خطبة: سَلامَةُ المِنْهَاجِ في تَحْطِيمِ الأَبْرَاج

وليد بن محمد العباد
1443/10/18 - 2022/05/19 03:58AM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

خطبة: سلامةُ المِنْهَاجٍ في تَحْطِيمِ الْأَبْرَاج.

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ كما أمَر، وأشكرُه وقد تأذّنَ بالزّيادةِ لمن شَكر، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له خلقَ كلَّ شيءٍ بقدَر، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه دعا لكلِّ خيرٍ وحذّرَ من كلِّ شرّ، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى وآلِه وصحبِه ما تعاقبَ الشّمسُ والقمر، أمّا بعدُ عبادَ الله:

إنَّ أوجبَ الواجباتِ على العباد، معرفةُ التّوحيدِ والتزامُه، ومعرفةُ ما يناقضُهُ من الشِّركِ واجتنابُه؛ قالَ تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) وممّا يضادُّ التّوحيدَ ما شاعَ بينَ كثيرٍ من النّاسِ، من التّعلقِ بالطّوالعِ والأبراجِ، واعتقادِ أنّ لها تأثيرًا في الكونِ والمخلوقات، وادّعاءِ بعضِ المفسدينَ، أنّهم يعرفونَ مِنْ خلالِها بعضَ الصّفاتِ والغَيْبِيَّاتِ، فيُخبرونَ بها من يأتيهم ويتواصلُ معهم، وقد يُرشدونَهم لأفعالٍ وأدعيةٍ بدعيّةٍ، لاجتنابِ ما يَزْعمونَ أنّه سيواجِهُهُم من المصائبِ، والحصولِ على ما يُنبّئُونَهم به من المكاسب، ومعَ الأسفِ أنّ هناكَ مَنْ يَنْخَدِعُ بكذبِهم وضلالِهم، معَ منافاتِه للعقلِ والدِّين. حتّى أنكرَه بعضُ عُقلاءِ الجاهليّةِ فقالَ شاعرُهم: لَعَمْرُكَ ما تَدري الضَّوَارِبُ بالحصَى، وَلا زاجِراتُ الطّيرِ ما اللّهُ صانِعُ. سَلُوهُنَّ إنْ كَذَّبتموني متى الفتى، يذوقُ المنايا أوْ متى الغيثُ واقِعُ. ولقد أبطلَ الإسلامُ تلك المعتقداتِ، حمايةً لِجَنَابِ التّوحيدِ من شوائبِ الشّركِ والبدعِ والخرافات، قالَ الشّيخُ ابنُ بازٍ رحمَه الله: إنّ ما يُسمّى بعلمِ النّجومِ والحظِّ والطّالعِ مِنْ أعمالِ الجاهليّةِ، التي جاءَ الإسلامُ بإبطالِها وبيانِ أنّها مِنْ الشّركِ، لمَا فيها مِن التّعلُّقِ بغيرِ اللهِ تعالى، ومَنْ تَعَلَّقَ بشيءٍ مِنْ أقوالِ الكُهّانِ أو العرّافينَ وُكِلَ إليهم، وحُرِمَ مِنْ عونِ اللهِ ومَدَدِه. انتهى كلامُه. وإنّ التّساهلَ في ذلك مِنْ أخطرِ ما يَهدِمُ التّوحيدَ ويُحبِطُ الأعمال، ويجعلُ المرءَ يعيشُ الوَهْمَ والخَبَال، يقولُ الشّيخُ صالحٌ آلُ الشّيخِ حفظَه الله: وإذا قرأَ صفحةَ الأبراجِ والحظِّ، وهو يَعلمُ بُرْجَه الذي وُلدَ فيه وقرأَ ما فيه فكأنّه سألَ كاهنًا، فلا تُقبلُ له صلاةٌ أربعينَ يومًا، فإنْ صَدَّقَ بما في تلك البروجِ فقد كَفَرَ بما أُنْزلَ على محمدٍ ﷺ، -كما قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام- وهذا يَدُلُّكَ على غُرْبَةِ التّوحيدِ بينَ أهلِه. انتهى كلامُه. فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ واحذروا مِنْ مُتابعةِ أولئك الدّجّالينَ، وقراءةِ ما يكتبونَ أو سماعِ ما ينشرونَ، فضلًا عن سؤالِهم وتصديقِهم، مع اعتقادِ أنّ اللهَ هو الذي يُدَبِّرُ الأمرَ وحدَه لا شريكَ له، فلا نَتَوَكَّلُ إلا عليه ولا نَحْتَكِمُ إلا إليه، ولا نستعينُ إلا به ولا ندعو إلا إيّاه، ولا نَخافُ غيرَه ولا نَرجو سِوَاه (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ).

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:

اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.

اللَّهُمَّ إنه لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ، ولا إلهَ غيرُك ولا ربَّ لنا سواك، أنت ربُّنا لا نُشركُ به شيئًا، نعوذُ بك أنْ نُشركَ بك ونحن نَعلم، ونستغفرُك لمَا لا نَعلم، اللهمّ إنّا نسألُك إيمانًا لا يرتَدُّ، ونَعيمًا لا ينفَدُ، ومُرافقةَ نبيِّك صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أَعلى جنَّةِ الخُلدِ. اللَّهُمَّ احْفَظنا بالإِسْلاَمِ قائِمين، واحْفَظْنا بالإِسْلاَمِ قاعِدين، واحْفَظنا بالإِسْلاَمِ راقِدين، واحْفَظنا بالإِسْلاَمِ على كلِّ حين، ولا تُشْمِتْ بِنا الأعداءَ ولا الحاسِدينَ ولا الدّجّالينَ ولا الشّياطين. اللَّهُمَّ أحْيِنَا مسلمينَ وتَوَفَّنَا مسلمينَ وأَلْحِقْنَا بالصّالحينَ، غيرَ خَزَايَا ولا فَاتِنينَ ولا مَفْتونينَ ولا مُغيِّرينَ ولا مُبدّلينَ ولا مُشركينَ ولا مُبتدعينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.

اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين. عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 19/ 10/ 1443هـ

المشاهدات 846 | التعليقات 0