خطبة صلاة الاستسقاء

طلال شنيف الصبحي
1443/05/08 - 2021/12/12 15:42PM

خطبة صلاة الاستسقاء 9/5/1443

مقتضبة نن موقع خطب الجمعة على الواتساب

الحمد لله العزيز الغفار ، الكريم الوهاب ، يغفر الذنوب جميعًا ويجيب الدعاء ، وينزل الغيث من السماء ، نحمده حمد الشاكرين ، ونستغفره استغفار التائبين المنيبين ، ونسأله من فضله العظيم ، إنه هو البر الرحيم ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، وعبد ربه مخلصًا حتى أتاه اليقين ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .     أما بعد :

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ، وتوبوا إليه واستغفروه ، وأنيبوا إليه واسألوه ؛ فإنه سبحانه واسع العطاء ، مجيب الدعاء .

وقد اجتمعنا في صلاتنا هذه لنستغفره لذنوبنا ، ونقر له بخطايانا ، ونسأله الغيث المبارك لبلادنا ، وقد عودنا سبحانه أن نسأله فيعطينا ، وأن ندعوه فيجيبنا .

معاشر المؤمنين : عندما تجدِب الأرض ، وينقطع الغيث ، وتشتد اللأواء ، ويفشو الغلاء - يرجع أولو الألباب إلى أنفسهم ، فيتفكرون في بواعث ذلك ، ويتدبرون قول ربهم تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمَّته من بعده : ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ ، ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ .

إن شؤم المعاصي وبيل ؛ وقد قال ربنا في محكم التنزيل : ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ ؛ وَقَالَ مُجَاهِدٌ : " إِنَّ الْبَهَائِمَ تَلْعَنُ عُصَاةَ بَنِي آدَمَ إِذَا اشْتَدَّتِ السَّنَةُ ، وَأُمْسِكَ الْمَطَرُ ، وَتَقُولُ : هَذَا بِشُؤْمِ مَعْصِيَةِ ابْنِ آدَمَ " .

وَقَالَ عِكْرِمَةُ : " دَوَابُّ الْأَرْضِ وَهَوَامُّهَا حَتَّى الْخَنَافِسُ وَالْعَقَارِبُ ، يَقُولُونَ : مُنِعْنَا الْقَطْرَ بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ " .

فَلَا يَكْفِيهِ عِقَابُ ذَنْبِهِ ، حَتَّى يَلْعَنَهُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ .

واعلموا غفر الله لي ولكم أن منع الزكاة ، وبخس المكاييل والموازين ، والغفلة عن الله - من أسباب القحط ، ومحق البركات ، وشدة المؤنة ، والضيق في الأرزاق ؛ وفي الحديث : " لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القَطْرَ من السماء ، ولولا البهائم لم يُمطروا " ؛ رواه ابن ماجه وصححه الحاكم .

وسنة الله في خلقه - ولا تبديل لسنته - أنه ما ظهرت المعاصي في أمة إلا أذلتها ، ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها ، ولا فشت في ديار إلا أهلكتها ، حتى تدعَ الديارَ بلاقعَ ؛ قال تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾ .

إن ما يُنزِل الله من بلاء ، وما يقدَّره من ضنك ، وما يقضي به من شدة ، يستوجب الاستكانة له وصدق الالتجاء إليه ، والخضوع لعظمته بالذل والانكسار بين يديه ؛ وقد ذم سبحانه الذين لا تورثهم الشدائد استكانة ، ولا تضرعًا له ، فقال : ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ .

والاستغفار والتوبة من أسباب تنزُّل الرحمات والبركات ، وحصول الفلاح في الدنيا والآخرة ؛ قال تعالى : ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ ، وقال تعالى : ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ، وقال سبحانه حكاية عن نوح عليه الصلاة والسلام : ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ . وقد روى الشعبي رحمه الله تعالى : " أن عمر رضي الله عنه خرج يستسقي ، فلم يزد على الاستغفار ، فقيل له : ما رأيناك استسقيت ، قال : لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر " .

وإنكم عباد الله ، قد شكوتم جدب الديار ، وانحباس القَطْرِ عن البلاد ، وتأخر نزوله عن حروثكم وزروعكم ، وإن الله تعالى ما ابتلاكم بذلك إلا لتُقبِلوا عليه ، وتلتجئوا إليه ، فابتهلوا إليه ضارعين مخبتين ، وادعوه وألحوا في الدعاء ؛ فإن الله يحب الملحين في الدعاء ؛ فقد قال عز شأنه : ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ ، وقال سبحانه : ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ .

واقلبوا رحمكم الله أرديتكم تأسيا بنبيكم وتفائلا بقلب حالكم،

واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

المرفقات

1639323726_خطبة صلاة الاستسقاء.docx

المشاهدات 674 | التعليقات 0