خطبة " ذئب يشهد بنبوة المصطفى" د. صالح بن مبارك دعكيك

شادي باجبير
1444/10/24 - 2023/05/14 04:58AM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة " ذئب يشهد بنبوة المصطفى" د. صالح بن مبارك دعكيك، مسجد آل ياسر، المكلا،5/5/2023م

·      الحمد لله رب العالمين.

    حينما أرسل ربنا تبارك وتعالى نبيه محمدا ﷺ  بالدعوة الخاتمة ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، أيده ربه بمعجزات متعددة وكثيرة جدا، كانت أعظمها وأعلاها بدون شك القرآن المعجزة الخالدة، وجعل الحياة كلها تنطق وتشهد بأنه رسول الله،  حتى أنطق الله له الجماد من الحجر والشجر، وأنطق له الحيوانات تشهد له بالرسالة وتكلمه وتحن إليه، لتكون آيات ومعجزات النبوة تملأ السمع والبصر، ويراها الجميع،  متعلمين وأميين حضرا وبدوا رجالا ونساء بحيث لا يبقى أحد يتردد في صحة نبوته ﷺ فهو يحمل دينا عالميا للناس أجمعين إلى قيام الساعة، كما قال تعالى:  (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون)، وقال تعالى : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا).

   فهو عليه الصلاة والسلام الرسول الخاتم ويحمل الرسالة الخاتمة للناس جميعا، فأيده الله بمعجزات متنوعة حتى يصل بها الناس إلى اليقين بصدقه ﷺ.

    وحديثنا اليوم سيقتصر على شهادة الحيوانات أنه نبي بالقول أو الفعل ، وكيف كان موقف الحيوانات منه عليه الصلاة والسلام.

    ونبدأ بخبر الذئب الذي شهد للنبي ﷺ بالرسالة.

  فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده (11792) وابن حبان في صحيحه (6494) والحاكم في مستدركه وصححه على شرط مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (عدا ذئب على شاة فأخذها , فطلبه الراعي فانتزعها منه , فأقعى الذئب (لصق أليتيه بالأرض، ونصب ساقيه) على ذنبه, فقال: ألا تتقي الله؟  تنزع مني رزقا ساقه الله إلي؟ فقال الراعي: يا عجبي , ذئب مقع على ذنبه , يكلمني كلام الإنس؟ فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ , محمد بيثرب ، وفي راية ابن حبان: هذا رسول الله بين الحرتين, يخبر الناس بأنباء ما قد سبق, قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة , فزواها إلى زاوية من زواياها , ثم أتى رسول الله ﷺ فأخبره , فأمر رسول الله ﷺ فنودي: الصلاة جامعة , ثم خرج فقال للراعي: «أخبرهم » , فأخبرهم , فقال رسول الله ﷺ: « صدق , والذي نفسي بيده لا تقوم  الساعة حتى تكلم السباع الأنس , وحتى تكلم الرجلَ عذبةُ  سوطه  وشراكُ  نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده ». والحديث صححه الحاكم والبيهقي والذهبي وابن كثير والألباني وغيرهم. الصحيحة (122).

   وذكر الحافظ أبو نعيم في روايته للحديث في الدلائل أن الرجل اسمه أُهْبَان بن أوس وأنه أسلم بعد الحادثة.

     الذئب حيوان عجمي غير ناطق، ولكن أنطقه الله تعالى بكلام فصيح، وكأن الله أراد لأهبان بن أوس الأسلمي رضي الله عنه الهداية على لسان الذئب فربما كان متأثرا بأعلام و كلام المشركين أن محمدا ﷺ شاعر أو ساحر ، وأراد الله لأهبان أن يكون ممن بايع تحت الشجرة بيعة الرضوان المذكورة في القرآن الكريم في سورة الفتح. (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)

 كما أراد الله التثبيت للمؤمنين والمؤمنات في المدينة حينما سمعوا من أهبان حادثة الذئب التي أنطقه الله تعالى، كما قال الله تعالى : (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى).

وليست تلك الحادثة الوحيدة اتي تقع للنبي ﷺ مع الحيوان، بل هناك حوادث أخرى.

    أخرج البخاري (4165) ومسلم (2190) وأبو داود (4512) من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله ﷺ يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة  , فأهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية سمتها -سممتها-, " فأكل رسول الله ﷺ منها ، وأكل القوم , فقال: «ارفعوا أيديكم, فإنها أخبرتني أنها مسمومة »، فأرسل إلى اليهودية: «ما حملك على الذي صنعت؟ » , قالت: إن كنت نبيا لم يضرك الذي صنعت , وإن كنت ملكا أرحت الناس منك , فلمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري من أكلته التي أكل , أرسل رسول الله ﷺ إلى اليهودية فأمر بها فقتلت».

   لقد أخبر الذراع المشوي رسول الله أنه مسموم، وفي الحال ، وهي آية من آيات الله تعالى، واليهود كان يجب عليهم بعدها أن يسلموا لما رأوه من المعجزة التي لا يخبر بها إلا نبي! ولكنهم أبو إلا الجحود كما قال الله: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).

     وقريب من هذا ما جاء في سنن أبي داود (3332) عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن رجل، من الأنصار، قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ في جنازة، فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده، ثم وضع القوم، فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله ﷺ يلوك لقمة في فمه، ثم قال: «أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها»، فأرسلت المرأة، قالت: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع يُشترى لي شاة، فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة، أن أرسل إلي بها بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال رسول الله ﷺ: «أطعميه الأسارى».  صححه الألباني في الإرواء: 744.

       فلا يخبره فقط الحيوان الحي بل حتى الحم الموقود المطبوخ .

    وأخرج أحمد في مسنده (12635) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون (يسقون) عليه، وإن الجمل استصعب عليهم فمنعهم ظهره، فجاء الأنصار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إنه كان لنا جمل نسني عليه، وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرع والنخل، فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: «قوموا »، فقاموا ، فدخل الحائط  والجمل في ناحيته فمشى رسول الله ﷺ  نحوه ، فقالت الأنصار: يا رسول الله، إنه قد صار مثل الكلب الكلب - المسعور- وإنا نخاف عليك صولته، فقال: «ليس علي منه بأس  » , فلما نظر الجمل إلى رسول الله ﷺ أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله ﷺ  بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل ، فقال له أصحابه: يا نبي الله، هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك، ونحن نعقل، فنحن أحق أن نسجد لك , فقال: « لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظيم حقه عليها، والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته، ما أدت حقه ». حسنه الألباني في الإرواء (1998).

   إن هذا الجمل كان قد وصل إلى حالة هستيرية، فما كانوا يجرؤون على أن يقتربوا منه خوفا من هجومه عليهم كهجوم الكلب المسعور، مع أنهم هم أهله  وعاشوا معه سنين يطعمونه يسقونه، لكنه استأسد عليهم .

     فلما رأى الوجه الأنور والجبين الأزهر وخير من وطأت أقدامه الثرى أقبل حتى سجد بين يديه وانطرح الأرض! أيعقل أن نبي هذه الأمة يزوره في زريبته وحوشه؟؟ ما هذه الكرامة؟ إنه ليس لهذه الزيارة النبوية المصطفوية إلا أن تقابل بأعظم هيئة فألهمها الله بالسجود للنبي الخاتم عليه الصلاة والسلام.

  وفي صحيح مسلم (342) ومسند الإمام أحمد (1745)  من حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنهما - قال:( كان أحب ما استتر به رسول الله ﷺ لحاجته هدف  أو حائش نخل فدخل يوما حائطا لرجل من الأنصار , فإذا جمل , فلما رأى النبي ﷺ حَنَّ وذرفت عيناه , فأتاه رسول الله ﷺ فمسح سراته  وذفراه – أعلى ظهره وقفا رأسه- فسكن , فقال: « من صاحب هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله , فقال: «ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ , فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه  ».

   نعم شكت البهيمة لرسول الله ﷺ  ما تجد من العنت والمشقة.

إنها معجزات باهرات دالات على صدق نبوته عليه الصلاة والسلام؟

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه *** فطاب من طيب تلك القاع والأكمُ

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه *** فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ

أخوك عيسى دعا ميْتاً فقام له **** وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ

   أقول ما تسمعون .......................

 

 

                                                        

(( الخطبة الثانية))

     ومن الأحاديث الصحيحة التي سجلت تعامل الحيوان مع رسول الله  ﷺ ما أخرجه أحمد في المسند (24818) عن عائشة: «كان لآل رسول الله ﷺ وحش، فإذا خرج رسول الله ﷺ لعب واشتد، وأقبل وأدبر، فإذا أحس برسول الله ﷺ قد دخل، ربض، فلم يترمرم ما دام رسول الله ﷺ في البيت، كراهية أن يؤذيه». رجاله رجال الصحيح.

  فلا إله الا الله ، أنه أدب الحيوان البهيم مع رسول الله ص.

  أفلا تحن إليه قلوبنا إليه، أفلا نتذكره ونصلي عليه.

يا نفس نلت المنى فاستبشري *** هذا الحبيب وهذا سيد الرسل

هذا الذي ملأتْ قلبي محبتُه *** هذا الذي سهرتْ من أجله مقلى

هذا الذي للهدى والدين أرشدنا ***  لملِّة شرْعُها يسمو على الملل

هذا الذي حن جذع عند فرقته ***  له أنين شبيه الوالد الثكل

هذا الذي راودته الشم من ذهب ***  فردها وإلى الدنيا فلم يمل

هذا الذي في مقام العرض شافعنا ***  أكرم به من شافع وجل

ياسيد الخلق يا من حاز مرتبة *** عليا وقد جل عن شبه وعن مثل

صلى عليك إله العرش خالقنا ***  في الليل والصبح والأبكار والأصل

واخصص أبا بكر ثم الحق به عمرا ***  كذلك عثمان ذا النورين ثم علي

والآل والصحب والأتباع أجمعهم *** أولي النهى والفخار السادة النجل

والسابقين إلى الإسلام قاطبة ***  والتابعين بإحسان وكل ولى

صلوا عليه وسلموا تسليما  كما أمركم ربكم فقال : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

والحمد لله رب العالمين،،،

المشاهدات 476 | التعليقات 0