خطبة: شهر رجب بين الاتباع والابتداع

وليد بن محمد العباد
1445/07/06 - 2024/01/18 00:10AM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

خطبة: شهر رجب بين الاتباع والابتداع

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ الذي مَنَّ علينا بالحنيفيّةِ السّمحةِ وشرعَ لنا فيها ما يُقرِّبُنا إليه ويُدنينا، وأكرَمَنا بالرّسالةِ الخَاتِمةِ وأودعَ فيها ما يَكفينا عن غيرِها ويُغنينا، أحمدُه تعالى وأشكرُه، أتمَّ علينا نعمتَه ورضيَ لنا الإسلامَ دِينا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا. أمّا بعدُ عبادَ الله

في شهرِ رجبٍ مِنْ كلِّ عامٍ، تَنتشرُ كثيرٌ من البدعِ المُحدَثة، وممّا قَرَّرَه العلماءُ، أنّ شهرَ رجبٍ كغيرِه مِن الشّهور، ليسَ له فضيلةٌ ولا مَزِيَّةٌ سوى كونِه أحدَ الأشهرِ الحُرُمِ، التي أَكَّدَ اللهُ النَّهْيَ عنِ المعاصي والظّلمِ فيها، قالَ تعالى (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) فهي مُحرّمةٌ على الدّوام، لكنّها في الأشهرِ الحُرُمِ أعظمُ إثمًا وأشدُّ تَحريمًا، قالَ ابنُ حَجَرٍ رحمَه الله: لم يَردْ في فضلِ شهرِ رجبٍ ولا في صيامِه ولا في صيامِ شيءٍ منه مُعَيَّن، ولا في قيامِ ليلةٍ مَخصوصةٍ فيه حديثٌ صحيح. ولذا فإنّه لا يَجوزُ للمسلمِ تَخصيصُ رجبٍ للتّقرّبِ فيه بالصّيامِ والعمرةِ والصّدقةِ والإطعام، أو بصلاةِ ليلةِ النّصفِ أو بصلاةِ الرّغائبِ، أو بالزّيارةِ الرّجبيّةِ للمسجدِ النبويّ، أو بالاحتفالِ بليلةِ الإسراءِ والمعراج، وما يُصاحبُ ذلك من أدعيةٍ وابتهالاتٍ، لم يَفعلْها رسولُ اللهِ ولا أَمَرَ بها، ولا الصّحابةُ ولا السّلفُ الصّالح، ولو كانَ خيرًا لسبقونا إليه، وحَثُّونا عليه، فَلْيَسَعْنَا وما وَسِعَهَم، فكلُّ خيرٍ في اتّباعِ مَن سَلَف، وكلُّ شرٍّ في ابْتداعِ مَن خَلَف، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: منْ أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ. فدِينُ اللهِ تامٌّ وشريعتُه كاملة، وفيما شرعَهُ اللهُ وصحَّ عن رسولِ اللهِ كفايةٌ لمن أرادَ الأجرَ والثّواب، فعلى المسلمِ أنْ يَحذرَ مِن الوقوعِ في البدع، وَلْيَسْألْ عمّا اشْتَبَهَ عليه العلماءَ الرّاسخين، فإنّ هذا العلمَ دِينٌ، فانْظرُوا عمّن تَأخذونَ دينَكم، فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وتَمسَّكوا بكتابِ ربِّكم وسنَّةِ نبيِّكم، واحذروا مِن الابتداعِ في الدِّين، ومخالفةِ هَدْيِ سيّدِ المرسلين (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

 

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:

اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.

اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشّركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأَنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في غزّةَ وفلسطينَ، وفي كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ عليك باليهودِ ومَن ناصرَهم فإنّهم لا يُعجزونَك، اللهمّ أَنزلْ بهم بأسَك الذي لا يُرَدُّ عن القومِ المجرمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصّالحةَ النّاصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رَشَدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدّعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.

عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: مَن صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عَشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 7/ 7/ 1445هـ

المشاهدات 1182 | التعليقات 0