خطبة: رجلٌ قلبُه معلّقٌ بالمساجد.
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: رجلٌ قلبُه معلقٌ بالمساجد.
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
لقد أَذِنَ اللهُ للمساجدِ أنْ تُرفعَ وتَرفع، قالَ تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) فقد رُفعتْ بالطّهارةِ والصّلاةِ والأذانِ وشهودِ الملائكةِ الكرام، ورَفعتْ أهلَها بصدقِ الإيمانِ ومغفرةِ الذّنوبِ والآثام. فالمؤمنُ يَدخلُ المسجدَ بالتّعظيمِ والإجلال، فيَجدُ فيه راحةَ قلبِه ونعيمَ روحِه وحفظَ وقتِه وسلامةَ دينِه، فالمسجدُ بيتُ أهلِ الإيمان، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: المسجدُ بيتُ كلِّ تقيٍّ، وتكفَّلَ اللهُ لمَن كانَ المسجدُ بيتَهُ بالرُّوْحِ والرَّحمةِ، والجَوازِ على الصِّراطِ إلى رِضوانِ اللهِ إلى الجنَّةِ. وكيف لا يكونُ المسجدُ بيتًا للمؤمنِ وهو يُدركُ بإيمانِه ويَرى ببصيرتِه جموعَ ملائكةِ الرّحمنِ تَنْزلُ على أهلِه بالفضائلِ والكرامات، ثمّ تَصعدُ إلى ربِّ الأرضِ والسّموات، فيسْأَلُهُمُ اللَّهُ وهُو أَعْلمُ بهِمْ: كَيفَ تَرَكتمْ عِبادِي؟ فَيقُولُونَ: تَركنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتيناهُمْ وهُمْ يُصلُّون. أيُّ كرامةٍ أرفعُ من تلك الكرامة؟ بل إنّ اللهَ تعالى ليُباهي الملائكةَ بأهلِ جوارِه من أهلِ المساجد، يقولُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ وقد رأى الصّحابةَ جلوسًا في المسجدِ يَنتظرونَ الصّلاة: أبشِروا، هذا ربُّكم قد فَتَحَ بابًا من أبوابِ السّماء، يُباهي بكم الملائكةَ يقول: انظروا إلى عبادي، قد قَضَوْا فريضةً وهم ينتظرونَ أخرى. ولأهلِ المساجدِ عندَ الملائكةِ حَظْوَةٌ ومنزلةٌ خاصّة، قالَ عبدُاللهِ بنُ سلامٍ رضيَ اللهُ عنه: إنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا، الْمَلَائِكَةُ جُلَسَاؤُهُمْ، إِنْ غَابُوا يَفْتَقِدُونَهُمْ، وَإِنْ مَرِضُوا عَادُوهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ. فالملائكةُ يُحِبُّونَ أهلَ المساجدِ ويَحُفُّونَهم بالسّكينةِ والرّحماتِ والدّعوات، ويَستغفرونَ لمن يَجلسُ فيها منهم ما دامَ في مُصلّاه: اللهمّ اغفرْ له، اللهمّ ارحمْه، اللهمّ تُبْ عليه. حسناتٌ تُكتبُ وذنوبٌ تُحَطُّ ودرجاتٌ تُرفع، قالَ ﺍﺑﻦُ ﺑﻄّﺎﻝٍ ﺭﺣﻤَﻪ ﺍﻟﻠﻪ: ﻣَﻦْ ﻛﺎﻥَ ﻛﺜﻴﺮَ ﺍﻟﺬّﻧﻮﺏِ ﻭﺃﺭﺍﺩَ ﺃﻥْ ﻳَﺤُﻄَّﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋﻨﻪ ﺑﻐﻴﺮِ ﺗﻌﺐٍ، ﻓﻠْﻴﻐﺘﻨﻢْ ﻣﻼﺯﻣﺔَ ﻣﺼﻼّﻩ ﺑﻌﺪَ ﺍﻟﺼّﻼﺓِ ﻟِﻴﺴﺘﻜﺜﺮَ ﻣﻦ ﺩﻋﺎﺀِ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔِ ﻭﺍﺳﺘﻐﻔﺎﺭِﻫﻢ ﻟﻪ. لقد أَنِسَ أولئك الرّجالُ أنْ يكونوا في بيتِ ربِّهم وضيافتِه، فاستحقُّوا أنْ يكرمَهم ويَفرحَ بهم، قالَ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلاَةِ وَالذِّكْرِ، إِلاَّ تَبَشْبَشَ اللهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ. لقد تَعلّقَتْ قلوبُ رجالٍ من المؤمنينَ بالمساجدِ فأحبّوها وعمروها ولازموها، فحازوا جليلَ الصّفاتِ وفازوا بأعظمِ الكرامات، يقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه، وذَكَرَ منهم: ورجلٌ قلبُه معلَّقٌ بالمساجد. نسألُ اللهَ من فضلِه.
فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ والزموا المساجدَ وكونوا من أهلِها، وبادروا إليها عندَ سماعِ النّداءِ، وأكثروا فيها من الصّلاةِ والتّلاوةِ والذّكرِ والدّعاء، تفوزوا بالكرامةِ والرّفعةِ في الأرضِ والسّماء، وذلك فضلُ اللهِ يؤتيه من يشاء، واللهُ ذو الفضلِ العظيم.
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:
اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، اللهمّ وفّقْ خادمَ الحرمينِ ووليَّ عهدِه لما تحبُّه وترضاه اللهمّ وفّقْهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العبادِ والبلاد، اللهمّ هيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهمّ من أرادَنا والمسلمينَ بسوءٍ وفتنةٍ فاشغله بنفسِه وردَّ كيدَه في نحرِه واجعلْ تدبيرَه وتدميرَه يا قويُّ يا عزيز، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 25/ 3/ 1444هـ