خطبة عن: التقوى

محمد الأحمد
1435/07/10 - 2014/05/09 07:56AM
التقوى
10/7/1435هـ
محمد بن فهد الأحمد
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يَهْدِه الله فلا مُضِلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين وأصحابه الغرِّ الميامين، ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
إذا تتبَّعنا سَيْر حياتنا اليوميّة، نجد أنَّنا نحرص أشدَّ الحرص على ألا نتحصّل على الغرامات المالية، أو العقوبات، فضلاً عن المخالفات الإدارية، فمثلاً: نحرص على تجديد رخصة السير أو رخصة الإقامة قبل انتهاء موعدها، وكذلك رُخص السجلات التجارية، يحرص الإنسان لو خولِف عن طريق ساهر أن يُسدِّد قبل أن تُضاعَف الغرامة عليه، ويُسدِّد فاتورة الكهرباء حتى لا ينقطع عليه! تجده يقف عند الإشارة حينما تكون برتقاليّة اللون تفادياً من قطعها وهي حمراء وما يترتّب على ذلك من غرامات وحوادث .
ماذا يُسمَّى هذا؟ سمِّه ما شئتَ من: انضباط أو التزام أو خوفٍ من القانون أو خوف من الغرامة أو العقوبة.
هذا الحرص والانضباط مثال توضيحي للمصطلح الشرعي واللفظ القرآني والذي نسمعه دائماً، ألا وهو (التقوى) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
سأل عمر –رضي الله عنه- كعباً فقال له: ما التقوى؟ فقال كعب: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقًا فيه شوك؟ قال: نعم. قال: فماذا فعلت؟ فقال عمر رضي الله عنه: أشمر عن ساقي، وانظر إلى مواضع قدمي وأقدم قدماً وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة. فقال كعب: تلك هي التقوى، تشمير للطاعة، وترك للمعصية.
أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية؛ بفعل أوامر واجتناب نواهيه.
وهذا الأصل هي وصيةُ الله لنا ولجميع الأمم السالفين والأقوام الغابرين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ). ومن قراأ سورة الشعراء يجد أن الموعظة بالتقوى تتكرَّر: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) وتكررت في قصة هود، وقصة صالح، وقصة لوط، وقصة شعيب
ولما أنزل اللهُ الإسلام وأرسله رسولَه محمداً صلى الله عليه وسلم أنزل علينا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، في هذه الآية أمرٌ مِن الله لعباده أن يتقوا الله في كل أحوالهم، في سِرِّهم وعلانيتهم؛ لأن ربَّهم خبير بأعمالهم، محيط بها، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19] ولا أحصي لكم عدد الأحاديث التي أمرنا في النبي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله.
وحينما يتّقي المسلمُ ربَّه يجد بين يديه نوراً يدلّه، وفي قلبه بصيرةً تهديه، وفي رزقه بركةً عليه، ويجد آثارَها يومَ القيامة بجنّةٍ عرضها السموات والأرض (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133]، وفي المقابل تحميك من عذاب الله: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ) [الزمر:61] وكما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29].
وفي الدنيا حينما يتفاضل الناسُ بالأنساب أو الأحساب أو الأموال أو الوظائف، نجدُ أن الله وضع لنا معياراً في التفضيل والتكريم بقوله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
ولما بيّن اللهُ بعض أحاكم اللباس، وما قد يأتي للبشر من البحث عن التجمّل في اللباس والتفنّن فيه، شدَّ أذهانهم إلى أن أفضل لباس للمرء هو لباس التقوى، لأن لباس الباطن، وهو جمالُ المرء عند ربّه، وهو لباس لا يبيد ولا يبلى وينفعه في الدنيا والآخرة ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ).
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تقلب عرياناً وإن كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه *** ولا خير فيمن كان لله عاصياً
وكذلك في الزاد، قال تعالى: ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ ) [البقرة:197]
إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التقى *** ندمت على أن لا تكون كمثله
ولاقيت يوم الحشر من قد تزودا *** وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
أيها المسلمون: التقوى من أسباب التفوّق العلمي ووجلب الأرزاق: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [من كلِّ كرب ومشكلة ومصيبة]* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3]. فاتقوا الله عباد الله في كلِّ شؤونكم لتنالوا رضوان ربِّكم. اللهم اجعلنا من أهل التقوى، وارفع درجاتنا في الأولى والآخرى، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسَّلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإنَّ اللهَ حينما أمرنا بالتقوى فمَن الخطأ أن نعتقد أن التقوى محصورةٌ في جوانبَ معيّنة، بل التقوى كما ذكرنا في الخطبة الأولى شاملةٌ لكلِّ شيء، ابتداءً من التوحيد، وانتهاء بموته والوصية لمن بعده، فالله سبحانه نبّهنا لذلك فقال: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً)
أبواب التقوى كثيرة، ولا أريد ذكرَ بعضِ الأمثلة حتى لاتنحصر التقوى فيها، ففعلُ كلِ خيرٍ والدعوةُ إليه=من التقوى ، واجتناب كلِّ شرٍّ والنهيُ عنه=من التقوى، فهذه هي التقوى التي ندعو أنفسنا إليها.
وها نحنُ ندعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كما في صحيح مسلم: (اللهم إنَّا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها. [بقية الدعاء]
عباد الله .. صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمةِ المسداة، محمَّد بن عبد الله، كما أمركم ربُّكم تعالى فقال -جلَّ في علاه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].فاللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسول وخليلك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
المشاهدات 4248 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


بروك فيك شيخ محمد ونفعنا وكل أعضاء هذا المنتدى وكل المتصفحين بعلمك يقولون أول الغيث قطرة لكن في حقك أول الغيث سيول تدفق فلا تنسانا شيخنا من الزيارات المتكررة.