خطبة : ( عزة المسلم )

عبدالله البصري
1437/11/08 - 2016/08/11 20:45PM
عزة المسلم 9 / 11 / 1437
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، قَد يَتَسَلَّطُ اليَهُودُ أَو يَعتَدِي النَّصَارَى ، أَو تَقوَى لِلرَّافِضَةِ شَوكَةٌ أَو تَعلُو لِلمُنَافِقِينَ رَايَةٌ ، أَو يُحَارَبُ أَهلُ السُّنَّةِ في بُلدَانِهِم وَيُغزَونَ حَتَّى في دَاخِلِ بُيُوتِهِم ، عَبرَ قَنَوَاتٍ وَوَسَائِلِ تَوَاصُلٍ وَفَضَائِيَّاتٍ ، وَقَد يَبرُزُ في دَاخِلِ صُفُوفِ الأُمَّةِ مَن يُرِيدُونَ إِعَادَتهَا لِحُكمِ الجَاهِلِيَّةِ وَعَادَاتِهَا ، أَو إِحيَاءِ أَعيَادِهَا وَأَسوَاقِهَا ، ثم لا يَدَعُونَ جِدَارًا لِلحَيَاءِ إِلاَّ حَاوَلُوا هَدمَهُ ، وَلا سُورًا لِلعَفَافِ إِلاَّ قَصَدُوا نَسفَهُ ، وَلا مُتَمَسِّكًا إِلاَّ وَصَفُوهُ بِأَقذَعِ الأَوصَافِ ، أَوِ اتِّهَمُوهُ بِالتَّخرِيبِ وَالإِرهَابِ ، أَو وَصَمُوهُ بِحُبِّ التَّدمِيرِ وَالإِجرَامِ ، وَمَعَ كُلِّ هَذَا التَّقَصُّدِ الوَاضِحِ لِلمُسلِمِينَ ، وَالحَربِ السَّافِرَةِ عَلَى المُؤمِنِينَ ، وَمُحَاوَلاتِ زَعزَعَةِ العَقِيدَةِ وَخَلعِ رِدَاءِ الدِّينِ ، وَانقِيَادِ عَدَدٍ مِنَ المُجتَمَعَاتٍ وَاستِسلامِهَا ، وَاشتِدَادِ الغُربَةِ وَاستِحكَامِهَا ، إِلاَّ أَنَّهُ يَبقَى وَاجِبًا عَلَى المُسلِمِ أَن يَكُونَ مُعتَزًّا بِدِينِهِ شَامِخًا بِإِسلامِهِ ، فَرِحًا بِاستَقَامَتِهِ حَرِيصًا عَلَى ثَبَاتِ قَلبِهِ ، مُستَمسِكًا بِالوَحيِ وَالآيَاتِ البَيِّنَةِ ، مَاضِيًا عَلَى السُّنَنِ المَأثُورَةِ الوَاضِحَةِ .
وَعِزَّةُ المُسلِمِ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - لَيسَت لِبَاسًا فَاخِرًا يَتَدَثَّرُ بِهِ ، وَلا قَصرًا شَامِخًا يَسكُنُهُ ، وَلا مَرتَبَةً عَالِيَةً يُبَاهِي بها ، وَلا مَنصِبًا رَفِيعًا يَدعُوهُ لِلتَّكَبُّرِ وَالتَّعَالي ، وَلا هِيَ في حَسَبٍ شَرِيفٍ وَلا نَسَبٍ رَفِيعٍ ، وَلَكِنَّهَا فَوقَ ذَلِكَ كُلِّهِ ، إِنَّهَا عِزَّةٌ مُرتَبِطَةٌ بِمَن لَهُ العِزَّةُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَمِنهُ وَحدَهُ تُستَمَدُّ وَتُطلَبُ وَتُستَجلَبُ ، إِذ هُوَ القَوِيُّ الغَنيُّ المَتِينُ العَظِيمُ ، الَّذِي لا يَحتَاجُ إِلى أَحَدٍ ، وَكُلُّ الخَلقِ إِلَيهِ مُحتَاجُونَ ، لا يَبلُغُ العِبَادُ ضُرَّهُ فَيَضُرُّوهُ ، وَلا نَفعَهُ فَيَنفَعُوهُ ، بَل هُوَ - سُبحَانه - الضَّارُّ النَّافِعُ المُعطِي المَانِعُ ، القَاهِرُ الغَالِبُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ ، الَّذِي خَضَعَتِ الكَائِنَاتُ لِعَظَمَتِهِ ، وَانقَادَ الكَونُ لإِرَادَتِهِ ، وَذَلَّت نَوَاصِي العِبَادِ لَهُ ، فَلا يَتَحَرَّكُ مُتَحَرِّكٌ إِلاَّ بِحَولِهِ وَقُوَّتِهِ ، وَلا يَتَصَرَّفُ متُصَرِّفٌ إِلاَّ بِإِذنِهِ وَعِزَّتِهِ ، مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يَكُنْ ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِهِ وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ .
وَقَد أَشَارَ – سُبحَانَهُ - في كِتَابِهِ المَجِيدِ إِلى أَنَّ العِزَّةَ خُلُقٌ مِن أَخلاقِ المُؤمِنِينَ العَارِفِينَ بِهِ ، وَوَصَفَ – تَعَالى – بها عِبَادَهُ الَّذِينَ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ ؛ فَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعلَمُونَ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "
وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ – عَن صَفوَةِ خَلقِهِ وَخِيَارِ عِبَادِهِ : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم "
وَيَتَكَرَّرُ في القُرآنِ وَصفَهُ – تَعَالى – نَفسَهُ بِـ(العَزِيزِ) عَشَرَاتِ المَرَّاتِ ، وَأَنَّهُ يُعِزُّ مَن يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَن يَشَاءُ ، وَأَنَّهُ القَوِيُّ القَاهِرُ المَتِينُ الجَبَّارُ ، وَتُرَدَّدُ "اللهُ أَكبَرُ" كُلَّ يَومٍ في الأَذَانِ وَالصَّلَوَاتِ مَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ ، لِتَمتَلِئَ أَسمَاعُ المُؤمِنِينَ بِحَدِيثِ العِزَّةِ وَالقُوَّةِ ، وَيَستَشعِرُوا ذَلِكَ في أَنفُسِهِم ، وَيَعتَزُّوا بِمَن لَهُ الكِبرِيَاءُ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ ، وَيَلتَمِسُوا العِزَّةَ وَالقُوَّةَ عِندَهُ وَيَستُوهِبُوهَا مِنهُ ، وَهُوَ القَائِلُ – سُبحَانَهُ – : " مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا "
وَالقَائِلُ – عَزَّ وَجَلَّ - : " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " وَالمُخبِرُ بِمَعِيَّتِهِ لِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ فَي قُولِهِ – سُبحَانَهُ - : " وَلا تَهِنُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ " وَقُولِهِ : " فَلا تَهِنُوا وَتَدعُوا إِلى السَّلمِ وَأَنتُمُ الأَعلَونَ وَاللهُ مَعَكُم "
وَهَكَذَا يُدعَى المُسلِمُونَ لاكتِسَابِ العِزَّةِ وَالقُوَّةِ ، وَرَفعِ الذُّلِّ عَنهُم وَالمَهَانَةِ ، لَيسَت دَعوَةً إِلى بَغيٍ وَطُغيَانٍ أَو تَكَبُّرٍ وَتَجَبُّرٍ ، وَلَكِنَّهَا دَعوَةٌ لأَن نَكُونَ مُعتَزِّينَ بِإِيمَانِنَا ، مُتَمَسِّكِينَ بِعَقِيدَتِنَا ، عَاضِّينَ بِالنَّوَاجِذِ عَلَى أُصُولِنَا ، ثَابِتِينَ عَلَى مَبَادِئِنَا ، فَعِزَّةُ المُسلِمِ مَصدَرُهَا إِيمَانُهُ وَإِحسَانُهُ ، وَرِفعَةُ شَأنِهِ إِنَّمَا تَكُونُ بِتَقوَاهُ لِرَبِّهِ وَبِقَدرِ مَا عَمِلَ بِهِ مِمَّا عَلِمَهُ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَلا تَهِنُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ "
وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ "
وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَلا تَنكِحُوا المُشرِكَاتِ حَتَّى يُؤمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤمِنَةٌ خَيرٌ مِن مُشرِكَةٍ وَلَو أَعجَبَتكُم وَلا تُنكِحُوا المُشرِكِينَ حَتَّى يُؤمِنُوا وَلَعَبدٌ مُؤمِنٌ خَيرٌ مِن مُشرِكٍ وَلَو أَعجَبَكُم أُولَئِكَ يَدعُونَ إِلى النَّارِ وَاللهُ يَدعُو إِلى الجَنَّةِ وَالمَغفِرَةِ بِإِذنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " لِلَّذِينَ أَحسَنُوا الحُسنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرهَقُ وُجُوهَهُم قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " يَرفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم "
وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - : " قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ "
وَإِذَا أَيقَنَ المُسلِمُ بِهَذَا وَجَمَعَ عَلَيهِ قَلبَهُ ، أَنِفَ أَن يَخضَعَ لِغَيرِ اللهِ ، وَاستَنكَفَ أَن يَذِلَّ لأَحَدٍ سِوَاهُ ، وَلم يَتَضَعضَعْ لِقَهرٍ أَو يَهُنْ لِفَقرٍ ، أَو يَضعُفْ أَمَامَ إِغرَاءٍ أَو تُسقِطْهُ شَهوَةٌ ؛ لأَنَّهُ يِأوِي إِلى رُكنٍ شَدِيدٍ ، وَيَسِيرُ عَلَى مَنهَجٍ وَاضِحٍ سَدِيدٍ ، وَحَتَّى وَإِن كَانَتِ الكِفَّةُ في زَمَنِهِ رَاجِحَةً لِلكَثرَةِ الكَافِرَةِ ، أَو كَانَتِ الأُمُورُ في جِهَتِهِ في يَدِ شِرذِمَةٍ مُنَافِقَةٍ ، فَإِنَّهُ لا يَعبَأُ بِهِم وَلا يَهتَمُّ ، وَإِنَّمَا يَتَبَرَّأُ مِنهُم وَمِمَّا يَعبُدُونَ ، قَائِلاً وَبِكُلِّ عِزَّةٍ كَمَا قَالَ سَيِّدُ الحُنَفَاءِ : " أُفٍّ لَكُم وَلِمَا تَعبُدُونَ " لِيَجعَلَ اللهُ بَعدَ ذَلِكَ الخَسَارَ وَالذِّلَّةَ عَلَى مَن عَادَاهُ ، كَمَا جَعَلَهَا عَلَى مَن عَادَى إِبرَاهِيمَ حَيثُ قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَأَرَادُوا بِهِ كَيدًا فَجَعَلنَاهُمُ الأَخسَرِينَ "
إِنَّ أَيَّ عِزَّةٍ تَقُومُ عَلَى غَيرِ الإِيمَانِ بِاللهِ ، فَهِيَ عِزَّةٌ كَاذِبَةٌ بَاطِلَةٌ ، وَإِنَّ أَيَّ ارتِفَاعٍ وَعُلُوٍّ بِغَيرِ اللهِ ، وَإِن هُوَ استَمَرَّ بَعضَ الوَقتِ في بَغيٍ وَظُلمٍ وَطُغيَانٍ وَإِفسَادٍ ، فَهُوَ زَائِلٌ عَمَّا قَلِيلٍ وَذَاهِبٌ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ عِزَّةَ هَذَا الغَربِ الكَافِرِ ، الَّتي يَتَغَطرَسُونَ بها على أُمَّةِ الإِسلامِ ، وَيَتَقَوَّى بها بَعضُ أَتبَاعِهِم وَالمُعجَبِينَ بِهِم ، فَيُضيَّقُ عَلَى شُعُوبٍ وَتُدَمَّرُ بِلادٌ وَيُضعَفُ اقتِصَادٌ ، وَتُغَيَّرُ عَقَائِدُ وَتُفسَدُ عُقُولٌ وَتُنتَهَكُ أَعرَاضٌ ، إِنَّهَا لَعِزَّةٌ كَاذِبَةٌ وَسَيطَرَةٌ مَحدُودَةٌ ، يَقُولُ - عَزَّ وَجَلَّ - : " لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المِهَادُ "
نَعَم ، مَهمَا عَلا الكُفرُ وَتَكَبَّرَ ، أَوِ ارتَفَعَ الشِّركُ وَتَجَبَّرَ ، أَو رُفِعَت لِلجَاهِلِيَّةِ مَنَارَاتٌ وَوُضِعَت لها عَلامَاتٌ ، فَإِنَّ مَصِيرَ كُلِّ ذَلِكَ الهَلاكُ وَالبَوَارُ ، وَمَآلُهُ العِقَابُ وَالخَسَارُ ، لأَنَّهُ قَامَ عَلَى إِفسَادٍ ، وَاللهُ لا يُصلِحُ عَمَلَ المُفسِدِينَ ، وَقَد أَخبَرَ – سُبحَانَهُ - عَن سُوءِ عَاقِبَةِ المُستَعِزِّينَ بما لا عِزَّ لَهُم فِيهِ ، فَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ فَحَسبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئسَ المِهَادُ "
وَقَالَ عَن ذَاكَ الَّذِي أَغنَاهُ فَمَا شَكَرَ : " وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا . وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا " فَعَاقَبَهُ " وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيتَنِي لَم أُشرِك بِرَبِّي أَحَدًا . وَلَم تَكُن لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا "
وَالآخَرُ الَّذِي نَسَبَ النِّعمَةَ لِنَفسِهِ وَاعتَزَّ بما عِندَهُ مِن أَموَالٍ وَقَالَ : " إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلمٍ عِندِي " كَانَت نِهَايَتُهُ " فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ "
بَل إِنَّ مِنَ النَّكَالِ بِأَهلِ الطُّغيَانِ أَن يَنقَلِبَ عَلَيهِم مَن أَرَادُوا العِزَّةَ بِهِم ، قَالَ - تَعَالى - : " وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُم عِزًّا . كَلَّا سَيَكفُرُونَ بِعِبَادَتِهِم وَيَكُونُونَ عَلَيهِم ضِدًّا "
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَعتَزَّ بِدِينِنَا وَلْنَتَمَسَّكْ بِمَصدَرَي عِزَّتِنَا ، وَلْنَحذَرِ الكُفرَ وَالكَافِرِينَ وَالنِّفَاقَ وَالمُنَافِقِينَ وَالفَسَادَ وَالمُفسِدِينَ ؛ فَإِنَّ هَذَا القُرآنَ الَّذِي بِأَيدِينَا ، وَتِلكَ السُّنَّةَ المُدَوَّنَةُ المَحفُوظَةُ ، هُمَا عِزُّنَا وَرِفعَتُنَا " وَإِنَّهُ لَذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ "
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُم عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا . وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم في الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعتُم آيَاتِ اللهِ يُكفَرُ بِهَا وَيُستَهزَأُ بِهَا فَلا تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ في جَهَنَّمَ جَمِيعًا . الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُم فَإِنْ كَانَ لَكُم فَتحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَم نَكُنْ مَعَكُم وَإِنْ كَانَ لِلكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَم نَستَحوِذْ عَلَيكُم وَنَمنَعْكُم مِنَ المُؤمِنِينَ فَاللهُ يَحكُمُ بَينَكُم يَومَ القِيَامَةِ وَلَن يَجعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤمِنِينَ سَبِيلًا "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ العِزَّةَ الحَقِيقِيَّةَ ، إِنَّمَا تَكُونُ في الانقِيَادِ لأَمرِ اللهِ وَأَمرِ رَسُولِهِ ، فَلَيسَ بِعَزِيزٍ وَلَوِ ادَّعَى العِزَّةَ مَن أَذَلَّ نَفسَهُ وَدَسَّاهَا في حَضِيضِ الشَّهَوَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ ، وَأَوقَعَهَا في سَفَاسِفِ الأُمُورِ وَذَمِيمِ الأَفعَالِ وَالأَقوَالِ ، وَجَعَلَ نَفسَهُ تَابِعًا لأُمَمِ الشَّرقِ أَوِ الغَربِ ، وَشَارَكَهُم في عَادَاتِهِم أَو أَعيَادِهِم ، أَو أَلعَابِهِم أَو مُسَابَقَاتِهِم ، أَو حَفَلاتِهِم أَو مَهرَجَانَاتِهِم ، وَجَعَلَ يَتَنَازَلُ عَن مَبَادِئِهِ وَأُصُولِ دِينِهِ ، وَرَضِيَ بِالنُّزُولِ إِلى مَا يُرِيدُهُ أَعدَاءُ اللهِ ، بِدَعوَى التَّوَسُّطِ أَوِ التَّحَرُّرِ أَوِ التَّسَامُحِ ، أَو غَيرِهَا مِن مُصطَلَحَاتِ التَّميِيعِ وَالخُنُوعِ وَالخُضُوعِ ، الَّتي جَعَلَ الرَّاضُونَ بِالذُّلِّ وَالهَوَانِ يُرَدِّدُونَهَا وَيَنشُرُونَهَا في مُجتَمَعَاتِ المُسلِمِينَ الأَصِيلَةِ ، وَأَغلَقُوا أَبوَابًا مِنَ الخَيرِ الَّذِي جَاءَهُم مِن رَبِّهِم ، وَفَتَحُوا أَبوَابًا مِنَ الشَّرِّ الَّتِي صَنَعَهَا لَهُم أَعدَاؤُهُم ، يَحسَبُونَ ذَلِكَ عِزًّا لَهُم وَقُوَّةً وَمَنعَةً ، وَمَا دَرَوا أَنَّهُم بِذَلِكَ يِسعَونَ في الهَوَانِ وَالذِّلَّةِ " وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعلَمُونَ "
المرفقات

عزة المسلم.doc

عزة المسلم.doc

عزة المسلم.pdf

عزة المسلم.pdf

المشاهدات 1806 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا