خطبة عبد الفطر 1444هـ
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله، الذي سهل لعباده الصيام والقيام ويسر، نحمده على نعمه التي لا تحصى ولا تحصر، ونشكره على فضله وإحسانه وحق له أن يشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربنا تفرد بالخلق والتدبير وكل شيء عنده بأجل مقدر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صام وقام وصلى وزكى وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهر، وعلى أصحابه الذين سبقوا إلى الخيرات فنعم الصحب والمعشر، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور، وسلم تسليماً كثيراً.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، الله أكبر كل ما صام صائم وأفطر، الله أكبر كلما لاح صباح عيد وأسفر، الله أكبر كلما لاح برق وأنور، الله أكبر كلما أرعد سحاب وأمطر.
معاشر المؤمنين والمؤمنات .. اتقوا الله تعالى حق التقوى، واشكروا ربكم على التمام والبلوغ في القيام والصيام، واسألوا ربكم القبول، وتعوذوا بالله من الخيبة والحرمان، واعرفوا نعمته عليكم بهذا العيد السعيد فإنه اليوم الذي توج الله به شهر الصيام، وافتتح به أشهر الحج إلى بيته الحرام، وأجزل فيه للصائمين والقائمين جوائز البر والإكرام، عيد تمتلئ القلوب فيه فرحة وسروراً، وتزدان الأرض به بهجة وحبوراً.
يومكم هذا -معاشر المسلمين- يوم عظيم وعيد كريم، أحل الله لكم فطره، وحرم عليكم صيامه، يوم كله بر وإحسان، وفيه يحمد المسلمون ربهم على نعمة الإسلام، ويكبرونه جل وعلا على ما أولاهم من الفضل والإنعام، وهو يوم الجوائز، يوم يرجع فيه أقوام من المصلى وقد خرجوا من الذنوب كيوم ولدتهم أمهاتهم، نسأل الله أن يجعلنا جميعًا منهم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
العيد تعبير صادق عن انتماء الأمة لدينها، قال ﷺ (إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا) فهو دين الفطرة يفرح العبد في العيد بما أباح الله، ويستمتع بالطيبات مع اجتناب منكرات الأخلاق، وإنما تتبين أخلاق الأمم في أعيادها.
العيد فرحٌ وشكرٌ بما أتم الله على ما أتم به على عباده من النعمة وبما وفق للطاعة، فأعياد أمة الإسلام جاءت بعد طاعة وعبادة؛ فالفطر بعد الصوم والأضحى بعد الحج، فما أجمل اقتران السرور بالشكر، قال ﷺ (للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه).
عباد الله: التوحيد أصل الإسلام الأصيل وركنه المكين ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ فحققوا التوحيد، واجتنبوا مظان الشرك ومسالكه، وعظوا بالنواجذ على شهادة التوحيد وكلمة الإخلاص، واعملوا بمقتضاها، وكملوا توحيدكم بطاعة نبيكم ﷺ واتباعه ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾.
معاشر المؤمنين .. أوصيكم ونفسي بوصية الرسول ﷺ التي قالها وهو يجود بنفسه ويعالج سكرات الموت (الصلاة الصلاة؛ وما ملكت أيمانكم) فالصلاة عمود الدين، وثاني أركانه، وآخر ما يبقى منه، وناهية عن الفحشاء والمنكر، ولا حظ في الإسلام لمن تركها، وحذار حذار من تركها والتهاون بها فهي الفيصل بين الرجل والكفر، ومن ذا الذي تهون عليه نفسه ويرضي أن تلقى في سقر ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
عباد الله .. تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ وعليكم بالجماعة والسمع والطاعة في المعروف، فإن يد الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، واحمدوا الله على نعمة الجماعة والأمن في الأوطان؛ فغيركم تتنازعهم الأحزاب والجماعات المتعارضة، وتنهب خيراتهم الأمم المتناحرة، وأنتم مجتمعون تحت راية واحدة، فاحمدوا الله على هذه النعم العظيمة.
كونوا عباد الله إخوانًا، وعلى الحق أعوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقِره، فابتهِجوا بعيدكم، وتسامحوا ولا تكدروا جماله بالتهاجر والنكران، وأزيلوا الضغائن عن قلوبكم، وأحسنوا للوالدين، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام وصلوا بالليل، والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام.
تناصحوا وتواصوا بالحق والصبر، وائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر فيما بينكم، واجتنبوا قول الزور وشهادة الزور، واتقوا الله ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ وإياكم والمكاسب المحرمة؛ فلا تجمَعوا حرامًا، ولا تنفقوا إسرافًا، وإن لم تُرزقوا غِنى فلا تُحرموا من تُقى.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أقول ما تسمعون ....
الحمد لله رب العالمين ..
معاشر المؤمنين ... اجتهدوا في تربية أولادكم على طاعة الله وما يرضيه، واتقوا الله في بناتكم وزوجاتكم، حضوهن على الستر والحجاب، وبينوا لهن مغبة التبرج والسفور، وقوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة.
اجتهدوا في الأعمال الصالحة، وداوموا عليها، ولا تقطعوا ما عودتم أنفسكم عليه من الصيام والقيام، وما أجمل الإحسانَ يتبعُه الإحسان، وما أقبَح العصيانَ بعد الإحسان، قال نبيكم ﷺ (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله) فأروا الله من أنفسكم خيرًا، ولا تودعوا بوداعكم رمضان العبادة، ولا ترجعوا بعد الذكر إلى الغفلة، ولا يفسدن الشيطان من حالكم ما صلح.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
يا نساء المسلمين: اتقين الله في أنفسكن، وأقمن الصلاة، وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله، وتصدقن، وأكثرن الاستغفار، واتّقين النار، وقُمْنَ بحق الأزواج، وتربية الأولاد، واحذرن التبرج والسفور وما يُغرِي مرضى القلوب، فقد صانكن الله بالحجاب، وغيركُنَّ عرضة للذئاب، فما ضُرِبَ الحجاب ولا فُرض الجلباب إلاّ حمايةً للأعراض وطهارة للقلوب.
عباد الله: اجتمع اليوم عيدان جمعةٌ وعيد ولله الحمد والمنة، قال رسول الله ﷺ (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مُجَمِّعون) فمن صلى العيد، أجزأته عن الجمعة ذلك اليوم، ويصليها ظهرًا في بيته، والإمام يقيم الجمعة بمن حضر لصلاتها ممن صلى العيد وممن لم يصل العيد.
اللهم أعد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة، واجعلنا ممن طال عمرُه وحَسُن عمله، واجعل عيدنا سعيداً، وعملنا صالحًا رشيدًا.
اللهمَّ آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأمن حدونا وأنصر جنودنا المرابطين.
اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى.
اللهم صل على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه بإحسان وسلم تسليما مزيدًا.