خطبة عن العشر الأواخر وليلة القدر
خالد خضران الدلبحي العتيبي
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
عبادَ الله اشكروا الله على نعمه العظيمة وإن من نعم الله سبحانه وتعالى على عباده نعمةَ بلوغِ العشر الأخيرة من رمضان
وهذه العشر الأخيرة من رمضان لياليها أفضل ليالي العام فلا بد من استغلالها والتزود فيها بالأعمال الصالحة قال تعالى ( وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) والحذر من تضييع أوقاتها في المباحات فضلاً عن المحرمات .
هذه العشر عبادَ الله فيها ليلةٌ شريفةٌ مباركةٌ عظيمةُ القدر إنها ليلة القدرِ وسُميت بذلك لشرفها يُقال فلانٌ ذو قدر أي ذو شرف وسُميت بذلك لأن الله يقدر فيها ما يجري تلك السنة من خيرات وأرزاق وغير ذلك يقول تعالى قال تعالى ((فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)
وسُميت بذلك لأن الله سبحانه قَدّر فيها إنزال القرآن قال تعالى (((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)
وسُميت بذلك لأنها ليلةٌ للعبادةِ فيها قدرٌ عظيم يقول تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) فالعبادة في ليلةِ القدر أفضل من عبادةِ ألفِ شهرٍ أي أفضل من عبادة ثلاثٍ وثمانين سنةٍ وأربعةِ أشهر !
فلو قام المسلم ليتلها فقيامه أفضل من قيامِ ألفِ شهرٍ .
وليلةُ القدر هي ليلةٌ في العشر الأواخر تتنقل بينها أخفاها الله سبحانه وتعالى حتى ينشط الناس في التماسها طوال العشر وهذا ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في البخاري ومسلم أنه عليه الصلاة والسلام قال : التمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر ) فهي في العشر الأخيرة وفي ليالي الأوتار آكد أي ليلةَ الواحد والعشرين والثالث والعشرين والخامس والعشرين والسابع والعشرين والتاسع والعشرين .
فيحرص المسلم على اغتنام ليالي العشر كاملة بكثرة الخيرِ والعملِ الصالح ويحذر من الغفلة ويحذر أن يكون من المحرومين الذين ضيعوا اغتنام هذه الليالي المباركة يقول عليه الصلاة والسلام وهو يتكلم عن رمضان وفضائله : فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهر من حُرم خيرها فقد حُرم .
وهذه الليلة عبادَ الله لشرفها ولكثرةُ الخير فيها يكثر نزول الملائكة فيها وينزل جبريل عليه السلام بأمر الله سبحانه وتعالى .
وهذه الليلة يقل فيها الشر ويكثر الخير يقول تعالى ((تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) (القدر : 4 ) (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر : 5 )
وإن من الأعمال التي يحرص عليها المسلم صلاةُ القيام فيصلي مع إمامه محتسباً للأجر حتى ينصرف الإمام من صلاته يقول عليه الصلاة والسلام : من قام ليلةَ القدرِ إيماناً واحتسباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه .
ويقول عليه الصلاة السلام : من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيامُ ليلة.
فإن فاتته الصلاة مع الإمام لا يترك قيامَ الليل بل يصلي في بيته .
ويشرع للمسلم في العشر الأخيرة من رمضان أن يعتكف فقد كان صلى الله عليه وسلم من شدة اجتهاده في العبادة وتحري ليلة القدر كان يعتكف العشر كاملة في المسجد فيلزم المسجد طاعة لله سبحانه ولا يخرج منه إلا لأمر لا بد منه كقضاء الحاجة فقد جاء في البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله سبحانه وتعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده )
والاعتكاف عباد الله سنة ثابتة كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي ومن شروط الاعتكاف أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه صلاة الجماعة ولا يشترط أن يكون المسجد تقام فيه صلاة الجمعة .
وأقلُ الاعتكافِ على الصحيح من أقوال العلماء هو يومٌ أو ليلة فيستطيع الإنسان أن يأتي بهذه السنة بأن يعتكف بعض الليالي فإذا دخل عند غروب الشمس ولم يخرج إلا عند طلوع الفجر فإنه يعتبر اعتكف ليلة .
وإن لم يتيسر له ذلك فيجلس أكثر وقته خاصة في الليل في المسجد يتعبد الله سبحانه وتعالى .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الموفقين لقيام ليلة القدر إيمانً واحتساباً .
الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة يجتهد في العبادة في هذه العشر تقول عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجدَّ وشد المئزر ) متفق عليه وفي رواية لمسلم ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره )
فذكرت عائشة رضي الله عنها أربع صفات عن النبي صلى الله عليه وسلم :
الصفة الأولى : إحياء الليل فكان صلى الله عليه وسلم يسهر الليل في طاعة الله في القيام والتعبد لله رب العالمين فيستحب للمسلم أن يحيي الليل في الصلاة وقراءة القرآن والذكر والعمل الصالح .
الصفة الثانية : أيقظ أهله : أي زوجاته الطاهرات ليشاركنه اغتنام الخير فلا يغفل المسلم عن أهله وأبناءه وبناته بل يوصيهم ويذكرهم فضل هذه العشر ويحثهم على العمل الصالح واغتنام العشر .
الصفة الثالثة : ( وجدًّ ) أي اجتهد في العبادة زيادة على عبادته في العشرين الأولى وذلك لأن فيها ليلةَ القدر.
هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا جاءت العشر يجتهد في العبادة أكثر من الأيام الأولى وحال كثير من الناس على خلاف ذلك فهم إذا جاءت العشر ضعفوا عن العبادة وانشغلوا عنها بالأسواق وبالاجتماعات مع الأقارب والأصحاب وحالهم أول رمضان أحسنُ من حالهم في آخر رمضان نسأل الله أن لا يجعلنا من الغافلين .
الصفة الرابعة : ( وشد المئزر ) هذا كنايةٌ عن الجد والاجتهاد في العبادة وقيل كنايةٌ عن اعتزال النساء فكان يعتزل النساء في العشر الأخيرة من رمضان لأنه كان معتكفاً في المسجد والمعتكف منهي عن مباشرة النساء ولذلك جاء في حديث أنس رضي الله عنه (وطوى فراشه واعتزل النساء ) .
فعلينا عباد الله أن نجتهد في العبادة كثيراً في هذه العشر بالقيام والدعاء والذكر وقراءة القرآن وغير ذلك من الأعمال الصالحة وأن لا تأخذنا الغفلة ولتنذكر دائماً أن هذه الأيام ستمر وتنقضي بسرعة فهنيئاً لمن استغلها في الخير وما أعظمه من حرمان لمن ضيعها .
اللهم إنا نسألك يا ذا الجلال والإكرام أن تجعلنا ممن قام ليلةَ القدر إيماناً واحتساباً .
المرفقات
1711621962_خطبة عن العشر الأواخر وليلة القدر.docx