خطبة عن الصدق

محمد بن عبدالله التميمي
1444/03/04 - 2022/09/30 00:05AM
الحمد لله أهلِ الحمدِ ومستحقِّه، الصادقِ في حديثه وقيله، الآمرِ بتصديقه وصدقِه، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة صدقٍ ويقين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادقُ فيما أخْبَر به المَصْدُوقُ فيما أَخبره به ربُ العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كما وصفهم ربُّنا في القرآن الكريم {أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ}، وعلى من تبعهم بإحسان وصِدْقٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:  فاتقوا الله عباد الله تصديقا بوعده وصدقا في وَعْدِكم: تُفلحوا وتَنجحوا {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ} قال ابن كثير: أي: اصدُقوا والزموا الصدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجا من أموركم، ومخرجا. فقد أمركم الله -يا عباد الله- بالصدق، وحَّث عليه سبحانه ووعد عليه الجزء الحسن، قال جلَّ ذكره: {قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. أي: ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم في الآخرة. وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}. وجاءت الأحاديث النبوية متضافرة في الحث على الصدق والأمر به وأنه وسيلة إلى الجنة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك في الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة). وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم). وعن أبي محمد، الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة). وعن أبي سفيان في حديثه الطويل في قصة هرقل عظيم الروم قال هرقل: فماذا يأمركم - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - قال أبو سفيان قلت يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والصدقة، والعفاف، والصلة. عباد الله.. لكل شيء حليةٌ، وحليةٌ المنطق الصدق يدل على اعتدال وزن العقل -كما يقول الأحنف رحمه الله-، وقد قيل: عليك بالصدق حيث تخاف أنه يضرك فإنه ينفعك ودع الكذب حيث ترى أنه ينفعك فإنه يضرك. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة) بارك الله لنا في القرآن والسنة فذلك مركب النجاة، ووقفنا للزوم الصدق فإنه منجاة، وغفر لنا وللمسلمين أجمعين وبلغنا رضاه. الخطبة الثانية الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا. أما بعد: فإن الصدق شاقٌ على النفوس، فحَمْلُ الصدق كحمل الجبال الرواسي، لا يُطيقه إلا أصحاب العزائم، فهم يَتَقَلَبون تحته تقلُّبَ الحامل بحِمْلِه الثقيل، والرياءُ والكذبُ خفيفٌ كالريشة لا يجد له صاحبه ثِقَلاً البتَّة - قاله ابن القيم رحمه الله-. ولكن مع هذا، فإن المرء إذا جد وجاهد أدرك وعد الله {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}. ومما يعين على الصدق: مراقبة الله تعالى، فعندما يستحضر المرء أن كلماتِه وخطراتِه، وحركاتِه وسكناتِه كلها مَحصيَّةٌ مكتوبة: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ}. ومما يعين على الصدق: الحياء، فالمرء يستحيي أن يعرف بين الناس أنه كذاب، قال أبو سفيان: (فوالله لولا الحياء من أن يأثُروا عليّ كذباً لكذبت عنه). ومن ذلك: صحبة الصادقين، فقد أمر الله - عز وجل - المؤمنين أن يكونوا مع أهل الصدق، فقال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}. ومن ذلك: إشاعة الصدق في الأسرة، فعن عبد الله بن عامر قال: (دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: تعال أعطك، فقال لها صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمراً، فقال لها: أما لو لم تعطه شيئاً كُتِبَت عليكِ كَذِبَة!). ومن ذلك: الدعاء، قال عز وجل: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}. ومن ذلك: معرفة وعيد الله للكذابين وعذابه للمفترين، قال صلى الله عليه وسلم: (وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار). ثم صلوا عباد الله وسلموا على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه: {إن الله ومَلائِكَته يصلونَ على النَّبِي يا أيها الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا}
المرفقات

1664485524_‏خطبة عن الصدق.docx

المشاهدات 392 | التعليقات 0