خطبة ظاهرة التكاسل عن الصلاة
عايد القزلان التميمي
1436/05/22 - 2015/03/13 04:06AM
خطبة : ظاهرة التكاسل عن الصلاة
الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة قلوب الأخيار، وهي طريق السعادة في دار القرار، أحمده سبحانه وأشكره، جعل الجنة مأوى الذين اتقوا ومثوى الكافرين النار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله حق في البر والجو والبحار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، بادر إلى الصلاة بسكينة ووقار، ووقف بين يدي الله بمحبة وخضوع وانكسار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار، وما تساقط ورق الأشجار .
أما بعدُ فيا أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى واعلموا أن الله فَرَضَ عليكُم فرائض فلا تُضَيُّعُوها، وحدَّ حُدودًا فلا تعتدوها، فرض عليكم الفرائض لِتَصِلوا بها إلى أسمى الغايات وأعلى الدرجات في روضات الجنات ولِتَنْجوا بها من عذاب النار والهلكات، فرض عليكم الصلوات الخمس وأمركم بإقامتها والمحافظة عليها، فأدُّوها كما أُمِرتم، أَدُّوها بشروطها، وأركانها، وواجباتها، وأكملوها بمستحباتها، ولا تتهاونوا بها فتضيعوها فتكونوا من الخاسرين .
أيها الناس، إنَّ كثيرًا من المسلمين يَتَهَاوَنُونَ في صلاتهم، فلا يُؤدّونها في الوقت المحدد لها، وأوقات الصلاة محددة أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقتُ الظُّهر: من زوال الشمس وهو تجاوزها لوسط السماء، وعلامة الزوال: ابتداء زيادة الظل بعد انتهاء قصره، يمتد وقتها من الزوال إلى دخول وقت العصر وذلك بأن يكون ظل الشيء مساويًا له من ابتداء ظل الزوال، أما وقت العصر فإنه يدخل بانتهاء وقت الظهر وينتهي باصفرار الشمس في حال الاختيار وبغروب الشمس في حال الضرورة، ثم بعد ذلك يدخل وقتُ المغرب: من غروبِ الشمس إلى مَغِيب الشَّفَقِ الأحمر حوالي ساعة وربع إلى ساعة ونصف من بعد الغروب، ثم يدخل وقت العشاء: من مَغِيب الشَّفَقِ الأحمر إلى نصف الليل، أربعُ صلواتٍ أوقاتها مُتَوالية لا فصلَ بينها، كلّما خرج وقت صلاة دخل وقت الأخرى .
أما وقتُ الفجر: فمن طلوع الفجر الصادق - وهو: البياض المعترض في الأفق - إلى طلوع الشمس، ووقت الفجر منفصل عن بقية أوقات الصلوات؛ لأن بينها وبين انتهاء وقت العشاء من نصف الليل إلى طلوع الفجر وبينها وبين الظهر من طلوع الشمس إلى زوالها، قال الله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ ، وغسق الليل غاية ظلمته وهو نصفه وهذه الآية تَسْتَوعِب أوقات الصلوات الأربع: الظهر، والعصر، والمغرب والعشاء، ثم فصلَ فقال: ﴿وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ﴾ ، يعني: صلاة الفجر، وسمَّاها الله قرآنًا لطول القراءة فيها، ﴿إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ وهذا هو الذي دلَّ عليه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - وهو أن وقت صلاة العشاء ينتهي بنصف الليل ولا يمتد إلى طلوع الفجر .
أيها المسلمون، هذه هي الأوقات التي حدَّدها رب العالمين لعباده ليؤدّوا فيها الصلاة، فلا يحلَّ للمسلم أن يُقَدِّم من صلاته جزءًا قبل الوقت ولا أن يُؤخّر منها جزءًا بعده، فكيف بِمَن يُؤَخّرون جميع الصلوات عن وقتها كسلاً وتهاونًا وإيثارًا للدنيا على الآخرة ؟ ! يتنعّمون بنومهم على فرشهم وبين نسائهم، ويتمتّعون بلهوهم ومكاسبهم كأنما خُلقوا للدنيا، كأن هؤلاء الذين ينامون عن صلاة الفجر ويتكاسلون عن غيرها كأنهم لا يقرؤون القرآن، كأنهم لا يقرؤون قول الله عزَّ وجل: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ ، كأنهم لا يقرؤون قول الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً﴾
، كأن هؤلاء لم تبلغهم أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وعيد مَن أضاع الصلاة أو كأنهم لم يبالوا بذلك، لقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذي تفوته صلاة العصر، قال: «كأنما وُتِرَ أهلُهُ وماله» أي: كأنما أُصيب بفقد أهله وماله .
