خطبة .عظمة المتعال في آية الزلزال.

عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1437/08/19 - 2016/05/26 19:08PM
خطبة
بعنوان /عظمة المتعال في أية الزلزال
إعداد /عبدالوهاب المعبأ
الحمد لله القاهر القوي القادر، ذي العظمة والملكوت، والكبرياء والجبروت، حي لا يموت، قيوم لا يفوت، الأرض أرضه والسماء سماؤه والخلق خلقه: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء: 44]، والصلاة والسلام على النبي الإمام الذي قدر خالقه حق قدره، فرفع الله له ذكره وأعلى قدره وشرح صدره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وصالحي أمته.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله؛ فإنها السبيل للنجاة من النار دار البوار: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) [مريم: 71، 72]،
أيها المسلمون: تفرد الله وحده بالخلق والتدبير، وأودع في مخلوقاته من عجائب صنعه وعظيم فعله؛
فشهدت له مخلوقاته بالربوبية، وأقر من نوَّر
الله له قلبه من خلقه بالوحدانية،
وهناك أية من آيات الله يراها الصغير والكبير، ويشعر بها الأعمى والبصير، والأصم والسميع، يتقلب الخلق عليها ثم يودعون فيها، خلقها فأبدعها فحمد نفسه لما فرغ من خلقها، فقال: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) [الأنعام: 1]،
وأقسم بها فقال: (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا)

خلقها على غير مثال لها، وبنوره استنارت
(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وأعجز الخلق أن يخلقوا مثلها: (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [فاطر: 40]

وهي أكبر من خلق الناس؛ ولعظم خلقها أقر الكفار بأن خالقها هو الله: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [لقمان: 25]
وأمر بالتفكر فيها: (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) [الأعراف: 185]
وذمَّ من لم يعتبر بها وبما فيها: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف: 105] وأخبر أنها مليئة بالعبر والآيات: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ) [الذاريات: 20]

خلقها الله قبل السماء؛ كالأساس للبناء في يومين، ثم خلق السماء في يومين، ثم دحا الأرض في يومين آخرين؛ فأخرج بدحيها ما كان مودعاً فيها، فظهرت العيون وجرَت الأنهار ونبت الزرع ورست الجبال، فأتم الخلق في ستة أيام، آخرهن يوم الجمعة؛ فاتخذه المسلمون عيدهم في الأسبوع.

ثم بعد خلقها؛ استوى الرحمن على عرشه، وقال للسماء وللأرض -بما فيها من جبال ثقال وبحار زاخرات- أتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين، خلقها سبع أرضين كل واحدة فوق الأخرى، ومدها ووسعها فلم تضق يوماً على ساكنيها.

