خطبة : ( رمضان يمضي فأدرك نفسك )

عبدالله البصري
1439/09/10 - 2018/05/25 01:14AM

رمضان يمضي فأدرك نفسك          9 / 9 / 1439

 

 الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَـ"  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، رَمَضَانُ عِندَ المُسلِمِ العَاقِلِ الحَصِيفِ ، فُرصَةٌ لِلفَوزِ بِعَظِيمِ الأَجرِ وَنَيلِ جَزِيلِ الثَّوَابِ ، وَبَابٌ وَاسِعٌ بَل هُوَ عِدَّةُ أَبوَابٍ ، يَلِجُ مِنهَا المُوَفَّقُونَ زُرَافَاتٍ وَوِحدَانًا ، مِمَّن يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ وَرِضوَانًا . صَلَوَاتٌ مَفرُوضَةٌ وَنَوَافِلُ مَسنُونَةٌ ، وَقِيَامٌ وَتَبَتُّلٌ وَكَثرَةُ سُجُودٍ ، وَصِيَامٌ وَقِرَاءَةُ قُرآنٍ وَتَدَبُّرٌ ، وَعُمرَةٌ وَزِيَارَةٌ وَذِكرٌ وَدُعَاءٌ ، وَزَكَوَاتٌ وَصَدَقَاتٌ وَهِبَاتٌ ، وَتَفرِيجُ كُرُبَاتٍ وَقَضَاءُ حَاجَاتٍ ، وَتَفطِيرُ صَائِمِينَ وَإِطعَامُ فُقَرَاءَ وَمَسَاكِينَ ، وَدَعمٌ لِمَشرُوعَاتِ خَيرٍ وَمُسَاهَمَةٌ في أَعمَالِ بِرٍّ ، وَصِلَةُ أَرحَامٍ وَإِحسَانٌ إِلى جِيرَانٍ ، وَإِصلاحٌ لِلبُيُوتِ لِمَن فِيهَا ، وَأَمرٌ لَهُم بِالمَعرُوفِ وَنَهيٌ عَنِ المُنكَرِ .

