(خطبة) شرح حديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وفوائده
خالد الشايع
1445/02/15 - 2023/08/31 17:08PM
خطبة في شرح حديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
الخطبة الأولى
١٦ صفر ١٤٤٥
أما بعد فيا أيها الناس : إن مبدأ الخصوصية في حياة الناس مبدأ يجب أن يحترم ، فلكل إنسان شؤونه الخاصة والتي لا يحب أن يطلع عليها أحد ، فمن الدناءة وقلة الأدب ، أن تحشر نفسك في خصوصيات الناس ، فتبحث ، أو تكثر من الأسئلة ، لتخرج أسرارهم وخصوصياتهم ، ولقد اختصر لنا النبي صلى الله عليه وسلم الموضوع برمته في سبع كلمات ، فقد أخرج الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه))
هذا حديث عظيم، وهو أصل كبير في تأديب النفس وتهذيبها، وصيانتها عن الرذائل والنقائص، وترك ما لا جدوى فيه ولا نفع.
قال ابن رجب: هذا الحديث أصل من أصول الأدب.
وقال حمزة الكناني رحمه الله : هذا الحديث ثلث الإسلام.
وقال ابن عبدالبر رحمه الله : كلامه هذا صلى الله عليه وسلم من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة، وهو ما لم يقُلْه أحد قبله، والله أعلم.
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله : وهذا الحديث ربع الإسلام على ما قاله أبو داود، وأقول: بل هو نصف الإسلام، بل هو الإسلام كله.
وذكر الصنعاني رحمه الله : أن هذا الحديث من جوامع الكلم النبوية، و يعمُّ الأقوال،و الأفعال.
فمن جملة محاسن إسلام الإنسان، وكمال إيمانه: تركه ما لا يُهمه من شؤون الدنيا، سواء من قول أو فعل.
قال ابن تيمية رحمه الله : ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه اهـ.
وقيل: فإن اقتصر الإنسان على ما يعنيه من الأمور، سَلِمَ من شر عظيم، والسلامة من الشر خير.
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله : إن من لم يترك ما لا يعنيه، فإنه مسيء في إسلامه.
وقال ابن القيم رحمه الله : وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة، فقال: ((من حسن إسلام المرء: تركُه ما لا يعنيه))، فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه كلمة شافية في الورع.
قال عمر بن عبدالعزيز: من عد كلامَه مِن عمله، قلَّ كلامه فيما لا ينفعه.
وقال الحسن البصري: علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.
ومن المشاهد أن من سأل عما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه.
وقال معروف الكرخي: كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله تعالى.
وقيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضل، قال: صِدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني.
وقال الشافعي: ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني.
وقال محمد بن عجلان: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسأل عن علم فتخبر به، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك.
اللهم أعذنا من سوء الخلق أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
أما بعد : فيا أيها الناس ، إن العبد إذا اشتغل على نفسه ، وترك مالا يعنيه ، فإنه ينقلب بفوائد عظيمة
فمن ذلك:
1- أنه يحفظ وقته ويسلم له دينه ، ويكمل له دينه ، ويبتعد عن اللغو والفضول .
3- يجعله يستثمر الوقت بما يعود عليه بالنفع.
4- البُعد عن سفاسف الأمور ومرذولها.
5- بما أن التدخل فيما لا يعني يؤدي إلى الشقاق بين الناس ، فعدمه يؤدي إلى التآلف والمحبة ونبذ الخلاف
6- الحديث أصل عظيم للكمال الخلقي، وزينة للإنسان بين ذويه وأقرانه.
7- وفي الحديث حثٌّ على الاشتغال فيما يعني المرءَ من شؤون دِينه ودنياه، فإذا كان مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فمِن حُسنه إذًا اشتغالُه فيما يعنيه
8- أن من ترك مالا يعنيه سلم من كثير من الذنوب ، كالغيبة ، والنميمة ، والكذب ، وأقبل على شأنه هو فأصلح منها ، فيكون لديه فراغ لنفسه ، بعكس المنشغل بما لا يعنيه ، فهو منشغل عن نفسه ، فتكثر عيوبه .
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت....