خطبة عن الأمن وحفظ البلاد والنصر والإياد 21 محرم 1441

محمد بن عبدالله التميمي
1441/01/20 - 2019/09/19 20:38PM

الحمد لله ذي الطول والإحسان، والجود والامتنان، أحمده سبحانه وأشكره على نعمة الأمن والإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أهل الإيقان، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاماً لا يعتريهما نقصان، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وأحسنوا ولا تحيدوا عن الحق بل عليه فاثبتوا، ثباتا في صف الاجتهاد ثبوتَ عازم ولازم؛ فما نال الغنائمَ نائِم.

عباد الله.. إنه لا أمن بلا إيمان، فمن آمن بالله أمّنه الله، والذي أشرك بخالقه وفاطره وباريه آلهةً مخلوقة لا تخلق شيئا ولا تملك ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا أحقُّ بالخوف ممن لم يجعل مع الله إلها آخر بل وحده وأفرده بالإلهية والربوبية {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} لقد حكم الله سبحانه بينهما بأحسن حكم خضعت له القلوب، وأقرت به الفِطَر، وانقادت له العقول، فقال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وهم مُهْتَدُونَ﴾ .

ومن ألبسه الله لباس الأمن وهو مقيم على الشرك فذلك من الابتلاء له الذي يوجب شكر نعمة الله بتوحيده وطاعته، كما في قوله تعالى: {لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف} فبهذه النِّعَم العظيمة يجب عليهم أن يعبدوا الله {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وقد امْتَنَّ اللَّهُ جَلَّ وعَلا عَلى قُرَيْشٍ، بِأنْ جَعَلَ لَهم حَرَمًا آمِنًا فَهم فيه عَلى أمْوالِهِمْ ودِمائِهِمْ آمِنُونَ، والنّاسُ الخارِجُونَ عَنِ الحَرَمِ بالقتل والأسر يُتَخَطَّفُونَ {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}  ﴿وَقالُوا إنْ نَتَّبِعِ الهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِن أرْضِنا أوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهم حَرَمًا آمِنًا﴾  .

عباد الله.. ولما كان الشرك موجبا للخوف، ويَعظم الأمن ويكمل بقدر كمال الإيمان، فإنه بالذنوب يُنتزع الأمن بحسبها، فإن حكم بالأمن عُلّق بوصف الإيمان فيزيد بزيادته وينقص بنقصانه: {وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰت مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ} ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخَوِّفًا وَمُحَذِّرًا مِنْ مُخَالَفَةِ أَوَامِرِهِ، وَالتَّجَرُّؤِ عَلَى زَوَاجِرِهِ: {أَفَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰۤ أَن یَأۡتِیَهُم بَأۡسُنَا بَیَـٰتا وَهُمۡ نَاۤىِٕمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰۤ أَن یَأۡتِیَهُم بَأۡسُنَا ضُحى وَهُمۡ یَلۡعَبُونَ} {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} والكافر لو أدرك بظاهره الأمن فإنه باطنه خوف وهلع، وعاقبته في الآخرة نار وفزع، وأعظم الأمن هو الأمن من عذاب الله، قال جل وعز: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ولذا من أراد أن يعيش آمنا فليكثر من الأعمال الصالحة ، قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} قال ابن عباس: فمنها وصل إليه الخير {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} .

ومن أمن مكر الله فهو الخاسر؛ لأنه مكابر {أَفَأَمِنُوا۟ مَكۡرَ ٱللَّهِۚ فَلَا یَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ} قال إسْماعِيلَ بْنِ رافِعٍ ¬ قالَ: مِنَ الأمْنِ لِمَكْرِ اللَّهِ إقامَةُ العَبْدِ عَلى الذَّنْبِ يَتَمَنّى عَلى اللَّهِ المَغْفِرَةَ.

عباد الله.. والمنة عظيمة بالحفظ من الإفساد، وبالنصر والإياد، وبالطيباتِ التي يَنْعَمُ بها العباد، وتَعْظُمُ إن كان ذلك بعد قلة وضعف، وسلب وخوف، قال تعالى ذكره: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فَلَمّا أعْطَوْا حَقَّ الشُّكْرِ دامَ أمْرُهم في تَصاعُدٍ، وحِينَ نَسَوْهُ أخَذَ أمْرُهم في تَراجُعٍ، ولِلَّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ، ولَمْ يَزَلِ النَّبِيءُ ﷺ يُنَبِّهُ المُسْلِمِينَ بِالمَوْعِظَةِ أنْ لا يَحِيدُوا عَنْ أسْبابِ بَقاءِ عِزِّهِمْ .

أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه...

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارا به وتوحيدا ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا مزيدًا، أما بعد:

عباد الله.. إن الناس جميعا يطلبون الأمن، فهذا خليل الله إبراهيم عليه السلام يدعو ربه بالأمن {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} ونبي الله يوسف عليه السلام يبشر أهله بالأمن {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} وعندما أحس نبي الله موسى عليه السلام بالخوف أعلمه الله أنه من الآمنين: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ}، حتى النملة تحرص على أمن بني جنسها، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ }، وبين ‘ أن المدرك لذلك مع ضميمة له كأنما جمعت له الدنيا، كما في السنن من حديث عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» .

وقد أمّنكم الله مما أُريد بكم، فيما نما إلى أسماعكم، من خبر إصابة بعض اقتصادكم، ونقض العهود، من قبل العدو اللدود، فأوبوا إلى ربكم الغفورِ الودود، مستغفرين من آثامكم، شاكرين ما بفضله سبحانه حماكم وحباكم، مستجدين ديمومة الحفظ لبلادكم، داعين بالتأييدِ بالحق لولاة أمركم، والدحرِ لأعدائكم .

اللهم من أرادنا بسوء فأشغله في نفسه، اللهم نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور ...

المرفقات

عن-الأمن-21-محرم-1441

عن-الأمن-21-محرم-1441

عن-الأمن-21-محرم-1441-2

عن-الأمن-21-محرم-1441-2

المشاهدات 980 | التعليقات 0