خطبة : ( رمضان أقبل فأقبلوا )
عبدالله البصري
رمضان أقبل فأقبلوا 25 / 8 / 1439
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، خَمسَةُ أَيَّامٍ وَيَحِلُّ بِالمُسلِمِينَ شَهرُ رَمَضَانَ ، وَيَنزِلُ بِهِم مَوسِمُ الصِّيامِ وَالقِيَامِ وَالقُرآنِ ، وَتُتَاحُ لَهُم فُرَصُ التَّوبَةِ وَالدُّعَاءِ وَالإِنفاقِ وَالإِطعَامِ ، فَهَل نَحنُ عَلَى استِعدَادٍ لاستِقبَالِهِ وَحُلُولِهِ ؟ هَل هَيَّأنَا النُّفُوسَ لاغتِنَامِ أَيَّامِهِ وَلَيالِيهِ ؟ وَمَا نِيَّةُ كُلٍّ مِنَّا فِيهِ وَعَلامَ نَحنُ عَازِمُونَ ؟!
إِنَّ المُسلِمَ يَعلَمُ أَنَّ إِدرَاكَ شَهرِ رَمَضَانَ نِعمَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَيهِ ، وَأَنَّ وَاجِبَهُ تِجَاهَهَا شُكرُهَا وَحَمدُ اللهِ عَلَيهَا وَالعَمَلُ عَلَى حِفظِهَا ، وَالعَاقِلُ يَعلَمُ أَنَّ لِحَمدِ للهِ وَشُكرِه على هَذِهِ المِنَّةِ سَبِيلاً قَاصِدًا وَطَرِيقًا وَاضِحًا ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ يَأخُذُ بِهِ وَيسلُكُهُ مِن أَوَّلِ لَحظَةٍ يُدرِكُ فِيهَا الشَّهرَ ، غَيرَ مُتَلَفِّتٍ ولا مُتَبَاطِئٍ وَلا مُتَوَقِّفٍ ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِعِلمِهِ أَنَّهُ مَخلُوقٌ في هذِهِ الدُّنيَا لِلعِبَادَةِ ، وَمُتَحَمِّلٌ دُونَ سَائِرِ المَخلُوقَاتِ أَمَانَةً وَأَيَّ أَمَانَةٍ ، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً . لِيُعَذِّبَ اللهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشرِكِينَ وَالمُشرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا " إِنَّ المُسلِمَ يَرَى الزَّمَنَ يَجرِي بِاستِمرَارٍ وَلا يَتَوَقَّفُ ، وَيَعلَمُ أَنَّ مَا مَضَى مِنَ العُمُرِ وَانقَضى لا يَعُودُ وَلا يُعَوَّضُ ، وَأَنَّ الفُرَصَ في الحَيَاةِ كَالصَّيدِ ، إِنِ اقتُنِصَت وَإِلاَّ فَرَّت وَفَاتَت ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ يُرَكِّزُ عَلَى المُهِمِّ النَّافِعِ ، وَيَغتَنِمُ الفُرَصَ وَالمَوَاسِمَ ، وَلا يُفَرِّطُ وَلا يَتَكَاسَلُ ، وَإِنَّهُ لا أَنفَعَ لِلمُسلِمِ في مَوَاسِمِ الخَيرِ بَل وَلا أَوجَبَ عَلَيهِ ، مِنِ اغتِنَامِهَا في صَالِحِ العَمَلِ ، وَاستِثمَارِ لَحَظَاتِهَا في التَّعَبُّدِ للهِ بِكُلِّ مَا يَتَيَسَّرُ لَهُ ، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – فَلْنَقِفْ ثَلاثَ وَقَفَاتٍ نَزِنُ بها مَا يَجِبُ أَن نَكُونَ عَلَيهِ في شَهرِنَا الكَرِيمِ :
الوَقفَةُ الأُولَى : التَّخلِيَةُ قَبلَ التَّحلِيَةِ ، وَالمَقصُودُ – أَيُّهَا الإِخوَةُ – أَنَّ عَلَى المُسلِمِ أَن يَبدَأَ بِأَشرَفِ أَعضَائِهِ وَجَوَارِحِهِ ، فَيُطَهِّرَهُ مِمَّا يَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ رَبِّهِ ، وَيُصلِحَهُ مِمَّا قَد يُفسِدُهُ أَو يُضعِفُ سَيرَهُ ؛ ذَلِكُم أَنَّ سَلامَةَ المَرءِ بِسَلامَةِ قَلبِهِ ، وَصَلاحَ أَمرِهِ بِصَلاحِ فُؤَادِهِ ، وَفي يَومِ القِيَامَةِ الَّذِي هُوَ يَومُ نَشرِ دَوَاوِينِ الأَعمَالِ وَإِعلانِ النَّتَائِجِ " لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلاَّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ " وَيَقُولُ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلا وَهِيَ القَلبُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَعَلَى هَذَا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – فَإِنَّ المُسلِمَ العَاقِلَ يَحرِصُ عَلَى أَلاَّ يَدخُلَ عَلَيهِ شَهرُ رَمَضَانَ إِلاَّ وَقَد أَصلَحَ قَلبَهُ مِنَ الأَمرَاضِ الَّتِي تُضعِفُ سَيرَهُ إِلى رَبِّهِ ، وَنَظَّفَهُ مِمَّا يَقطَعُ عَلَيهِ طَرِيقَ العَمَلِ الصَّالِحِ مِنَ الأَدرَانِ ، وَخَلَّصَهُ مِمَّا يَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ خَالِقِهِ مِنَ الآفَاتِ ، ، وَهِيَ أَمرَاضٌ كَثِيرَةٌ وَآفَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ ، مِن شَرِّهَا الشِّركُ وَالشَّكُّ ، أَو إِتيَانُ البِدَعِ وَمُخَالَفَةُ السُّنَّةِ ، أَوِ الإِصرَارُ عَلَى الكَبَائِرِ وَالمُخَالَفَاتِ ، أَوِ امتِلاءُ القُلُوبِ بِالأَمرَاضِ الَّتِي تَشغَلُهَا وَتَملِكُ عَلَيهَا اهتِمَامَهَا ، وَتُضعِفُ إِقبَالَهَا عَلَى اللهِ أَو تَحُولُ بَينَهَا وَبَينَ رِضَاهُ ، مِنَ الغِلِّ وَالحِقدِ وَالحَسَدِ ، أَوِ استِمرَارِ التَّهَاجُرِ وَالتَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ ، أَو عُقُوقِ الوَالِدَينِ وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ . فَعَلَى المُسلِمِ قَبلَ دُخُولِ الشَّهرِ أَن يُصَفِّيَ قَلبَهُ وَيُطَهِّرَهُ مِن كُلِّ هَذِهِ القَوَاطِعِ وَالمَوَانِعِ ؛ لِتَخِفَّ نَفسُهُ وَتَطهُرَ جَوَارِحُهُ ، وَيُوَفَّقَ لِلصَّالِحَاتِ وَيُعَانَ عَلَيهَا ، وَمَنِ اجتَهَدَ في ذَلِكَ وَصَدَقَ اللهَ ، وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ ، قَالَ – سُبحَانَهُ – " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ "
الوَقفَةُ الثَّانِيَةُ : عَلَى المُسلِمِ في شَهرِ رَمَضَانَ ، بَل وَفي كُلِّ عُمُرِهِ وَسَائِرِ أَوقَاتِهِ ، أَن يَبدَأَ بِالوَاجِبَاتِ فَيَأتيَ بِهَا كَامِلَةً تَامَّةً ، مُتَّقِيًا اللهَ فِيهَا مَا استَطَاعَ ، وَأَهَمُّهَا الصَّلَوَاتُ الخَمسُ المَكتُوبَةُ ، في بُيُوتِ اللهِ مَعَ عِبَادِ اللهِ ، وَصِيَامُ أَيَّامِ الشَّهرِ المُبَارَكِ كَامِلَةً ، صِيَامًا تَامًّا يَصُومُ فِيهِ القَلبُ وَسَائِرُ الجَوَارِحِ عَمَّا حَرَّمَهُ اللهُ ، فَإِذَا أَدَّى المُسلِمُ ذَلِكَ كَامِلاً غَيرَ مَنقُوصٍ ، فَإِنَّهُ عَلَى خَيرٍ عَظِيمٍ ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن طَلحَةَ بنِ عُبَيدِاللهِ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مِن أَهلِ نَجدٍ ثَائِرُ الرَّأسِ يُسمَعُ دَوِيُّ صَوتِهِ وَلا يُفقَهُ مَا يَقُولُ ، حَتى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسأَلُ عَنِ الإِسلامِ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " خَمسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ وَاللَّيلَةِ " فَقَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهَا ؟ قَالَ : " لا إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ " قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " وَصِيَامُ رَمَضَانَ " قَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهُ ؟ قَالَ : " لا إِلاَّ أَن تَطَوَّعَ " قَالَ : وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ ، قَالَ : هَل عَلَيَّ غَيرُهَا ؟ قَالَ : " لا إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ " قَالَ : فَأَدبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولَ : وَاللهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنقُصُ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَفلَحَ إِنْ صَدَقَ " وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – فِيمَا يَروَيهِ عَن رَبِّهِ – تَبَارَكَ وَتَعَالى - أَنَّهُ قَالَ : " وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ وَبَصرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبطِشُ بِهَا ، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بِهَا ، وَإِن سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ استَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
الوَقفَةُ الثَّالِثَةُ : إِذَا أَتَمَّ العَبدُ فَرَائِضَهُ وَأَكمَلَهَا وَاعتَنَى بِهَا ، فَلْيَكُنْ لَهُ بَعدَ ذَلِكَ حَظٌّ مِنَ النَّوَافِلِ ، وَمِن كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ يُرضِي اللهَ وَيَزِيدُ في الحَسَنَاتِ وَلَو كَانَ قَلِيلاً ، وَإِنَّ بَينَ أَيدِينَا في رَمَضَانَ نَوَافِلَ وَأَعمَالاً صَالِحَةً كَثِيرَةً ، مِنَ القِيَامِ مَعَ المُسلِمِينَ في صَلاةِ التَّرَاوِيحِ ، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى صَلاةِ الضُّحَى ، وَصَلاةِ الرَّوَاتِبِ قَبلَ الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَةِ وَبَعدَهَا ، وَقِرَاءَةِ القُرآنِ وَسُقيَا المَاءِ ، وَتَفطِيرِ الصَّائِمِينَ وَإِطعَامِ الطَّعَامِ ، وَغَيرِ ذَلِكَ مِن كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ يُرضِي اللهَ ، عَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يُرَغِّبُ في قِيَامِ رَمَضَانَ مِن غَيرِ أَن يَأمُرَهُم بِعَزِيمَةٍ ، ثم يَقُولُ : " مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ ، وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَن فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثلُ أَجرِهِ ، غَيرَ أَنَّهُ لا يَنقُصُ مِن أَجرِ الصَّائِمِ شَيءٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَالنَّسائِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرِو بنِ العَاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : أَيُّ الإِسلامِ خَيرٌ ؟ قَالَ : " تُطعِمُ الطَّعَامَ ، وَتَقرَأُ السَّلامَ عَلَى مَن عَرَفتَ وَمَن لم تَعرِفْ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن قَرَأَ حَرفًا مِن كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ ، وَالحَسَنَةُ بِعَشرِ أَمثَالِهَا ، لا أَقُولُ (الم) حَرفٌ ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرفٌ وَلامٌ حَرفٌ وَمِيمٌ حَرفٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا مِن عَبدٍ مُسلِمٍ يُصَلِّي للهِ - تَعَالى - في كُلِّ يَومٍ ثِنتَي عَشرَةَ رَكعَةً تَطَوُّعًا غَيرَ فَرِيضَةٍ ، إِلاَّ بَنَى اللهُ لَهُ بَيتًا في الجَنَّةِ ، أَو إِلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيتٌ في الجَنَّةِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرمِذِيُّ وَزَادَ : " أَربعًا قَبلَ الظُّهرِ وَرَكعَتَينِ بَعدَهَا ، وَرَكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ ، وَرَكعَتَينِ بَعدَ العِشَاءِ ، وَرَكعَتَينِ قَبلَ صَلاةِ الغَدَاةِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، رَمَضَانُ عَلَى الأَبوَابِ ، وَفُرَصُ الخَيرِ فِيهِ كَثِيرَةٌ ، فَاللهَ اللهَ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَالعَزِيمَةِ الصَّادِقَةِ ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الخَسَارَةِ في مَوسِمِ الرِّبحِ وَالفَوزِ ، فَإِنَّ مَن لم يَفُزْ في رَمَضَانَ فَحَرِيٌّ بِهِ أَن يَخسَرَ في سَائِرِ أَوقَاتِهِ وَتَطُولَ حَسَرَتُهُ ، عَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَت أَبوَابُ الجَنَّةِ ، وَغُلِّقَت أَبوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ ، وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " أَتَاكُم شَهرُ رَمَضَانَ ، شَهرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللهُ عَلَيكُم صِيَامَهُ ، تُفتَحُ فِيهِ أَبوَابُ السَّمَاءِ ، وَتُغلَقُ فِيهِ أَبوَابُ الجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، للهِ فِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، مَن حُرِمَ خَيرَهَا فَقَد حَرِمَ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْنَعمَلْ صَالِحًا " يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ . مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجزَى إِلاَّ مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في مِثلِ هَذِهِ الأَيَّامِ مِنَ العَامِ المَاضِي ، كَانَ المُسلِمُونَ يَستَعِدُّونَ لاستِقبَالِ شَهرِ رَمَضَانَ وَيَتَهَيَّؤُونَ لِدُخُولِهِ ، وَدَخَلَ رَمَضَانُ وَمَرَّ وَرَحَلَ ، بَل مَرَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا عَامٌ مِن عُمُرِهِ ، وَنُقِصَت سَنَةٌ مِن أَجَلِهِ ، فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، مَا أَسرَعَ مُرُورَ اللَّيالِي وَالأَيَّامِ ، وَمَا أَسرَعَ انقِضَاءَ السِّنِينَ وَالأَعوَامِ ! وَمَا أَسعَدَ مَن أَحيَا لَيَالِيَهُ بِالقِيَامِ ، وَأَكثَرَ في أَيَّامِهِ مِنَ الصِّيَامِ ، وَاتَّخَذَ مِن تَقوَى اللهِ زَادًا لِقَابِلِ الأَيَّامِ !
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في كُلِّ عَامٍ تَمُرُّ بِنَا مَوَاسِمُ لِلطَّاعَاتِ وَأَوقَاتٌ لِلرَّحَمَاتِ ، شَهرُ رَمَضَانَ ، وَلَيلَةُ القَدرِ ، وَسِتُّ شَوَّالٍ ، وَمَوسِمُ الحَجِّ ، وَيَومُ عَاشُورَاءَ ، بَل إِنَّها لَتَمُرُّ عَلَينَا فُرَصٌ يَومِيَّةٌ وَأُسبُوعِيَّةٌ ، كَالصَّلَوَاتِ الخَمسِ وَصَلاةِ الجُمُعَةِ ، وَالوُضُوءِ وَالاغتِسَالِ ، وَقِرَاءَةِ القُرآنِ وَالدُّعَاءِ ، وَالتَّسبِيحِ وَالتَّهلِيلِ وَالاستِغفَارِ ، فَمَا أَعظَمَهَا مِن نِعَمٍ وَمَا أَكرَمَهَا مِن مِنَنٍ ، مَن تَعَرَّضَ لَهَا نَالَ مِنهَا الحَظَّ الأَوفَرَ وَالنَّصِيبَ الأَعلَى مِنَ الحَسَنَاتِ ، وَفَازَ بِمَغفِرَةِ الذُّنُوبِ وَتَكفِيرِ الخَطِيئَاتِ وَمَحوِ السَّيِّئَاتِ . فَاللهَ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – فَإِنَّ كُلَّ يَومٍ يَمُرُّ عَلَينَا ، تَقصُرُ فِيهِ أَعمَارُنَا ، وَتَقرُبُ آجَالُنَا ، فَإِلى متى الغَفلَةُ ؟! متى تَزكُو نُفُوسُنَا ؟! وَمَتى تَطهُرُ أَروَاحُنَا ؟ أَلا يَكفِينَا مَا مَضَى مِن أَعمَارِنَا ؟ أَلا يَكفِينَا مَا انقَضَى مِن آجَالِنَا ؟ أَلا نَعتَبِرُ بِمَن مَاتَ مِن إِخوَانِنَا ؟ كَم مِن مَرِيضٍ زُرنَاهُ ؟ وَكَم مِن حَبِيبٍ فَقَدنَاهُ ؟ وَكَم مِن صَاحِبٍ شَيَّعنَاهُ إِلى مَثوَاهُ ؟ فَفِرُّوا إِلى اللهِ وَسَارِعُوا إِلى حِمَاهُ ، وَسَابِقُوا إِلى جَنَّتِهِ وَرِضَاهُ .
المرفقات
أقبل-فأقبلوا
أقبل-فأقبلوا
أقبل-فأقبلوا-2
أقبل-فأقبلوا-2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق