خطبة عن الإشاعة وخطرها على المجتمع
أيوب بن عبدالرحمن الثنيان
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسِانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : الإفك من القول مرضٌ وداء ، يُشيعُ الكذب ويشوّه صورة المؤمنين ، والبُرآء من الناس بحيلة ومكر كُبّار ويجلب لصاحب الشرور ، وهو من حيلة الفُجّار ، الذين يُغرون أقرانهم من الأشرار ، والإشاعة من هذا القبيل لها أثرٌ خطير ، وشرٌ كبير ، وأول إشاعة كانت في المجتمع الإسلامي حادثة الإفك التي أشاعها المنافق في عصر النبوة عبدالله بن أبيّ بن سلول ، ضد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حتى أنزل الله ببطلان هذه الإشاعة التي تكلّم بها الكبير والصغير والحرُّ والعبد والغني والفقير في عصر النبوة الزكي ، وأنزل الله في ذلك آيات تُتلى إلى يوم القيامة وأدب الله فيها المؤمنين وعذّب بها المنافقين الذين يخوضون في القول الباطل بلا بيّنة ولا بُرهان ( إن الذين جاؤا بالإفك عُصبة منكم لاتحسبوه شرّاً لكُم بل هو خيرٌ لكم لكل امرئ منهم مااكتسب من الإثم والذي تولّى كِبره منهم له عذابٌ عظيم * لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمناتُ بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفكٌ مُبين * لولا جاؤا عليه بأربعة شُهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) .
عباد الله : إن مما يدخُلُ في الإشاعة إتيان الفُساق بالأخبار الكاذبة ونشرها بلا بيّنة ولا دليل ، وهؤلاء حذّر الله منهم بصريح الكتاب حيث قال جل وعلا : ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أن تُصيبوا قوماً بجهالة فتُصبحوا على مافعلتُم نادمين ) وهذا نوعٌ من الكذب خطير ، وهذه الآية نزلت في الوليد بن عُقبة بن أبي مُعيط حيث أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثه لبني المصطلق لجلب صدقاتهم وأنهم خرجوا يتلقون رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وحُدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونَه ، فرجع الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يارسول الله إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضباً شديداً ، فبينا هو يُحدّث نفسه أن يغزوهم إذا أتاه الوفد ، فقالوا : " يارسول الله إنّا حُدِّثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق ، وإنّا خشينا أن ماردَّهُ كتابٌ جاء منك لغضبٍ غضَبتَهُ علينا ، وإنّا نعوذ بالله من غضبِه وغضب رسوله ، فأنزل الله عذرهم في الكتاب بهذه الآية .
عباد الله : مما ورد أيضاً في عقوبة مُطلق الإشاعات الكاذبة ومُفشيها بين الناس ماورد في حديث سمُرة بن جندب رضي الله عنه الطويل وهو في صحيح البُخاري ، وجاء فيه : " كان رسول الله مما يُكثر أن يقول لأصحابه : هل رأى أحدٌ منكم رؤيا ، قال : فيقصُ عليه من شاء الله أن يقُص ، وإنّه قال ذات غداةٍ : إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهم قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما - ثم ذكر أناساً يُعذّبون - ثم قال : فأتينا على رجل مستلق ٍلقفاه ، وإذا آخر قائمٍ عليه بكلّوبٍ من حديد ، وإذا هو يأتي أحدَ شقيّ وجهه فيشرشر شدْقَهُ إلى قفاه ومِنخرهُ إلى قفاه وعينَهُ إلى قفاه ، قال ثمّ يتحوّلُ إلى الجانب الآخر فيفعلُ به مثلما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغُ من ذلك الجانب حتى يصحَّ ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثلما فعل في المرة الأولى ، قال : قلتُ سبحان الله ماهذان ؟ " فأجيب عليه الصلاة والسلام بعد ذلك بقوله : " وأمّا الرجُلُ الذي أتيتَ عليه يُشرُشَر شدقُه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينُه إلى قفاه ، فإنه الرجُل يغدُو من بيتِه فيكذِبُ الكذبَة تبلُغ الآفاق " .
عباد الله : الإشاعة إما أن تكون في أشخاص أو في أخبار فإن كانت في الأشخاص فعذابها ونكالها أن يُسكن الجبّارُ جل جلاله مُشيعَها ردغة الخبال - وهي عُصارة وصديد وقيح أهل النار - حتى يأتي بالمخرج مما قال ، ففي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " من حالت شفاعتُه دون حد من حدود الله فقد ضادّ الله ، ومن خاصم في باطل وهو يعلمُه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه ، ومن قال في مؤمن ماليس فيه أسكنَه الله ردغة الخبال حتى يخرُج مما قال " وكفى بذلك عذاباً ونكالاً - أجارنا الله وإياكم - وهذا إذا لم يُشع عنه فكيف بالإشاعة عنه مما ليس فيه فلا شك أن عُقوبَتَها أشد وأغلظ .
وأما التي تكون في الأخبار فتشملُها النصوص الواردة في الكذب ، والكذب قبيح العاقبة سيءُ المصير ، فلنحذر ياعباد الله من هذا البلاء - وهو المشاركة في نشر الشائعات - بلا تثبت ولا بُرهان ، فإن التثبت من خُلُق أهل الإيمان ، والعجلة يؤزُ إليها الشيطان أهل الخفّة والطيش ، فمع التثبت تحصُل السلامة ، وتندفع الندامة وكم من عجلة أورثت ندما ، وتُهمةٍ جلبت ألما ، فاللهم أجرنا من مُنكرات الأقوال وسوء الأفعال وموجبات الضلال ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
====================== الخطبة الثانية ======================
الحمدلله الحميد المجيد والصلاة والسلام على المبعوث لسائر الخلق والعبيد ، نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أهل القول السديد والنهج الرشيد ومن تبعهم بإحسان ٍإلى يوم المزيد أما بعد :
فاتقوا الله - ياعباد الله - واعلموا أنه لاعافيه من الشائعات ولا تبعاتها إلا باتباع النهج الرباني الذي شرعه في كتابه وبينه نبي الهدى والرحمة عليه الصلاة والسلام ومن ذلك :
- الظن الحسن بأخيك المسلم عند ورود إشاعة باطلة تبيّن كذبُها وإفكُها وذلك جليٌّ في قول الله تعالى في حادثة الإفك : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمناتُ بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفكٌ مُبين )
-ومنها أيضاً : عدمُ المشاركة في نشرها مالم يكن هناك دليلٌ واضح على صحة الخبر فيجب التريث والإستيضاح من كل مايرد من أخبار ، والنشر مشاركة تقوم مقام الكلام إذا كانت رسالة ، وليتذكر العبد المسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : " كفى بالمرء كذباً أن يُحدّثَ بكل ماسمع " وهو حديثٌ مرسل ، وفي حديث صحيح آخر : " كفى بالمرء إثماً أن يُحدّث بكل ماسمع " .
قال النووي رحمه الله : " فإنه يسمعُ الصدق والكذب ، فإذا حدّث بكل ماسمع فقد كذَب لإخباره بما لم يكُن ، والكذب الإخبار عن الشيء بخِلاف ماهو ولا يُشترط فيه التعمّد " انتهى كلامه - يعني لايُشترط فيه أنه لو عرَف أن هذا كذباً لم يتكلم به ولم يحدث به ، ولكنَّ كونَه يتكلم ويُحدث بكل ماسمع به فهذا آثمٌ بغض النظر عن كونه واقعٌ أو غير واقع
- ومن ذلك الحدز من كلمة زعموا أو يقولون ، فإنها تدخُل في الإشاعة وقيل لأبي مسعود رضي الله عنه : ماسمعتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا ؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بئس مطيَّة الرجل زعموا " .
والإشاعة في وقت الفتن ونشرها أشد وأظلم ، وفي الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " إيّاكم والفتن فإن وقعَ اللسان فيها مثلُ وقع السيف " .
- وأخيراً يجب على الجميع أن يتلقّى الأخبار من المواقع الرسمية والمنصات المعروفة التي في الغالب تسلم من الكذب والتزوير ، وخبرها أوثق وآكد ، رد الله المكائد والشرور عن الإسلام وأهله في كل مكان إنه سميعٌ مُجيب من عباده قريب . . ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير فقد قال عز من قائل عليما : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .