خطبة عن/فضل ليلة 27

د. عبدالعزيز الشهراني
1442/09/24 - 2021/05/06 08:33AM

عباد الله: نستقبلُ في اللية المقبلة ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك، وهي من الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر، التمسوها في الأوتار"، والأوتار هي واحد وعشرون، ثلاث وعشرون، خمسة وعشرون، سبعة وعشرون، تسعة وعشرون، هذه هي أوتار العشر، وكل من العلماء اجتهد في ليلة من هذه الليالي الوترية يتحراها فيها، فمن العلماء من كان يتحراها في ليلة واحد وعشرين، ومنهم من يتحراها في ليلة ثلاث وعشرين، ومنهم من يتحراها في ليلة خمس وعشرين، ومنهم من يتحراها ليلة سبع وعشرين، وهذا هو الذي رجحه الإمام أحمد وجماعة من أهل العلم، أنها ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون كما في حديث زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ رَحِمَه اللُه تَعَالى قَالَ: "سَأَلْتُ أُبيَّ بنَ كَعْبٍ رضي الله عنه فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يقولُ: مَنْ يَقُمِ الحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ القَدْرِ، فقالَ: رَحِمَهُ الله تعالى، أَرَادَ أَنْ لا يَتَّكِلَ النَّاسُ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّها في رَمَضَانَ، وأَنها في العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وأَنها لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرينَ، ثُم حَلَفَ لا يَسْتَثْنِي أنَها لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرينَ، فقلتُ: بِأَيِّ شَيءٍ تَقُولُ ذَلكَ يَا أَبَا المنْذِرِ، قَالَ: بالعَلامَةِ أو بالآيَةِ الَّتي أَخْبَرنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : أَنَّها تَطْلُعُ يَوْمَئذٍ لا شُعَاعَ لها" رواه مسلم.  وقال زِرٌّ أيضا عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ: "كَانَ عُمَرُ، وَحُذَيْفَةُ، وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَشُكُّونَ أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، تَبْقَى ثَلَاثٌ" رواه ابن أبي شيبة.  وجاء عن مُعَاويَةُ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوله: "لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرينَ" رواه أبو داود.  وروى ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يا نَبيَّ الله، إِنّي شَيْخٌ كَبيرٌ عَلِيلٌ يَشُقُّ عَلَيَّ القِيَامُ، فَأْمُرْني بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ الله يُوَفِّقُني فيهَا لَيْلَةَ القَدْر، قالَ: عَلَيْكَ بالسَّابِعَةِ" رواه أحمد.

أيها الصائمون: هذه الليلة كما قال الله جل وعلا فيها: (ليلة القدر خير من ألف شهر)، وقال سبحانه وتعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) وصفها بالبركة، (إنَّا كنَّا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم) يقدر فيها أعمال السنة، ما يجري في السنة فإنه يقدر في هذه الليلة المباركة، (فيها يفرق كل أمر حكيم). (ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر)، من كل أمر قدري، (سلام هي حتى مطلع الفجر)، فكلها مباركة، من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فيها تقدر أعمال السنة، وهذا التقدير تقدير خاص يؤخذ من اللوح المحفوظ وهو التقدير العام الذي كتب الله فيه مقادير الخلائق إلى أن تقوم الساعة، كتب فيه ما هو كائن وما يكون إلى أن تقوم الساعة. فعلى المسلم أن يجتهد في هذه الليالي، يجتهد في الصلاة والتهجد، ويجتهد في الذكر والدعاء، والدعاء له خاصية في هذه الليلة، في ليلة القدر، فيجتهد المسلم في الدعاء في الصلاة وخارج الصلاة، في أمور دينه ودنياه، وفيما يخصه وفيما يعم المسلمين، لا يقتصر الإنسان في الدعاء لنفسه، وإنما يدعو لنفسه ولوالديه ولأقاربه ولجميع المسلمين، يعمم الدعاء، فضل الله واسع.

 

 

الخطبة الثانية:

أيها المؤمنون: سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: أرأيت إن صادفت ليلة القدر ماذا أقول؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنِّي"، فينبغي للمسلم أن يكثر من هذا الدعاء الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنِّي" وما تيسر معه من الأدعية، يجتهد المسلم في الدعاء، فإن الدعاء في هذه الليلة مستجاب بإذن الله، فهي ليلة عظيمة، ليلة شريفة، وليلة مباركة كما قال الله جل وعلا فيها. والله جل وعلا قريب مجيب إذا صدق العبد مع ربه، ودعا الله بقلب حاضر، قال الله جل وعلا:(وإذا سألك عبادي عنِّي فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون). وكما قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة، قال الله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) (قال ربكم)، هذا فيه تعظيم الدعاء، وأن الله أمر به، (ادعوني)؛ لأن هذا الدعاء عبادة لله عز وجل، (استجب لكم)، وعد الله بالإجابة وهو لا يخلف وعده، ولكن يجب على المسلم أن يجتهد في الدعاء وأن يخلص الدعاء(فادعوا الله مخلصين له الدين) أن يخلص في الدعاء، يخلص النية، وأن يدعو بقلب حاضر، وأن يتوب إلى الله من السيئات، والذنوب، والمظالم، إذا كانت عنده مظلمة للناس يتوب إلى الله ويؤدي للناس حقوقهم، ويطلب منهم المسامحة، فهذه الدنيا زائلة عمَّا قريب، والعمر منتهي، ولن تخرج منها إلا بما قدمت يداك، (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا(

المشاهدات 4961 | التعليقات 0