عباد الله، إن هذه الأرض، التي نعيش عليها. من نعم الله الكبرى علينا، فإن الله سبحانه وتعالى قد مكننا من هذه الأرض، نعيش على ظهرها، وندفن موتانا في باطنها، قال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاء وَأَمْوٰتاً[المرسلات:25، 26]، وقال تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَـٰكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ [طه:55]، وقال تعالى: فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ [الأعراف:25]، وقال تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّـٰكُمْ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ [الأعراف:10]، وقال: هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ [الملك:15]، والآيات في هذا كثيرة.
ومن رحمته جل وعزّ أن أودع فى هذه الأرض كل ما يحتاجه الخلق الذين يعيشون على ظهرها، فبارك فيها وقدر فيها أقواتها.
ثم سبحانه وتعالى جعلها ثابتة مستقرة لا تتحرك وأرساها بالجبال، حتى نتمكن من البناء عليها والعيش على ظهرها، وفي بعض الأحيان، يجعل الله عز وجل هذه الأرض، جنداً من جنوده، فتتحرك وتميد ويحصل الزلازل المدمرة، تخويفاً للعباد، وتأديباً للبعض الآخر، وما يعلم جنود ربك إلا هو، وما هي إلا ذكرى للبشر.
ايها المسلم عبد الله تأمل هذه الأرض بينما هى هادئة ساكنة وادعة ، مهاد وفراش ، قرار وذلول ، خاشعة فإذا بها تهتز ، تتحرك تثور ، تتفجر ، تدمر
، تبتلع ، تتصـدع ، زلازل ، خسف ، براكين ، تجدها آية من آيات الله ، وكم لله من آية يُخـوِّف الله بها عباده لعلهم يرجعون ، وهى مع ذلك جزاءً لمن حق عليه القول ، وهى أيضاً تذكير بأهوال الفزع الأكبر يوم يُبعثون ويُحشرون .
يذكر صاحب علوم الأرض القرآنية أنه قبل حوالى خمسة قرون ضرب زلزال شمال الصين عشر ثوان فقط : هلك بسببه 430 ألف شخص ، وقبل ثلاثة قرون ضرب زلزال مدينة لشبونة فى البرتغال لعدة ثوان هلك فيه 600 ألف شخص ، وأنفجرت جزيرة كاراكاتو فى المحيط الهندى قبل قرن فسُمع الإنفجار الى مسافة خمسة آلاف كيلو متر مربع وسجلته آلات المراصد فى العالم وتحولت معه فى ثوان جزيرة حجمها 20 كيلومتر الى قطع نثرها الإنفجار على مساحة مليون كيلومتر مربع وأرتفعت أعمدة الدخان والرماد الى 35 كيلومتر فى الفضاء وأظلمت السماء على مساحة مئات الكيلومترات حاجبة ضوء الشمس لمدة سنتين ، وأرتفعت أمواج البحر الى 30 متر فأغرقت 36 ألف نسمة من سكان جزيرتى جاوة وسومطرة . { وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هى إلا ذكرى للبشر }
ولا تزال نذر الله تعالى على عباده تتابع ، تلك النذر والآيات التي تأتي بصور عديدة وأشكال متنوعة فتارة عبر رياح مدمرة ، وتارة عبر فيضانات مهلكة ، وتارة عبر حروب طاحنة ، وتارة عبر زلازل مروعة
قال -سبحانه-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا...) الآية [الأنعام: 65].
والعذابُ الذي من تحت الأرجُل هو الخسفُ والزلازلُ، كما قال ذلك المُفسِّرون.
أقسمَ الله في كتابه بقوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) [الطارق: 11- 14]،

وقد أقسم الله -سبحانه- بالأرض ذات الصَّدع، ولم يكُ هذا الصَّدعُ معلومًا أربعة عشر قرنًا من الزمان، حتى اكتُشِفَ جيولوجيًّا في القرن الماضي، فوجدَ العلماءُ صدعًا ضخمًا في باطنِ الأرض في قاع المُحيط، وأن مُعظمَ الزلازِلِ في العالمِ تتركَّزُ في هذا الصَّدع.