وللأسف الشديد - ترى كثيرًا من الناس تفوتهم صلاة العصر وصلوات أخرى كثيرة لا يحزنون لذلك ولا يبالون بِما حدث، وإخوانهم المسلمون يشاهدونهم على ذلك فلا يرحمونهم ولا يخوّفونهم من عذاب الله وعقابه .
إن عقاب الله تعالى لا يختص بالذين ظلموا؛ لأن الله يقول: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾
عباد الله : ويجب على الرجل أن يحافظ على الصلاة مع الجماعة في بيوت الله عز وجل ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْرٍ ))) قيل لابن عباس رضي الله عنهما: (ما هو العذر؟ قال: خوفٌ أو مرض)، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّه ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ ، فَرَخَّصَ لَهُ ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَأَجِبْ )) وهذا الحديث العظيم يدل على عِظَمِ شأن الصلاة في الجماعة في حَقِّ الرجال، ووجوب المحافظة عليها، وعدم التساهل في ذلك، وكثير من الناس يتساهل في صلاة الفجر، وهذا خطر ومنكر عظيم، وتشبه بالمنافقين. فالواجب الحذر من ذلك، والمبادرة إلى الصلاة في وقتها، وأداؤها مع الجماعة في حق الرجل كباقي الصلوات الخمس، وقد قال الله تعالى:{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً }، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ : صَلَاةُ الْعِشَاءِ ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ . وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا)) متفق على صحته، وروى الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة يوماً بين أصحابه فقال: ((مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا ، كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وَلا نَجَاةٌ ، وَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ))، وهذا وعيد عظيم لمن لم يحافظ على الصلاة.
فيجب على كل مسلم الحذر من مشابهة الكفار والمنافقين في أعمالهم وأقوالهم، وفي تثاقلهم وتخلفهم عن الصلاة حتى لا يحشر معهم، لأنه ((من تشبه بقوم فهو منهم))
فاتّقوا الله - عباد الله - واحذروا أن تتعرّضوا لعقوبة الله .
اللهم اجعلنا مِمَّن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، مِمَّن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، مِمَّن آثر الحياة الآخرة على الحياة الدنيا .واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية/ الحمد لله، أمر عباده بالصلاة فقال: { وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين }. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، مدح المؤمنين الذين هم على صلاتهم دائمون، والذين هم على صلاتهم يحافظون ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله إمام الركع السجود . أما بعد فيا عباد الله :
إنَّ على كلِّ فرْد منَّا أن يحاسب نفسه، ويُناصِح غيره للمحافظة على هذا الركن العظيم مِن أرْكان الإِسلام، على الوالدِ أن يلاحِظَ أولادَه، ويَحُثُّهم على أداء الصلاة في أوقاتها، على الوالدِ أن يراقب أبناءه ويأمرَهم بأداء الصلاة مع الجماعة، عليه أن يُوقِظَهم لصلاة الفجْر ويأخذهم معه إلى المسجد، ويتفقَّدَهم في سائرِ الأوقات، ويُعوِّدُهم الاهتمام بالصلاة، وإذا وجد فيهم تكاسلًا وتهاونًا أدَّبَهم على ذلك.
عباد الله : إنَّ ما نعيشه اليوم مِن أمْن واطمئنان ورغد عيش وكثرة أموال أشغلتْ عنِ الواجباتِ، ليس بدليل على الرِّضا عن أعمالنا، فقدْ يكون هذا ابتلاءً وامتحانًا فيُؤخذ الناس على غِرَّة.
أيها المؤمنون : ألم تعلموا أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله.
