(خطبة) عدم احتقار العمل الصالح ( إماطة الأذى مثالا)
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( لا تحتقر العمل اليسير ولو قل ) 28/1/1444
أما بعد فيا أيها الناس : لم يدع الإسلام شيئا إلا ودل الأمة عليه ، من كبار الأمور وصغارها ، ورتب على العمل الصالح الأجور الكثيرة ، وأبرز بعض الأجور ليحث الناس على فعل الخير ، وليتربوا على عدم احتقار العمل ولو قل في أعينهم ، فرتب أحيانا دخول الجنة على العمل اليسير.
عباد الله : إن ربكم كريم ، يعطي العطاء الجزيل ، بل يعطي بلا حساب ، وكل ما أعطى لا ينقص ذلك من ملكه شيئا ، فلا تحتقروا العمل ، وبادروا إلى فعله ، وأخلصوا النية ، وأبشروا وأملوا ، فلا تدرون أي أعمالكم يكتب لكم به النجاة .
ولقد نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن احتقار العمل ، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقِرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْقٍ)) ، فبمجرد إبتسامتك في وجه أخيك يأجرك الله ، وهو عمل لا يكلفك شيئا ، ويحببك إلى الناس .
ومن هذا الحديث يتبين لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى عن التقليل من شأن المعروف، أيًّا كان مقداره؛ فإن الله تعالى يحب المعروف كله قليله وكثيره ، صغيره وكبيره ؛ فلذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على فعل المعروف بجميع أنواعه ولا يحتقر منه شيئًا، كما أخرج الشيخان في صحيحهما من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة))؛ فالصدقة بشق تمرة تنقذك من النار بإذن الله .
وبهذا يتبين لنا أنالعمل اليسير من المعروف قد يكون كبيرًا عند الله عز وجل، وذلك بحسب ما قام بالعمل أو العامل من الأحوال، فلربما عظُم العمل بسبب النية الصالحة؛ كما قال عبدالله بن المبارك - رحمه الله تعالى -: رُبَّ عمل صغير تعظِّمه النية، ورُبَّ عمل كبير تصغِّره النية ، أو لأن ذلك غاية ما يستطيعه العامل، أو لأنه آثر به مع حاجته، ونحو ذلك؛ فإن العمل في مثل هذه الأحوال يتضاعف ويعظم أجره عند الله عز وجل؛ قال الله تعالى: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ*فَكُّ رَقَبَةٍ*أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ*يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ*أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: 11 - 16]
معاشر المسلمين : كثيرة هي الأحاديث التي تحث على العمل الصالح ، خصوصا إذا كان يتعدى إلى الآخرين ، مثل إماطة الأذى عن الطريق ، فقد أخرج الشيخان في صحيحهما من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (” مر رجل لم يعمل خيرا قط بغصن شجرة على طريق الناس كانت تؤذيهم فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين, لا يؤذيهم لعل الله – عز وجل – يغفر لي به فعزلها عن طريق الناس ” قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: فشكر الله له , فغفر له ” وفي رواية: ” لقد رأيته يتقلب في ظلها في الجنة ”
هذا الرجل ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﻏﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﻏﺼﻦ ﺃﺯﺍﻟﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﺼﻦ ﻣﻦ ﻓﻮﻕ، ﻳﺆﺫﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺭﺅﻭﺳﻬﻢ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﺃﺳﻔﻞ ﻳﺆﺫﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺭﺟﻠﻬﻢ، ﺍﻟﻤﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﻏﺼﻦ ﺷﻮﻙ ﻳﺆﺫﻱ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻓﺄﺯﺍﻟﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ، ﺃﺑﻌﺪﻩ ﻭﻧﺤﺎﻩ، ﻓﺸﻜﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ، ﻭﺃﺩﺧﻠﻪ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﺼﻦ ﺇﺫﺍ ﺁﺫﻯ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺆﺫﻳﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﺑﺪﺍﻧﻬﻢ، وﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻏﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻭﺃﺩﺧﻠﻪ ﺍﻟﺠﻨﺔ.
ﻓﻔﻴﻪ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺇﺯﺍﻟﺔ الأﺫﻯ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ، ﻭﺃﻧﻪ ﺳﺒﺐ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺃﺯﺍﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ الأﺫﻯ ﻓﻠﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ حسيٍّ،ﻓﻜﻴﻒ بالأﻣﺮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ؟ كإزالة البدع والشركيات من عقول الناس .
وعلى العكس فيمن يضع الأذى في طريق الآخرين ، فبعض الناس هداهم الله لا يعرفون لنظافة المكان معنى ، فكل مكان يحلون به يقلبونه إلى ركام من النفايات ، فأفسدوا المتنزهات ، وآذوا المسلمين في طرقاتهم وأماكن تنزههم ، ومثلهم الذين يصطحبون كلابا معهم في طرق الممشى فيروعون المارة ، ويدعون كلابهم تنجس الطريق وأهله .
اللهم فقهنا في الدين وارزقنا العمل بالتنزيل ، أقول قولي هذا .....
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : كما حث الإسلام على عدم احتقار العمل الصالح ، كذلك حث على عدم احتقار العمل السيء ، فلربما عمل صغير في عينك تدخل به النار والعياذ بالله .
وهذا ما يسمى في الشرع بمحقرات الذنوب ، ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها أشد التحذير ، وبين أنها تهلك العبد وهو لا يشعر ، أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: "يَا عَائِشَةُ إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الْأَعْمَالِ؛ فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ طَالِبًا .
و المعنى أن الله تعالى قد وكل ملائكة لكتابة أعمال العباد، وهم يكتبون أعمال العبد كلها صغيرها وكبيرها، لا كما قد يتوهم بعض الناس أن محقرات الذنوب لا تكتب.
أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ .
قال العلماء:وذلك أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تكفر أهلكت صاحبها عياذًا بالله.
أخرج ابن أبي شيبة من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: "مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ نَزَلُوا بِأَرْضٍ قَفْرٍ مَعَهُمْ طَعَامٌ لَا يُصْلِحُهُمْ إِلَّا النَّارُ، فَتَفَرَّقُوا فَجَعَلَ هَذَا يَجِيءُ بِالرَّوْثَةِ، وَيَجِيءُ هَذَا بِالْعَظْمِ، وَيَجِيءُ هَذَا بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا مِنْ ذَلِكَ مَا أَصْلَحُوا بِهِ طَعَامَهُمْ، فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَقَّرَاتِ، يَكْذِبُ الْكَذْبَةَ، وَيُذْنِبُ الذَّنْبَ، وَيَجْمَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ" .
أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ قَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالْمُحَقَّرَاتِ .
خَلِّ الذُّنُوبَ حَقِيرَهَا
وَكَثِيرَهَا فَهُوَ التُّقَى
كُنْ مِثْلَ مَاشٍ فَوْقَ أَرْ
ضِ الشَّوْكِ يحْذَرُ مَا يَرَى
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً
إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى
وقال أبو عبد الرحمن الحُبُلي رحمه الله: مثل الذي يجتنب الكبائر ويقع في المحقرات كرجل لقاه سبع فاتقاه حتى نجا منه، ثم لقيه فحل إبل فاتقاه فنجا منه، فلدغته نملة فأوجعته، ثم أخرى، ثم أخرى، حتى اجتمعن عليه فصَرَعْنَه، وكذلك الذي يجتنب الكبائر ويقع في المحقرات.
إن الذنوب صغيرها وكبيرها كالقذر الذي يصيب ثوبك، فهل ترضى أن يصيب ثوبك أي وسخ ولو كان صغيرا أو حقيرا؟
اللهم طهرنا من الذنوب صغيرها وكبيرها
المرفقات
1661450868_عدم احتقار العمل الصالح مثال إماطة الأذى.docx