خطبة ذم اتباع الهوى
خالد الشايع
الخطبة الأولى ذم اتباع الهوى 18/1/1440
إن الحمد لله .........
أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله تعالى وراقبوه واعلموا أن هذه الدارَ ، دارُ عمل فلا تلهوا عن ذلك بالفانيات .
أيها المؤمنون / إن المسلم في هذه الحياة تعترضه الآفات والصِدامات مع الناس وتكثر الخلافات بينهم ويحتدم النقاش والجدل والكل يبحث عن النصر والغلبة ، والقليل من يبحث عن الحق ، ومن ثم يشتد الخلاف وتظهر الأهواء ويكثر اتباع الهوى .
معاشر المسلمين : ليس شيء أشر على دين المرء من اتباع الهوى ، والمعنى المتبادر للذهن أن اتباع الهوى هو اتباع ما تمليه النفس على صاحبها وتهواه وغالبا ما يكون بخلاف الشرع ، والهوى والشهوة مترادفان إلا أن الهوى في المعتقدات والشهوة في نيل اللذات ، فصار الهوى أصل والشهوة من نتائجه .
عباد الله : إن تفرق المسلمين في أنحاء المعمورة وكثرة مناهجهم ومذاهبهم إنما هو من جراء اتباع الهوى ومن اتبع هواه أصمه عن الحق فلا يهتدي إليه أبدا ، قال ابن تيمية رحمه الله : صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر مالله ورسوله في الأمر ولا يطلبه أصلا ولا يرضى لرضى الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله أهـ
لقد ذم الله اتباع الهوى في كتابه كثيرا فمن ذلك قوله ( وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم ) وقال ( أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهوائهم )
ولقد كان النبي r يتعوذ بالله من الهوى كما أخرج الترمذي من حديث قطبة بن مالك كان النبي r يقول " اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء "
ولقد كان الناس في زمن النبوة على منهج واحد متى اختلفوا فالرسول فيهم يحكم بينهم فيصدرون عنه بالحق وقد رضوا وانقادوا ، ولما انتهى زمن النبوة دب الخلاف بينهم شيئا فشيئا حتى ظهرت الفرق وتنازع الناس وذلك مصداقا لما أخبر به النبي r أخرج أبو داود في سننه من حديث معاوية قال : ( ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: ( ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة )
لما ظهرت الأهواء بين الناس قام فيهم أهل العلم من الصحابة والتابعين فحذروا الناس من اتباع الهوى ، وحذروا من أهل الأهواء ومن مجالستهم قال على بن أبي طالب : إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتان : طول الأمل واتباع الهوى ، فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق .
وقال ابن عباس : ما ذكر الله الهوى في كتابه إلا ذمه .
وقال الحسن البصري : الهوى شر داء خالط القلب .
وقال أيضا : لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم .
أيها الناس : لا يزال اتباع الهوى بالمسلم حتى يعبد هواه من دون الله كما قال تعالى ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ) قال قتادة : إن الرجل إذا كان كلما هوي شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى فقد اتخذ إلهه هواه .
وقال مجاهد : لا أدري أي النعمتين علي أعظم : أن هداني للإسلام أو عافاني من هذه الأهواء .
أيها المؤمنون : يجب على المسلم أن يحكم الشرع في أقواله وأفعاله ، وأن يدور مع الدليل أين دار فالنبي rترك لهذه الأمة أصلين من تمسك بهما نجى ومن أعرض عنهما هلك ألا وهما الكتاب والسنة ، فلنتمسك بهما ولنهتدي بهداهما على مفهوم سلف الأمة ولنحذر من كل قول حادث جديد المولد أو منهج حادث ولو زخرف بمحاسن الألقاب فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف ومن جاءنا بقول جديد طالبناه بالدليل ورددناه إلى الكتاب والسنة فإن جاء بما يثبت قوله وإلا رددناه عليه كائنا من كان ، والواجب على العبد أن يتجرد دائما في أعماله وأقواله من الهوى وأن يتهم هوى نفسه.
قال ابن حبان : العقل والهوى متعاديان فالواجب على المرء أن يكون لرأيه مسعفا ولهواه مسوفا فإذا اشتبه عليه أمران اجتنب أقربهما من هواه لأن في مجانبة الهوى إصلاح السرائر وبالعقل تصلح الضمائر .أهـ
قال ابن المعتز لم يقل هشام بن عبد الملك إلا هذا البيت :
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ### إلى كل ما فيه عليك مقال
وكان عمر بن عبد العزيز يكتب في كتبه : إني أحذركم ما مالت إليه الأهواء ، والزيغَ البعيد .
أيها المسلمون : من أراد النجاة لنفسه فليستمسك بالأمر العتيق وليحذر من كل حادث ، وليستمسك في كل حادثة بأقوال كبار أهل العلم وليتهم رأيه حتى يستيقن بالدليل صحته .
اللهم أعذنا من الأهواء والميل إلى الباطل وثبتنا على الحق إلى يوم لقاك،،،،، أقول قولي هذا .............
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين .............
أما بعد أيها المسلمون : إن الناظر في حال المجتمع يجد أن الناس على أصناف فمنهم الذي شغل بالدنيا ولم يدخل في الأهواء بل شغلته شهواته وملاذه ، ومنهم الذي عصفت به الأهواء فنجد أن أهل الخير ممن ظهر على مظهره تطبيق السنة قد دب بينهم الخلاف وتحزبوا إلا من رحم الله ولو نظرت إليهم لوجدت أن السبب هو اتباع الهوى لا غير وقد حكم بعضهم على بعض بمجرد الظنون والأوهام ، حتى لتجد أن بعضهم يعامل أخاه المسلم بما لا يعامل به الكافر من الشدة والغلظة ، ولو دقق المسلم لوجد أن الهوى قد دخل بينهم وأن كل واحد منهما اتبع هواه بغير دليل وحمل صاحبه ما لا يحتمل من الأقوال والمعاني .
معاشر المؤمنين : كيف نعرف أهل الأهواء من غيرهم ؟ إن متبع الهوى بين واضح فهو لا يقوم على دليل من كتاب ولا سنة ، ولو استدل فتجد أنه يستدل بالمتشابهات كما أخرج البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم )
عباد الله : إن اتباع الهوى درجاتٌ وأنواع وكلها مذمومة ، وشرها ما كان في المعتقدات ، ويدخل اتباع الهوى أيضا في تطبيق الشريعة ، فالواجب على المسلم أن يطبق ما علم من الدين وفق الدليل ومتى ما ترك شيئا منه من غير عذر شرعي فقد اتبع هواه ، فتعرف متبعي الهوى في ترك بعض واجبات الدين بردهم لها بمجرد العقل وعدم الاقتناع بحكمتها وأن العقل لا يقبل مثل هذا ، ويكثر اتباع الهوى في ترك كثير من السنن بحجة أن الزمن قد تغير ، وأن النفس ضعيفة ، ويسهلون الأمر بكونه سنة ، والنفس بطبعها تميل إلى الراحة والدعة ، وتفتر عن السنن والواجبات ، فمن أطلق لنفسه زمام اتباع الهوى في ذلك ، عري من السنة وتطبيقها ولربما ترك بعض الواجبات ، فمثل هذا كيف يرجو أن يكون من أهل السنة الذي يتبعون لواء السنة يوم القيامة خلف النبي r ، ولهذا حث المصطفى r على اتباع السنة كما أخرج أحمد من حديث العرباض بن سارية أن النبي r قال : ( قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك و من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ) .
عباد الله : إن اتباع السنة ليس لمجرد كسب الحسنات فحسب بل هو آمان بإذن الله من التغير والانحراف ، ومن الزيغ والعياذ بالله ، فترك السنة وتقديم الهوى عليها يؤدي بالمسلم إلى تنكب طريق السلف حتى ربما قاده ذلك إلى التبديل ، فلنحذر الهوى فإنه يضل عن سبيل الله قال تعالى (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)
وإن متبعي الهوى الذين يقدمونه على شرع الله ممن يصدون عن ورود الحوض يوم القيامة أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال r : ( وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا : أولسنا إخوانك ؟ قال : بل أنتم أصحابي و إخواننا الذين لم يأتوا بعد قالوا : كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك ؟ قال : أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله قالوا : بلى قال : فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء و أنا فرطهم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم : ألا هلم ألا هلم فيقال : إنهم قد بدلوا بعدك فأقول : سحقا فسحقا فسحقا ) . وفي رواية ( إنهم مازالوا على أعقابهم ينكصون ) .
اللهم إنا نسألك الثبات على الحق الممات
اللهم أرنا الحق ..........
اللهم أنج المستضعفين ....
اللهم أعز الإسلام ..........
سبحان رب العزة