فدلَّ قسمُ الباري بالأرض ذات الصَّدع على الإعجاز؛ ليستَبينَ المُلحِدون سبيلَهم المُنحرِف، وأن ما اكتشَفُوه قد ذكرَه الله قبلَهم بأربعة عشر قرنًا من الزمن، وأن ما يأتي به النبي الأُمِّي إنما هو وحيٌ يُوحَى، لا نُطقٌ عن الهوَى، (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158].
والزلازلُ -وقانا الله وإياكم منها- لا تقرَع الأبوابَ إلا بغتةً، فعندما تضطرب الأرضُ بصوتها المخيفِ ودويِّها الرهيب وعندما تتساقط الجُدران وسُقُف الأبنية حتى يصبِح أعلى الأرضِ أسفلَها وأسفلُها أعلاها، في تلك اللحظةِ يشعر الإنسانُ بجلال الله وعظمتِه وسلطانه وجبروتِه، لتنطلق من أعماقه صرخات الاستغاثة حرّى متوقدة،
قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.
إنه الله جل جلاله، أرغم أُنوف الطغاة، وخفض رؤوس الظلمة، ومزَّق شمل الجبابرة، ودمّر سد مأرب بفأرة، وأهلك النمرود ببعوضة، وهزم أبرهة بطيرٍ أبابيل،
أغرق الله قوم نوح بطوفان عظيم غطى الأرض حتى أخفى الجبال الشاهقات، وأرسل على قوم ثمود صيحة عظيمة فيها الممات، وأرسل الريح العاتية على قوم عاد سبعَ ليال وثمانية أيام حسمت أمرهم وبقيت آثارهم لمن بعدهم من البريات، وخسف بقارون حين فرح بالمال وطغى وظلم، وأغرق فرعون حين استكبر وتجبر ليكون عبرة في الأمم، ورفع قرى قوم لوط إلى السماء ثم جعل عاليها سافلها وأمطرهم بحجارة كالحمم، فَكُلاَّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40].
ــ عباد الله إن هذه الزلازل والكوارث من أوضح الدلالات على عظمة الجبار تعالى وضعف جبابرة الأرض مهما أوتوا من قوة.
عباد الله الزلازل ــ كيف لا تدل على عظمة الجبار وهي في بضع ثواني تهلك مئات الألوف من الناس. ولنا في زلازل حدثت العبرة والعظة .

ــ فقد وقع زلزال في العاصمة اليابانية راح ضحيته 142000 نسمة0 ــ ووقع زلزال في إحدى المدن الصينية راح ضحيته (500.000) نسمة0
ــ ووقع زلزال في إقليم جيلان بإيران راح ضحيته 40,000 نسمة0 ــ وقع زلزال في الهند راح ضحيته 30,000 . ــ ووقع زلزال في مدينة بام الإيرانية راح ضحيته 50,000 نسمة0
ــ ومن الأحداث الكونية العظيمة في العوام القريبة الماضية البركان الذي وقع في أيسلندا، ونجم عنه غبار بركاني عظيم، غطى أجزاءً واسعة من غرب أوروبا وعطل حركة الملاحة الجوية في سماء أوروبا لعدة أيام، وانتشرت سحب الرماد الناجمة عن ثوران البركان في السماء، فاضطرت أيسلندا وأيرلندا والدانمرك والنرويج والسويد لإغلاق كثير من المطارات وتعليق آلاف الرحلات، فسبحان الله العظيم الذي لا تقف قوة أمام قوته، ولا توازي عظمة عظمته.
ومن أحداث العام الماضي الفيضانات المدمرة التي هزت باكستان، وتسببت في تشريد ملايين البشر من منازلهم، وأحدثت دمارًا هائلاً في البنية التحتية، كذلك الفيضانات المدمرة في المغرب التي تسببت في موت العديد من الضحايا وتدمير آلاف المنازل، ولم يرَ الناس خروج النهر عن مجراه كما رأوه في تلك المرة، كما غمرت المياه اثنتي عشرة قرية،
عباد الله: لا نريد أن نتتبع كل الأحداث التي وقعت في السنوات القريبة الماضية، فهي أحداث كثيرة وكبيرة، فلن ينسى العالم زلزال جاوا في إندونيسيا، ولن ينسى التاريخ الأحداث الماضية كالطوفان العظيم الذي سمي بطوفان تسونامي،الذي هلك فيه مئات الالاف ولن ينسى التاريخ إعصار عمان، وكارثة السيول في جده وفي حضرموت.
أيها المسلمون ، لا زالت آيات الله تترى في ارضه
وعباده ، ففي أماكن تنتشر الأوبئة التي تحصد البشر،
وفي أمكنة أخرى فيضانات تجرف كل ما تصل إليه، بينما تعيش مناطق أخرى في قحط شديد، وزلازل تهتز الأرض لها فتبيد البلاد والعباد،

وها نحن اليوم وفي هذه السنوات نرى ونسمع الزلازل تزمجر تحت الأقدام، وتقضّ مضاجع النيام، ولا يعلم إلا الله ما سيخرج لنا من أيات وعظات

إنها آيات ونذر تحدث كل يوم؛ منها ما هو جديد ومنها ما هو قديم يتجدد، أمراض فتاكة، وحالات مستعصية، خسوف وكسوف متكرر، عواصف وأعاصير، زلازل وبراكين، قحط ومجاعات، سيول وفيضانات، وصدق الله -جل جلاله- إذ يقول: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج: 12]، ويقول: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102]، ويقول: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 11]،
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَكُونُ فِي آخِرِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ"، فقَالَتْ عائشة: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟!
قَالَ: "نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الْخُبْثُ
وقد ذكرَ أئمةُ الدينِ أن الزلازِلَ من الآياتِ التي يُخوِّفُ اللهُ بها عبادَه، كما يُخوِّفُهم بالكُسُوفِ وغيرِه؛ ليُدرِكوا ما هم عليه من نعمةِ سُكون الأرض ورُسُوِّها واستِقرارها للحيوان والنبات والمتاع والمسكَن، وأن ما يحصُلُ فيها من خسفٍ وزلزلةٍ واختِلالٍ إنما هو ابتلاءٌ وامتِحانٌ أو عقوبةٌ وإنذار، كما رُجِفَ بثمود وخُسِف بقارون.

قال الحافظ ابن حجر: "لما كان هَبُوبُ الرياح الشديدة يُوجِبُ التخويفَ المُفضِي إلى الخُشوع والإنابَة كانت الزلزلةُ ونحوُها من الآيات أولَى بذلك، لا سيَّما وقد نصَّ الخبرُ أن كثرةَ الزلازلِ من أشراط الساعة".
أقول ماتسمعون,,


الخطبة الثانية
أيها المسلمون
إن كثرة الزلازل وتتابعها من علامات الساعة التي أخبرعنها المصطفى صلى الله عليه وسلم .
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ.
وروى الإمام احمد بسند صحيح عن سلمة بن نفيل قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم
وهو يوحى إليه فقال أني غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا قليلا وستأتون ـــ يفنى بعضكم بعضا وبين يدي الساعة ـــ شديد وبعده سنوات الزلازل
أيها المسلمون هذه الزلازل تذكرنا بيوم الزلزلة الكبرى ( يوم القيامة لاريب فيه ) ( يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ) ( يوم يقوم الناس لرب العالمين )
( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ) .
( وإذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا )
( يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) .( إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها .... )
ــ أيها المؤمنون إذا كانت زلزلة في الدنيا في ثوان معدودة تفعل ماتفعل فكيف بزلزلة يوم يجعل الولدان شيباً؟ ــ إنها زلزلة هائلة تخفض وترفع وترج الأرض رجاً وتبس الجبال بساً فتجعلها هباء منبثاً.
ــ إنها زلزلة ضخمة تتحول الجبال معها إلى عهن منفوش. وتصير الأرض قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً. إنها زلزلة مرعبة
ــ وإذا نجونا من زلازل الدنيا فليس أحد منا بناج من زلزلة يوم القيامة فما أعددنا لها؟

{ يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْء عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَـارَى وَمَا هُم بِسُكَـارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1-2].
أيها المسلمون
ماكانت الزلازل إلا عند شيء أحدثه الخلق ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) .
( من يعمل سوءا يجز به ) ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس لنذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) .
فالذنوب والمعاصي سبب كل بلية ومصيبة فهل اتعظنا واعتبرنا .
قال ابن القيم ( ومن تأثير المعاصي في الأرض مايحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها ) .
عن صفيَّة بنت أبي عُبيد قالت: زُلزِلَت الأرضُ على عهد عُمر حتى اصطفَقَت السُّرُر، فخطبَ عُمرُ الناسَ فقال: "أحدَثتُم، لقد عجَّلتُم، لئن عادَت لأخرُجنَّ من بين أظهُركم".
وفي روايةٍ قال: "ما كانت هذه الزلزلةُ إلا عند شيءٍ أحدَثتُموه، والذي نفسِي بيدِه؛ إن عادَت لا أُساكِنُكم فيها أبدًا". رواه ابن أبي شيبة.
قال كعب ( إنما تزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي فترعد فرقا من الله جل جلاله أن يطلع عليها ) .

