خطبة: عاشوراء بين الاتباع والابتداع
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: عاشوراء بين الاتباع والابتداع
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ عبادَ الله
وهكذا تنطوي الشّهورُ والأعوام، لنَجِدَ أنفسَنا في شهرِ اللهِ الحرام، وهو أحدُ الأشهرِ الحُرُم، التي نهى اللهُ عن الظّلمِ فيها فقالَ تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} ومن خصائصِه إضافتُه إلى اللهِ تعالى إضافةَ تشريف، واستحبابُ كثرةِ الصّومِ فيه لقولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أفضلُ الصّيامِ بعدَ رمضانَ شهرُ اللهِ المحرّم. وأفضلُه صيامُ يومِه العاشر، فلمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ لهمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما هذا اليَوْمُ الذي تَصُومُونَهُ؟ فَقالوا: هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فيه مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بمُوسَى مِنكُم، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بصِيَامِهِ. وقد كانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ شديدَ الحرصِ على صيامِه، يقولُ ابنُ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: ما رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَحرَّى صومَ يومٍ فضَّلَه على غيرِه إلا هذا اليومَ يومَ عاشوراء. ولصيامِ عاشوراءَ أجرٌ كبيرٌ وثوابٌ جزيلٌ، فلمّا سُئلَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ عن صيامِ عاشوراءَ قالَ: يُكفّرُ السّنَةَ الماضية. وذلك من فضلِ اللهِ وكرمِه ورحمتِه بعبادِه، فبصيامِ يومٍ واحدٍ وهو يومُ عاشوراءَ، يُكفّرُ اللهُ عن المسلمِ صغائرَ ذنوبِه لسَنَةٍ كاملة، وإذا صاحَبَ ذلك توبةٌ صادقةٌ كَفَّرَ اللهُ عنه جميعَ ذنوبِه صغيرِها وكبيرِها. وذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
ولصيامِ عاشوراءَ مراتب: أدناها أنْ يصومَ المسلمُ اليومَ العاشرَ وحدَه، وهو الذي يوافقُ هذا العامَ يومَ الاثنينِ القادم، وذلك إنْ كانَ الصّيامُ يَشُقُّ عليه، حتّى لا يفوتَه فضلُ صيامِه والأجرُ المترتّبُ عليه، والأفضلُ أنْ يصومَ العاشرَ واليومَ الذي قبلَه مخالفةً لليهودِ لقولِه عليه الصّلاةُ والسّلام: لئن بَقيتُ إلى قابلٍ لأصومَنَّ التّاسع. ومَنْ فاتَه صيامُ التّاسعِ صامَ العاشرَ والحاديَ عشر، ومَنْ صامَ الأيّامَ الثّلاثةَ فهو أكملُ وأطيب. فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ، واغتنموا فرصةً ساقَها اللهُ إليكم، ونعمةً تَفضَّلَ بها عليكم، عملٌ يسيرٌ وأجرٌ كبيرٌ، واللهُ ذو الفضلِ العظيم، فصوموا وتوبوا وأبشروا (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النّبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله
إنّ عاشوراءَ يومٌ من أيّامِ اللهِ، نَصَرَ فيه عبادَه المؤمنين، وأذلَّ أعداءَه الظّالمين، فيصومُه المسلمونَ شكرًا لربِّ العالمين، واتّباعًا لسيّدِ المرسلين، واعلموا وفّقكم اللهُ لهداه، أنّه لا يُشرعُ لكم في عاشوراءَ غيرَ الصّيام. فلا يجوزُ أنْ يُتّخذَ ذلك اليومُ مأتمًا كما تَفعلُ الرّافضةُ قبّحَهم اللهُ، فيُظهرُ فيه الحُزْنُ والّلطمُ والبكاءُ والدّماء، مع ما يُصاحبُه مِن شتمِ الصّحابةِ والبدعِ والشّركِ والضّلال. ولا أنْ يُتّخذَ عيدًا بإظهارِ الزّينةِ وصُنعِ الطّعامِ والاغتسالِ والاكتحال. فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ، وتمسّكوا بكتابِ ربِّكم وبسُنّةِ نبيِّكم، ففيهما السّعادةُ النّجاةُ في الدّنيا والآخرة.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 7/ 1/ 1444هـ