فكونوا يا عباد الله ممن قال الله عنهم ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
عباد الله صلوا وسلِّمُوا على رسول الله .....
الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة قلوب الأخيار، وهي طريق السعادة في دار القرار، أحمده سبحانه وأشكره، جعل الجنة مأوى الذين اتقوا ومثوى الكافرين النار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله حق في البر والجو والبحار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، بادر إلى الصلاة بسكينة ووقار، ووقف بين يدي الله بمحبة وخضوع وانكسار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار، وما تساقط ورق الأشجار .
أما بعدُ فيا أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى واعلموا أن الله فَرَضَ عليكُم فرائض فلا تُضَيُّعُوها، وحدَّ حُدودًا فلا تعتدوها، فرض عليكم الفرائض لِتَصِلوا بها إلى أسمى الغايات وأعلى الدرجات في روضات الجنات ولِتَنْجوا بها من عذاب النار والهلكات، فرض عليكم الصلوات الخمس وأمركم بإقامتها والمحافظة عليها، فأدُّوها كما أُمِرتم، أَدُّوها بشروطها، وأركانها، وواجباتها، وأكملوها بمستحباتها، ولا تتهاونوا بها فتضيعوها فتكونوا من الخاسرين .
أيها الناس، إنَّ كثيرًا من المسلمين يَتَهَاوَنُونَ في صلاتهم، فلا يُؤدّونها في الوقت المحدد لها، وأوقات الصلاة محددة أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقتُ الظُّهر: من زوال الشمس وهو تجاوزها لوسط السماء، وعلامة الزوال: ابتداء زيادة الظل بعد انتهاء قصره، يمتد وقتها من الزوال إلى دخول وقت العصر وذلك بأن يكون ظل الشيء مساويًا له من ابتداء ظل الزوال، أما وقت العصر فإنه يدخل بانتهاء وقت الظهر وينتهي باصفرار الشمس في حال الاختيار وبغروب الشمس في حال الضرورة، ثم بعد ذلك يدخل وقتُ المغرب: من غروبِ الشمس إلى مَغِيب الشَّفَقِ الأحمر حوالي ساعة وربع إلى ساعة ونصف من بعد الغروب، ثم يدخل وقت العشاء: من مَغِيب الشَّفَقِ الأحمر إلى نصف الليل، أربعُ صلواتٍ أوقاتها مُتَوالية لا فصلَ بينها، كلّما خرج وقت صلاة دخل وقت الأخرى .
أما وقتُ الفجر: فمن طلوع الفجر الصادق - وهو: البياض المعترض في الأفق - إلى طلوع الشمس، ووقت الفجر منفصل عن بقية أوقات الصلوات؛ لأن بينها وبين انتهاء وقت العشاء من نصف الليل إلى طلوع الفجر وبينها وبين الظهر من طلوع الشمس إلى زوالها، قال الله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ ، وغسق الليل غاية ظلمته وهو نصفه وهذه الآية تَسْتَوعِب أوقات الصلوات الأربع: الظهر، والعصر، والمغرب والعشاء، ثم فصلَ فقال: ﴿وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ﴾ ، يعني: صلاة الفجر، وسمَّاها الله قرآنًا لطول القراءة فيها، ﴿إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ وهذا هو الذي دلَّ عليه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - وهو أن وقت صلاة العشاء ينتهي بنصف الليل ولا يمتد إلى طلوع الفجر .
أيها المسلمون، هذه هي الأوقات التي حدَّدها رب العالمين لعباده ليؤدّوا فيها الصلاة، فلا يحلَّ للمسلم أن يُقَدِّم من صلاته جزءًا قبل الوقت ولا أن يُؤخّر منها جزءًا بعده، فكيف بِمَن يُؤَخّرون جميع الصلوات عن وقتها كسلاً وتهاونًا وإيثارًا للدنيا على الآخرة ؟ ! يتنعّمون بنومهم على فرشهم وبين نسائهم، ويتمتّعون بلهوهم ومكاسبهم كأنما خُلقوا للدنيا، كأن هؤلاء الذين ينامون عن صلاة الفجر ويتكاسلون عن غيرها كأنهم لا يقرؤون القرآن، كأنهم لا يقرؤون قول الله عزَّ وجل: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ ، كأنهم لا يقرؤون قول الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً﴾
، كأن هؤلاء لم تبلغهم أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وعيد مَن أضاع الصلاة أو كأنهم لم يبالوا بذلك، لقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذي تفوته صلاة العصر، قال: «كأنما وُتِرَ أهلُهُ وماله» أي: كأنما أُصيب بفقد أهله وماله .
وللأسف الشديد - ترى كثيرًا من الناس تفوتهم صلاة العصر وصلوات أخرى كثيرة لا يحزنون لذلك ولا يبالون بِما حدث، وإخوانهم المسلمون يشاهدونهم على ذلك فلا يرحمونهم ولا يخوّفونهم من عذاب الله وعقابه .
إن عقاب الله تعالى لا يختص بالذين ظلموا؛ لأن الله يقول: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾
عباد الله : ويجب على الرجل أن يحافظ على الصلاة مع الجماعة في بيوت الله عز وجل ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْرٍ ))) قيل لابن عباس رضي الله عنهما: (ما هو العذر؟ قال: خوفٌ أو مرض)، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّه ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ ، فَرَخَّصَ لَهُ ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَأَجِبْ )) وهذا الحديث العظيم يدل على عِظَمِ شأن الصلاة في الجماعة في حَقِّ الرجال، ووجوب المحافظة عليها، وعدم التساهل في ذلك، وكثير من الناس يتساهل في صلاة الفجر، وهذا خطر ومنكر عظيم، وتشبه بالمنافقين. فالواجب الحذر من ذلك، والمبادرة إلى الصلاة في وقتها، وأداؤها مع الجماعة في حق الرجل كباقي الصلوات الخمس، وقد قال الله تعالى:{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً }، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ : صَلَاةُ الْعِشَاءِ ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ . وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا)) متفق على صحته، وروى الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة يوماً بين أصحابه فقال: ((مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا ، كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وَلا نَجَاةٌ ، وَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ))، وهذا وعيد عظيم لمن لم يحافظ على الصلاة.
فيجب على كل مسلم الحذر من مشابهة الكفار والمنافقين في أعمالهم وأقوالهم، وفي تثاقلهم وتخلفهم عن الصلاة حتى لا يحشر معهم، لأنه ((من تشبه بقوم فهو منهم))
فاتّقوا الله - عباد الله - واحذروا أن تتعرّضوا لعقوبة الله .
اللهم اجعلنا مِمَّن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، مِمَّن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، مِمَّن آثر الحياة الآخرة على الحياة الدنيا .واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية/ الحمد لله، أمر عباده بالصلاة فقال: { وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين }. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، مدح المؤمنين الذين هم على صلاتهم دائمون، والذين هم على صلاتهم يحافظون ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله إمام الركع السجود . أما بعد فيا عباد الله :
إنَّ على كلِّ فرْد منَّا أن يحاسب نفسه، ويُناصِح غيره للمحافظة على هذا الركن العظيم مِن أرْكان الإِسلام، على الوالدِ أن يلاحِظَ أولادَه، ويَحُثُّهم على أداء الصلاة في أوقاتها، على الوالدِ أن يراقب أبناءه ويأمرَهم بأداء الصلاة مع الجماعة، عليه أن يُوقِظَهم لصلاة الفجْر ويأخذهم معه إلى المسجد، ويتفقَّدَهم في سائرِ الأوقات، ويُعوِّدُهم الاهتمام بالصلاة، وإذا وجد فيهم تكاسلًا وتهاونًا أدَّبَهم على ذلك.
عباد الله : إنَّ ما نعيشه اليوم مِن أمْن واطمئنان ورغد عيش وكثرة أموال أشغلتْ عنِ الواجباتِ، ليس بدليل على الرِّضا عن أعمالنا، فقدْ يكون هذا ابتلاءً وامتحانًا فيُؤخذ الناس على غِرَّة.
أيها المؤمنون : ألم تعلموا أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله.
فكونوا يا عباد الله ممن قال الله عنهم ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
عباد الله صلوا وسلِّمُوا على رسول الله .....