِ وَاعْلَمُوا أَنَّ دِينَكُمْ دِينُ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ وَثَقَافَة , وَلَيْسَ دِينَ جَهْلٍ وَتَخَرُّصٍ أَوْ خُرَافَة , وَكُلَّمَا كَانَ الْمُسْلِمُ أَكْثَرَ عِلْمَاً بِدِينِهِ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ وَيَثْبُتَ عَلَيْه !
أَيُّهَا الإخْوَةُ : إِنَّ الْعِلْمَ فَضْلُهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُشْهَر , وَأَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُظْهَر , فُهُوَ أَعَزُّ مَطْلُوبٍ وَأَشْرَفُ مَرْغُوب , تَسَابَقَ الْفُضَلاءُ لِطَلَبِهِ , وَتَنَافَسَ الأذْكِياءُ لِتَحْصِيلِهِ , مَنِ اتَّصَفَ بِهِ فَاق غَيرَهُ , وَمَنْ اتَّسَمَ بِهِ بَانَ نُبْلُهُ ! رَفَعَ اللهُ أَهْلَهُ دَرَجَات , وَنَفَى الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ كَرَّاتٍ وَمَرَّات , يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : الْعُلَمَاءُ فَوْقَ الْمُؤْمِنِينَ مِائَةَ دَرَجَةٍ ، وَمَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ .
إِنَّ الْعِلْمَ مُورِثٌ لِلْخَشْيَةِ , مُثْمِرٌ لِلْعَمَلِ , يَقُولُ اللهُ تَعَالَى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فَمَنْ كَانَ بِاللهِ أَعْرَفَ كَانَ مِنْهُ أَخْوَف !
اسْتَشْهَدَ اللهُ أَهْلَ الْعِلْمِ عَلَى أَشْرَفِ مَشْهُودٍ بِهِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ , وَقَرَنَ شَهَادَتَهُمْ بِشَهَادَتَهِ وَبِشَهَادَةِ مَلائِكَتِهِ , يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فَبَدَأَ سُبْحَانَهُ بِنَفْسِهِ , وَثَنَّى بِمَلائِكَتِهِ الْمُسَبِّحَةِ بِقُدْسِهِ , وَثَلَّثَ بِأَهْلِ الْعِلْمِ , وَكَفَاهُمْ ذَلِكَ شَرَفَاً وَفْضَلاً وَجَلالَةً وَنُبْلا !
مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْعِلِمِ فَقَدْ أَرَادَ اللهُ بِهِ خَيْراً , وَمَنْ تَرَكَ الْعِلْمَ فَقَدْ اشْتَرَى خُسْرا , عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين) مُتَّفَقٌ عَلَيْه !
الْعِلْمُ أَعْظَمُ مَا تَنَافَسَ فِيهِ الْمُتَنَافِسُونَ وَأَغَلَى مَا غُبِطَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ ، رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , وَالْمُرَادُ بِالْحَسَدِ هُنَا الْغِبْطَةُ وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَهُ !
الْعِلْمُ طَرِيقُ الْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ , وَسَبِيلُ النَّجَاةِ مِنَ النَّارِ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِم !
الْعِلْمُ يَبْقَى أَثَرُهُ للإنْسَانِ حَيَّاً وَمَيِّتَاً , فَيَخْلُدُ ذِكْرُهُ عِنْدَ الوَرَى وَإِنْ كَانَ تَحْتَ التُّرَابِ مَدْفَونَاً ! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ , أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ , أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَه) رَوَاهُ مُسْلِم !
صَاحِبُ الْعِلْمِ مَحْبُوبٌ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ , يُحِبُّه اللهُ وَيُحِبُّهُ خَلْقُهُ , فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِي فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَريقاً إِلَى الجَنَّةِ، وَإنَّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضاً بِمَا يَصْنَعُ ، وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ حَتَّى الحيتَانُ في المَاءِ ، وَفضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ ، وَإنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ ، وَإنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يَوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَإنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظٍّ وَافِر) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الْعُلَمَاءَ أَمَانٌ بِإِذْنِ اللهِ لِأَهْلِ الإسْلامِ , وَسِيَاجٌ بِأَمْرِ اللهِ لِأَهْلِ الإِيمَانِ , وَمَوْتُهُمْ إِيذَانٌ بِنَقْصِ الدِّينِ وَإِنْذَارٌ بِظُهُورِ الْبِدَعِ , وَعَلامَةٌ عَلَى اسْتِعْلاءِ الْجَهَلَةِ وَالْمُخَرِّفِينَ وَالْمُنْحَرِفِينَ , فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (إِنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعَاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ , وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِمَوتِ الْعُلَمِاءِ , حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمَاً اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساَ جُهَّالاً , فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) مُتَّفَقٌ عَلَيْه .
أُمَّةَ الإسْلامِ : لَقَدْ تَكَاثَرَ كَلامُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ لِأَنَّهُمْ عَرَفُوا قِيمَتَهُ وَرَأَوْا أَهَمِّيَّتَهُ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِينَ , فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتَّينَ سَنَة !
وَعَنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفَاً أَنْ يَدَّعِيَهِ مَنْ لا يُحْسِنُهُ , وَيَفْرَحُ إِذَا نُسِبَ إِلَيْه , وَكَفَى بِالْجَهْلِ ذَمَّاً أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ !
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ : لا شَيْءَ يَعْدِلُ الْعِلْمَ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ , قِيلَ لَهُ : وَكَيْفَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ ؟ قَالَ : أَنْ يَنْوِيَ بِهِ رَفْعَ الْجَهْلِ عَنْ نَفْسِهِ وَرَفْعَ الْجَهْلِ عَنْ غَيْرِه .
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ : لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا شَيْئَاً أَفْضَلَ مِنَ النُّبُوَّةِ , وَمَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ شَيْئٌ أَفْضَلُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ النَّافِلَةِ , ولَيْسَ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ , وَمَنْ لا يُحِبُّ الْعِلْمَ فَلا خَيْرَ فِيهِ , فَلا يَكُنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ وَلا صَدَاقَة !
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالا : بَابٌ مِنَ الْعِلْمِ نَتَعَلَّمُهُ أَحَبُّ إِلَيْنا مِنْ أَلْفِ رَكْعَةِ تَطَوَّع !
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ رَحِمِهُ الله : يَتَشَعَّبُ مِنَ الْعِلْمِ الشَّرَفُ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ دَنِيَّاً , وَالْعِزُّ وَإِنْ كَانَ مَهِيناً , وَالْقُرْبُ وَإِنْ كَانَ قَصِيَّاً , وَالْغِنَى وَإِنْ كَانَ فَقِيراً , وَالْمَهَابَةُ وَإِنْ كَانَ وَضِيعاً !
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ للهِ خَشْيَةٌ , وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ , وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ , وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ , وَبَذْلَهُ قُرْبَةٌ , وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ .
أَيُّهَا الإخْوَةُ : أَفَبَعْدَ هَذِهِ الآيَاتِ القُرْآنِيَةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَالآثَارِ السَّلَفِيَةِ نَتْرُكُ طَلَبِ العِلْمِ فِي أِنْفُسِنَا أَوْ فِي أَوْلادِنَا ؟
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ .


الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ , وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ , وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يَمْنَعُهُ عَنْ طَلِبِ الْعِلْمِ وَمُجَالَسَةِ أَهْلِهِ انْشِغَالُهُ بِالدُّنْيَا الفَانِيَةِ , وَانْكِبَابُهُ عَلَى جَمْعِهَا , أَوِ الانْشِغَالُ بِوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الحَدِيثَة , حَتَّى إِنَّ بَعْضَ مَنْ بَدَأَ فِي طَلَبِ العِلْمِ كَسُلَ وَتَرَاجَعَ , وَرُبَّمَا كَانَ حَافِظاً لَلْقُرْآنِ فَنَسِيَه , وَلَوْ تَأَمَّلْنَا فِي حَالِهِ لَوَجَدْنَا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ العَوَائِقِ التِّي مَنَعَتْهُ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ , خَاصَّةً مَا فِي الجَوَّالِ مِنْ بَرَامِجَ مُتَنَوِّعَةٍ قَتَلَتِ الوَقْتَ , وَأَوْرَثَتْ مَنْ يُتَابِعُهَا الخُمُولَ وَالكَسَل , وَضَيْعَتْ إِيمَانَهُ وَأَوْقَعَتْهُ فِي النَّظِرِ الحَرَامِ وَالسَّمَاعِ الحَرَام , وَرُبَّمَا مَا فَوْقَ ذَلِكَ , وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله .
أَيُّهَا الإخْوَةُ : تَعَالَوْا نَنْظُرُ فِي مُقَارَنَةٍ يَسِيرَةٍ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْمَالِ , لَعَلَّهَا تَرْتَقِي هِمَمُنَا لِنَتَدَارَكَ بَقِيَّةَ أَعْمَارِنَا فِي تَعَلُّمِ دِينِنَا :
إِنَّ الْعِلْمَ مِيرَاثُ الأَنْبِيَاءِ , وَالْمَالُ مِيرَاثُ الْمُلُوكِ وَالأَغْنِيَاءِ !
إِنَّ الْعِلْمَ يَحْرُسُ صَاحِبَهُ , وَصَاحِبُ الْمَالِ يَحْرُسُ مَالَه !
إِنَّ الْمَالَ تُذْهِبُهُ النَّفَقَاتُ , وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى النَّفَقَةِ وَيَكْثُرُ !
إِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ إِذَا مَاتَ فَارَقَهُ مَالُهُ , وَالْعِلْمُ يَدْخُلُ مَعَ صَاحِبِهِ فِي قَبْرِه !
إِنَّ الْعَالِمَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُلُوكُ فَمَنْ دُونَهَمُ , وَصَاحِبُ الْمَالِ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَهْلُ الْعَدَمِ وَالْفَاقَةِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ !
إِنَّ قِيمَةَ الْغَنِيِّ مَالُهُ , وَقِيمَةَ الْعَالِمِ عِلْمُهُ فَإِذَا عُدِمَ الْمَالُ عُدِمَتْ قِيمَةُ الْغَنِيُّ , وَالْعِلْمُ لا يَزَالَ فِي تَضَاعُفٍ !
إِنَّ الْعَالِمَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى اللهِ بِعِلْمِهِ وَحَالِهِ , وَجَامِعُ الْمَالِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الدُّنْيَا بِحَالِهِ وَمَالِهِ !
إِنَّ الْمَالَ يُمْدَحُ صَاحِبُهُ بِتَخَلِّيهِ مِنْهُ وَإخْرَاجِهِ , وَالْعِلْمُ إِنَّمَا يُمْدَحُ بِتَحَلِّيهِ بِهِ وَاتَّصَافِهِ بِهِ !
إِنَّ غِنَى الْمَالِ مَقْرُونٌ بِالْخَوْفِ وَالْحُزْنِ فَهُوُ حَزِينٌ قَبْلَ حُصُولِهِ خَائِفٌ بَعْدَ حُصُولِهِ , وَكُلَّمَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ الْخَوْفُ أَقْوَى , وَغِنَى الْعِلْمِ مَقْرُونٌ بِالأَمْنِ وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ ! [1]
فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلَكُ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً , اللَّهُمَّ اشْرَحْ صُدُورَنَا لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَأَعِنَّا عَلَيْهِ , رَبَّنَا زِدْنَا عِلْمَاً , رَبَّنَا زِدْنَا عِلْمَاً , ربنا رَبَّنَا زِدْنَا عِلْمَاً , اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ , إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الْغَلا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلازِلِ وَالْفِتَنِ مَاظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن , اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوِانَنَا فِي سُورِيَا , اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ عَوْناً وَنَصِيراً , اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمَوْتَاهُمْ وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ وَسُدَّ جَوْعَاتِهِمْ وَآمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وَاحْفَظْ دِمَاءَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ , اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَائِهِمْ مِنَ الرَّافِضَةِ وَالنُّصَيْرِيِيِنَ وَالبَعْثِيِيِنَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ ! اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِىَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ! رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] مقتظف من كتاب : مفتاح دار السعادة لابن القيم رحمه الله بتصرف يسير .
المرفقات

خُطْبَةٌ عَنِ العِلْمِ تَوَافِقُ تَعْمِيمَ الوِزَارَةِ 16 جماد الآخرة 1437هـ.doc

خُطْبَةٌ عَنِ العِلْمِ تَوَافِقُ تَعْمِيمَ الوِزَارَةِ 16 جماد الآخرة 1437هـ.doc

المشاهدات 2446 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


جزاك الله خيراً ياشيخ محمدعلى هذه الخطبة الأكثر من رائعة ..