وَإِنَّهُ مَا مِن مُسلِمٍ فَطِنٍ مُشرِقِ البَصِيرَةِ ، حَيِّ القَلبِ مُتَيَقِّظِ الفُؤَادِ ، إِلاَّ وَهُوَ يَستَشعِرُ أَنَّ رَمَضَانَ مَيدَانٌ لِلتَّسَابُقِ في الخَيرَاتِ ، وَمِضمَارٌ لِلتَّنَافُسِ في الطَّاعَاتِ ، وَسُوقٌ رَابِحَةٌ لاكتِسَابِ الحَسَنَاتِ ، وَفُرصَةٌ لِلتَّوبَةِ وَالإِنَابَةِ وَتَغيِيرِ الذَّاتِ ، وَمَجَالٌ لِلتَّدَرُّبِ على الأَخلاقِ الحَسَنَةِ وَالعَادَاتِ الجَمِيلَةِ ، وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الأَخلاقِ السَّيِّئَةِ وَالعَادَاتِ القَبِيحَةِ . وَمَعَ هَذَا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – يَدخُلُ رَمَضَانُ وَتَمضِي مِنهُ لَيَالٍ وَأَيَّامٌ ، وَيَظَلُّ النَّاسُ بَينَ مُتَهَاوِنٍ وَمُتَكَاسِلٍ ، وَمُتَبَاطِئٍ وَمُتَثَاقِلٍ ، وَمُؤَجِّلٍ عَمَلَهُ مُطَوِّلٍ أَمَلَهُ ، وَمُتَمَنٍّ عَلَى اللهِ الأَمَانيَّ ، في حِينِ يُرَى القَلِيلُ مُضَاعِفًا لِعَمَلِهِ الصَّالِحِ ، مُتَزَوِّدًا مِنَ الخَيرِ مُتَعَرِّضًا لِلنَّفَحَاتِ ، مُعمِلاً فِكرَهُ في جَمعِ الحَسَنَاتِ ، حَرِيصًا عَلَى اهتِبَالِ الفُرَصِ وَاغتِنَامِ الأَوقَاتِ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، رَمَضَانُ سَائِرٌ وَلَن يَتَوَقَّفَ لِتَوَقُّفِ مُتَكَاسِلٍ ، وَقَافِلَتُهُ مَاضِيَةٌ لا تَنتَظِرُ قَاعِدًا وَلا تُوقِظُ رَاقِدًا ، وَمَا هِيَ إِلاَّ أَيَّامٌ قَلائِلُ وَيُعلَنُ هِلالُ العِيدِ ، وَإِذْ ذَاكَ يَشعُرُ مَن عَمِلَ وَبَذَلَ بِغِبطَةٍ وَبَهجَةٍ ، وَيَمتَلِئُ قَلبُهُ سَعَادَةً وَرَاحَةً ، وَيُحِسُّ مَن تَكَاسَلَ وَأَهمَلَ بِحَسرَةٍ تَأكُلُ جَوَانِحَهُ ، وَحُرقَةٍ تَلتَهِمُ فُؤَادَهُ . وَحَتَّى لا يَكُونَ أَحَدُنَا مِنَ المُحتَرِقِينَ عَلَى مَا فَاتَ ، المُتَلَهِّفِينَ عَلَى مَا مَضَى وَانقَضَى ، المُتَقَطِّعِينَ أَسَفًا وَحَسَرَاتٍ وَنَدَمًا ، فَلْيَغتَنِمْ وَقتَهُ ، وَلْيَنتَبِهْ لِنَفسِهِ ، وَلْيَأخُذِ الأَمرَ بِالجِدِّ وَالاجتِهَادِ وَالعَزِيمَةِ ، وَلْنَتَذَكَّرْ جَمِيعًا أَنَّ شَهرَنَا مَضَى مِنهُ ثُلُثُهُ أَو كَادَ ، نَعَم وَاللهِ ، مَضَى مِنهُ تِسعَةُ أَيَّامٍ وَكَأَنَّهَا سَاعَاتٌ بَل كَأَنَّهَا لَحَظَاتٌ ، فَأَينَ أَنتَ أَيُّهَا المُؤمِنُ بِاللهِ المُوقِنُ بِلِقَائِهِ ؟! أَلم تَتَذَكَّرْ أَنَّكَ خُلِقَت لِعِبَادَتِهِ ، وَأَنَّهُ - تَعَالى - هُوَ الَّذِي فَرَضَ عَلَيكَ صِيَامَ رَمَضَانَ وَشَرَعَ لَكَ قِيَامَهُ ، وَفَتَحَ لَكَ فِيهِ أَبوَابَ الجَنَّةِ وَنَوَّعَ لَكَ فِيهِ فُرَصَ الخَيرِ ، وَأَغلَقَ أَبوَابَ النَّارِ وَصَفَّدَ مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ ؟! أَلا تَعلَمُ أَنَّهُ - تَعَالى - لا يَشرَعُ لَكَ وَلا يَفرِضُ عَلَيكَ إِلاَّ مَا هُوَ خَيرٌ لَكَ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ؟! ثم أَلا تُؤمِنُ بِأَنَّهُ – سُبحَانَهُ - مُطَّلِعٌ عَلَيكَ وَمُشَاهِدٌ لِمَا في قَلبِكَ ، وَيَعلَمُ سِرَّكَ وَجَهرَكَ ، وَيُحصِي عَلَيكَ عَمَلَكَ ، وَيَرَى أَفوَاجَ المُسَابِقِينَ وَجُمُوعَ المُتَكَاسِلِينَ ، وَأَنَّهَ – عَزَّ وَجَلَّ – يَجزِيكَ عَلَى صِيَامِكَ وَقِيَامِكَ أَعظَمَ الجَزَاءِ ، وَيُضَاعِفُ لَكَ الأُجُورَ عَلَى اليَسِيرِ مِنَ الأَعمَالِ ؟! أَينَ إِيمَانُكَ بِالبَعثِ بَعدَ المَوتِ ؟! أَينَ تَصدِيقُكَ بِالحَشرِ وَالحِسَابِ ، أَينَ رَجَاؤُكَ الثَّوَابَ وَخَوفُكَ مِنَ العِقَابِ ؟! أَفَلا تَنتَبِهُ فَتَطلُبَ الثَّوَابَ وَتَفِرَّ مِنَ العِقَابِ ؟! أَلا تَستَقِيمُ عَلَى الطَّاعَةِ وَتَلتَزِمُ بِالفَرَائِضِ ، وَتَستَكثِرُ مِنَ الخَيرِ وَالنَّوَافِلِ ؛ لِتَنَالَ جَنَّةً عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ ، فَتَنعَمَ فِيهَا نَعِيمًا لا شَقَاءَ بَعدَهُ ، وَتَكسِبَ رَاحَةً أَبَدِيَّةً وَسَعَادَةً سَرمَدِيَّةً ؟! لَقَد نَادَى رَبُّنَا أَهلَ الإِيمَانِ وَلم يُنَادِ غَيرَهُم فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " وَنَبِيُّنَا – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " مَن صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ، وَمَن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ " وَيَقُولُ في المُتَّفَقِ عَلَيهِ أَيضًا : " مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ " أَلا فَأَيقِظْ إِيمَانَكَ – أَيُّهَا الأَخُ المُؤمِنُ – وَجَدِّدْهُ ، جَدِّدْ إِيمَانَكَ وَتَعَاهَدْ قَلبَكَ ، وَرَاقِبْ نِيَّتَكَ وَاحتَسِبْ ، وَجَاهِدْ عَلَى ذَلِكَ نَفسَكَ ، وَاصبِرْ وَصَابِرْ وَرَابِطْ ، فَلَعَلَّكَ بِذَلِكَ تُهدَى وَتُفلِحُ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – مَن أَرَادَ الهِدَايَةَ فَعَلَيهِ أَن يُجَاهِدَ نَفسَهُ وَيَبذُلَ الأَسبَابَ ، وَلْيُقبِلْ عَلَى رَبِّهِ لِيُقبِلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ – عَلَيهِ ، فَفِي الحَدِيثِ القُدسِيِّ المُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ : " يَقُولُ اللهُ – تَعَالى - : أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني ، فَإِنْ ذَكَرَني في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي ، وَإِن ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم ، وَإِن تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبرٍ تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِراَعًا ، وَإِن تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا ، وَإِن أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً "  وَحَذَارِ حَذَارِ مِنَ الإِعرَاضِ عَن مَوَائِدِ الرَّحمَنِ وَقَد عُرِضَت وَبُسِطَت ، فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَمَّنِ استَغنَى وَتَوَلَّى ، وَفي الحَدِيثِ عَن أَبي وَاقِدٍ اللَّيثيِّ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بَينَمَا هُوَ جَالِسٌ في المَسجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ ، إِذْ أَقبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ ، فَأَقبَلَ اثنَانِ إِلى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَذَهَبَ وَاحِدٌ ، قَالَ : فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرجَةً في الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلفَهُم ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدبَرَ ذَاهِبًا ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " أَلا أُخبِرُكُم عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ ؟! أَمَّا أَحَدُهُم فَأَوَى إِلى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاستَحيَا فَاستَحيَا اللهُ مِنهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعرَضَ فَأَعرَضَ اللهُ عَنهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لا يُقبِلُ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ في رَمَضَانَ أَو في غَيرِهِ إِلاَّ مَن عَلَت هِمَّتُهُ ، وَشَمَّرَ عَن سَاعِدَيهِ وَمَضَت عَزِيمَتُهُ ، وَإِنَّ مِن  كَمَالِ العَقلِ أَن تَعلُوَ الهِمَّةُ في مَوَاسِمِ الخَيرِ ، وَأَمَّا الدُّونُ فَلا يَرضَى بِهِ إِلاَّ دَنِيءٌ ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيرٌ ، اِحرِصْ عَلَى مَا يَنفَعُكَ وَاستَعِنْ بِاللهِ وَلا تَعجَزْ ... " الحَدِيثَ رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَإِنَّهُ لَمِن أَعجَبِ العَجَبِ أَن يَعرِفَ المَرءُ فَضَائِلَ شَهرِ رَمَضَانَ وَمَزَايَاهُ ، ثم لا تَعلُوَ هِمَّتُهُ وَلا يَزدَادَ حِرصُهُ ، وَوَاللهِ لَو لم يَكُنْ في رَمَضَانَ إِلاَّ لَيلَةُ القَدرِ الَّتي هِيَ خيَرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، لَكَفَى بها مُوقِدًا لِعَزِيمَةِ المُسلِمِ لِلجِدِّ وَالاجتِهَادِ وَالصَّبرِ ، كَيفَ وَرَمَضَانُ كُلُّهُ فَضَائِلُ وَأُجُورٌ وَحَسَنَاتٌ ؟! فَفِي الجَنَّةِ بَابٌ يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ ، يَدخُلُ مِنهُ الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ ، لا يَدخُلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيرُهُم ، يُقَالُ : أَينَ الصَّائِمُونَ ؟ فَيَقُومُونَ ، لا يَدخُلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيرُهُم ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغلِقَ فَلَم يَدخُلْ مِنهُ أَحَدٌ . هَكَذَا أَخبَرَنَا الصَّادِقُ المَصدُوقُ كَمَا رَوَاهُ عَنهُ البُخَارِيُّ . كَمَا أَخبَرَنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَن صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ وَقَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنبه ، وَأَخبَرَنَا – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - أَنَّ السَّحُورَ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ ، وَأَنَّ اللهَ - عزَّ وجَلَّ - وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى المُتَسَحِّرِينَ ، وَبَشَّرَنَا أَنَّ مَن فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثلُ أَجْرِهِ ، وَأَنَّ مَن قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيلَةٍ ، وَأَنَّ عُمرَةً في رَمَضَانَ تَعدِلُ حَجَّةً ، وَأَنَّ للهِ عُتَقَاءَ في كلِّ يومٍ وَلَيلةٍ ، لِكُلِّ عَبدٍ مِنهُم دَعوَةٌ مُستَجَابَةٌ ، بِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَتِ الأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ وَالحِسَانُ ، فَأَينَ أَهلُ اليَقِينِ وَالإِيمَانِ ؟! أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَضرِبْ بِسَهمٍ فِيمَا نَستَطِيعُ مِن أَبوَابِ الخَيرِ ، فَإِنَّ الخَسَارَةَ الَّتي لا تَعدِلُهَا خَسَارَةٌ ، أَن تُفتَحَ كُلُّ هَذِهِ الأَبوَابِ ، ثم يَخرُجَ رَمَضَانُ عَلَى عَبدٍ وَلم يُغفَرْ لَهُ فِيهِ ، عَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - صَعِدَ المِنبَرَ فَقَالَ : " آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّكَ صَعِدتَ المِنبَرَ فَقُلتَ : آمِينَ آمِينَ آمِينَ . فَقَاَل : " إِنَّ جِبرِيلَ أَتَاني فَقَالَ : مَن أَدرَكَ شَهرَ رَمَضَانَ فَلَم يُغفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبعَدَهُ اللهُ . قُلْ آمِينَ فَقُلتُ آمِينَ " الحَدِيثَ رَوَاهُ ابنُ خُزَيمَةَ وَابنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ وَاللَّفظُ لَهُ ، وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ . اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى ، اللَّهُمَّ اهدِنَا وَسَدِّدْنَا وَيَسِّرِ الهُدَى لَنَا ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ ...

 

 

الخطبة الثانية :

 

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، شَهرُ رَمَضَانَ أَيَّامٌ سَرِيعَةُ الذَّهَابِ ، وَلَيَالٍ قَرِيبَةُ الزَّوَالِ ، وَقَد قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُم الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعدُودَاتٍ " بِالأَمسِ القَرِيبِ يُهَنِّئُ بَعضُنَا بَعضًا بِقُدُومِ الشَّهرِ ، وَاليَومَ هَا قَد مَضَى ثُلثهُ أَو كَادَ ، وَهَكَذَا الأَيَّامُ تَعمَلُ فِينَا ، فَيَا لَخَسَارَةِ مَن لم يَعمَلْ فِيهَا ، وَهَكَذَا العُمرُ يَمضِي كَأَنَّهُ سَاعَةٌ ، فَيَا لَخَيبَةِ مَن مَضَى عُمرُهُ في غَيرِ طَاعَةٍ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَتَذَكَّرْ هَادِمَ اللَّذَاتِ ، وَلْنَحذَرْ مِن أَخذِهِ عَلَى غِرَّةٍ ، فَكَم مِمَّن أَدرَكَ رَمَضَانَ المَاضِيَ وَلم يُدرِكْ رَمَضَانَ الحَالِيَّ ، وَوَاللهِ لَيَأتِيَنَّ يَومٌ عَلَى أَحدِنَا وَهُوَ في قَبرِهِ بَعِيدًا عَن أَهلِهِ ، مَرهُونًا بِعَمَلِهِ ، فَقِيرًا إِلى مَا قَدَّمَ غَنِيًّا عَمَّا خَلَّفَ ، أَلا فَرَحِمَ اللهُ عَاقِلاً انتَبَهَ لِنَفسِهِ ، وَجَعَلَ شُكرَ نِعمَةِ اللهِ عَلَيهِ بِبُلُوغِ رَمَضَانَ جِدًّا في الطَّاعَةِ وَاجتِهَادًا ، وَحِرصًا عَلَى تَحصِيلِ الخَيرِ وَمُسَارَعَةً إِلَيهِ ، وَمُسَابَقَةً لِلمُسَارِعِينَ وَمُنَافَسَةً لِلصَّالِحِينَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "

المرفقات

يمضي-فأدرك-نفسك

يمضي-فأدرك-نفسك

يمضي-فأدرك-نفسك-2

يمضي-فأدرك-نفسك-2

المشاهدات 7405 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا