خطبة عن استقبال شهر رمضان

محمد بن عبدالله التميمي
1440/08/27 - 2019/05/02 11:27AM

الخطبة الأولى

الحمد لله الكريم المنان، الرحيم الرحمن، مصرِّفِ الشهور والأعوام، ومبلِّغِ من يتفضل عليه شهرَ الصيام ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ أحمدُهُ على نعمه في كل لحظة وأوان، وأشهدُ بوحدانيته وكل موجود قد ذلّ واستكان. وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين وقدوة المتعبدين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:  فاتقوا الله عباد الله التقوى التي شرعت لأجلها عبادات فمن يحققها لم يتحققها { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .

عباد الله.. إن الله تعالى يُعيد على عباده مواسمَ الخيرات، فيكون مرصدا للاستكثار من الطاعات، ومضاعفة الحسنات، ومكفرة للسيئات، فتعلو الدرجات، وتزكو النفوس فتكون طيبات، ويسأل اللهَ المرءُ الثبات فإنه بنعمته تتم الصالحات، فبذلك يرد العبد موردا هنيئا، فيكون بفضل ربه متضلعا، لا كحال من كان متضوعا، فهو مزجى البضاعة، إذ كان من أهل الإضاعة .

عباد الله.. يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ فرضَ الصوم ويسَّره وأعان، فأول تسهيل أمره هذا، أنكم ما أُفردتم بهذا، ثم زاد في التسهيل فقال: (أيَّامًا مَعْدُودات) [و] إنما يذكر المعدود في القليل.

عباد الله.. إن من لم يكن من الرابحين فهو من الخاسرين، فإما أن يُكتبَ ويُضاعفَ الأجر ويُحطَّ الوزر "مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ" ، واحرص أن يكون قيامك مع الإمام حتى ينصرف فيُكتب لك قيام ليلة، كما في السنن من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن صلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتّى مَضى نحوٌ من ثلثِ اللَّيلِ، وفي الليلة الأخرى حتى مضى شطر الليل، فقل رضي الله عنه: "يا رسول الله لو نفَّلتَنا بقيَّةَ ليلتنا هذِه. فقالَ إنَّهُ من قامَ معَ الإمامِ حتّى ينصرفَ فإنَّهُ يعدلُ قيامَ ليلةٍ".

وإلا يكن المرء مع  من تعلو درجته فإنه يُرغمَ أنفُه ويُبعده ربُّه، دعاءٌ أمّن عليه نبينا صلى الله عليه وسلم على دعوة الروح الأمين جبريل عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم، فقد روي من حديث جمع من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم صعِد المنبرَ فلمّا رَقِيَ عتبةً قال: (آمينَ). ثمَّ رَقِيَ أُخرى فقال: (آمينَ). ثمَّ رَقِيَ عتَبةً ثالثةً فقالَ: (آمينَ) ثمَّ قال: أتاني جبريلُ فقال: يا محمَّدُ ! مَن أدرك رمضانَ فلم يُغفَرْ لهُ فأبعدَه اللهُ. فقلتُ: (آمينَ).. الحديث.

عباد الله.. وفضائل الصيام كثيرة فمنها عدا ما تقدم: أنه في رمضان تُفتح أبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران، وأن الله أضافه لنفسه وتكفل بأجره وهو الكريم ففي الحديث القدسي قال صلى الله عليه وسلم عطفا على مضاعفات العمل الصالح قال الله تعالى "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي.. وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى الله عز وجل، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ".

ومن فضائله ولوازمه أن الصوم جنة، كما في الصحيحين، أي وقاية، وقرب ذلك المعنى صلى الله عليه وسلم بالتشبيه كما في السنن: " كجُنة أحدكم من القتال" ، وبين من أي شيء يَجِنُّ ويقي كما في المسند: "الصيام جُنة، وحصن حصين من النار" ، وروي ومعناه صحيح متقرر " الصِّيامُ جُنَّةٌ ما لم يَخْرِقْها قِيلَ وبِمَ يخرِقُها قال بِكذِبٍ أو غِيبةٍ" فاحفظوا عباد الله صومكم مِن غِيبةٍ، وصلاتكم عن غَيْبةٍ، واعرفوا للحق سبحانه الهَيْبةَ، واحذروا أن يكون حظكم الخَيبة، ومن طرق الحفظ لخائن العين وساقط اللفظ ما كان السلف به يأخذون، بجلوسهم في المسجد لصومهم يحفظون.

أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور التواب ويتوب الله على من تاب

الخطبة الثانية

الحمد لله كتب على هذه الأمة الصوم كما كتبه على الأوائل، وخص بكثير من الفضائل، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، أما بعد:

فإنّ الصّائم عباد الله ليتصوّر بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلاّ في تحصيل رضى الله، هذه العبادة تكسر الشهوة و تقمع النفس و تحي القلب وتُفرِّحُه، و تزهِّدُ في الدنيا و شهواتها و ترغِّبُ فيما عند الله .

عباد الله.. ها هو شهر رمضان الرَّصَدُ لهلاله يَرقُبون، فكونوا له بصالح العمل متهيؤون، فإنه شهر ليس له مثل في ســـــــــائر الشهور، الذنب فيـــــــــــه مغفور، والسعي فيه مشكور، والمؤمن فيه محبور، والشيطـــــــــــــان مُبعَد مثبور، والوزر والإثــــــــم فيه مهجور، وقلب المؤمن بذكر الله معمور.

فــــــــــاللهَ اللهَ بتحقيق الصيــــــــام وقطع ليله بطول القيام، فلعلكم أن تفوزوا بدار الخلد والسلام مع النظر إلى وجـــــــــــه ذي الجلال والإكرام ومرافقة النبي عليه الصلاة والسلام.

المرفقات

عن-استقبال-شهر-رمضان-1440

عن-استقبال-شهر-رمضان-1440

المشاهدات 1268 | التعليقات 0