نعم والله ماكانت الزلزلة إلا عن شيءأحدثناه وما أكثر المحدثات والمحالفات إن ذنوبا جسيمة جلبت علينا الكوارث والمحن والمصائب والويلات التي تهددنا وتهدد العالم أجمع بالخراب .

*وقد ذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك أنه دخل
على عائشة هو ورجل آخرفقال لها الرجل يا أم المؤمنين، حدثينا عن الزلزلة،فقالت: إذا استباحوا الزنا وشربوا الخمروضربوا المعازف غار الله عز وجل في سمائه فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم،
قال: يا أم المؤمنين، أعذابا لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالا وعذابا وسخطا على الكافرين.
عباد الله إنه لما رجَفَت الأرضُ بالكُوفة زمنَ ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: "أيها الناس: إن ربَّكم يستعتِبُكم فأعتِبُوه"؛ أي: فاقبَلُوا عتبَه، "وتوبوا إليه قبل أن لا يُبالِيَ في أي وادٍ هلكتُم".

وكتبَ عُمرُ بن عبد العزيز في زلزلةٍ كانت بالشَّام أن: "اخرُجوا، ومن استطاعَ منكم أن يُخرِجَ صدقةً فليفعَل؛ فإن الله تعالى يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى: 14، 15]".
أيها الناس: كثرت في زمننا هذه الزلازل والأعاصير، وذهبت بركات الأمطار، وجفت العيون، وغارت الآبار، وغلت الأسعار، واشتعلت الحروب في كل مكان، وتفاقمت الفتن، وتوالت المحن، وعظمت المشكلات السياسية والاقتصادية، ومع كل هذه البلايا العظيمة، فإنها لم تحرك في الناس ساكنا!!

بل إن الكوارث تدق على الناس أبوابهم، والأخطار الجسيمة تحيط بهم من كل جانب وهم في سكرتهم وغفلتهم، لم يقلعوا عن لهوهم ولم يتركوا لعبهم، فما سبب غفلتهم؟!

لقد كان الناس إلى وقت قريب أكثر إحساسا، وألين قلوبا، وأشدَّ فزعا إلى الله تعالى؛ فما أصابهم قحط، أو سمعوا بزلزال أو إعصار، أو رأوا كسوفا أو خسوفا - إلا تحركت قلوبهم، فوجلوا وخافوا، ولجئوا إلى ربهم، وأقلعوا عن معاصيهم، وأقبلوا على طاعة الله تعالى.

لقد أطبقت الغفلة على كثير من القلوب، وتسربت إلى الناس المناهج الإلحادية في النظرة إلى النوازل والكوارث فأماتت إحساسهم، وأفسدت قلوبهم وأخلاقهم، فلا يتعظون ولا يعتبرون وقد جاءتهم النذر من بين أيديهم ومن خلفهم (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطَّففين:14].

فياعباد الله احذروا الذنوب احذروا الربا احذروا الزنا احذرو القتل احذروا الظلم احذروا الغفلة
احذروا ترك الصلاة احذروا الغناءاحذروا الظلم وبخس المكاييل والموازيين احذروا الفتن واهل الفتن
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281]،
فارفعوا أكفّ الضراعة إلى مولاكم، واسألوه الصفح عن خطاياكم، فهو سبحانه يحب التوابين ويحب المتطهرين.
اللهم من علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام،
اللهم استر عوراتنا، وآمن رواعتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا،وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
اللهم إنا نعوذ بك من الزلازل والمحن, وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم اصرفها عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة, برحمتك يا أرحم الراحمين.
المشاهدات 2620 | التعليقات 0