خطبة سبل الوقاية من كورونا
عبدالرحمن بن محمد التميمي
(سُبُـــل الوقايــة من فــــيروس كـــورونــا)
أصلها للشيخ عبدالرزاق البدر وغيره
الحمد لله القوي القهار العزيز الجبار؛ يعذب من يشاء بعدله، وينجي من يشاء برحمته، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وهو على كل شيء قدير؛ نحمده فهو أهل الحمد في السراء والضراء.. وليُ النعماء، ودافع البلاء، ومجيب الدعاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا نجاة من عذابه إلا بطاعته، ولا مفر منه إلا إليه، هو مقصدُ المنيبين، وأمانُ الخائفين، وملاذُ التائبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أعلم الناس بالله تعالى، وأكثرهم رجاء له، وخوفاً منه،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى؛ فإنه لا نجاة للعباد من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة إلا بالتقوى (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
عباد الله:
يتردَّد كثيرًا في مجالس النّاس هذه الأيام حديثٌ عن مرض يتخوَّفون منه ويخشون من انتشاره والإصابة به، بين حديث رجلٍ مُتَنَدِّرٍ مازح، أو رجلٍ مبيِّنٍ ناصح، أو غير ذلك من أغراض الأحاديث التي تدور حول هذا المرض، مع غموض اكتنفه
جعل أمره مترددا في الأذهان بين كونه حربا جديدة هيئا الله لهم أسبابها وبين كونه قدرا إلهيا ليس العقل البشري له سببا والأمر كله لله أولا وآخرا .
وعلى كل حال فالواجب على كلٍّ مسلمٍ أن يكون معْتصمًا بربِّه جلّ وعلا متوكِّلاً عليه معتقدًا أنّ الأمور كلّها بيده (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً )
فعلى كلّ مسلم أن يفوض أمره إلى الله راجيًا طامعًا معتمدًا متوكِّلاً ، لا يرجو عافيته وسلامتَه إلَّا من ربِّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فلا تزيدُه الأحداثُ ولا يزيدُه حلول المصاب إلا التجاءً واعتصامًا بالله (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )
وعلى كلِّ مسلم أن يحفظ اللهَ -جلّ وعلا- بحفْظِ طاعته امتثالاً للأوامر واجتنابًا للنواهي، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصيّته لابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ» ؛ فالمحافظة على أوامر الله امتثالًا للمأمور وتركًا للمحظور سببٌ لوقاية العبْد وسلامته وحفْظِ الله جلّ وعلا له في دنياه وأخراه ،
عباد الله:
وللوقاية والحفظ أسباب شرعية دلنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم منها
أذكار الصباح والمساء ومنها ما جاء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث عثمان بن عفَّان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِى صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِى لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَىْءٌ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ـ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ـ فَيَضُرُّهُ شَىْءٌ»
وجاء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه قال: «مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِى لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» أي من كلِّ آفةٍ وسوءٍ وشرٍّ ، وجاء في حديث عبد الله بن خُبَيْب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: خَرَجْنَا فِى لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى لَنَا - قَالَ - فَأَدْرَكْتُهُ فَقَالَ « قُلْ ». فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ « قُلْ ». فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. قَالَ « قُلْ ». قُلْتُ مَا أَقُولُ قَالَ « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِى وَتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ»
وقد جاء عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ الدعاء بالعافية كما في حديث عبد الله بن عمر أنّه كان لا يدع هـؤلاء الدّعوات حين يصبح وحين يمسي: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِى دِينِى وَدُنْيَاىَ وَأَهْلِى وَمَالِى ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِى، وَآمِنْ رَوْعَاتِى ، اللَّهُمَّ احْفَظْنِى مِنْ بَيْنِ يَدَىَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» .
وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى دعاء نزول المكان والاستعاذة بالله من شر ماخلق فعن خَولَة بنتِ حكيمٍ رَضي اللَّهُ عنها قالتْ : سمعْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : «مَنْ نَزلَ مَنزِلاً ثُمَّ قال : أَعُوذُ بِكَلِمات اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ، لَمْ يضرَّه شَيْءٌ حتَّى يرْتَحِل مِنْ منزِلِهِ ذلكَ » رواه مسلم .
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم الاستعاذة من الأمراض فعن أنس بن مالك: أنَّ النبيَّ ﷺ كان يقولُ: اللهمَّ إني أعوذُ بك من البرصِ والجنونِ والجذامِ وسائرِ الأسقامِ" وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى آية الكرسي والمعوذتان ودعاء الخروج والدخول وغيرها
فعلى كل مؤمن المحافظة على هذه الأذكار وعلى غيرها مما هو سبب مشروع للوقاية مما ينصح به أهل الاختصاص دون إفراط ولا تفريط وليحذر الانسياق مع الإشاعات الكاذبة؛ التي تثير رعبا وخوفا وهَلَعا لا أساسَ له ولا مسوِّغ لوجوده.
وليعلم المؤمن أنَّ المصائب التي تُصيبه سواءً في صحّته أو في أهله وولده أو في ماله وتجارته أو نحو ذلك إن تلقَّاها بالصَّبْر والاحتساب فإنها تكون له رِفْعَة عند الله جلّ وعلا
وعليه أن يستحضر أنَّ أعظم المصائب هي المصيبة في الدين فهي أعظم مصائب الدنيا والآخرة، وهي نهاية الخسران الذي لا ربح معه والحرمان العظيم،
اللهم عافنا في ديننا ودنيانا واحفظنا بحفظك ياكريم
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)
أيها المسلمون: من حكمة الله تعالى في قَدَره، وعجيب صنعه في خلقة: أن الآية الواحدة من آياته يرسلها فتكون رحمةً لقوم، وابتلاءً لآخرين، وعذاباً لقوم، وإنذاراً وتخويفاً لآخرين، فيجتمع في الآية الواحدة من آياته سبحانه: الرحمة والعذاب والابتلاء والإنذار والتخويف، وهذا يدل على حكمة العليم الحكيم (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ)
عباد الله:
إن المتأمل في حال من سُلط عليهم هذا الوباء وما آلت إليه حالهم ليدرك
أنه مهما كانت قوة قوم.. ومهما كان جبروتهم وكبرياؤهم.. فهناك من خلق الله من هو أقوى منهم
ومهما كانت مُقدَّراتهم وأعدادهم وعتادهم.. ومهما بدا بأسهم شديدا وأنهم لا يهزمون.. فإن الله يظهر ضعفهم
لقد باتوا آمنين في ديارهم، حظوظهم موفورة، ودنياهم معمورة، فأصبحوا بعد أمنهم خائفين، ومع قوتهم ضعيفين، أتاهم ما تفرقت لأجله جموعهم، وفزع العالم لحالهم، حين أرسل الله عليهم مالا تراه عيونهم ولاتحجزه حصونهم ولا يردعه سلاحهم فسبحان من أرسله عقوبة لهم وعذابا عليهم (أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)
وسبحان من علم الإنسان مالم يعلم وسبحان من يري خلقه قدرته في أصغر مخلوقاته (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) ( بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ۖ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ)
المرفقات
سُبُـــل-الوقايــة-من-فــــيروس-كـــ
سُبُـــل-الوقايــة-من-فــــيروس-كـــ