خطبة عن الريح وماورد فيها - أيوب بن عبدالرحمن الثنيان

abuamjaad1 abuamjaad1
1444/06/27 - 2023/01/20 22:02PM

الحمدلله القوي القهار ، العزيز الجبار ، الذي يأتمر كل شيء بأمره طوعاً أو كرهاً وهو المحيط بالأقدار يكور النهار على الليل ويكوّر الليل على النهار ، والصلاة والسلام على النبي المختار وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحشر والقرار أما بعد :  

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : إن من جند الله تعالى ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) الرياح والريح والريح تأتي بالعذاب والعقوبة غالباً في كتاب الله كما قال الله تعالى في شأن قوم عاد : ( فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنُذيفهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا . . ) والرياح تأتي بالبشرى والخير والغيث غالباً كما قال تعالى : ( وأرسلنا الرياح لواقح فانزلنا من السماء ماءاً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ) وهذا في الأغلب وقليلاً ماتأتي الريح في النفع والخير كما قال الله تعالى في شأن سليمان عليه السلام : ( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب ) .

عباد الله : أقسم الله بالذاريات وهي الرياح التي تذروا التراب ، ولا يُقسم الله إلا بعظيم وليس لأحد ٍأن يُقسم إلا بالله ، والرياح نعمة من نعم الله تعالى وفضله فهي تلقّح السحاب وتسوقه وتزجيه إلى حيث ما أمر الله فيُنزل الله بذلك الغيث للعباد وذلك قول الله تعالى :   ( والله الذي يرسل الرياح بُشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلّت سحاباً ثقالاً سُقناه لبلدٍ ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نُخرج الموتى لعلكم تذكّرون ) وربط بين الرياح ونزول الماء في قوله : ( وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءاً طهوراً * لنحيي به بلدة ميتاً ونُسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيرا ) ومن نعمة الله تعالى على العباد في الرياح أنها تسوق الفلك والسفن الجارية ولولا ذلك لسكنت تلك السفن فمن يُخرجها من أوساط البحار والمحيطات فذلك قول الله تعالى: ( ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام * إن يشأ يُسكن الريح فيضللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) وإذا هاجت الريح في تلك البحار جعلت أمواج البحار كالجبال كما وصف الله سفينة نوح ( وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال ) وصارت رُعباً وعذاباً لمن حقّ عليه القول ، وكم من سفن عظيمة رست في قعر البحار بسبب الرياح التي تُهيّج البحر فينتضح على العصاة وذلك تخويف الله وترهيبه في قوله : ( أم أمنتم أن يُعيدكم فيه تارةً أخرى فيُرسل عليكم قاصفاً من الريح فيُغرقكم بما كفرتم ثم لاتجدوا لكم علينا به تبيعاً ) . 

عباد الله : الريح الباردة الشديدة سمّاها الله في كتابه صرصرا كما هو حال الريح التي أرسلت على قوم عاد ، وإذا كان معها بَرَد شديد صارت ريحاً فيها صر ، كما أخبر الله تعالى عن مال الكفار الذي ينفقونه في الدنيا رجاء ثواب الله - فيما يعتقدون - فقال تعالى : ( مثلُ ماينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريحٍ فيها صرٌّ أصابت حرث قومٍ ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )  . 

والصبا والدبور نوعان من أنواع الريح ، فالصبا ريحٌ شرقية نصر بها يوم الأحزاب نبيُنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك قول الله تعالى في سورة الأحزاب : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجُنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً ) والدَبُور ريحٌ غربية أهلكت بها عاد ففي الحديث المتفق عليه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نُصرت بالصبا وأهلكت عادٌ بالدبور " . 

ومن صور العذاب بالريح في حياتنا المعاصرة حادثة تسونامي التي وقعت في العام خمسٍ وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة وضربت دولاً من جنوب شرق آسيا وكذلك إعصار كاترينا الذي وقع بعد تسونامي بعام وضرب أمريكا وخلف أضراراً كبير في الأرواح والممتلكات وتسبب كلاً منهما في قتل الآلاف من البشر وما هذه الكوارث التي تكون بتقدير الله إلا بما كسبت أيدي الناس ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) 

عباد الله : الهواء نعمة عظيمة وتحرّكه نعمة أكبر ، فلو سكن لتضرر الإنسان والحيوان ولهاجت كثير من الروائح السيئة ولما طُردت السموم والأمراض من الأرض عن ابن آدم وعن الكائنات الحيّة يقول كعب الأحبار رحمه الله تعالى : " لو حُبست الريح عن الناس ثلاثاً لأنتن مابين السماء والأرض "  ،  مع العلم أن الهواء النقي  يساعد في تحسين معدلات الصحة لدى الإنسان ويحمي الرئتين من العاهات الصحية ويساعد على الإسترخاء الذي يُذهب التوتر والقلق لدى البعض وللهواء فوائد كثيرة لامجال لذكرها وهو من فضل الله تعالى ونعمه التي لاتُعدّ ولا تُحصى . 

عباد الله : الريح من خلق الله وتقديره ويتضجر من هبُوبها كثير من الناس ولا يحل لابن آدم أن يسب الريح ولو تضرر منها  لأنها مأمورة لاتدبير لها ولا تصرّف إلا بإذن خالقها ومُرسلها سبحانه وفي الحديث الصحيح : " لاتسبوا الريح فإنها مأمورة " أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي والبيهقي وغيرهم  ، فاللهم اهدنا للرضا بعد القضاء وأعذنا من شرّ الأعداء وجهد البلاء ودرك الشقاء ياسميع الدعاء ياواسع العطاء أقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============= الخطبة الثانية ==============

 الحمدلله الذي خلق كل شيءٍ فقدّره تقديراً ، والصلاة والسلام على من أرسله الله للثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيرا وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيرا ، أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من مما أرشد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عند هبوب الريح الدعاءُ بما ورد ففي حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم أنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : " اللهم إني أسألك خيرها ، وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ مافيها ، وشرّ ما أرسلت به " وفي حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت الريح قال : " اللهم لقَحَاً لاعقيماً " رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني وابن حبان وصححه الألباني  ومعنى لقَحَاً : أي تُلقح السحاب  ، وأما حديث : " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " فهو حديث ضعفه كثير من أهل العلم . 

ومن فوائد هذه الأدعية أن الله يصرف الشرّ عن قائلها بإذنه سبحانه ويعصمه من شرور الحوادث فأشبه قول هذه الأدعيه الوردَ اليومي الذي يقال في الصباح والمساء والذي يُعطي قائله حصانة من مردة الجن والشياطين وشياطين الإنس وكل ذلك أسباب لحفظ الله للعبد من كل مايحذر . 

وما تأتي المضرّة لابن آدم من الريح وغيرها إلا من قلة اعتصام العبد بربه وعدم فعل الأسباب أو معصية الله ورسوله وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين رجوعه عليه الصلاة والسلام من غزوة تبوك أنه قال لأصحابه : " ستهب عليكم الليلة ريحٌ شديدة ، فلا يقُم فيها أحدٌ منكم ، فمن كان له بعير فليشّد عقاله "  فهبت ريحٌ شديدة ، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء . . فانظروا كيف التهاون بعصيان المصطفى والذي هو من عصيان الله تعالى وكيف كان مصير الرجل  وكيف حملت هذه الريح المأمورة هذا الرجل لتقطع به مئات الكيلو مترات ، بسبب تهاونه وعصيانه لله المقدر وللرسول الذي لاينطق عن الهوى ، ثم صلوا وسلموا على رسوله فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 

المشاهدات 242 | التعليقات 0