خطبة: رسالةُ نذير بالزّلازلِ والأعاصير

وليد بن محمد العباد
1445/02/29 - 2023/09/14 17:24PM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

خطبة: رسالةُ نذير بالزّلازلِ والأعاصير

الخطبة الأولى

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله

في آخرِ الزّمانِ تَكثُرُ الزّلازلُ والكوارثُ والأعاصير، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ. والهَرْجُ كثرةُ القتلِ نَسألُ اللهَ العافية، والمؤمنُ يَعلمُ أنّ تلك المصائبَ إنّما تَجري بتقديرِ الحكيمِ الخبير، وفيها تَتَجَلّى قوّةُ اللهِ وعظمتُه وقدرتُه وبأسُه وجبروتُه، آياتٌ ونُذُر، يُرسلُها اللهُ تخويفًا للعباد، لعلهم يَتَذكّرونَ ويَتوبونَ ويَرجعونَ لدينِهم وطاعةِ ربِّهم، وفي تلك الكوارثِ حِكَمٌ وعِبَرٌ وعِظَات، فهي مَوعظةٌ للمؤمنينَ وعقوبةٌ للظّالمينَ، ورِفْعةٌ للصّالحينَ ورحمةٌ للصّابرين، وتَكفيرٌ للتّائبينَ وتَذكرةٌ للغافلين، وفيها مِن الألطافِ ما لا يَعلمُه إلا أرحمُ الرّاحمين، يَقولُ الشّيخُ ابنُ بازٍ رحمَه اللهُ عن مثلِ هذه الزّلازلِ والأعاصير: كلُّ هذه الأمورِ وغيرُها ممّا يُحدثُه اللهُ في الكون، كلُّها تَقعُ بقضائِه وقدرِه وتدبيرِه، لحكمٍ بالغةٍ وغاياتٍ حميدة، يَعلمُها سبحانَه وإنْ خَفِيَتْ على كثيرٍ من النّاس، ويُعذّبُ اللهُ بذلك أقوامًا ويَرحمُ آخرين، وله الحكمةُ البالغةُ في ذلك سبحانَه وتعالى. انتهى كلامُه رحمَه الله. وأمامَ تلك المشاهدِ المؤلمةِ المدمّرة، يَتفكّرُ المؤمنُ في عظمةِ مَن يُرسلُها على مَن يشاءُ ويَصرفُها عمّن يشاء، لا رادَّ لأمرِه ولا مُعقّبَ لحكمِه، إنّما أمرُه إذا أرادَ شيئًا أنْ يَقولَ له كنْ فيكون، فإذا نَزَلَتْ بساحةِ قومٍ فما هي إلا ثوانٍ فإذا هم خامدون، وفي المقابلِ يَتفكّرُ المؤمنُ في ضعفِ البَشَر، وأنّهم لا حَوْلَ لهم ولا قُوّةَ أمامَ تلك الزّلازلِ والأعاصيرِ والنِّقَم، وأنّه لا عاصمَ مِن أمرِ اللهِ إلا مَن رَحِم، فيُوجبُ له ذلك الخوفُ مِن العزيزِ الجبّار، والفزعُ للتّوبةِ والاستغفار، ومحاسبةُ النّفسِ والمحافظةُ على الصّلاةِ والتّلاوةِ والأذكار، والإكثارُ مِن طاعةِ اللهِ والصّدقةِ والبِرِّ والإحسان، وكثرةُ التّضرّعِ والدّعاءِ له وللمسلمينَ بالعفوِ والعافية، فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وحاسبوا أنفسَكم وتوبوا إلى ربِّكم ولا تَأمنوا مِن مَكْرِ الله (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) اللهمّ أَصْلِحْ أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، والْطُفْ بنا وبهم يا ربَّ العالمين، وتَوَلَّنا وإيّاهم بحفظِك ورحمتِك وأنتَ أرحمُ الرّاحمين.

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:

اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.

اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين

عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 30/ 2/ 1445هـ

المشاهدات 1360 | التعليقات 0