خطبة: رمضانُ فرصةٌ للتّغيير.
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: رمضانُ فرصةٌ للتّغيير.
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
إنّ شهرَ رمضانَ شهرٌ مبارك، كثيرُ الخيراتِ والبركاتِ والنّفحات، وقد كانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ يُبشّرُ أصحابَه بقدومِه فيقول: أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ. فمِن بركاتِه أنّه أُنزلَ فيه القرآن، ومِن بركاتِه أنّه إذا كانَ أوّلُ ليلةٍ منه صُفِّدَتِ الشّياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النّارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنّةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصِرْ، وللهِ عتقاءُ من النّارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ. إنّها تغيّراتٌ كونيّةٌ عظمى، يُحدثُها اللهُ في شهرِ رمضانَ رحمةً بالعباد، لتكونَ حافزًا لهم على تغييرِ ما في أنفسِهم للأفضل، والتّقدّمِ للأكمل، ولتكونَ معينًا لهم للتّغيُّرِ للمنزلةِ الأعلى، ولتحقيقِ درجةِ التّقوى، والتي مِن أجلِها فُرضَ الصّيام. فشهرُ رمضانَ فرصةٌ لتحقيقِ التّقوى، وتربيةِ القلوبِ على مراقبةِ اللهِ في العلنِ والسّرِّ والنّجوى، ففيه تَكْثُرُ دواعي الخيرِ والتّوبةِ والعملِ الصّالح، وتَعظمُ فيه أسبابُ المغفرةِ والرّحمةِ والعتقِ مِن النّار، إنّ شهرَ رمضانَ بأجوائِه القرآنيّة، ونفحاتِه الإيمانيّة، ونسماتِه الرّوحانيّة، فرصةٌ عظيمةٌ للتّغيير، والوقوفِ مع النّفسِ ومحاسبتِها على التّقصير، وذلك لتصحيحِ ما فات، واستدراكِ ما هو آت. إنّ رمضانَ فرصةٌ لمَن كانَ مُفرّطًا في صلاتِه، أنْ يُحافظَ عليها في وقتِها مع الجماعةِ في المسجد، فهي أعظمُ أركانِ الإسلامِ بعدَ الشّهادتين، مع المداومةِ على النّوافلِ والسّننِ الرّواتبِ وصلاةِ الوتر، إنّه فرصةٌ لمَن هجرَ القرآنَ أنْ يتعاهدَه بالتّلاوةِ طُوالَ العام، إنّه فرصةٌ لمَن تركَ الأذكارَ والدّعاء، أنْ يُحافظَ على أذكارِ الصّباحِ والمساءِ وقبلَ النّومِ وأدبارِ الصّلوات، وأنْ يكونَ لسانُه رطبًا مِن ذكرِ اللهِ في جميعِ الأوقات، وأنْ يُكثرَ مِن التّضرّعِ والدّعاء، فإنّ مَن أُلْهِمَ الدّعاءَ فقد أَرادَ اللهُ به خيرًا. إنّ رمضانَ فرصةٌ لمَن عَقَّ والديه وقصّرَ بحقِّهما، أنْ يَعتذرَ منهما ويَطلبَ رضاهما بطاعتِهما وبِرِّهما، إنّه فرصةٌ لمَن قطعَ رحمَه أنْ يَصلَها، ولمَن هجرَ أخاه أنْ يزورَه ويُسلّمَ عليه، إنّه فرصةٌ لمَن أَطلقَ بصرَه وسَمْعَه ولسانه في الحرام، أنْ يَغُضَّ بصرَه ويَحفظَ سمعَه ويَبتعدَ عن الكذبِ والغيبةِ والنّميمة، إنّه فرصةٌ لمَن يَحلقُ لحيتَه أنْ يُطلقَها، ولمَن يُسبلُ ثوبَه أنْ يَرفعَه فوقَ كعبيه، ولمَن يَشربُ الدّخانَ والشّيشةَ أنْ يَدَعَها، فإنّها مِن الخبائثِ التي تَهدمُ الصّحةَ والدِّين، وتَجمعُ عليه الفسقةَ والشّياطين، إنّه فرصةٌ لمَن ظلمَ إخوانَه المسلمينَ وغشَّهم، أنْ يَرُدَّ إليهم حقوقَهم ويَتحلَّلهم، ويُحبَّ لهم ما يُحبُّ لنفسِه، إنّه فرصةٌ لمَن ابتعدَ عن أهلِه وبيتِه وأسرتِه أنْ يَقتربَ منهم ويَعودَ إليهم ويُسعدَهم، ويُحسنَ معاملتَهم وتربيتَهم، إنّه فرصةٌ لإطابةِ المأكلِ والمشربِ وسلامةِ الصّدرِ وتصفيةِ القلبِ مِن الشّحناء، فإنّها ِمن أسبابِ قبولِ العملِ وإجابةِ الدّعاء، إنّ رمضانَ فرصةٌ لمَن تَرَكَتْ حجابَها أنْ تَعودَ إليه بكلِّ عزمٍ وإصرار، لعلّه يكونُ لها حجابًا عن النّار، إنّه فرصةٌ لتغييرِ أصدقاءِ السّوء، بصحبةٍ صالحةٍ تُعينُ على الصّلاةِ والفضيلةِ والتّفوّقِ والنّجاح. إنّه فرصةٌ لتغييرِ العاداتِ الصّحّيّةِ الخاطئة، بعاداتٍ صحيّةٍ صحيحة، وذلك بالحميةِ وتخفيفِ الوزنِ بإشرافٍ طبّيّ، والتزامِ طعامٍ متكاملٍ متوازنٍ صحّيّ، مع تخصيصِ وقتٍ للمشيِ والتّمارينِ الرّياضيّة، إنّه فرصةٌ لتنظيمِ الوقتِ واستغلالِه فيما يُفيد، والابتعادِ عن متابعةِ التّافهينَ والتّنقّلِ في مواقعِ الشّبهاتِ والشّهوات، وحفظِ القلبِ والعقلِ مِن التّلوّثِ بسمومِها، فإنّ القلوبَ ضعيفة، والفتنَ خطّافة، إنّه فرصةٌ للتّغييرِ مِن كلِّ خُلُقٍ ذميمٍ وسلوكٍ مَشين، إلى الخُلُقِ الحَسَنِ والكلمةِ والطّيبةِ والابتسامةِ الصّادقة، مع الأهلِ والأقربينَ وعمومِ المسلمين، إنّ رمضانَ فرصةٌ للمُذنبِ أنْ يُقلع، وللعاصي أنْ يَنزِع، وللبعيدِ عن ربِّه أنْ يَرجع، إنّه فرصةٌ لكلِّ هؤلاءِ أنْ يَتغيّروا ويتوبوا، فمَن لم يَتُبْ في رمضانَ فمتى يَتوب، ومَن لم يَتغيّرْ في رمضانَ فمتى يَتغيّر، فاعقدوا العزمَ على التّغيير، وشُدُّوا الهِمَّةَ في المسير، ولا تلتفتوا للمثبّطينَ وللشّيطانِ والنّفسِ والهوى، فعندَ الصّباحِ يَحْمَدُ القومُ السُّرَى (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأُصلي وأُسلّمُ على خاتمِ النّبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله فقد وَجَّهَتِ الوزارةُ بضرورةِ توعيةِ المجتمعِ بأضرارِ ظاهرةِ التّسوّلِ الاجتماعيّةِ والاقتصاديّةِ والأمنيّة، وبيانِ محاذيرِها الشّرعيّة، ومَنْعِ المتسوّلينَ مِن ممارسةِ التّسوّلِ في الجوامعِ والمساجدِ، وحَثِّ المصلينَ على صرفِ صدقاتِهم في أوجهِ البِرِّ والخير، مِن خلالِ المنصّاتِ الموثوقةِ ومنها: مَنصّةُ جودِ الإلكترونيّةِ، التي تُعنَى بتوفيرِ الوحداتِ السّكنيّةِ للأسرِ المحتاجة، لتأمينِ الاستقرارِ والحياةِ الكريمةِ لها، فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، واحذروا مِن التّعاطفِ مع أولئك المتسوّلينَ، حمايةً للمجتمعِ مِن خطرِهم، مع الحرصِ على وضعِ صدقاتِكم في المنصّاتِ الرّسميّةِ التي تُوصلُها للمستحقّينَ لها بإذنِ الله. اللهمّ إنّا نسألُك فعلَ الخيراتِ، وتَركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكين، وأنْ تَغفرَ لنا وتَرحمَنا، وإذا أردّتَ بعبادِك فتنةً فاقبضْنا إليك غيرَ مفتونين، اللهمّ أَعنّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك، اللهمّ أصلحْ نيّاتِنا وذرّيّاتِنا، واجعلْ أعمالَنا خالصةً لوجهِك العظيم، وصوابًا على سنّةِ نبيِّك الكريم، عليه أفضلُ الصّلاةِ والتّسليم، اللهمّ تُبْ على التّائبين، واغفرْ ذنوبَ المذنبين، اللهمّ تَقبّلْ توبتَنا، واغسلْ حوبتَنا، وأجبْ دعوتَنا، وثبّتْ حُجّتَنا، واهْدِ قلوبَنا، وسدّدْ ألسنتَنا، واسْلُلْ سخائمَ صدورِنا. اللهمّ انقلْنا في شهرِ رمضانَ مِن الشّقاءِ إلى السّعادة، ومِن النّارِ إلى الجنّة، ومِن السّخَطِ إلى الرّضا، ومِن الفقرِ إلى الغنى، ومِن الإساءةِ إلى الإحسان، ومِن الذّلِّ إلى العزّ، ومِن الإهانةِ إلى الكرامة، ومِن الضّلالةِ إلى الهداية، ومِن المعصيةِ إلى الطّاعة، ومِن البدعةِ إلى السّنّة، ومِن أنواعِ الشّرِّ كلِّه إلى أنواعِ الخيرِ كلِّه، اللهمّ غَيِّرْ حالَنا إلى أحسنِ حال، وارزقْنا راحةَ البال، والبركةَ في الأنفسِ والأهلِ والمال، يا كبيرُ يا مُتعال، اللهمّ أحينا مسلمينَ وتَوفّنا مسلمينَ وألحقْنا بالصّالحينَ غيرَ خزايا ولا فاتنينَ ولا مفتونين، اللهمّ وفّقْنا لهداك، واجعلْ عملَنا في رضاك، وثَبّتْنا على دينِك وطاعتِك حتى نلقاك، اللهمّ إنّا نسألُك الجنّةَ وما قرّبَ إليها مِن قولٍ وعمل، ونعوذُ بك مِن النّارِ وما قرّبَ إليها مِن قولٍ وعمل، اللهمّ أحسنْ عاقبتَنا في الأمورِ كلِّها، وأَجِرْنا مِن خِزْيِ الدّنيا وعذابِ الآخرة، اللهمّ تقبّلْ منّا صيامَنا وقيامَنا ودعاءَنا وصالحَ أعمالِنا، وزيّنْا بزينةِ الإيمان، واجعلْنا هداةً مهتدين، غيرَ ضالينَ ولا مضلّين، وأصلحْ أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، وردَّنا جميعًا إليك ردًّا جميلًا، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ، ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ، واقضِ الدّينَ عن المدينينَ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وارحمْ موتانا وموتى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين. سبحانَ ربِّك ربِّ العزّةِ عمّا يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 9/ 9/ 1444هـ