خطبة عن استثمار العطلة الكبيرة
محمد تفسير بالدي
1445/12/21 - 2024/06/27 22:30PM
الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي جَعَلَ الليْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَن يَذَكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ، عِبَادَ اللَّهِ: مَعَ اقْتِرَابِ الْعُطْلَةِ الْكَبِيرَةِ لِهَذِهِ السَّنَةِ، نَقِفُ الْيَوْمَ لِنَتَأَمَّلَ فِي كَيْفِيَّةِ اسْتِغْلَالِ هَذِهِ الْفَتْرَةِ الثَّمِينَةِ اسْتِغْلالاً لائِقًا بِهَا. فَقَدْ أَخْرَجَ الْإمَامُ الْبُخَارِيُّ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: « نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ».
فَيَا أَيُّهَا الطُّلابُ الْأَعِزَّاءُ:
الْعُطْلَةُ فُرْصَةٌ ذَهْبِيَّةٌ لِتَطْوِيرِ مَهَارَاتِكُمْ وَتَوْسِيعِ آفَاقِكُمْ، فَاسْتَغِلُّوهَا فِي الْقِرَاءَةِ الْمُثْمِرَةِ وَالتَّعَلُمِ النَّافِعِ؛ فَطَلَبُ الْعِلْمِ عِبَادَةٌ. قَالَ تَعَالَى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11]. وَتَذَكَّرُوا أَنَّ الرَّاحَةَ لا تَعْنِي الْكَسَلَ، بَلْ هِيَ فُرْصَةٌ لِتَجْدِيدِ النَّشَاطِ وَشَحْذِ الْهِمَمِ.
وَيَا أَيُّهَا الْمُعَلِّمُونَ الْأَفَاضِلُ:
الْعُطْلَةُ فُرْصَةٌ لِتَجْدِيدِ مَعَارِفِكُمْ وَتَطْوِيرِ أَسَالِيبِكُمُ التَّعْلِيمِيّة. فَأَنْتُمْ حَمَلَةُ رِسَالَةٍ سَامِيَةٍ، قَالَ عَنْهَا النَّبِيُّ ﷺ: « إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا » [رواه ابن ماجه]. فَاسْتَثْمِرُوا هَذَا الْوَقْتَ فِي التَّطْوِيرِ الْمِهَنِي وَالتَّأَمُّلِ فِي رِسَالَتِكُمُ التَّرْبَوِيَّةِ.
أَمَّا أَنْتُمْ يَا أَوْلِيَاءَ الْأُمُورِ الْكِرَامِ:
الْعُطْلَةُ فُرْصَةٌ لِتَقْوِيَةِ الرَّوَابِطِ الْأُسَرِيَّةِ، وَغَرْسِ الْقِيَمِ فِي نُفُوسِ أَبْنَائِكُمْ. قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]. فُكُونُوا قُدْوَةً لِأَبْنَائِكُمْ فِي حُسْنِ اسْتِغْلَالِ الْوَقْتِ، وَشَارِكُوهُمْ فِي أَنْشِطَةٍ مُفِيدَةٍ تُعَزِّزُ التَّوَاصُلَ وَتَبْنِي الشَّخْصِيَّةَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلّهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ حُسْنَ اسْتِغْلالِ الْوَقْتِ مِنْ عَلامَاتِ التَّوْفِيقِ، وتَضْيِيعُهُ مِنْ عَلامَاتِ الْخُسْرَانِ. فَلْنَتَعَاوَنْ جَمِيعًا عَلى اسْتِثْمَارِ الْعُطْلَةِ فِيمَا يَنْفَعُ، وَمِنْ ذَلِكَ:
1. تَقْوِيَةُ الصِّلَةِ بِاللَّهِ، مِنْ خِلالِ الْمُحَافَظَةِ عَلى الصَّلَوَاتِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الحشر: 19].
2. صِلَةُ الرَّحِمِ، فَالْعُطْلَةُ فُرْصَةٌ لِزِيَارَةِ الْأَقَارِبِ وَتَقْوِيَةِ أَوَاصِرِ الْمَحَبَّةِ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ: « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » [متفق عليه].
3. الْعَمَلُ التَّطَوُّعِي، فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ إِلَى اللَّهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195].
4. التَّخْطِيطُ لِلْمُسْتَقْبَلِ، فَالْعُطْلَةُ فُرْصَةٌ لِلتَّأَمُّلِ وَرَسْمِ الْأَهْدَافِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 105].
أَيُّهَا النَّاسُ: لِنَجْعَلْ مِنْ هَذِهِ الْعُطْلَةِ فُرْصَةً لِلارْتِقَاءِ بِأَنْفُسِنَا وَأَبْنَائِنَا وَمُجْتَمَعِنَا، وَلِنَتَذَكَّرْ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَسْؤُولٌ عَنْ وَقْتِهِ أَمَامَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ ﷺ: « لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ » [رواه الترمذي].
.
الدعاء...
المرفقات
1719516616_خُطْبَةٌ عَنِ اسْتِثْمَارِ الْعُطْلَةِ الْكَبِيرَةِ.docx